مشاهدة النتائج 1 الى 5 من 5

المواضيع: معدن زائف

  1. #1

    معدن زائف


    "معدن زائف"



    "كانت السيدة مايسي برينت حبيسة الفراش عندما أمطرت السماء رماداً".

    لم يكن هذا إلا تعبيراً متطرفاً للسيد رايموند كان قد اعتاد عليه كلما أراد أن يقول أن إحدى شخصيات روايته تعاني من اكتئاب حاد غير قابل للشفاء حتى ولو بقطعة شكولاتة سوداء لذيذة، والكآبة عند رايموند لها مدلولاً  ليس باعتيادي، ولو اتفق جميع قُرّاءه على أنه واقعي إلى حد كبير. كانت السيدة مايسي تعاني من تساقط الشعر المستمر، وعلاوة على ذلك أحب رايموند أن يضيف تفصيلة أشد قساوة من هذه حيث كتب بأسلوب لا يخلو من التعسف والفظاظة أن الشيب وجد طريقه إلى شعر رأسها كغابة جرداء عارية من كل شيء فيما عدا ثلوج الشتاء ناصعة البياض، كان قد أعرب عن نيته في تجربة وصف تجاعيد فمها حديثة الظهور أيضاً، ولكنه قرر أخيراً أن هذا كثير وملاحظ على نحو غير لائق، معجباته لن يروق لهن ذلك، وقد لايتلقى كتابه الترحيب المتوقع من معشر النساء، خصوصاً من هن فوق الثلاثين. السيدة مايسي برينت كانت رمزاً للفتنة الساحرة والأنوثة الطاغية من قبل لدرجة أن سيقان أكثر الرجال تماسكاً أمام محاسن النساء تتداعى أمام نظراتها التي تسبر الأغوار، والآن بعد أن قرر أنه حان الوقت لتصبح عجوز أخيراً لا شك أن هذا سيدمر فتيات كثيرات للغاية وكأنهن كُن يتوقعن أنها ستدوم  شابة حسناء للأبد.
    هل السيدة مايسي برينت كانت تستحق كل تلك الشُهرة حقاً لدرجة أن تصبح رمزاً للموضة والجمال بين فتيات عصره؟
    لم يكن رايموند يقصد كتابة شيء كهذا بالمرة، دائماً ما يُساء فهم كتاباته وربما السبب هو أنه يكتب بطريقة من المرجح أن تفهم بشكل خاطئ، حتى لو كان الأمر كذلك لايزال الجوهر واحد، وتمنى من أعماقه ألا تثور النساء ضده عندما يصدر الكتاب لأول مرة، ثم خطرت له فكرة آمل أنها عبقرية بما فيه الكفاية.
    ربما لو أضاف عبارة كهذه "ومع ذلك بدت مايسي بشيبها الفضي كمن كُلّل شعره بزهور الياسمين البيضاء اللامعة في صباحات الخريف النَديّة" سيجعلهن هذا أكثر تقبلاً للحقيقة المؤلمة.
    عندما قرر رايموند كتابة شخصية كهذه أرادها أن تكون صورة موازية لإمرأة سيرحب بكل تأكيد بخنقها لو ظهرت على عتبة بابه في هذه اللحظة..زوجته السابقة الجاحدة بارعة الجمال، لم يكن يستحق مخلوقة مخادعة مثلها وقد عزم على ألا يرتبط بإمرأة أخرى عندما علم أنها كانت تسرق أفكاره الخاصة المُدونة والمحفوظة بشكل سِرّي لجمعية كتابة لتفوز في كل مرة بلقب "ملكة الأفكار الفريدة" ومن ثم تنال قدر لابأس به من المال.
    فكر والاحباط يتملكه:
    "لم يكن ينقصها المال من الأصل عندما كانت تحت عهدتي"
    وهكذا كان من المفترض للسيدة برينت أن تكون مكروهة بدلاً من أن تكون محبوبة، لا يفهم رايموند كيف يمكن للذوق العام أن يكون مختلاً هكذا لدرجة أن يرحب الجميع بفكرة أن تسرق المرأة من زوجها حتى ولو كانت بارعة الجمال وشديدة الأناقة. وما جعل شعوره يزداد سوءاً هو أنه تلقى رسالة من زوجته السابقة تقول فيها وقد طبعت قبلة حمراء بشعة في نهاية أسطرها:
    "لقد أحببت الطريقة التي أبرزت لنا بها السيدة مايسي يا رجلي السابق العزيز، تقول أنها بارقة لدرجة أنها تعمي البصر؟ أفهم الآن لماذا لم تكن تستطيع التحديق في لأكثر من بضعة ثوان، كانت إليزا تهمس بينما كنا نقرأ بضعة أسطر من الجزء الأول (ألحان الخريف) أنه لابد للزوج أن يكون أكثر تسامحاً إذا ما منّت عليه الحياة بإمرأة مثل مايسي برينت، أرأيت؟ يجب أن تكون هذه رسالة لكل رجل متزمّت لايفهم معنى أن تكون له ( مايسي برينت) خاصة به واقعية وملموسة.
    ملحوظة لم استطيع أن اتغاضى عنها: هل كنت حقاً في كامل قواك العقلية عندما كتبت أن الجمعية طلبت مقاضاة السيدة برينت عندما علمت أنها كانت تسرق أفكار زوجها؟ لا أتذكر حدوث شيء من هذا القبيل، حاول أن تقتبس الأحداث بصورة أكثر دقة يا زوجي العزيز عديم الذوق".
    خلفت الرسالة في فهمه مذاق كالحنظل، وجاهد الليل بأكمله لكيلا يحاول الرد عليها ولكن في نهاية المطاف حظى بساعتين من النوم المتقطع المضطرب ونهض بقوة من فراشه ساحباً ورقة من تحت وسادته وكتب عليها بخط أقرب للخربشة
    "مايسي برينت نسخة أفضل منك بمئة مرة، عمدت إلى جعلها هكذا وإلا وجد (ألحان الخريف) طريقه إلى سلّات القمامة أسرع مما كنت اتوقع"
    وفي اليوم التالي شرب ثلاثة أكواب من القهوة الثقيلة ضاربة السواد قبل أن يشرع في تغيير بعض النقاط وأولها أن تبدو مايسي برينت أقل شبهاً بزوجته السابقة وإلا صدّقت المسكينة أن القصة تدور حولها، ولو أنها كانت كذلك بالفعل إلى أن رَجّت المرأة أحشائه برسالتها الأخيرة تلك.
    ختم رايموند جزءه الثاني بعد ثلاثة أيام من محاولة كتابة فقرة يوضح فيها أن شخصيته الرئيسية احتفظت بجاذبيتها كما لو أنها في ريعان شبابها.
    " عَزِفت أنغام الخَرِيف لحن الأسى وهي تبكي على تلك الصرخات الصامتة، حتى في شُحوبها الباهت كانت ماي بهيّة جميلة الطّلعة كما كانت دوماً، معدنها كان الذهب، ولكن الذهب الزائف، ولكم دفعت الثمن وهي تعيد طلاء نفسها بِماءه مرة بعد مرة".

    **********

    انحسرت آخر قطعة ثلج بيضاء على الأرض للتحول لقطرة ماء عذبة نقية بمجرد أن حطت ورقة رمادية عريضة عليها، كانت جزءاً مقصوصاً من صحيفة يوميّة كتب عليها بخطٍ عريض.
    "تجمع نسائي أمام دور نشر العاصمة يطالب بإعادة كتابة (ألحان الخريف) للكاتب رايموند جيرسي، وإمرأة غامضة جميلة تقود الحشد في إتجاه مسكنه".











  2. ...

  3. #2







    بورك طرحكِ attachment

    القصة جميلة وتسلط الضوء على ذوق الجمهور الملتوي..

    تعاطفت مع الكاتب كثيراً attachment

    ابتلي بزوجة كريهة سرقت منه وتظن أنه ما زال متعلق بها..

    لأول مرة يرتفع ضغطي من قصة attachment

    رسالة طليقته بشعة وكريهة، ولها وجه تقود مظاهرة لتطلب إعادة كتابة القصة attachment

    كان فعل الكاتب كما ألف في قصته، وهي مقاضاة طليقته والجمعية على سرقة أفكاره..

    اللهم انصر أهلنا في غزة نصراً من عندك يغنيهم عن نصر من سواك..

    اللهم تقبل شهداءهم، واشفِ جرحاهم، واربط على قلوبهم، وأنزل السكينة عليهم..

    attachment

    Telegram: @Mexat_Sara

  4. #3
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Lady Sara مشاهدة المشاركة







    بورك طرحكِ attachment

    القصة جميلة وتسلط الضوء على ذوق الجمهور الملتوي..

    تعاطفت مع الكاتب كثيراً attachment

    ابتلي بزوجة كريهة سرقت منه وتظن أنه ما زال متعلق بها..

    لأول مرة يرتفع ضغطي من قصة attachment

    رسالة طليقته بشعة وكريهة، ولها وجه تقود مظاهرة لتطلب إعادة كتابة القصة attachment

    كان فعل الكاتب كما ألف في قصته، وهي مقاضاة طليقته والجمعية على سرقة أفكاره..


    صانكيووو على تعليقك اللطيف031031

    يب الرجل مسكين اعتقد أنه يحقق شيء وفي النهاية طلع له شيء ثاني، لا يجدر بالمرء أن يثق بذائقة الجمهور أبداًlaughlaugh..
    جيد أنك كرهت الزوجة، ليس مثل جمهور الكاتب المسكينem_1f606..




  5. #4
    مَرحبا شَارُون،
    قرأت الخائب إلى الوطن أولا ثَم أتيت إلى هنا وأظن أن ذلك من حسن حظي biggrin
    فهذه أكثر خفة من تلك ولو أنها في مضمونها وواقعيتها تجعل المرء يشعر بالاستفزاز
    ما خطب طليقته حقǿ chinese لا يعجبني الوقحين الذين يتمادون في وقاحتهم
    عوضا عن الشعور بالندم والاعتذار، طليقته مثال خيالي لمثل هذه الشخصيات
    أعني لم تكتفي بالرسالة بل والمطالبة بإعادة كتابة الرواية أيضا ؟ ما هذا biggrin
    ولم أفهم لم طالبت بذلك على أي حال؟ paranoid
    الأهم، أُسلوبك واختيارك للكلمات وطريقة تعبيرك أكثر من رائعة تبارك الرحمن !
    " عَزِفت أنغام الخَرِيف لحن الأسى وهي تبكي على تلك الصرخات الصامتة، حتى في شُحوبها الباهت كانت ماي بهيّة جميلة الطّلعة كما كانت دوماً، معدنها كان الذهب، ولكن الذهب الزائف، ولكم دفعت الثمن وهي تعيد طلاء نفسها بِماءه مرة بعد مرة".
    هذه مذهلة خاصة السطر الأخير!! ماشاء الله تبارك الله أبهرتني بالكيفية التي تصفين فيها
    حدثا بسيطا بعمق كبير وواقعية بالغة كمشهد ذوبان قطعة الثلج مع سقوط الورقة عليها
    جعلني ذلك أشعر كما لو أنني أرى المشهد أمامي، مشهد من فيلم ما ..
    الشيء الآخر الذي أعجبني؛ كثير من الكتاب قد لا يقدمون على الكتابة إلا بعد امتلاك فكرة لقصة كاملة
    بشخصيات متكاملة وبأبعاد وتفصيلات وحبكات مختلفة
    لكن ما أعجبني هنا حقا أنك لم تلتزمي بهذا وشرعتِ في الكتابة فحسب
    أعني إنها ليست قصة، وليست رواية، وليست نصا قصيرا مثلا
    لا أعلم تحت أي بند تُدرج لكنها بمعنى أصح تبدو مُقتَطَعة من شيء أكبر إن صح التعبير
    بطريقة ما هذا يجعلني أفكر "ليس علينا الالتزام بمعايير معينة في الكتابة"
    وتلك المُرونة تعجبني كثيرا.. cheeky
    مُوفقّة يا رَب 036

  6. #5

    أهلاً بُوفَارديا...

    سعيدة جداً بتواجدك هنا وفي القصة الأخرى..
    أعني اعتقدت أننا فقدنا إلى الأبد تعليقات الأعضاء الممتعة والمليئة بالملاحظات الشيقة ولكن ها أنت هنا بتعليق فائق الأناقة..
    وبصراحة استمتعة بقراءة تعقيباتك وببعد نظرك وطريقة تذوقك للمعاني والأحداث والشخصيات على حد سواء..كل ذلك كما تعلمين يشجعني أكثرر ككاتبة 036036..

    الكاتب سيسعد بسماعه أن البعض كره شخصية زوجته فعلا laughlaugh
    ..
    ومعك حق إذا قررت أن انتظر أن تاتيني فكرة متكاملة فلن أكتب شيء على الإطلاق، غالبا إلهام ثم أقرر كتابة شيء، وبالطبع لا أحدد شكل معين لما أود الكتابة عنه كيفما يخرج معي الشيء ..لا أحب الالتزام بمعايير معينة ربما ستري ذلك في قصتي القادمة بإذن الله..

    أعني لم تكتفي بالرسالة بل والمطالبة بإعادة كتابة الرواية أيضا ؟ ما هذا 
    ولم أفهم لم طالبت بذلك على أي حال؟ 
    باختصار تحققت مخاوف الكاتب laughlaugh..

    ممتنة لكلماتك اللطيفة الرايقة وقد جعلتني سعيدة ومتحمسة للغاية لكتابة المزيد..




بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter