مشاهدة النتائج 1 الى 12 من 12

المواضيع: Deep stain

  1. #1

    Deep stain

    - وهكذا استطاع الحطاب بإستعمال الفأس الذي كان بحوزته ان يمزق معدة الذئب الشرير مُخرجاً احشائه باحثاً بلهفة عن ضحاياه التي إلتهمها والدماء تغطي الكثير من اركان غرفة الجدة ترك الفأس جانباً واستخدم  يديه ليُسرع العملية لكنه لم يجد الا ماتبقى من جسد ذات الرداء الاحمر وجدتها الممزق الى قطع صغيرة حيث طحنهما الذئب بأسنانه الحادة ، وهكذا تلاشت احلام ذلك الحطاب اليافع في ان يصبح بطلا كأحد ابطال تلك القصص الخيالية .
    ---
    اغلق صفحات الكتاب المتواضع الذي كان بين يديه ووضعه على احد الارفف بجواره لينضم الى اخوانه من الكتب المُتراصة والمتواضعة بدورها ، احنى ظهره للأمام ليُعطي الطفلة المُمددة على الفراش قبلة ماقبل النوم في  حين نطقت الاخيرة في لهفة
    - ماذا حدث للحطاب بعد ذلك ؟
    - فقط اصبحت احلامه مجرد وهم وذكرى من الماضي وعاش تعيساً الى اخر يوم في عمره
    رفع غطاء النوم ليُقارب ذقنها واردف : والان يجب ان تنامي فلديكِ يوم طويل غداً
    واغلق الضوء الخافت بجانبها والذي كان يضيء جزءاً كبيراً من الغرفة قبل ان تغوص في الظلام الدامس ، خرج بعد ان اعطى صغيرته نظرةً اخيرة واغلق الباب خلفه

    اخذ شمعة كانت مُلتصقه بالحائط لتُنير له الدرب ، كانت ليلةً مظلمة ممُطرة اختفى فيها ضوء القمر والهدوء يملأ المكان سوى من صوت المطر الغزير الذي يرتطم بالسطوح ، مشى طويلاً في الرواق لينزل السلالم مُتوجهاً للطابق السفلي ومن ثم الى احدى الغرف المركونه في احد زوايا المنزل الكبير ، كان انيقاً مملوء بأثاث غالي الثمن وقديم الطراز ، ضخماً مقارنةً بحجم سكانه مما ادى الى هجران بعض غُرفه .
    اخرج مفتاحاً من جيبه ثم مد يده ليُدير مقبض الباب وكان ليدخل لولا ان يد شخص ما خلفه لامست كتفه ليستدير جافلاً وبحركة سريعة اغلق الباب الذي كان ينوي فتحه للتو ونظر في عينيها المأساويتان لتبدأ حديثها بصوت مُتعب حزين : لا تقُل لي بأنك ستنام في تلك الغرفة هذه الليلة ايضاً ؟
    تنهد قائلاً بلُطف : عزيزتي تعرفين طبيعة عملي وتعرفين ايضاً بأنني لا انام هنا بإرادتي
    اشاحت ببصرها لتقول : بدأت اشك في ذلك
    تغيرت نبرة صوته بشكل مفاجيء لتميل الى الغضب في حين صرّ على اسنانه وهو يقول : تشكين في ماذا ؟
    صرخت تقاوم دموعها التي بدأت بالإنهمار من عينيها : انت تتجنبني !
    انفجرت براكين غضبه ليصرخ فيها : اخبرتكِ مليارات المرات بأن لا تقربي باب هذه الغرفة والان تعصينني مرةً اخرى ؟
    شدت قبضتها وطأطأت رأسها بحزن ثم قالت : لماذا تُغير الموضوع لمَ لاتريد التحدث عن الامر ؟ ، هذا يدعم صحة ما اقول .
    لم تنتظر رده لأنها كانت تعلم بأن لا رد لديه ، حاولت العديد من المرات ان تفاتحه بالموضوع وتسمع منه الحقيقة التي كانت تحاول جاهدة دفنها ولن تتوقف حتى يخبرها هو بذلك لم تعد تطيق الامر

    انتظر امام الباب بهدوء ينظر لها وهي تختفي في ثنايا ظلام المنزل وحين تأكد من رحيلها استدار ليفتح الباب ويدخل الغرفة كانت مُظلمة بدورها لولا انه قام بفتح الاضاءة ليَعمها الضوء ويُخرج مافيها من اسرار ، الاوساخ والاتربه تملؤها كان واضحاً بأنه مرت فترةً ليست بالقصيرة منذ اخر مرة تم تنطيفها وترتيبها ، كل اثاثها مملوء ببقع من الالوان المتعددة الانواع ، لم يكن فيها شيء ظل سليماً من تلك البقع ، يتوسطها مكتب اتخذت فيه الاوراق مسكننا لها لتنثر نفسها فيه وفي جهة اخرى من الغرفة يقبع ذلك المرسم كبير الحجم والمُتسخ بالألوان والحبر وبجواره صندوق مملوء بأنواع كثيرة من الفرش والاقلام وعديد من الالوان.
    جلس على الكرسي امام مكتبه ومد بصره ليستقر على سطح الطاولة وبالتحديد على الرسومات الموضوعه عليه يطغى عليها اللون الاحمر الدموي راح يجول ببصره على تلك الرسومات الدموية مد يده لإحداها وقربها لناظره كانت لذلك المشهد من قصة فتاة الرماد عندما تقوم ابنة زوجة ابيها بإنتعال الحذاء محاولةً إدخاله في قدمها الكبيرة ، كان ليكون مشهداً مضحكاً وساخراً لولا انها قطعت اصابع قدمها لتُناسب مقاس الحذاء ، كانت رسمة في غاية الدقة والبراعة لكنها في الوقت نفسه دموية وبشعة.
    رمى مابيده بعنف على الطاولة ثم قال بغيظ : ماكان علي قبول هذه المهمة .
    ضحك بسخرية : بُلهاء جعلوا موهوباً مثلي يُفلت من ايديهم
    جمع شتات الاوراق ووضعها فوق بعضها لتشكل ترتيباً معيناً يتناسب مع احداث القصة ثم وضعها بين غلافين واحكم اغلاقه بالأسيام ليُصبح لديه كتاب جديد وقصة جديدة يحكيها لأبنته في ليلة اخرى ، ستكون سعيدة بها
    وضعه جانباً ونهض متوجهاً الى المرسم المُخفى بغطاء ابيض ، ازاح الغطاء عنه ولم يكن شيء قد تغير فقد كان وجه المرسم نظيفاً لم يمسه شيء ، جذب مقعداً قريباً منه وجلس عليه يحدق طويلا الى وجه المرسم الخالي ، مرت  بضعة ساعات وهو في هذا الحال لم يتزحزح من مكانه بل ظل قابعاً في المقعد واضعاً باطن يده على ذقنه ، لترن الساعة الجدارية معلنةً قدوم منتصف الليل والتي بدت وكأنها قطعت حبل افكاره حيث تنهد مُعقداً حاجبيه وبدت خيبة الامل واضحة من خلال النظر في وجهه .
    اعاد الغطاء على المرسم ولم يكن قد احرز اي تقدم ، استقام واقفاً والتقط معطفاً مرمياً على ارضية الغرفة المُتسخة ووضعه على ظهره في حين جلس على كرسي المكتب واحنى بظهره واضعاً رأسه على سطحه واغلق عينيه اللتان كانتا تنظران للمرسم الذي بدى كالشبح بسبب ذلك الغطاء .

    لم يكن ليستيقظ في هذه الساعة الباكرة لولا ضجيج رنة هاتفه المزعجة ، كان المطر قد توقف لكن مازالت الغيوم الكثيفة تحجب ضوء الشمس من النفاذ خلال نافذة الغرفة الكئيبة .
    راح يتحسس الاشياء حوله من غير ان يرفع رأسه من على الطاولة بحثاً عن هاتفه الذي ايقظه ، امسكه ورفع رأسه مُجيباً على المتصل بعد ان قرأ اسمه ، صمت منتظراً إياه ليبدأ الحديث
    - مرحبا ؟
    اجابه بالترحاب فأردف المُتصل : المعرض سيبدأ ليلة اليوم لذا فكرت بالإتصال بك في وقت باكر اسف ان كنت ايقظتك لكن اردت الاطمئنان عليك
    لم ينتظر اجابه حيث باغته بسؤاله : اذا كيف تسري الامور ؟
    اشاح ببصره ناحية المرسم الفارغ ليرد مُغتاظاً : لم ابدأ بعد
    مما جعل  المتصل يصيح بذعر : هل تمزح ؟!! ، الجميع ينتظر منك عملاً مميزاً وانت لم تبدأ بعد ؟ ، ارجوك اخبرني بأن تلك مزحة ثقيلة
    - انا جاد
    - اذا ماذا ستفعل ؟
    - استطيع انهائها اليوم
    تنهد المتصل بعدم ارتياح ثم اجابه : من الافضل لك ذلك ثم انهى الاتصال ، لم يأخذ وقتاً طويلاً حيث اخرج لوحة اخرى اصغر حجماً من تلك التي على المرسم ووضعها امامه على الطاولة ، اخذ مجموعةً من الالوان من الدرج الموجود اسفل ساقه وبدأ بتلطيخ اللوحة بها ، اعتادت رسوماته ان تكون من النوع المُظلم الغريب التي تمتلك فكرةً قد تبدو للناظر بلا معنى لكنها عكس ذلك ، فكل لوحةٍ من لوحاته التي تملأ هذا المنزل وتنتشر في ارجائه تحمل ذكرى بالنسبة له إما ان تكون سعيدة او حزينة لكن لن تستطيع تمييز السعيد والحزين منها فكلها بنفس النمط يطغى عليها اللون الاسود ويغشاها الغموض ، لكن مع ذلك يعد موهوباً وقد ذاع صيته لتلك الموهبة .
    لم تمر سِوى دقائق حتى رمى مابيده من فرش والوان للطلاء وجفف يداه الملطختان بمنشفه اخرجها من درج اخر ، وترك اللوحة مستندة على الحائط لتجف ، نظر إليها نظرةً فاحصة ، كانت ستبدو لك من النظرة الاولى انها مجرد خربشات بلونٍ قاتم واخر احمر قانٍ لكن بعد تدقيق النظر ستجد ان ذلك اللون الاسود ليس إلا مجرد شعرٍ اسود لإمرأة بدى البؤس واضحاً من عينيها وذلك اللون الاحمر اتخذ مأخذاً من وجهها حيث غطى نصفه ، كانت امرأة مشوهة مُحترقة . رمى منشفته التي كان يُجفف بها لتغوص هي الاخرى مع الاغراض المرمية على الطاولة ، ما إن يخرج شيئاً من مكانه لا امل له ان يعود إليه في هذه الغرفة ، حان وقت خروجه من صومعته التي كان يحب البقاء فيها اكثر من أي مكان اخر في هذا المنزل وخارجه ، نظر لساعة الحائط ليجد عقاربها تستقر على التاسعة صباحاً ، خرج وعندما تأكد من احكام اغلاق الباب ووضع المفتاح في جيبه و انطلق يحوم في انحاء المنزل الذي مازالت الكثير من غرفة يسودها الظلام ، مر من خلال غرفة المعيشة السفلية ليصعد سلالم الطابق الثاني في حين بدأ المطر بالإنهمار غزيراً مرةً اخرى ، لم تكن الاجواء كأجواء التاسعة صباحا لذا نظر الى ساعةِ هاتفه يتأكد ان لم يكن قد اخطأ او ان الوقت مر سريعا وهو يصعد السلالم ، وقف امام باب صُبغ باللون الوردي تُغطية المُلصقات الطفولية البريئة ، فتحه بهدوء ثم فتح انارة الغرفة
    - صغيرتي ؟
    تقدم الى السرير الابيض ذو الغطاء المشابه للون باب الغرفة ونزعه و لا شيء تحته وفي الوقت ذاته جاء صوت هاديء من خلفه
    - ابي
    استدار ليجد ابنته ذات السبعة سنين تقف امام الباب تنظر له ليُجيبها : ماذا هناك ياصغيرتي ؟
    - اخبرتني امي لمناداتك لتناول الإفطار معاً
    تغيرت تقاسيم وجهه حيث بدى الضيق واضحاً عليه ، تقدم الى ابنته ووضع يده على رأسها يربت عليه : اخبري امك بأن والدك متعب ويريد ان ينام الان ، واخبريها بأني سآتي لاحقاً لتناول الغداء معاً
    بدى ان الطفلة لم تقتنع بكلام والدها : لكن ..
    رمقها بنظرته الحادة التي جعلتها تجفل وهو يقول بشيء من الغضب : من غير لكن !
    لازمت الصمت وفضلت ان تكتفي  بإيمائه عن قول شيء اخر متحاشيةً غضب والدها ونظرت فيه نظرةً اخيرة علّه يهم بقول شيء ما لكن السكون كان حديثه فغادرت خائبة الامل .
    تحسس شيئاً ما كان قد وضع يده عليه والتقطه ، كانت جريدة كُتب عليها بخط كبير " اعتزال عازفة البيانو المعروفة ايستليس لأسباب غامضة "
    قرأ تلك الكلمات بصعوبةٍ في عقله فهي قد اعادت له الكثيرمن الذكريات.
    --
    مشت الطفلة عبر ممرات المنزل الهائل ، كانت اشبه بنملة صغيرة تبحث عن الطعام مقارنةً به ، لا تعرف كيف تخبر امها بذلك ، والدها رفض طلبها كيف ستقابل امها ؟ ، هل ستصب جام غضبها عليها مرةً اخرى كما العادة ؟ ، كانت مترددةً تمشي بخطوات بطيئة وثقيلة ، تتمنى الّا تصل ابداً ، دخلت غرفة الطعام مطأطأةً رأسها وتسترق النظر لعيني امها الجالسة على احد مقاعد الطاولة الخشبية ذات النقوش الذهبية والتي نظرت بدورها الى ابنتها فعرفت حينها إجابة زوجها لكنها فضلت السؤال قبل القيام بأي شيء اخر : ماذا قال ؟
    كانت الطفلة خائفة من الاجابة بل لاتدري بماذا تُجيب حاولت ترتيب تلك الكلمات المتناثرة في عقلها : قال انه سيأتي لتناول الغداء ...
    لم تستطع اكمال كلماتها الراجفة بسبب صراخ الام المُفاجيء والذي صحبه صوت ارتطام الاواني على الارض لم تتوقف بل ظلت ترمي تلك الصحون الزجاجيه والملاعق والسكاكين على الارض غاضبة تصرخ وتبكي ، لم يكفيها ذلك حيث امسكت بكتفي الصغيرة بأقصى ماتملك من قوة وصاحت فيها : لماذا ؟؟؟! ، لماذا هل انا قبيحة لهذا الحد ؟ ، هل اصبحت قبيحة اجيبي !!
    تجمعت الدموع في محجر عيني الطفلة تحاول ان تجعل الكلمات بصعوبة الخروج من فمها ، شعرت بأن كتفاها سيتمزقان من شدة ضغط الام عليها : لماذا لا تجيبين ؟! ، انتِ كذلك تعتقدين اني قبيحة جميعكم كذلك .
    اخلت سبيلها اخيراً بعد ان تركت اثراً وغادرت والارض ترعد من  مشيها العنيف عليها وغادرت الغرفة.
    استطاعت الدموع ان تنساب على خدي الطفلة بعد ان احست بإبتعاد الخطر ، تتسائل ما ان كان والدها سيأتي حقاً لتناول الغداء ام انه سيختلق عذراً اخر وان لم يأتي هل ستثور والدتها من جديد وتؤلمها مجدداً ؟ ، نظرت للمرآة الكبيرة ذات البرواز الذهبي الذي يحيطها الى كتفيها اللذان بدآ ينزفان ، انها قد غرزت اظافرها الطويلة فيه لتُتسبب نزيفاً ، لم تهتم بل لم تتعب نفسها لإيقاف النزيف بل تركته هكذا يمتد الى اسفل ذراعها ، جلست في مقعدها الذي تركته قبل فترة من اجل ذهابها لإحضار والدها وتناولت مابقي سليماً من طعام على المائدة ، ثم نظفت الاطباق ومُخلفات والدتها المرمية على الارض ، كانت تريد اخفاء هذه الحادثة من الوجود ، لاترغب بأي دليل يشير بأنها قد حدثت.
    --
    - نعم ، نعم انتهيت منها سأُحضرها الليلة

    كانت الساعة تشير الى الواحدة ظُهراً ولم يكن هناك أي احد لتناول الغداء في غرفة الطعام ، انهى المكالمة وهو ينظر الى المقاعد الفارغة ويرخي جسده بإرتياح ، احب حقيقة ان لا احد هنا ليأكل معه
    الليلة سيكون معرض الفن الذي سيعرض فيه لوحته التي لم تكن افضل اعماله ، كان يفكر برسم لوحة افضل تُرضيه لكن الوقت لم يسانده وفي نفس الوقت لم يكن يُريد ان يعرض افضل اعماله في معرض تافه كهذا ، كان موقناً بأن لوحته العظيمة التي سيقوم برسمها تستحق افضل من عرضها في مجرد معرض للفنون .
    صوت شخص ما كان يقوم بتغيير قنوات التلفاز يتسلل الى غرفة الطعام ، اوقف الشخص تغيير القنوات بعد ان وجد مايثير اهتمامه  "تم إيجاد جثة اخرى افاد الطب الشرعي بأنها قد توفيت منذ اسبوع من الان ولم يُعثر عليها سوى هذه اللحظة ، الجثة كسابقاتها لأمرأة يتراوح عمرها مابين العشرين والثلاثين عاماً لكن هذه المرة كان سبب وفاتها نزيف في الساق مما ادى الى موتها و لا اثر للدماء مع ان القطع في الساق كان عميقاً ، فأين اختفت الدماء ؟ ، كما عودنا هذا القاتل فأساليب قتله تختلف .....
    لم يكمل المذيع جمتله في حين اغلق الأب التلفاز بينما كانت ابنته تشاهد بتلهف : لا يُسمح للصغيرات بمُشاهدة هذه الاشياء
    لطالما تسائلت لما لايسمح لها مشاهدة الاخبار بينما هو كل ليلة يقص لها قصصاً مشابهة لما تشاهده ، هوايتها الوحيدة التي تجعلها تشعر بتحسن هي مشاهدة معاناة الاخرين من خلال التلفاز او حتى من قِصص والدها فهي بتلك الطريقة تستطيع ان تعرف بأنها ليست الوحيدة التي تعاني في هذا العالم وان هناك اشخاص يعيشون حياةً مأساوية مثلها او اشد .




    نهاية الجزء ..


  2. ...

  3. #2
    دخلت وسط هتاف الجمهور وصراخه ، ترتدي فستاناً احمر طويل يبرق مع انوار اضاءة المسرح ، جعلت شعرها الاسود الطويل اللامع ينسدل بتموج بجانب كتفها مشت بخطوات متزنة ومنظمة متجهةً للبيانو الذي يقبع وسط المسرح ، توقف الجمهور عن الهتاف ولم يتبق منه سوى بضعة تصفيقات وسرعان ما عم الصمت حين جلست على مقعد البيانو ، بدت وهي بجواره منسجمةً معه كما لو كانو اعز الاصدقاء .

    فتحت عينها الوحيدة المُنتفخة والتي ظلت سليمة بصعوبة بعد ان انهكها التعب ، اسندت ظهرها على سطح السرير تفكر بأيام ماضيها ، مهما حاولت تجاهله لن يتركها بل ما ان تغمض جفنيها حتى يعاود القدوم من جديد ولن يتوقف ابداً .

    اجفلت على صوت طرق الباب لكنها لم تتزحزح ولم تنطق بشيء كذلك بل ظلت في مكانها تنظر لأرضية الغرفة الترابية الانيقة ، دخل الطارق واغلق الباب خلفه ، لم تستدر ولم تتجرأ ان تنظر في وجهه ، صوت حذائه يطرق الارضية مقترباً نحوها فيزداد صخباً ، جلس على السرير بجوارها ووضع يده على يدها التي تستعملها لتستند على غطاء السرير وقال بصوت هاديء حنون : هل انتِ غاضبة ؟
    لم تُجب ولم تنطق بحرف فجعله ذلك يردف : لابد انكِ غاضبة لعدم مجيئي صباح اليوم .
    صمتٌ سكن ارجاء الغرفة لوهلة ، ارادت ان تفاتحه بالموضوع لكنها كانت تعلم بأنه سيتجاهل ماستقول وسيُفاتحها بموضوع اخر وتستمر هذه الدورة ، وايضاً هي خائفة من الاجابة.
    نظر الى بطنها المُنتفخ ومن ثم الى وجهها قائلا : كيف حال الطفل ؟
    - لا اعتقد بأننا يجب ان نحظى به
    عقد حاجبيه بعد سماع ردها بإنزعاج : لمَ تقولين مثل هذا الكلام ؟
    قالت بصوت اشبه بالهمس : لم نعد كما كنا
    استقام واقفاً بشيءٍ من الغيظ وحاول كبح جمام غضبه : لا تبدأي هذا الان !! ، ولا تفكري بفعل اي شيء غبي ، لقد انتظرت قدوم هذا الطفل منذ فترة طويلة لذا توقفي عن هذا الان واهتمي بصحتك
    تركها بعد صراخه عليها على نفس حالها بل وازدادت سؤءً ، لم يكن كما عهدته اصبح سريع الغضب ، تُغيظه أي كلمه تخرج دون تفكير
    لم تعد تعرف هل تحتفظ بالطفل ام تقتله لأن لا يعيش حياةً قاسية كما هو الحال مع ابنتها الان ، غرقت في افكارها مجدداً كيف تصلح الامر ؟ ، كيف تعيد حياتها القديمة والسعيدة لتكون حاضراً ومستقبلاً ؟ ، كيف تؤمن مستقبل مشرق لأبنائها ؟ ، كانت عاجزة ، عاجزة عن فعل اي شي سوى ان تزيد من سوء الامور بل اصبحت  مثله تفقد السيطرة على نفسها مرات عديدة ، نهضت من السرير مُتجهة لمرآة الزينة ، مررت بصرها على الاشياء الموجودة عليها اشياء بالية ومُستحضرات تجميل قديمة ملأها الغبار ، مررت يدها النحيلة على تلك الاشياء وفي كل مرةٍ تفعل ذلك تفيض تلك الذكريات من ذاكرتها لتصبح امام عينيها وكأنها واقع ، رفعت رأسها الى المرآة ، كانت مغاطاة بصفائح ورقية سوداء ، لاتتذكر اخر مرة رأت وجهها فيها لكنها تعرف ان ذلك حدث منذ فترةٍ طويلة ، ارادت يدها خلع تلك الصفائح لكنها وفي اللحظة الاخيرة تراجعت خائفة ، تخاف من المنظر الذي ستُشاهده تخاف ما ان كان قد ازداد سوءً فحينها لن يستطيع شيءٌ ايقافها عن الثوران .
    ---
    اخرج مفتاحه العزيز من جيبه واداره خلال فتحة الباب ثم دخل الغرفة ، القى نظرة خاطفة على الساعة التي تشير الى الخامسة مابعد الظهيرة ثم التقط لوحته المُستندة على الجدار وغطاها بصفيحةٍ بيضاء لتُبقيها سليمة وتوجه لردهة المنزل قاصداً الخروج ، اخذ خُفيه السوداوان من رف الاحذية وبدلته السوداء المُعلقة ورفع ربطة عنقه حيث جعلته اكثر اناقة ، لم يكن كذلك النوع من الاشخاص الذين لايخرجون من منازلهم الا بعد ان يتأكدوا الاف المرات من حسن مظهرهم لكنه مع ذلك مازال حريصاً على إبقاء مظهره أنيقاً فهذا بعد كل شيء يعكس شخصيته .
    كان المطر قد توقف لكن السماء مازالت ملبدة بالغيوم الكثيفة التي ابت ان تنقشع لتُفصح عن اشعة الشمس ، مشى على ذلك الطريق الزلق بفعل الامطار الممُتليء بالطين الرطب الذي التصقت اجزاءٌ منه بحذائه ، لم يعر الامر اهتماماً بالغاً فما حدث هو خطأ المطر وليس خطأه ولايحق لأحدٍ ان ينعته بالإهمال !
    كان الطريق شبه خالي من المارة ، لايخرج الكثيرون عادةً في اجواءٍ كهذه حيث تُشعرهم بالإكتئاب كمَا يدّعون فكل من تبقى على هذا الطريق اجبرتهم ظروف العمل على الخروج .
    توقف امام مبنى ضخم طُليت جدرانه باللون الأبيض تتوسط قمته اسم المعرض ، كان تصميم المبنى بحد ذاته تحفةً فنيه ، اسطُحه مُموجة كالورق الذي شُكل لمن ينظر إليه كالزهرة .
    العمال مُرتدين زيّ العمل يدخلون ويخرجون إليه مراراً يجرون تلك العربات المملوءة بالصناديق الكبيرة واخرون يمسكون بدفاترهم يسجلون ايّا كان مايدور في عقولهم ، ناداه صوتٌ من بعيد حين إستدار وجد شاباً نحيلاً طويلاً بدى في اواخر العشرينات يعتمر نظارته الطبية ذات الاطار الأسود وقد صفف شعره الكستنائي للخلف مما جعله يبدو انيقاً ، كان يلوح بيده مُلقياً التحية بينما كان الاخير ينظر إليه بتعجب حيث صاح صاحب النظارة : ماذǿ ، لاتقُل بأنك لم تعرفني ؟!
    هز كتفيه قاصداً النفي مما جعل صاحب النظارة يقهقه وهو يقول : لا اعتقدك جاداً يارجل لكن عموماً هذا انا ستيوارت .
    - اوه ، لم اعهدك بهذه الثياب
    - بالنسبة لك لم تتغير كثيراً
    نظر الى اولئك العمال الذين مايزالون يحملون ذاك ويضعون ذاك ثم اعاد نظره لستيوارت بقوله : الم ينتهوا بعد؟
    وجه بصره الى ماكان ينظر ليُجيبه : ليس بعد ، هم فقط ينقلون الاعمال الى داخل المعرض
    نظر للوحة التي كان يحملها والمغطاة بالأبيض ليصيح : مذهل ! ، لا اُصدق انك انهيت رسمها في يومٍ واحد هذا إنجاز !
    لم ينتظر رداً بل اشار لأحد العمال بيده ليحضر ثم اعطاه اللوحة قائلاً : ابقِها آمنة ثم انصرف يحملها بعد ان اومأ بإيجاب
    قال ستيوارت واضعها يديه على خصره : حسناً الان اترك البقية لهم صمت قليلا ثم اردف : مازال الوقت باكراً فالمعرض لن يبدأ الا في التاسعة ليلاً مارأيك بالذهاب لتناول وجبة خفيفة في احد المطاعم ؟
    لم يمانع حيث اومأ بالإيجاب وهو يقول : فكرة جيدة
    مشى معاً في الطرقات الزلقة عندما رفع ستيوارت رأسه ناظراً لعنان السماء بتنهد : من المؤسف ان يُقام المعرض في اجواء كهذه
    - لا ارى مشكلة بها
    قهقه بخفه : بالتأكيد هذه الاجواء تناسبك
    توقفا امام مطعم صغير بابه خشبي يصل صوت الموسيقى الهادئة التي بداخله الى الخارج لشدة هدوء المكان ، دخلا اثنيهما حيث رن جرس الباب الصغير معلناً قدوم زبائن فهرع ذلك الرجل الكهل الذي كان يقف خلف الطاولة ينظف الاطباق لإستقبالهما ، كانت الطاولات والمقاعد مصنوعة من الخشب المهتريء والارضية كذلك يعلوها تلفاز صغير الحجم يعرِض القنوات بصعوبه وبألوانٍ باهته ، قادهما الرجل الى طاولتهما وجلسا بعد ان حياهما بإبتسامة ثم سألهما عمّا يودان طلبه اجابه ستيوارت بأنه يُريد بيضاً مقلياً مع البطاطس المهروسة وقهوةً ساخنة ثم اشار صديقه بأنه سيطلُب نفس الشيء
    راح الرجل في طريقه يستعد لتحضير الطلبات بينما جلس الاثنان بمُفردها هادئان يشاهدان التلفاز الذي وُضع على قناة الاخبار يحاولان ان يقرآ الكلام اسفله بصعوبة لصِغر حجمه ، مد ستيوارت رأسه للأمام مقابل التلفاز وانفرجت عيناه حين استطاع ان يقرأ جُزءً من ذلك الكلام الذي بدى انه اثار اهتمامه ، نادى على الكهل الذي كان يضع الكأسان الخزفيان في آلة القهوه لكي يرفع صوت التلفاز ، قبل طلبه بإبتسامه فأخرج جهاز التحكم من مكانه ورفع الصوت بضعة درجات فغطى صوته على صوت الموسيقى الهادئة " وُجدت عدة زجاجات من النوع الكبير الحجم مكسورة بالقرب من الساحل ،  يبدو بأنها كانت مملوءةً بالدماء فذلك واضح بالنظر الى بركة الدماء وشظايا الزجاج حولها ، وعند تحليل عيناتٍ منه تبين انهُ دمُ السيدة التي جُرحت ساقها ، الامر غريب الجثة تبعد عدة كيلومترات عن دمها ، مالذي يفكر به القاتل ياتُرى والى ما يهدف ؟
    صاح ستيوارت : بالقرب من الساحل !؟ ، هذا لايبعُد كثيراً عن المعرض !
    لم يتلقى اجابه حيث تنهد بضيق : اتمنى ان يكون كل شيء بخير
    طرق خطوات الكهل على الارض الخشبيه دوى في ارجاء المكان بينما كان يحمل في يديه صينيتان تحويان الطلب ، وضعه على الطاولة ثم اخرج سيجارة من جيب سِرواله اسفل المريلة واشعلها فقال بعد ان نظر الى التلفاز : ياله من قاتل غريب ، لمَ يقوم بكل ذلك ، هل يريد ان يزيد من فرص قبض الشرطة عليه بنقله لكل تلك الدماء او حتى الجثة ، لا اعرف ان كان علي القول ان كان قاتلاً ذكياً ام غبياً
    صمت ستيوارت ينظر للكهل وقد بدى على وجهه الضيق وبؤبؤاه يرجفان ربما رعباً ، في حين قال الاخر في برود : لا تُكثر من تدخين تلك السجائر ستضر صِحتك .

    بعد ان تناولا طعامهما غادراً المكان بعد دفع الثمن حيث استقرت عقارب الساعة على الخامسة والنصف ، مازال هناك الكثير من الوقت قبل بدء المعرض ، قرراً الذهاب إليه لرؤية الاوضاع والتأكد ما إن كان كل شيءٍ في وضعه السليم بينما هما يسيران اخذا يتجاذبان اطراف الحديث حيث بدأ ستيوارت بقوله : أتعرف ؟ ، العديد من كبار الشخصيات سيحضرون الليلة ، من الافضل ان تكون قد قُمت بأفضل مالديك
    اجابه ببروده المُعتاد : لا اعتقد بأن لديهم حِساً فنياً لذلك فهم لا يهمونني
    قال ستيوارت وقد قطب حاجبيه انزعاجاً : انت حتى لا تعرف إن كانوا يملكونه ام لا
    صمت لعدة ثواني ثم تغيرت تعابير وجهه حيث غزاها القلق وبدى عليه التوتر عندما قال : ما رأيك بشأن ذلك القاتل؟
    لم يجبه بل كان يركز ببصره على الافق يمشي بهدوء فجعله يردف : انا حقاً قلق من ان لاتسير الليلة على مايُرام
    توقف فجأة فجفل ستيوارت ، وضع يديه على كتفيه وقال مُطمئناً إياه : لا تقلق لن اجعله يُفسد هذه الليلة .
    ابتسم ستيوارت ابتسامةً صفراء شاحبة وأومأ إيجاباً لكن مازال شيءٌ من القلق يعتريه.

    وصلاً الى تلك التحفة الفنية البيضاء والهائلة ، مرا عبر الباب الزجاجي الثقيل داخلين إليها ، كانت جميع جدرانها بيضاءُ كذلك وعُلقت عليها العديد من اللوحات امامها مقاعد ليجلس عليها المُتأمل وإعتلت الطاوِلات البيضاء مُجسمات وتُحف فنية كان بعضها غريباً ، وعندما تمد بصرك عند الردهة ستجد السلالم القصيرة المؤدية الى المزيد من المعروضات ووضع بجانبها طاولة خزفية سوداء اللون طويلة تعلوها اصناف مُتعددة من المأكولات والحلويات وبجانبها طاولة مماثلة تحوي على جميع انواع العصيرات ، كان كُل شيء مُتكامل في حين علق ستيوارت : مذهل !!
    جاء بعض الفنانين ايضاً ليروا لوحاتِهم معلقة قبل الافتتاح في حين تقدم رجلٌ سمين من عمق المكان يبدو في الخمسين من عمره ، اصلع الرأس لم تنجو من ذلك الصلع سِوى عدة شعرات في مؤخرة رأسه ، مد يده مصافحاً إياهم قائلا : مرحباً بكم ، انا رئيس هذا المعرض ، كما تعلمون لقد كلف بناؤه اموالاً طائلة وجهداً مضاعفاً وهذا اول معرض سيُقام فيه ارجو ان ينال استحسانكم .
    بدا مُتفاخراً وهو يقولها بل كان وكأنه يقول " من المستحيل ألاّ يعجبكم "
    انهى حديثه الطويل بقوله : ارجوكم خذوا راحتكم
    انتشر الفنانين في ثناياه باحثين عن معروضاتهم ولم يكن أيّا منهم قد إلتفت لعملٍ اخر غير عمله بدو جميعهم متفاخرين بما صنعوا مُتباهين به امام غيرهم ، اشعره ذلك برغبةٍ في الغثيان بينما كان هو يتجول مع ستيوارت في الانحاء فقال مُغتاظاً : ماكان يجِب علينا المجيء باكراً ، اشعر برغبة في الرحيل بينما هو لم يبدأ بعد !

    - توقف عن التذمر واستمتع بوقتك ثم انه لم يتبقى سِوى القليل

    ما إن نطق بجملته حتى دوّى صوت الرجل البدين في الارجاء يصيح بأُسلوب لا يُدرى ان كان يجِب تسميته باللبق : كل من في المكان ، ارجو الإنصراف سيبدأ الافتتاح بعد قليل ، لذا ارجو المُغادرة والعودة لاحقاً عندما نبدأً وشكرا لكم
    غادر الجميع بهدوء ولم يكن احدٌ منهم يتذمر ،انتظرا خارجاً حيث تلبست السماءُ الظلمة وأُشعلت المصابيح البيضاء لتُنير المكان في حين اصبح مُكتظاً بالزوار بعد ان كان خالياً حتى من حشرة ، صاح ستيوارت متعجباً : لم اتوقع هذا الكم منهم!

    - وهذا يؤكد نظريتي بأن الجو ليس له علاقة بالأمر كما اخبرتك

    بدأت تلك الاجساد بالتدافع فلم يتبق سِوى دقائق معدودة على الإفتتاح ، في حين توقفت احدى السيارات الفارهة والغالية الثمن طُليت باللون الاسود امام المعرض ، ترجّل منها مجموعة من الاشخاص كادت انوفهم ان تُقبل السماء لشدّة تكبرهم ، كان الطريق خالياً امامهم ليَعبروا بأريحية حيث جاء الحراس لإبعاد ذلك الحشد عنهم والذي كان يصيح ويصرخ بأسمائهم لاسيما الشاب الاشقر الوسيم الذي جعل احدى الفتيات تسقط مفتونةً به والذي كان واضحاً بأنه اكثرهم تكبراً ورِفعة ، بدو له انهم كبارُ الشخصيات اللذين حدثه ستيوارت عنهم ، لم يكُن يعرف احداً منهم وكان متأكداً وموقناً اشد اليقين بأن لا احد منهم له علاقة بالفن او المعرض بل جاؤوا فقط من اجل جعل هذا المكان اكثر شهرة ليكسبوا من خلاله المال ، كل مايفعله اولئك البشر هو من اجل المال فحسب ، ترجّل اخر فردٍ من تلك السيارة الهائلة كانت لِتسع عشرةَ اشخاص لكن لم يخرُج منها سِوى اربعة ، علِم لاحقاً انه واحدٌ من كبارِ التجار وزوجته التي كانت ترتدي فُستاناً مُرصعاً بالكريستالات بدى لوهلة ان ثمنه يتجاوز ثمن تلك السيارة وتضع في يديها اشكالاً متعددة من الخواتم المصنوعة من الاحجار الكريمة بدت مكسباً عظيماً لجميع لصوص المدينة ، وذلك الفتى الاشقر يكون ابنهما كان طويلاً ذو جسد رياضي وبشرةٍ ناصعة البياض وقد احضر صديقته الشقراء معه  التي لم تكن لتختلف عنه في شيء ، لهما نفس النظرة المتعالية والابتسامة المُصطنعة ، وقف الرئيس البدين خلف العائلة الثرية وهي تقوم بقطع الشريط بينما كان هو يُعلن قائلاً خلف هتاف الحشد :
    فليبدأ المعرض!



    نهاية الجزء ...
    اخر تعديل كان بواسطة » !Ri في يوم » 31-01-2017 عند الساعة » 13:06

  4. #3
    كانت تجلس على سريرها تُمسك بكتابٍ عن تطوير الذات تُحرك بؤبؤيها مع تلك السطور الطويلة ، اغلقته مع تنهيدة ضجرة ، اسدلت ستار عينيها ببُطء في حين بدأ عقلها يضجّ بالأفكار حركت رأسها بحركة سريعه تطرد تلك الافكار اللتي غزته ثم نظرت لساعةِ الحائط التي كانت تُشير الى التاسعة تماماً  فنقلت بصرها الى التقويم في حين لمعت فكرة إيجابية في رأسها ، مرت فترة طويلة منذ ان فكرت بتلك الطريقة لكن فقط تنقصها الشجاعة والثقة بالنفس لتنفيذها ، ألقت نظرة خاطِفة على المرآة المغطاة بالصفائح وبدت وكأنها تنظر لوحش وليس مرآة ، حملت جسدها الذي كان مُتشبثاً على السرير بصعوبة واتجهت ناحية الوحش وقفت امامه وبحركة خاطفة وسريعة انتزعت تلك الصفائح العالقة واحدة تلو الاخرى ، مرت فترة طويلة منذ اخر مرةٍ رأت هيئتها فيها ، وقفت متصنمة امامها تنظر لأجزاء وجهها وجسمها ، شعرها الاسود اشعثٌ وباهت لم يكن كذلك في السابق كانت قد رفعته للأعلى بإستخدام مشبكٍ للشعر ازالته فانسدل على ظهرها حيث كان طويلاً يصل الى منتصفه لم تكن تهتم بقصه او ترتيبه ، نقلت بصرها الى جلدها الذي اصبح اسوداً مُنهكاً لم تكن تعتني به ثم الى عينيها التي امتلأت بالهالات جرّاء نومها القليل ، ثم الى الجزء الذي لطالما كهرهته الجزء الذي دمر حياتها وجعل من زوجها لا يتقبلها بعد الان ، عينُها اليُسرى كانت جاحظة جزءٌ منها يخرج من جمجمتها والتي اُحيطت باللون الدموي المُحترق على خدِها وجزء من انفها وامتد طويلاً الى رقبتها وكتِفها ، توقعت أن يكون سيئاً لكنه صدم توقعاتها فلم يكن بالبشاعةِ التي تصورتها وسببت لها الكوابيس خوفاً من ان تراه ، ارتسمت على شفتيها شبح ابتسامة بعد ان زفرت الهواء المحصور في رئتيها ، اتجهت لخزانة الملابس واخرجت احد افضل فساتينها ، فُستانٌ احمر طويل سرق الزمان لونه ووضعته بترتيب على السرير واطالت النظر فيه واضعةً إبهامها على ذقنها في حين اتسعت ابتسامتها وخرجت من الغرفة وقلبها يتراقص حماسة دخلت غرفة ابنتها الصغيرة التي كانت تلعب بدُبها الوردي المحشو فجفلت على اثر فتح امها للباب حيث لم تشعر الاخيرة بقوة فتحها له ، نظرت الصغيرة في عيني والدتها تشُد قبضتها على لعبتها بتوتر لكنها ارختها عندما رأت ابتسامة امها التي اشعرتها بقليلٍ من الامان بينما تقدمت هي وجلست القرفصاء امام ابنتها و قالت لها :  أتعرفين ؟ اليوم هو عيد ميلاك والدك
    زمت الصغيرة شفتيها وقالت بصوتٍ هاديء : لم اكن اعلم ، نحن لم نعُد نقيم حفلات ميلاد بعد الان
    ربتت الام على رأسها واجابت موضحة : هذا بسبب انشغالنا انا ووالدك لا اكثر.
    وقفت على قدميها بينما امسكت بيد الطفلة لتساعدها على الوقوف كذلك قائلة بصوت جهوري يملؤه الحماس : لكننا  سنقيم حفلاً هذه المرة ، عندما يعود والدك سيكون في انتظاره اشهى المأكولات وسنحتفل نحن الثلاثة معاً وسنرتدي اجمل الثياب ، لذا اختاري اجمل ثوب لديكِ .
    لم تبدو الصغيرة مُقتنعة بكلامها ، لم يسبق لها ان رأت والدتها بهذا الحماس من قبل فقالت مطأطأة رأسها : لكن الوقت متأخر ..
    عقدت الام جبينها ثم قالت مشجعةً لها : ان بذلنا جهدنا فسننجز الكثير  ، لا اعلم متى سيعود فمن الافضل ان نبدأ الان مُوافقة ؟
    اكتفت بالأيماء فغادرت الأُم وهي تُدمدم احدى الاغنيات .
    فضلت الاستماع لكلام والدتها وتختار ثوباً جميلاً حتى لا تغضب منها او تؤلمها مجدداً مع انها لم تكُن مُتقبلة  لفكرة الحلفة .
    ---
    تجمع الحضور عند باب المتحف بعد ان دخلت العائلة  تجرهم ورائهم كسرب من الحيوانات الأليفة تتصارع طالبةً الحصول على الطعام من ايدي تلك العائلة ، او على الاقل هذا ما بدى له قبل ان ينطق بحنق مُحدثاً ستيورات : الّا يجدر بنا ان نحظى بشيء من ذلك الإحترام ؟ ، نحن الاعمدة التي تحمل هذا المبنى ومن دونها سيتهاوى ارضاً ومع ذلك ليست لنا اية اهمية في قلوبهم

    زمجر ستيوارت بنفاذ صبر : ان لم يفسد القاتل المعرض فستفسده انت بتذمرك
    ضرب على ظهره مازحاً قبل ان يردف : حاول ان تستمتع يارجل !

    اجابه بصمت تتبعه حركته لداخل المبنى الذي اصبح بابه خالياً بعد دخول الحشد ، امتلأت المقاعد باللذين يجلسون فيها مُتأملين تلك الرسومات والتحف او ربما كانوا يدّعون التأمل وتذوق الفن كما يخبره عقله ووقف البعض الاخر خلف الطاولات المملوئة بالطعام يتجاذبون اطراف الحديث بصوتهم العالي بينما كان يجب ان يكون الهدوء سيد المكان لكنهم لا يفهمون ذلك ، وفي جهة اخرى وقفت العائلة تستقبلها عشرات الكاميرات وبعضٌ من الصحفيين اللذي جاؤوا للكتابة عن المعرض والمعروضات او ربما جاؤوا للكتابة عن مايرتديه الشاب الاشقر وصديقته ليُنشر في مجلات الموضة التافهة ، كان الامر برمّته مهزلة كبرى فراح يعيد التفكير في قرارته التي اتخذها قبل المجيء الى هنا لماذا قرر المشاركة؟
    تجاهل ذلك السؤال النادم الذي تغلغل في رأسه وراح يجول بناظريه على اللوحات المعروضة مُتجاهلاً ايضاً ازعاج آلات التصوير واسئِلة الصحفيين التي لم تتوقف وتلك النسوة اللاتي لم يتوقفن عن الضحك لثانية !
    كانت جميع اللوحات التي لم يستغرق وقتاً طويلاً لتأمُلها وتحليل معناها هذا وإن كانت تحمل معنى في جعبتها  تقليدية تُشكل الطبيعة الخضراء وبعضهم اختاروا رسم صحراءَ قاحلة كيلا تتعبهم في رسمها لقلة تفاصيلها وعناصرها وبعضهم كان كسولاً حتى ليرسم صحراء خالية من اي شيء فإختار تلطيخ لوحته عشوائياً بألوان وجدها متناثره بجوار مكتبه مُدعياً بأنه فن لايفهمه  اي شخصٍ عادي ، هؤلاء فقط يرجون الشهرة ولا شيء اخر.
    لوحةٌ واحدة اثارت اهتمامه تُشكل احدى ابشع طُرق التعذيب قديماً وهي الخوزقة حيث كان الرجل المحكوم عليه بالإعدام مُعلقاً في ذلك العمود الخشبي الذي اخترق جسده من اسفله لأعلاه تاركاً إياه يُصارع الألم ، لطالما كانت هذه الطريقة في الاعدام تُخيفه حتى مع طريقة ادخال ذلك العمود المُقززة والموجعة لحد الموت الا انه لا يموت بل يبقى اياماً وذلك بسبب العمود نفسه بحيث يمنع الدماء في جسده من الانفجار فالموت ، فيظل على قيد الحياة مُتمنياً  انتهاء حياته على ان يواجه هذا العذاب .
    اخذ يُحدق فيها طويلاً ، يبحث عن اسم صانع هذه اللوحة لكنه لا يجده ! ، على عكس اللوحات التي رآها سابقاً كان اسم الشخص وتوقيعه يغطيان جزءاً لا بأس به من معالم اللوحة لكنه لايجد اي شيء صغير وضئيل يدل على هوية من رسم هذه التي امامه !
    يطغى على اللوحة الالوان الداكنة والعناصر الغير واضحة تماماً كلوحاته التي رسمها سابقاً لكنه لم يفكر  برسم لوحات تُشكل طرق التعذيب المُتنوعة والعنيفة ، فكرة لا بأس بها قد يقوم بتنفيذها يوماً ما لاسيما ان الافكار بدأت تنفذ لديه وهو يرغب برسم لوحة لاتنسى غطاها بذلك الغطاء مُنتظرةً ان تلمع في الاضواء وتُنشر للملá لكنه لم يبدأ بها حتى .
    جلس على المقعد الابيض امام لوحة " الخوزقة " كما قام بتسميتها حيث انه لم يجد اسماً مكتوباً عليها ، عندما تروقه لوحة ما ، يُحب وضع نفسه مكان الشخص الموجود فيها وان لم يكن احدٌ في اللوحة فأنه يتخيل نفسه يدخل عالمها ويكتشف اسرارها ومعالمها وهو الان يجلس امام لوحةٍ يقبع فيها رجلّ يتم اعدامه بشكلٍ شنيع الان ، ان هذا لا يخيفه بل عكس ذلك ، اشعره بالإثارة !
    اغمض عينيه وابتسامة غريبة تعلو محياة وشيئاً فشيئاً بدأ يسمع اصوات اللوحة .. صوت الملك المُتسلط الذي صاح في وجهه بينما كان المحكوم عليه جاثياً على ركبتيه يرجوه بعض الصُفح : اعدموه!
    جحُظت عيناه و بدأ صراخه الذي لم ينقطع لثانية واطلق وابل من كلمات الاسف وطلب العفو لكن لم تكن لتردع الملك عن قراره النهائي في حين تقدم الحارس ضخم البنية ناحية الرجل المسكين الذي اصبح عظاماً عوضاً عن رجل لنحوله ، وامسك ذراعة النحيلة في حين حاول الاخير المقاومة وتحرك بعشوائية املاً في النجاة مُتمسكا بآخر ماتبقى منه وصراخة لم يتوقف ! ، جاء حارس اخر لا تقل ضخامته عن سابقه يحمل العمود الخشبي الذي ستتم محاكمة الرجل المسكين فيه ، كان يمسكه بأقصى مايملكه حتى انك تستطيع رؤية عروق يده البارزه على اثر ذلك ، قام الحارس الاول بإمساك الرجل بهيأة تُمكنه من ادخال العمود فيه فجاء الحارس الاخر راكضاً وبقوته الهائله ادخله في جسد الرجل الذي اصدر صرخة اخيره كانت اشدهم قوة حيث شعر بحباله الصوتيه تنقطع ولم يستطع الصراخ بعدها وكادت عيناه ان تخرجا من محجريهما لشدة ألمه فلم يستطع ان يرمش ايضاً في حين خرجت مقدمة العمود من كتفه الأيسر وبقي معلقاً ومع كل ذلك مازال على قيد الحياة يواجه هذا العذاب الذي سيستغرق اياماً حتى يزهق هذا العمود روحة ويرتاح .

    فتح عينيه وابتسامته لم تُفارق وجهه ولم يبدو وكأنه للتو وضع نفسه مكان رجل يوشك على الاعدام كان مايزال ينظر فيها في حين جاء صوتٌ كالفحيح من خلفه يهمس : سيواجهك المصير ذاته !
    ارتعش جسده جرّاء ذلك الصوت الذي يعرف قطعاً بأنه ليس صوتاً صادراً من اللوحة ، تلاشت ابتسامته المُريبة تلك وحلت محلها تعابيره المُرتعبه اتسعت عيناه وبدأ نفسه يضيق ، بدى بأنه قد تجمد لعدة  ثواني قبل ان يُشيح برأسه للخلف سريعاً وبذعر قبل ان يرى الّا احد بإنتظاره !
    راحت عيناه تنحركان بحركة سريعة وعشوائية تنظر في اعين الزوار الذين لا احد منهم يبدو بأنه مثير للشك ، استغرق وقتاً لينتظم تنفسه وتُعيد عينه الوان المكان التي صورت المكان له للتو باللون الاسود فنهض من مكانه بصعوبة واخذ يمشي بخطواتٍ سريعة غاضبة يتجه لدورة المياة المركونة في احدى زوايا المعرض قائلا بغضب والكلمات تخرج من بين اسنانه كالصرير : لن اسمح لأيٍ كان ان يُفسد ماخططت له !!

    فتح بابه بعنف فوجده خالياً لِحُسن حظه كي لايضطر للشرح عندما يسأله احدٌ عن علٌته ، نظر لوجهه في المرآة كان الشرار يتطاير من عينيه والعرق يتصبب من جبينه ممُتداً على خديه  وجهه  تلون بالاحمر وبدى الارتباك مُسيطراً عليه ولو رآه احد بتلك الحالة لحسِبه قاتِلاً ! غسل وجهه بالماء الفاتر وشعره كذلك الذي اُفسدت تصفيفته بسبب الماء ثم جففهما بمناديل ورقية وبعد ان استعاد هدوئه توجه لأحد ابواب المراحيض الذي كُتب عليه بخطٍ عريض " مغلق لأعمال الصيانة" ثم قام بفتحه  وفتح بالتالي غطاء المرحاض الذي كان يغطيه ومد يده بلا اية ذرة تردد داخله وقام بتحريكها باحثاً عن شيء ما ولم يشعر بالإشمئزاز او بأي شيء اخر  كالذي سيشعر به اي عاقل عندما يمد يده داخل المرحاض ويبدأ بالعبث فيه !
    اخرج شيئاً اسود اللون وادخله في جيب بنطاله دون ان يُتعب نفسه بتجفيفه حتى !
    خرج من دورة المياه بعد ان نظف يديه وتأكد من رائحتهما العطرة
    واستند على احدِ الجدران قبالة تلك العائلة التي بدى من وجوههم انهم اُنهكو من آلات التصوير تلك والصحفيون اللذان لم يتوقفا للحظة ولا يُطيقون الانتظار حتى تنتهي هذه الليلة ويعودون لقصرهم الفاخر وينامون على اغطيتهم المخملية الفاخرة .
    لاحظ عندما كان يُحدق بالعائلة شخصاً ما كان يُحدق فيه بدوره ! اشعره ببعض الارتباك لكنه تمالك نفسه ورمقه بنظرةٍ فاحصة ، ناصع البياض ذو قامة قصيرة بعض الشيء وشعر اسود كثيف وعينان واسعتان بارزتان تبدوان كأنهما تقرآن مابداخله وكان يرتدي كنزةً بيضاء وبنطالاً ابيض وحذاء بنفس اللون ، اوجست هيئته في نفسه الريبة ولاسيما انه كان يحدق فيه !
    رحل الرجل الابيض بعد ان تركه يصارع افكاره وتحليلاته التي لا تنتهي وما ليقطع تلك الافكار شيء لولا ان صديقة الشاب الوسيم استأذنت للذهاب لمكان ما استنتج بأنه دورة المياه !
    وبسرعة سبقها الى هناك حيث كان يقف تماماً بجانب دورات مياه النساء وبعد ان تأكد بأن لا احد يشاهده فتح الباب بحذر حيث استقبلته تلك السيدة البدينة التي صرخت في وجهه مما جعله يتلون : مالذي تفعله عندك !
    اعاد لون وجهه الطبيعي بصعوبه وقال مُتصنعاً اللباقة : سيدتي اعتقد بأنكِ اخطأتِ فدورة مياه النساء على الجانب الاخر من الممر .
    بدت له بدينةً كفاية ليعرف حجم عقلها ثم قالت مُرتبكة وقد انفرجت عيناها : اوه لم اكن اقصد !
    لممت ادوات مكياجها المتناثره ودستها في حقيبتها وغادرت اخيراً وهي تطلق قهقهات غريبة.
    واخيرا اصبح المكان ملكاً له ، دخل الى احد المراحيض واغلق الباب خلفه بإحكام وقبل ان بقوم بأي حركة اخرى صعد على المرحاض وقد اسعفه طول قامته ليتأكد من ان المكان خالي من اي احد غيره.
    انتظر لدقائق قليلة قيل ان يسمع صرير الباب يُفتح مُعلناً عن دخول احدهم ، اختلس نظرة من الأعلى بينما مازال واقفاً على المرحاض آملاً بأن لا يلحظه ايّا كان ، ذلك الشعر المموج الطويل الاشقر والملابس الأنيقة الغالية ، انها بالتأكيد المقصودة تحدثت بلهجتها المتعالية قاصدةً الحارس خلف الباب : انتظر هناك .
    دخلت احد المراحيض في حين حاول هو الحفاظ على هدوءه كي لا تشعر به ومن حُسن حظه انها لم تُجرب الباب الذي يقبع هو خلفه ، اخرج ذلك الشيء الاسود الذي جف بعد ان وضعه مدةً في جيبه وارتداه على وجهه حيث غطى ملامحه تاركاً عيناه حتى يرى مُحيطه بوضوح وشيء اخر كان في جيبه والذي تبين انه حبل سميك امسكه في يده مُستعداً للهجوم .
    سمع صوت الباب يُفتح يليه صوت الماء المُتدفق من الصنبور حينها جائت فرصته فتح الباب بهدوء واستقر خلفها جاثياً على ركبتيه ومن دون ان تشعر هي او حتى الحارس خلف الباب انقض عليها لافّا الحبل السميك على عنقها بيدٍ واحدة في حين قامت اليد الاخرى بكتم صرخاتها وسرعان ما أغميَ عليها لقلة الهواء المار في حلقها ، قام بسحبها على الارضية وحرص على ترك الصنبور مفتوحاً لتشتيت الحارس وكان يجب عليه ان يسرع فليست سوى دقائق حتى يكتشف الحارس اختِفائها ، جذبها ناحية الجدار فبدى وكأنه قد اخترقه معها لكن هذا لم يحدث ، كان قد رسم على قطعة من القماش بحيث يبدو شكلها كأنها قطعة من الجدار في حين كسر جزءاً من لوح الجدار الحقيقي في وقت لاحق ليُشكل فتحةً يستطيع الهرب خلالها مع الضحية وتوهم اي شخص اخر على انه مجرد جدار لا شيء غريب فيه ، هذه احدى فوائد الفن الذي يمارسه ، قام بحمل الضحية ليسرع العملية لم يكن المكان بعيداً فأخذ يركض بأقصى مالديه خلال الغابات ماراً بالساحل واخيراً الى كوخٍ قديم تداعت اجزاءٌ منه تغطيه كثافة الاشجار ترك الضحية خلفه في حين اخرج مفتاحاً ليفتح الباب ثم ادخلها ، اجلسها على مقعد خشبي واحكم عقدة يديها على المقعد وقدميها كذلك مانعاً إياها من الهرب ، وضع شريطاً على فمها ليمنعها من الصراخ وحتى لو حاولت فلا أحد سيسمعها في مكان كهذا فتش جيوبها عن أي شيء قد يفضحه وبالفعل وجد هاتفها النقال سيعرفون مكانها بسهوله ان لم يهشمه وبسرعة دون أي تفكير رماه بقوته على الارض ومن ثم ركله بقدمه عدة مرات حتى تأكد من توقفه عن العمل ، تركها مُقيدة عاجزة عن فعل أي شيء مُغلقاً الباب خلفه بالمفتاح ثم خلع قناعه رامياً إياه مع سلاحه ليغوص في اعماق الشجيرات الكثيفة ثم ركض بسرعته الفائقة عائِداً للمعرض .
    لم يحتج سِوى خمسة دقائق حتى وصل لبابه الامامي وقف عنده يلتقط انفاسه ولم يكن  يحتاج الكثير من الوقت حيث كانت لياقته العالية تساعده ، دخل كأي شخص طبيعي ولم يبدو بأنه ارتكب جُرما ولم يبدو كذلك بأن احداً اكتشف او لاحظ اختفاء الفتاة ، كان اول شيء استقبله ووقع نظره عليه عند دخوله للمعرض فابتسم له وهو لوحة الفتاة المُحترقة يعلوها اسمه بخط اسودَ عريض  " هوبرت اريستون"



    انتهى الجزء ...

  5. #4
    - اين ذهبت ؟
    سأل ستيوارت الذي كان قد نسيَ امره تماماً
    اجابه ببروده المعتاد : اخذت جولة قصيرة في المعرض ، لكن دعك من هذا الآن .
    اردف مشيراً الى لوحة الخوزقه : هل تعرف لمن هذه اللوحة ؟
    نظر ستيوارت الى المكان الذي يشير به اصبعه وتحرك بضعة خطوات ليقترب منها ثم رفع نظارته ليقول مُستغرباً : غريب ألا يوجد اسم عليها ؟
    - بحثت عنه لاتتعب نفسك
    عاد احساس ستيوارت بمحيطه حين صاح : ثم يالها من لوحة مريبة لمَ ترغب بمعرفة صاحبها؟!
    قال بشيءٍ اشبه بالهمهمة : غرابتها هي السبب.

    مضت ثوانٍ قليلة كانت اشبه بالهدوء ماقبل العاصفة قبل ان يدخل الحارس دورةَ المياه ليكتشف اختفاء سيدته المفاجيء كان مُحترماً لينادي عليها عشر مرات قبل ان يدخل حين لاحظ سكونها ، فتح جميع ابواب المراحيض ولا اثر لها بدى له بأنها قد تبخرت فجزع حينها وخرج فاتحاً الباب على مصراعه منادياً على العائلة التي لم تكن لتدري بشيء عن حالة صديقة ابنهم الذي لم يلاحظ تأخرها هو الاخر ، صاح الحارس بفزع : سيدي اختفت .. اختفت !!
    رد الاب معقداً حاجبيه يحاول فك طلاسم ذلك الحارس : ماهي التي اختفت ؟
    - روز لقد اختفت !!
    صرخ الاب بنفس نبرة الحارس الهلعه : اختفت أين ؟!
    اجابه الحارس الذي بدأ شعور يراوده بأن نهايته اقتربت : تركتها في دورة المياة وانتظرت خارجها كما طلبت ، تأخرت فناديت عليها عدة مرات وحين لم تجبني دخلت بنفسي باحثاً عنها ولم يكن لها أيُ اثر !

    كانت آلات التصوير ماتزال تلتقط صورها في حين صاح الاب فيهم بغضب : اغلقوا تلك الآلات البغيضة
    اردف بعد سكوت حاول فيه ترتيب افكاره : مارغريت اتصلي بالشرطة وابلغيهم عن حالة اختطاف
    اومأت زوجته المذعورة واخرجت هاتفها وراحت تضغط على ازراره بيدٍ راجفة ووضعته بجانب اذنها ومع كل رنة يزداد نبض قلبها
    اما الشاب صديق الضحية  ظل واقفاً بسكون ربما من الصدمة لمدة قبل ان ينفجر في وجه ذلك الحارس قائلاً وهو يمسك بملابسه يهزه بعنف : لما لم تكن معها أيها الاحمق عديم المسؤلية!!؟ انه القاتل نفسه مُختطف النساء سيقتلها في النهاية .. سيقتلها !!
    اوقفه والده بحدة : سيفعل مالم نهدأ ونسرع بالتفكير في حل عقلاني
    لم يتفاعل الشاب مع كلام والده ولم يبدو بأنه اثر عليه في شيء غير انه جعله يفلت ثياب الحارس هاماً بالمغادرة لمكان ما وهو يصرخ فيه بنفس نبرته السابقة الغاضبة ماداً سبابته ناحيته : لِتدرك انها نهايتك ايها الحقير!
    تبين لاحقاً انه متجه لمكان اختفاء الضحية بخطواته الغاضبة التي جعلت من الحضور يتحاشون الوقوف في طريقة خشيةً منه
    تنهد الأب وهو ينظر لإبنه الغاضب والذي ييدو ان عقله لم يعد يعمل بشكل صحيح لشدة قلقه عليها ، التفت الى زوجته التي همت بإغلاق هاتفها ووضعه فس حقيبة اليد خاصتها ليقول : اذا ماذا حدث؟
    - سيأتون قريباً
    قالتها وهي ماتزال ترتعش
    - من الافضل ان يسرعوا فنحن لانملك وقتاً.

    قال هوبرت لستيوارت الذي لاحظ بأن الشاب يتجه لدورة المياه : ارغب برؤية مكان اختفائِها
    اجابه مُستنكراً رغبته تلك : وماذا تُريد منه ؟ ، انت لست من الشرطة صح؟
    - لكني مُهتم
    لم ينتظر ان يمنعه او حتى رداً منه بل تركه في مكانه وذهب يسير بخطواتٍ سريعة لكنه حافظ على هدوئه لكي لا يثير الريبة ، دخل إليها فوجده يفعل ماكان يخشاه !
    كان يضغط بعشوائية على جدرانه بكلتا يديه في حين سأله هوبرت : ماذا تفعل ؟
    رمقه الشاب من اخمص قدميه حتى رأسه قائلاً في تعجب بدى فيه شيء من الغضب : هل انتَ من الشرطة ؟
    - لا لكني استطيع المساعدة
    بدى الشاب فاقداً للأمل مشوش العقل حين تنهد ونظر الى الارض بحزن حيث كان يحتاج للمساعدة بشدة من أي كائن كان حتى لو كان الخاطف نفسه !
    فقال له موضحاً : من المستحيل ان تكون روز قد تبخرت هكذا ، لابد من وجود مكان سرّي وانا ابحث عنه الان.
    عقد هوبرت حاجبيه لم يوقع ان هذا الغني المدلل لديه شيء من العقلانية في رأسه ، كان اخر شخص توقعه بأن يكتشف حيلته تلك ، لكنه جهز نفسه لحالات طارِئة كهذه حيث قال بهدوئِه : معك حق ، فكرت بنفس الشيء حين سمعت حارسها يقول بأنها اختفت ، لايمكن لشيء ان يختفي بدون سبب الا اذا كان شبحاً !
    صمتا كلٌ منهما في هدوء يفكر بحركته التالية قبل ين يردف هوبرت : يمكنني مساعدتك ان احببت ، فلا شيء يسعدني الا القبض على ذلك القاتل ومحاكمته
    شد على قبضته متصنعاً الحزن والغضب وقال بصوت هاديء يحفه الغضب : لقد اخذ اختي مني ..
    بدى من ملامح الشاب الآسفة بأنه قد تعاطف معه وهذا مايريده لكن مالا يريده هو ان يسأله كيف حدث ذلك وبالفعل اخرجها من فمه : انا آسف لسماع هذا ، ماذا حدث ؟
    لا وقت لديه للثرثرة فالشرطة ستصل قريباً ولا يريد ان يكون متواجداً بينهم فهم اذكى بكثير من هذا الشاب وقد يكتشفون أيّ شيء يُخفيه بمجرد ان يكون بينهم ! فقال بنفس نبرته الحزينة وقد اشاح بوجهه : لا ارغب بالحديث عن هذا الآن
    ثم اردف وقد اضاف لصوته القليل من الغضب والجدية : من الافضل ان نسرع البحث عن الممر  فلا وقت معنا
    اومأ الشاب بالإيجاب والقلق يعتريه وبدآ معاً يبحثان عن أي شيء يقودهم لخارج هذه الجدران غير الباب ، وبما ان هوبرت يعرف مكانه فهو سيحميه ، وقف عنده يمد يديه على الجدران المجاورة له حتى لا يقوم الاخر فيه  ، وعندما رآى بأن قدرات الشاب محدودة فأنه لا يقوم الا بتجريب الجدرات التي بجوار المغاسل والارضيات علّه يجد سرداباً يقوده لمكان اخر فقرر اعطائه تلميحاً  : جرب البحث داخل المراحيض
    صاح الشاب معارضاً  : هل تمزح ؟! ، لن ابحث في مكانٍ قذر كهذا !
    اجتاح الغيظ هوبرت الذي بدى بإنه يبدأ فقد اعصابه ، الوقت يداهمه وهذا يخشى على ملابسه الغالية من الاتساخ او ان تتشوه سمعته عندما يدخل ويبحث بجوار المرحاض ! فصرخ فيه ولم يحاول حتى ان يضع في كلامه بعض الهدوء او الترتيب : اذا فليشنق القاتل صديقتك ويعذبها  ويقطع ساقها الجميلة ويأخذ دمها ثم يرميها بجوار الساحل كالأُخريات !
    شعر بأنه سيفضح نفسه لو لم يهدأ ويتحدث بعد تفكير لاسيما عندما نظر الى وجه الشاب المصدوم فقال بعدما استعاد هدوئه : هذا ما سيحدث لو لم نسرع
    اومأ الشاب بقلق ولم ينطق بشيء فكلامه ذاك ارعبه وراح عقله يصور له طُرق التعذيب الشنيعه التي ستُصيبها لو لم يسرع ويتوقف عن تفكيره الصبياني ، دخل الى احد المراحيض بينما ابتسم هوبرت براحة وزفر ما في رئتيه من هواء قائلاً بصوت هاديء : نجحت
    في الوقت نفسه الذي صاح الشاب بحماسه قلقه : وجدت شيئاً !

    فخرج هوبرت من المكان بعد ان اتم مهمته على اكمل وجه ثم نظر الى ساعة معصمة وهو يسير مبتعدا عن دورة المياه قدر المستطاع والتي كانت تُشير للحادية عشر والنصف لم يتبقَ الّا نصف ساعة ويخرج من هنا ليُتم ماتبقى من مهمته الشاقة فالشرطة لن تستطيع منع الحضور من الخروج لحتى منتصف الليل ، وبذكر ذلك كانت الشرطة تحوم حول المكان وما إن اصبح صوت سياراتها مسموعاً حتى خرج ذلك الشاب من دورة المياه يصيح : وجدت شيئاً .. وجدت شيئاً !!
    بالفعل هو قد وجد شيئاً لكنه لايستطيع تفسيره بنفسه يحتاج احداً لمساعدته فعندما لم يجد هوبرت بإنتظاره اسرع بالبحث عن غيره

    كان الكثير من الحضور لم ينتبهوا بعد لإختفاء الفتاة حتى جائت الشرطة فجعلتهم يهلعون صارخين بذعر يطلبونهم الخروج لكن رئيس الشرطة منعهم وبشدّة قائلاً : لن يخرج اي احد حتى نقوم بإستجواب الجميع ، فهذه قضية مهمة بالنسبة لنا فلا يمكن المخاطرة بجعل القاتل يهرب وهناك فرصةٌ كبيرة بوجوده في هذا المكان
    فصاح ضابطٌ بجواره والذي يبدو جديداً على مهنته معقباً على كلام رئيسه : لا تقلقوا لن يستطيع قتل احد اخر بينما الشرطة تحوم حول المكان !
    فلم يزدهم الا ذُعراً وخوفاً وجعل من رئيسه يرمقه بنظرةِ عِتاب مغزاها " انت مطرود"

    كان احد الضباط يتحدث مع العائلة وبالتحديد مع الاب الذي قام بسؤاله يحمل دفتره : هل جربتم الاتصال بهاتفها؟
    اجابه الاب الذي لم تعد له حيلة ولا قوة للتفكير او البحث عنها بنفسه فإستعان بهذا الضابط القابع امامه : فعلنا لكن لا اجابة ، الخط كان مفصولاً .
    فاستنتج الضابط بأن الهاتف قد كُسر وهمهم بفهم ثم انتقل للسؤال الاخر الذي وجهه للحارس : ماهو موعد اختفائِها ؟
    اجابه الاخير دون افادته بشيء : لا اعرف سيدي ، لم اجد الوقت الكافي للنظر في الساعة
    فعقبت مارغريت : انا اعرف ، نظرت لساعة هاتفي عندما كنت اهم بالإتصال بكم بعد ان جاء الحارس يصرخ ، كانت تُشير للعاشرة والنصف .
    فردد الصابط ورائها يكتب على دفتره : وقت اختفاء الضحية العاشرة والنصف .
    ثم راح يسألهم اسئلة لم تُفد التحقيق بشيء لكنها كانت ضرورية
    في حين جاء الشاب الهلع ناحيتهم وكأنه قد اكتشف مكانها ، سأله والده عن علّته ومالذي وجده فأجاب مُتجاهلاً والده الذي يعرف بأنه لن يُفيده في شيء فقصد الضابط : تعال معي ، وجدت ممراً في دورة المياه !
    فأجاب الضابط بإرتباك : لكن ليست لي الاحقية بدخول مسرح الجريمة
    فلم ينتظر الشاب اكثر حيث جذب رداء معصمه يجره لحيث ما إكتشف .

    كان هوبرت الذي التقى بستيوارت لحظة خروجه من دورة المياه يراقب تحركات الشرطة بعينيه عن كثب ، بدا له ان كل شيء يسير كما يريد وكل ماعليه فعله الان هو انتظار النصف ساعة تلك التي لم يتبقَ منها الكثير حيث ستبدأ المظاهرات بالخروج ولن تستطيع الشرطة فعل شيء ولن يضطر للخضوع لإستجوابها ، وبينما كانت عينيه تجول في انحاء المعرض تركزت على تلك السيدة البدينة ذات الوجه المصبوغ بالمكياج تتحدث مع ضابطين ، اصبح صوت نبض قلبه مسموعاً لذعره لكنه حافظ على ركون وجهه ، تلك السيدة ستفضحه ان رأته ، لقد كذِب عليها عندما اخبرها بأنها اخطأت دورة المياه وبالتأكيد اكتشفت ذلك ! وهذا دليل قاطع يشير بأنه الفاعل ، راح يحاول بمحاولات فاشلة اخفاء وجهه عنها وهذا لم يزده الا اشتباهاً ، نظر لساعته يرجوها الإسراع وبالفعل بعد دقائق اصبحت تُشير للثانيةَ عشرة تماماً ، فأطلق تنهيدة ارتياح فهمها ستيوارت على انها تنهيدة ضجر وقلق فسأله في ضيق : هل انت قلق على زوجتك المريضة ؟
    لم يتوقع سؤاله ذاك لكنه جاء في وقته ولم يتحدث الا بكلمة واحدة قالها بعد ان صنع تعابير قلق على وجهه : صحيح..
    صمت ستيوارت حيث شعر بمشكلة صديقه مع انه لم يجربها قط فلم يكن حتى متزوجاً لتكون زوجته مريضة لكنه تفهم الامر وعليه مساعدته للعودة لمنزلة فزوجته وابنته يحتاجانه والوقت تأخر كثيراً فقال مُطمئناً إياه : لا تقلق سأتحدث معهم

    اصبحت الأُمور تسير لصالحه الان فستيوارت هو من سيبدأ المظاهرات ولن يُضطر هو لأن يُري وجهه للشرطة وماسيفعله الان هو تحاشيهم وتحاشي السيدة البدينة المُزعجة ، وبالفعل راح ستيوارت يتحدث مع احد الضباط يهدوء لكن الاخير زجره ورفض مطلبه بحجة أيّا منكم بإمكانه ان يكون القاتل فسمع ذلك بعض الاشخاص اللذين كانوا يقفون على مقربة منهم فراحوا يتهامسون بغيظ تعلوا وجوههم نظرات حاقدة استنتج هوبرت بأنهم ينتقدون اسلوب الضابط الوقح وسُرعان ماتحولت تلك الهمسات الى صرخات غاضبة في وجه الضابط تُطالبه بإطلاق سراحهم
    - دعونا نخرج من هنا !
    - الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة لدينا عائلات تنتظرنا اخرجونا !
    - نحن لسنا مساجين !!!
    بدؤا المُظاهرين يزدادون وبالتالي زاد عدد الضُباط الذين يقومون مُرتبكين وبلا جدوى بتهدئة الكُتل الغاضبة التي يزداد حجمها تدريجياً .
    لم تستطع الشرطة فعل شيء بعد ذلك سِوى الانصياع لهم او قتلهم ! والخيار الثاني كان مستحيلاً فلذلك ليس بيدهم الا تنفيذ الخَيار الأول وبالفعل افسحوا الطريق الذي كانوا يسدونه بأجسادهم يرمقون الزوار بنظراتهم الخاضِعة في حين ابتسم بعضهم في وجوه الضُباط ابتسامة نصر ورضا وأولهم كان هوبرت الذي لم يصدق ان الباب فُتح اخيراً ليقوم بتنفيذ فصله الثاني من الجريمة .

    استقر هو وستيوارت على طريق منفصلة يُودع كلٌ منهما الاخر ثم سارا في طُرق مختلفة وما إن ابتعد هوبرت عن محط انظاره او انظار أي شخص آخر سلك طريقاً مختلفاً يشُق الغابات ولم يمر بالساحل هذه المرة ، المَنطقة التي اختارها لتنفيذ جرائِمه تُشكل مكاناً إستراتيجياً بالنسبة إليه فهي قريبة من منزله وفي الآن ذاته لا تبتعد عن الشارع الرئيسي الذي يحوي المعرض فبذلك بإمكانه اختطاف من يشاء والعودة لمنزلة دون اعاقة من الوقت ، انتهى به المسير الى الارض ذات الاشجار الكثيفة والشجيرات الكثيرة التي غطت جزءاً كبيراً من الكوخ الخشبي ، لن يستطيع أي شخص يزور هذا المكان للمرة الاولى ملاحظته لكن هو اعتاد التردد إليه .

    اخرج مفتاحه وفتح الباب ليجد القتاة شاخصة العينين راجفة الجسد تحملقُ فيه بذعر ، تجاهل هو تلك النظرات التي اعتادها ، نظرات اليأس المُرتعبة عندما تعرف ان من امامها هو قاتل متسلسل لايرحم قرأت عنه الكثير وسبب لها الكوابيس تتخيل ان تكون مكان اِحدى الفتيات المِسكينات لكنها لم تتصور يوماً ان يحدث لها هذا بالفعل وعلى ارض الواقع بعيداً عن كوابيسها ، حاولت الحديث وربما الصراخ او حتى الرجاء لكن الشريط الذي يُغلف فمها منعها، فما أمكنها سِوى اخراج الهمهمات الخالية من المعاني والغير مفهومة .
    فتح احد ادراج الخرانة الكبيرة على يمينه التي امتلأت بالأدوات واخرج قفازيه ليرتديهم على يديه الباردتان والخاليتان من الرحمة ، ومن ثم فتح درج اخر بجوار الاول لِيُخرج ماجعل من الفتاة خلفه تصرخ بصوت مكتوم مذعورة وتبدأ دموعها التي ملأت عيناها بالإنهمار غزيراً ووجهها محمر ، تقدم ناحيتها بذلك المنشار الضخم ! ، كان يبدو كالمنشار الذي يُستخدم لقطع الاشجار الفارعة الطول لكن مالذي سيفعله بجسد فتاة اصغر من تلك الشجرة بكثير ؟
    وفي كل خطوةٍ يخطوها مُقترباً تزداد رغبة الفتاة بالتمسك بحياتها فتقاوم وكأنها صُعقت كهربائياً تنتفض في ذلك المقعد الصلب تصرخ تحاول تحرير نفسها بينما حاولت الكثيرات قبلها ولم ينجحن ، ومع كل تلك المقاومة لم تنجح الا في تحرير الشريط الذي يُقيد فمها لتنطلق صرخاتها تزلزل المكان لتصدع في رأسه فجعلته يغضب !
    ولم يُكن اخراسها امرٌ صعب بالنسبة له ، ادخل يده في فمها المفتوح عن آخره وامسك لسانها بقبضته ، حاولت عضه بأسنانها القوية لكن ذلك لم يُفلح الا بزيادة غضبه وإحمرار وجهه ، فسحب اللسان بقوة شعرت به يتمزق فتعض لسانها عوضاً عن يده مما جعل دموع عينيها تصب غزيراً كصنبور الماء وازداد انتفاضها ، لكنه لم يتوقف عند ذلك بل امسك بيده الاخرى المنشار الضخم
    - هذا اللسان يجِب ان يُخرس !!
    وقطع ماتبقى سليماً من لسانها ، انتفضت انتفاضه اخيره وشهقت  قبل ان تفقد وعيها مُجدداً وكان اخر شيء رأته واحست به هو طعم الدماء يسيل غزيراً من فمها الذي لم يعد بمقدوره الصراخ بعد الان .


    انتهى الجزء...

  6. #5
    .



    عليّ أن أكون موجودة هنا !!
    عليّ ذلك لأن هذه الفكرة رهيبة والأسلوب رائع !
    حجز طبعها embarrassed
    هل على هذه القطعة أن تكون طويلة بهذا الشكل ؟ laugh
    عموماً هذه رواية أوليس كذلك ؟ paranoid
    attachment

  7. #6
    شكرا جزيلا على دفعك المعنوي هذا embarrassed
    صحيح هي رواية ربما يكون مشوارها طويل بعض الشيء laugh
    بإنتظارك عزيزتي واتمنى تُعطيني رأيك بكل بأريحية ومصداقية فهذا ما أحتاجه embarrassed

  8. #7

  9. #8
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته embarrassed ، كيف حالُكِ عزيزتي ؟ بخير كما أتمنى cheeky لقد استغرقتني القراءة وقتاً أطول من ما كنتُ أظن خصوصاً في الأجزاء الأولى hurt اظن أن هذا بسبب مشاعِراً راكدة من وصفك paranoid لا أدري لماذا لكنني أشعر بالخمول laugh لكن الأمر تغير مع النصف الآخر embarrassed آخر مقطعين embarrassed أتعلمين ما هو السبب الذي فكرت فيه ؟ في بعض المواقع يكون وصفك مبالغاً او لسنا بحاجةٍ إليه بشكل ما .. لكنها جمل متعددة رغم ذلك هي توجِبُ الضجر .. لكن لا تخافي ، في المقطعين الآخرين كل شيء تبدد ، لأن الأحداث وجِبت الوصف بشكل دقيق biggrin على كل حال ، أنا سعيدة حقاً لقراءة تحفة فنية مثل هذه !! إن قصتك غاية في التشابك رغم بساطتها !
    هوبرت أريستون وما أدراك من هوبرت هذا cheeky هل هو مريض نفسي ؟ paranoid بالنسبة لي .. السفاح الرائع هو الذي لا يجعل الآخرين يلاحظون رغبته المتعطشة بكونه دموياً embarrassed لا أدري هل تعمدت ابرازه بهذه الطريقة السوداوية أم لا ، لكن هذا الهوبرت أشعر أنه كتب على جبينه : انظروا إليّ إنني انا القاتل ! laugh أتعلمين ؟ منذ المشاهد الاولى مع عائلته قبل أن يخرج للمعرض وعندما أغلق التلفاز على ابنته الصغيرة قلت في نفسي : لا يريدها أن تشاهد الأخبار paranoid إنه هو beard إنه هو القاتل !! tired ، أعني ، الشخص الدموي يكون عادةً سعيداً بان ينقل دمويته إلى الآخرين وبالأخص الأقربين إليه ، لكنه يمنع زوجته من دخول مرسمه ، ويمنع ابنته الصغيرة من مشاهدة أخبار القتلى ( القتلى الذين وقعوا ضحيته هو ) !
    ثم ما قصة زوجته المتخلفة ؟ لم الجميع في روايتك إما حمقى كصديق هوبرت أو مضطربين نفسياً كزوجته ؟ laugh الأمر يجعلني أفكر حقاً ، أعني .. أفعالهم متناقضة بشكل كبير ! ساعةص تكون الزوجة مضطربة وتريد أن تكسر كل شيء في هذا المنزل ويغشاها سواد لعين ، وساعةً يكون مزاجها مزاجَ حفلات ! ثم .. لقد بقيت مع زوجها فترة طويلة كما أظن paranoid من المفترض أن تعي أن الحفلة قد لا يحضرها ، أعني .. إنه حتى يتجاهل طعام الغذاء .. أتريد أن تقيم حفلة عيد ميلاد لهذا الرجل الكئيب ؟؟ أراهن على أنه سيسأم منها ويخبرها أنه متعب بعد أن يعود laugh إنها الساعة الثانية عشرة مساءً ! وسيكون من الطبيعي من بعد أن يقتل جثة ما أن يختلط عقله بكل المشاعر السلبية .. السفاح الحقيقيّ حقاً والذي يكون مجنوناً : ليس قاتلاً مخبولاً فقط ، بل جُن دماغه ! هو الذي يكون في مزاج جيد بعد أن يذبح فتاة ما ويذهب لأكل كعكة عيد ميلاده laugh لذا أعتقد أن زوجته واهمة .. اعني هي حقاً لا تعرف أنه القاتل لكنها سترى أنه سيعود متعباً بعد الثانية عشرة ولا يرغب برؤية وجهها !! ogre وهنا يتضرب ابنتها المسكينة مجدداً tired ماذا تريد أن تصنع ؟ هل تستوعب أن الطفل الذي يُضرب عندما يكون صغيراً ينتج عنه شخص مريض نفسياً ؟ الإكتئاب مثلاً او كل الأمراض الروحية والعقلية السيئة التي تخطر على البال !
    ودعيني أخبرك بشأن الفتاة الصغيرة tired إنها على وشك أن تنتهج نهج والدها ، والدليل على ذلك أنها تحب أن تستمع لمعاناة الأخرين لأنها ستعرف أنها ليست وحيدة في معاناتها ، وقريباَ جداً بعد أن يسود السّلام المؤقت بعد المشاكل سترغب بأن تجعل الآخرين يعانون لانهم لا يحصلون على نصيب كافٍ من المعاناة ! وبعد رغبتها ستعمل بالفعل على جعل الآخرين يتألمون .. الفتاة في طريقها لتصبح ماسوشية ! ( محبة التعذيب النفسي والجسدي tired ) وكل هذا بسبب والدتها المريضة ووالدها القاتل knockedout .
    على أية حال ، لازلت على عهدي ، إظهار أفعال بعض الشخصيات غير منطقي ، لا يمكن لصاحب الثراء أن يتعاطف مع انسان أقل منه مرتبة كما حصل في الحمام .. المُرجح أن يقول الشاب : أنا لست مهتماً بك وبمصائبك ، فلتبحث عن فتاتي ! .. ولنقل أن وجود ذلك الشاب في الحمام أصلاً خاطئ laugh من المرجح أو البديهي أن يجعل الأب رجاله هم من يقوموا بالبحث عن الفتاة .. فالأب والإبن هم أكثر منزله من دخول دورة المياه للبحث ! كما أيضاً أمر بديهي آخر أعتقد أنك أخطأت بشأنه biggrin الحمامات .. هذه القصة ليست في بلد اسلامية ، ومن المعروف أن حمامات الرجال مختلفة عن النساء .. مثلاً المكان الذي يتبول فيه الرجال موجود في الحمام ولكن ليس في غُرف صغيرة مغلقة paranoid لهذا سيكون من الحُمق أن تُصدق تلك المخبولة أنها في حمام الرجال وهي داخل الحمام ، يعني أنها رأت ما بالداخل .. يعني أنها لم ترى المكان الذي أقصده .. وفي النهاية هذا حمام النساء بالفعل laugh ! إلا لو كانت خارج دورة المياه paranoid لكنك قلت أنه بعدما فتح الباب استقبلته السيدة البدينة ، واستقبلته يعني أنها كانت في الداخل وهو فتح الباب لتظهر هي أمامه . embarrassed عموماً بعض الأمور كانت غير منطقية knockedout لكن هذا لا يعني أن القصة سيئة أبداً !! إنها رائعة وأنا متحمسة للتوغل في نفسيات شخصياتك المريضة laugh !
    متحمسة للبارت الثاني بشكل كبير جداً embarrassed سعيدة لأنك جلبتِ شيئاً طويلاً asian لكن المرة القادمة ضعي كلماتٍ تُحرّك ركودَ وصفك لأن لا تكون الحياة اليومية البسيطة لشخصياتك ذات طابع ممل قليلاً hurt أراكِ على خير ما يرام embarrassed في أمان الله

  10. #9
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، انا بخير ولله الحمد شكرا لسؤالك ، بدايةً لم افهم السبب الذي جعلك تشعرين بالخمول في البداية هل هو بسبب ان الوصف طويل ومبالغ فيه ؟ ، ام بسبب تكرار الكلمات ؟ ، وان كان الجواب هو الاول فسأعتبره مديحاً laugh ، لان الكاتب الجيد يحتاج لإسبال الوصف وكل ماكان الوصف طويلاً وشاملاً كان هذا من ايجابيات الكاتب وربما شعرتِ بالخمول لان نفسيتك لم تكن مفتوحة للقراءة تأتيني هذه الحالة كثيراً في بعض الاحيان ، وان كان الجواب الثاني وهذا ما أُرجحه لانني لاحظت تكراري للكلمات وانحصارها في كتاباتي سأُوافقك بشدة وسأُحاول توسيع مفرداتي بإذن الله

    بالنسبة لشخصية البطل ، تعمدت ان يعرف القاريء امر انه قاتل متوحش منذ البداية ممهدةً بذلك عندما قرأ لإبنته تلك القصة الوحشية لأنه البطل واغلب الاحداث ستدور حوله ففضلت ان يعرف القاريء حقيقته في وقت مبكر ، لكن لم اُرِد ابداً ان تعرف ايٌ من الشخصيات التي ذكرتُها بحقيقته ولا اعتقد بأنه كان واضحاً للعيان بأنه القاتل في منظور الشخصيات لان الشخصيات لم تكن تعرف انه حكى لإبنته القصة وانه يمنع زوجته من دخول المرسم او حتى بأمر عصبيته سِوى زوجته وابنته بالطبع وسيتضح كل شيء بإذن الله مع مرور الاحداث ، وايضاً شخصية البطل ليست ذلك النوع من الشخصيات الدموية التي تقتل لأجل القتل وتتلذذ به وتفتخر بفعلاتها بل على العكس ، يقتل لأجل اسبابه الخاصة التي ستعرفينها فيما بعد بإذن الله

    شخصية زوجته المتناقضة يِجب ان تكون مُتناقضة فهذه شخصيتها laugh ، لكن لم افهم لما وصفتِ صديق البطل بالاحمق ؟
    وايضا لماذا حكمتي على الشاب الثري بأنه غير متعاطف واناني ؟ ، هل يموت قلب الانسان عندما تزداد نقوده ؟ ، صحيح اني ذكرت سابقاً بأنه كان مُتكبرا
    لكن تلك كانت من وجهة نظر هوبرت فقط ، كان يراه انانياً للسبب ذاته الذي رأيتِه انتي فيه انانياً " الثراء"
    لكن عند التحدث معه ومعرفته عن قرب يتضح بأنه عكس ذلك ويتبين ضعفه الذي خُفيَ خلف ستار الثراء

    اما الطامة الكبرى التي غابت عن عقلي تماماً " الحمامات " laugh
    كيف نسيت تلك المعلومة المهمة laugh
    سأحاول التركيز في المرة القادمة واتذكر ان ما أكتبه لا يدور حول مُجتمعي

    وشكرا جزيلاً عزيزتي على اعطائي شيء من وقتك وقراءة ماكتبت واطلاعي على رأيك كاملاً دون مجاملة ، شكرا من
    القلب embarrassed

  11. #10
    حجز لي عودة بعد قراءة الابداع ,بعد الامتحانات ان شاء الله
    واصلي الي الامام دوما

    في امان الله تقبلي مروري e414
    سبحـــــــــــــــانـ اللــــه و الحـمدلله و لا إلهه إلا الله و الله أكـــــــــــــــبر

  12. #11

  13. #12

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter