فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ
|
وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ |
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
|
وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
|
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
|
واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
|
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه
|
لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
|
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
|
بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
|
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
|
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
|
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها
|
دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
|
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا |
أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ |
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ |
حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ |
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا |
ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ |
فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها |
بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ |
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً |
ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ |
لا تأمَنِ الدَّهـرَ فإنـهُ |
مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ |
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا |
مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ |
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ |
إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ |
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا |
إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ |
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ |
واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ |
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ |
فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ |
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ |
منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ |
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً |
فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ |
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ |
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ |
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً |
فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ |
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ |
حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ |
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ |
وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ |
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً |
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ |
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ |
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ |
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً |
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ |
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ |
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا |
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً |
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ |
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ |
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ |
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ |
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ |
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ |
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ |
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ
|
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
|
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ |
في الرِّزقِ
بل يشقى الحريصُ ويتعبُ |
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً |
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ |
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ |
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ |
وارعَ الأمانةَ * والخيانةَ فاجتنبْ |
واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ |
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا |
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ |
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ |
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ |
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ |
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ |
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ |
إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ |
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ |
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ |
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً |
واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ |
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ |
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ |
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا |
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ |
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي |
فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ |
المفضلات