،
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله وصحابته الذين لا يبغون عن كتابه حولا ، ويسمع لهم بالقران دوي كدوي النحل . فرضي الله عنهم اجمعين ..
قال الله تعالى : " وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الارض والى الله تصير الامور " ..
فالقران روح ، وللروح آثرها ، ومن آثارها الحياة والنمو والقوة والسمع والبصر والادراك . وكما ان الروح ، حياة للابدان والاجساد ، فكذلك القرآن حياة للقلوب والارواح ، فالقلوب تمنو وتقوى وتدرك وبالقران تستضيء وتشرق ، والقرآن شفاء لمن خالطت قلوبهم بشاشة الايمان ، فاشرقت وتفتحت لتلقي ما فيه من طمانينة وامان ،
وفيه شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة ، وهو يصل القلب بالله ، فيسكن ويطمئن ، ويستشعر الحماية والامن ، وهو شفاء من الهوى والدنس ، والطمع والحسد ونزغات الشيطان .
هذا الكتاب الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد . مفتاح سعادة الامة الاسلامية مطوي في هذا الكتاب العزيز ، ولا يمكن لهذه الامة ان تنهض نهضة حقيقية ، الا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القران ، ونظمه الحكيمة التي روعيت فيها جميع عناصر القوة والسعادة لهذه الامة ، بل وللنوع البشري باسره والصحابة الكرام _ وهم سلف هذه الامة _ حينما اخذوا القران تعلموه وتعموا منه الفهم والعلم والعمل ،
وكان اذا تعلم احدهم آيات لا يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، ويعمل بكل ما عرف ، ونفذ اوامر الله امرا امرا ، حكما حكما ، وبهذا اصبحوا خير امة اخرجت للناس ، تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله . لقد فازوا وعزوا ونجحوا ، بهذا القران ، نجاحا مدهشا رائعا ، وحتى نسخ القران ومصاحفه ، لم تكن ميسورة ولا متوفرة ؟، ولكنه كان محفوظا في صدورهم ، ومحفوظا في اخلاقهم واعمالهم ، وكان كل واحد منهم ، قرانا يسير في الارض ، وهو يحمل اخلاق القران ، وآدابه .سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فاجابت : "كان خلقه القران "
لم يجعلوا من القران الفاظا يرددونها ، وانغاما يلحنونها ، واصواتا يطربون لسماعها ، كما لم يجعلوا القران للمآثم والمحافل والمقابر ، او مصاحيف يودعونها في البيوت للبركه ، والتجمل والتفاخر والتظاهر بالعناية به ..
اما نحن فالكثير منا ، نسوا او تناسوا ان بركة القران العظمى انما في تلاوته ، وتدبره وتفهمه ، وتعقله ، والعمل بمبادئه واحكامه ، والاستفادة من هديه وآدبه ، ثم الوقوف عند اوامره ، ونواهيه ، والبعد عن مساخطه وزواجره .فقد قصرنا كثيرا في هذا الجانب ، الا من رحم الله ، فقد تدخل بيتا من البيوت ، ولا تجد فيه اثرا للمصحف ، واذا وجد ، يبقى مهجورا ، وضع كاثاث او تحفة ، يشكو الى ربه من هجره ، في الوقت الذي يقرؤون القصص الغرامية ، والروايات والافلام ، واخبار الفنانين ، والفنانات والرياضيين والرياضيات . وتسمع في بيوت من يقولون : انهم مسلمون ، الاغاني الهابطة لا تنقطع ليل نهار، صباح مساء، لا حرمة للجيران ، ولا مراعاة للمرضى والمسنين ، واذا نصحت احدا ، قال لك : بانه حر في بيته ، يسمع ما يشاء ، وكيف يشاء !
بل لا تجد راحتك حتى في سيارة الاجرة ، او الحافلة المسافرة ، فالسائق يطلق السماعة ، بصوت يصم الاذان ، والراكبون بدورهم وفي غالبيتهم منفعلون مع تلك الاغاني الهابطة ، بل مرددون مع الناهق .غريب امر هؤلاء !،، وهناك اناس لاتفارق السماعة آذانهم ، واقفين او جالسين ، بل هناك والعياذ بالله من لا ينام الا اذا كانت الموسيقى تدغدغ اسماعهم وعواطفهم !
هؤلاء كيف سيلقون ربهم ؟ ! وقد منعوا آذانهم من سماع كلام الله وهجروه ، وفتحوها لكل ناهق وناعق ! والله يقول " ان السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا " ..
ان القران ما انزل الا ليكون نظام امة ، ومنهاج حياة ، وقد كان كذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ثم صار اليوم مهجورا منبوذا وراء الظهور ، لا تقوم شرائعه في حياة المسلمين ، ولا تتجلى تعاليمه في سلوكهم واحوالهم .وكل ما يربط المسلمين بكتابهم ، علاقة شكلية جوفاء ، لا اثر لها في قلوبهم ، ولا فعل لها في واقعهم .
وان هجر القران حفظا وفهما وتطبيقا اعظم بلية تصيب الناس ، وقد سجل الله في كتابه موقفا تهتز له فرائص المسلمين حيث قال : " وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا " فالرسول قال ذلك مناديا ربه شاكيا اليه اعراض قومه عما جاء به ، ومتاسفا على هجرهم للقران ، واذا اعرضوا عنه وتركوه ،.. مع ان الواجب عليهم الانقياد لحكمه ، والاقبال على احكامه ، والمشي خلفه ..
قال ابن القيم : { هجر القران انواع ، احدهما هجر سماعه ، والايمان به ، والاصغاء اليه ، والثاني : هجر تحكيمه والتحاكم اليه ، والى اصول الدين وفروعه ، والرابع : هجر تدبره وتفهمه ، ومعرفة ما اراد المتكلم به منه ، والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به ، في جميع امراض القلوب واهوائها ، فيطلب شفاء دائه من غيره ، ويهجر التداوي وكل هذا داخل في الاية " انتهى كلام ابن القبم
المفضلات