قال آسفاً بهدوء : آوه لا شيء مهم , أظنني وضعته بمكان ما ونسيت ..
_ ماذا ؟!
_ مفتاح الغرفة .. آه غرفة الرسم , بها أموراً أريد رؤيتها... لكنها مقفلة ولا أدري أين اختفى المفتاح !.
ضيقت جبيني .. غرفة الرسم .. اقترب مني و ألقى إلي بجهاز الاستماع الخاص بـ جيني ...قال
_ ابقي هذا معك قليلا حبيبتي .. سأبحث بعض الوقت...
أومأت بهدوء وهو ذهب نحو غرفة المكتب .. عندما عدت لمحاولة حل واجباتي , واجهتني الصعوبة وكنت أحدق فاغرة لا أفهم شيئاً ... تأوهت بحنق ! .
أني بحاجة ماسة فعلاً لمدرس خاص أو مدرسة مهما كانت !!... وهم كانوا على حق .. تباً !.
أغمضت عيناي بقوة و حككت جبيني , بعد ثانية سمعت شيئاً... فتحت عيناي بسرعة و حدقت بالجهاز اللاسلكي !.
لقد سمعت صوت تكة ما .. كأنه نافذة تفتح أو باب أو....
" تاتتا .. دوي .. مما.. ماما... تاتا... بابا...! آبا ... "
شعرت بكهرباء تضربني ... جيني مستيقظة , و كأنها تتحدث مع نفسها .. أو....
_ أبيييي !!!
ناديت بصوت عالي... فسمعت صوت خطواته السريعة راكضة .. دخل فزعا وهو يقول بعيون متسعة :
_ ماذا ؟! مالأمر... كلآرا ؟!
_ جيني ...!
فكرت قد يكون الأمر سخيفاً ... لكني تابعت بصوت مضطرب بينما والدي يحدق بي وكأنني قد جننت :
_ آه جيني ..لقد استيقظت كما يبدو , اسمعها تتكلم .. لقد افزعتني قليلاً ..
_ آوه !.
تنهد والدي ثم قال وهو يتحرك خارجاً : سأجلبها إن كانت مستيقظة ..
بعد دقيقة عاد و جيني تصفق بمرح بين ذراعيه ومعه بطانية صغيرة ولعبتها البلاستيكية وضعها على الأرض فوق بطانيتها وسلمها اللعبة .. ثم نظر نحوي وقال بوقار :
_ سأذهب لصنع القهوة , أتحبين أن تشربي قليلا ؟!.
قلت بهمس : أجل ..
أخيراً لا يعترض على شرب القهوة .. تابعت بريبة خافتة : آممم بقليل من السكر والكريمة... ربما ؟!.
أومأ موافقاً و غادر , عدت لمحاولة حل واجباتي بينما جيني تزعجني بصوتها ولعبها , آه لقد بالغت في ردة فعلي مجدداً لم يكن هناك من شيء مقلق ..
نظرت نحو الصغيرة ابتسمت لها فضحكت و قبضت على شيء ما في الأرض ثم وضعته بسرعة خاطفة بفمها , أنا صدمت رعباً وسقط فكي وأنا أحدق بها ... هي على بعد مترين تقريباً ... لذا وبلا تفكير كثير لانقذ الطفلة ..
قفزت من مكاني إلى الأرض إلا بي قربها مددت ذراعي أسحبها إلى حجري و أمسك بوجهها بين يدي وهي أخذت تقاومني بعصبية وقد أقفلت فمها بأحكام !!
صرخت بصوت مرعوب : جينيييي ! افتحي فمك ! مالذي بلعته ؟!... افتحي فمك يافتاة...!!
وحاولت أن افتح فمها ونجحت ثم سحبت بأصابعي ما كانت تحاول بلعه ... كانت قطعة فضية صغيرة .. تشبه جرس صغير جداً !
حدقت به ما هذا ؟!
دخل والدي فجأة وهو فزع قليلا وكأنه سمعني ... هرع نحونا وكان مرعوبا مني أكثر مما حدث لجيني ...
_ يا ألهي ! كلآرا مالذي حدث ؟!
_ لقد أخرجت هذا من فم جيني ...
و ألقيت القطعة الفضية بيده , حدق بها قليلا بدهشة ثم نهض واقفا و رفع جيني من بين يدي ليضعها جانبا بسلام وكانت هي على وشك البكاء وعيونها الجميلة الواسعة تلمع بالدموع .. ثم ساعدني على الوقوف والجلوس مجدداً...
_ هل تأذيت ؟! كيف اصبحت بجانبها ؟...عليك الحذر كثيراً حبيبتي.
_ أني بخير أبي لكن جينـي أ....
وقاطعنا صوت صراخها العالي و موجة بكاء شديدة فلتفت إليها أبي بسرعة و حملها يهدهدها بين ذراعيه لكنها لم تسكت بقي تبكي بحرقة وصوت عالي ... فجأة صدر صوت هسيس من المطبخ !
قال والدي فزعاً : القهوة !!!
قلت بسرعة : اعطني جيني ...
سلمني إياها رغما عنه و هرع يركض للمطبخ . كان الله بعون والدي .. أنه يعمل و يهتم بنا وبالمنزل بنفس الوقت !! .
تبا متى اشفى ><...!
صرختُ متألمة عندما أخذت جيني تشد شعري بقوة بكلتا يديها وهي تصيح غضبا مني ربما لأني اخذت ذلك الشيء من فمها المتلهف !!
_ جيني !! آآخ توقفي عن هذا ><!!
امسكتها بأحكام لكن دون قسوة و حاولت تهدئتها ..
_ ياحبيبتي الغاضبة ! هل أنتِ غاضبة مني ؟ , آوه كم أنا سيئة كلآرا فتاة سيئة .. جيني الفتاة الأجمل على الأطلاق ..
أخذت تحدق بي بريبة وأنا امسح دموعها عن خديها الممتلئين المحمرين ..واقبلها بحب واضمها إلى قلبي .. ياحبيبتي ~
بعدها بشكل غريب هدئت وأخذت تلمس وجهي بلطف وتحدق بعيني بتركيز تتعرف إلى حالتي وشعوري نحوها ...
فابتسمت لها واظهرت اسناني ... فاستغربت وهي تكور قبضتها لتدخلها بفمي ..
_ اوه مهلك يافتاة !... هنا يجب ان تتوقفي هاها ها ..جيني !.
ودخل والدي وهو يمسك بصينية القهوة يحدق بنا ..فابتسم بحب و وضع الصينية جانباً ليأتي وليجلس بجانبي ليضمنا معاً أنا و الطفلة ...
_ مالذي تفعلنه أجمل فتاتين بالعالم ..؟! هاه كم أحبكما ..
ما أجمل هذا الشعور , يجب أن احتفظ به بالذاكرة لأطول أمد .. نهض والدي وحمل جيني السعيدة به ليجلس على أريكة مفردة قربي والصغيرة على ركبتيه , ثم سكب القهوة و مد لي بالفنجان ..
ظل هو وجيني يمرحان ويتحدثان معا و أنا عجزت عن المذاكرة لصعوبة ما أجده .. فالدروس هنا مختلفة وأشعر بأنها أكثر صعوبة ودقة ... كما أني لم أحب المدرسة كثيراً مع أن بعض المعلمين تعاطفوا مع حالتي أنني جديدة وفوت علي نصف الفصل الدراسي فقال لي أحدهم أنهم سيأجلون بعض الامتحانات الدورية من أجلي .. وهذا جيد .. لكن الصعوبة ستبقى كما هي...!
أتى المساء , قام والدي بتسخين بعض الطعام الذي جلبه مجهزاً و صنع العصير بينما أنا أعد السلطة وجيني خلفي بكرسيها الخاص ترميني أحيانا باللعبة كي التفت إليها فقط .. كما أنا تنادي أبي و تظل معلقة على الكلمة " بابابابابابابابباب...."
إلى أن يرد أبي عليها برقة : نعم يا ملكة روحي....
أو من تلك الكلمات الجميلة حتى تفرح و تصمت بعض الوقت , لتعيد الكرة برميي باللعب ><"...
بعد العشاء اتصل أحدهم واستطيع ان اخمن من يكون ..
كنا بالردهة وجيني نسعِه جداً تشرب الحليب من الزجاجة فوق اريكتها وهي على وشك النوم .. اخيراً سينام مصدر ازعاجنا !
بينما أتأمل منظر الأشجار في الخارج من جانب الستار , كان والدي يحدث الطبيب "لوك" بالهاتف كلاما عادياً وتبادل تحيات ..
ثم فجأة سمعت أبي يقول بجدية : ماذا ؟! , غداً ..
ألقى إلي بنظره سريعة جداً وكأنه لا يريدني أن انتبه له لكن عيناي تركزت عليه ..
_ آه بالطبع .. بعد المدرسة , هممم ... من ؟!
فجأة تغير صوت أبي ليكون حاداً فلتفتُ إليه بكامل جسدي بقلق ... نطق كلمة "من" بعصبية !!
رأيته شاحباً وعيناه ضيقتان حادتان .. تنفس بحده وقال بصوت حاد لكن منخفض وهو يلقي بنظرة قلقه إلى جيني النائمة :
_ آوه لا . لا . لا ... لو سمحت لوك .. لم نعرف هذا ولا أظننا نريده .. لا يمكنك فعل هذا بي !!.
فتحت فمي بقلقٍ ودهشة ... مالذي يحدث ؟!
كان والدي غاضباً بالرغم من أدب كلامه .. قال مجدداً : هي من اقترح هذا ! , عفواً لكني لا أعرف اختك !!!
خفق قلبي بقوة توتراً ... هي ! أختك ...! من .. وعما يتحدثان ><!! اكاد أموت فضولاً وقلقاً...!
_ تعرفنا ربما !.. لقد وضعت بعقلي سيدة عجوز ذكية .. لا شابة غريبة , آسف لوك , لكني لا أعرف عائلتك تماماً ..ولا أعلم بأن لديك أختاً حتى .. ولا أظن بأن فتاتيّ يعرفان ويتوقعان هذا...
صمت والدي فترة طويلة وهو لا ينظر إلي لقد أعطاني ظهره وأنا أعرف عندما يفعل هذا .. فهي حانق جداً ولا يريد من ابنته رؤيته هكذا ...!
لكني رأيته من قبل كثيراً وأني معجبة بجانبه هذا , فلست قلقه .. عندما لا يكون غضبه نحوي ^^"!
قال فجأة وكأنه يقاطع المتحدث : غداً سوف نرى كل شيء ! , إلى اللقاء لوك .
و أغلق السماعة وبقي ينظر بعيداً لفترة ... بعدها التفت واتجه إلى جيني ليغطيها جيداً , رفع رأسه إلي وقال بهدوء :
_ سأبقيها هنا قليلا فهي غافية قد تستيقظ إذا حملتها... ابتعدي عن النافذة حبيبتي , قد تصابين بالبرد...
أومأت بصمت أغلقت النافذة واسدلت الستائر ثم اتجهت نحو المقاعد ..
_ ما رأيك بحليب ساخن...؟!
وافقت بهز رأسي وأنا أحدق به , فسارع بالخروج ... عاد بعد دقيقة معه حليب ساخن بلا اضافات وفنجان قهوة صغير له ...
شربت قليلا وأنا أراقبه يضع فنجانه على الطاولة ويمشي يدور في الردهة ينظر إلى التحف الصغيرة ..
قال فجأة وهو يقترب مني و يرفع شيء بيده : هذه .. أنها جزء من شيء ما لم أعرف ما هو احتفظي بها قليلا حبيبتي أنها فضية خالصة ..
و وضع بيدي تلك القطعة التي حاولت جيني التهامها .. جرس صغير جداً بحجم ظفر اصبعي الصغير .. قربته لأذني وهززت قليلاً لكني لم اسمع شيئا ..
_ لا أظنه صدفة حبيبتي !
حدقت بأبي و وجدته يقاوم الضحك , حسنا ! هل كانت حركتي بلهاء >>"...
_ ظننت جرس ما ...
_ لست واثقاً , سنرى لاحقاً .. آه يجب أن تنامي الآن .
نظرت لساعة يدي , الثامنة مساءاً .. قلت بهدوء : لا بأس , لكن أخبرني من كان المتصل ..لوك صحيح ؟! , ماكان يريد...؟!
حدثته بهذا بسرعة قبل أن يماطل أكثر ...
قال بتردد وهو يجلس على الأريكة القريبة , : غداً يريد رؤيتك بالمستشفى مع الاخصائي الذي حدثنا عنه ..
حسنا أني أعلم تماما أن لوك تكلم مع أبي بموضوعين .. الأول يعنيني وحدي والثاني يعنينا جميعاً....
فقلت بهدوء وأنا أهز رأسي : حسنا لا بأس... و...
ضيق عينيه وحك جبينه ثم خطف فنجان قهوته وجرعه بسرعة .. خفت عليه فالقهوة لا تزال ساخنة جداً..!
_ تلك ال... المربية لـ جيني وال... المدرسة لك بنفس الوقت .. ظهرت أنها .. أخت لوك , حسنا وهي امرأة شابة و بحسب ما يقول فقد تخرجت بشهادات عالية من الجامعة , تباً ..هذا لا يهمنا !.
شتم بقوة و نهض واقفاً .. دار حول مقعدة و زفر بقوة ثم هدئ نفسه بسرعة وعيناه على جيني النائمة ثم إلي ...
حسنا أنا كنت مصدومة لكني بقيت صامتة انتظره ينهي ما يقول...
_ تلك المرأة تعلم بالطبع عنا أخبرها لوك كل شيء... وهي متفرغة حسنا و تريد القدوم ظنا منها أنها تناسب الوضع . وهذا لن يروقني على العموم هي تبدو حمقاء لتتعامل مع أطفال , تعرفين نساء المدينة !! أنا لن أسمح لها بأن تدخل بيننا و تهتم بكما !.
حدقت به فكانت عيناه زرقاء جداً حانقة ... قلت بتردد : هل قلت بأنها هي من اقترح هذا...؟!
_ أجل .. حاول لوك المراوغه لكنه مضطر لأخباري لأن اخته ستأتي غداً... آوه حسنا لن يحدث ما يتوقعونه...
و حدق بشرّ في الفراغ , فهززت رأسي قائلة بنفسي نفس جملته .. أنا لا أحب الدخلاء الماكرين خاصة ..! لقد توقعت مثل والدي سيدة بدينة لطيفة ذكية و محترمة .. وليس شابة قادمة من المدينة كي تعتني بفتاة مقعدة و طفلة رضيعة لم تبلغ السنة !
جهزت لي بضعه ثياب كي استحم سريعاً بالرغم من برودة الجو .. لكني اشعر بالاختناق .. صعد والدي بجيني للأعلى ...
قبل أن اتحرك صدر صوت رنة طفيفة لا تكاد تسمع من جيب بنطالي... دسست يدي واخرجت القطعة الفضية ..حدقت بها , اقسم بأني سمعت رنة ما ... وضعتها قرب أذني و انصت كل حواسي...
سمعت صوت تكة خفيفة من النافذة خلفي , فلتفتُ بسرعة...
كان المكان بالخارج شديد الظلام وكأننا تجاوزنا منتصف الليل , لكن فجأة خفت الظلمة و ظهر ضوء النجوم الخافت ... ضيقت جبيني ... واقشعر جسدي... شيء ما .. أشعر بوجوده .. مر سريعاً جداً فأظلم الجو بسرعة و عاد ...!
شعرت بشيء غامض ثم فجأة رن الجرس الصغير من تلقاء نفسه أقسم بأني لم احركه ... صدر صوت كـ .. ترن...!
مرة واحدة .. هززت رأسي متوترة جداً , و خفق قلبي... آخ الليل هنا لا يعجبني أبداً...!
وبعد هذه الرنة الخافتة للغاية ارتعشت الأضواء لجزء من الثانية , كدت أصرخ باسم أبي لكني أوقفت نفسي بقوة !!... ما هذا ...؟! و فجأة خطر ببالي ليونارد وذلك الشاب المخيف الآخر...
فتحت باب غرفتي وشهقت عندما رأيت أبي... كان يطمئن علي فقط و يلقي التحية .. قال بأنه سيبقى مستيقظا بعض الوقت في الغرفة يقرأ .. وعلي فقط أن أصرخ باسمه أن أردت شيئا...
أومأت و غادر هو يصعد ... أخذت حماماً سريعاً ولم تكن المياه ساخنة كما يجب .. فارتجفت و خرجت بسرعة... كان شعري لا يزال يقطر.. ساعدتُ نفسي بنفسي و وصلت غرفتي لارتدي كنزة ما و أجفف شعري ..
لكني توقفت بممر الردهة المظلمة وقد رن الجرس الصغير بجيبي رنتين حادتين لكن منخفضتين وكأنه جرس مزعج يرن من بعيد... فتوترت بقوة ... هناك صوت ما يقول لي بعقلي بأن هذا الجرس ليس عادياً وهو يرن قبل حدوث شيء ما... سيء أظن...!
حدقت بالردهة بتوتر ... و رأيت ظل شخص طويل قرب النافذة البعيدة .. في البداية لم أرى والآن ظهر لي وكأنه سراب... ركزت بصري و جهزت حنجرتي للصراخ لأبي...
لكن الظل تقدم خطوتين و تعرفت إليه ... رفع يده ببرود وعيناه الذهبية تلمعان محذرتين.. مال برأسه وكأنه يتأمل شكلي جيداً...
ثم رفع بصره لعيني وشعرت وكأن مساميراً تثبتي بقوة ... ضاقت عيناه وأصبحتا رماديتان فجأة !
_ ما هذه بالضبط ؟!.
كان فمي مفتوحاً همسة لكن باردة , ما... ماا... ماذا ؟!... كأن يسأل شخص آخر... ولكن ...
_ أنها كلآرا ,.. الابنة الأخرى...
أجابه صوت عميق أتى من خلفي , وعرفت صوت ليونارد ... لكن.. هذا الذي أمامي ..
اللعنة وكأنه وليد الظلام أو شيء ما كونته الظلمة وشكلته ليكون بين الناس !... هذا الشيء الخطير !!!
المفضلات