مما ينبغي إضافته أيضا في بداية الدراسة هذه، أن معنى اسم حي بن يقظان لم يكن وليد صدفة. ف"حي" يرمز إلى العقل الفعال أو النفس الملكية المفكرة، وهو عقل خالد حي لا يتغير ولا يهرم. و"ابن يقظان" هو القيوم الذي لا ينام له جفن، ويهدي الإنسان إلى الحقائق عن طريق المنطق ويحذره إتباع الحواس والغرائز فقط .
روبنسون كروزو، نظير لاحق لقصة حي يقظان
لعل غوتيه كان أول من بحث علاقة قصة حي بن يقظان بقصة روبنسون كروزو المنشورة عام ١٧١٩ تحت عنوان The life and strange surprising adventure of Robinson Crosoe of Daniel de Foe. لدانييل دو فو، ووقف غوتيه عند حد افتراض اطلاع دو فو على قصة ابن طفيل .
فالتشابه في الأحداث مثير حيث بناء البيت، إنشاء المخزن، تدجين الحيوانات. والقصتان تسجلان تطور الإنسان والتاريخ من البدائية والحيوانية إلى الحضارة. ونتذكر هنا المراحل التي مر بها حي في صنع الملابس والسلاح للدفاع والصيد واكتشاف النار. وننوه أيضا أن روبنسون كروزو قد علم اللغة فرايدي اللغة بنفس الطريقة التي لجأ إليها إسال في تعليم حي.
فالرأي القائل بتأثر دو فو بقصة ابن طفيل، هو رأي قوي، وهذا ما نوه عنه محمد مندور في كتابه "نماذج بشرية" من انفعال دو فو بحادثة واقعية حصلت سنة ١٧٠٥ وهي حادثة إلقاء الربان سترلنج للبحار سالكرك في جزيرة فرنناديز المهجورة عام ١٧٠٥ حيث عاش أربع سنوات في عزلة تامة. ذلك أنه يجب أن لا ننسى أن دو فو قد كتب قصته هذه بعد إحدى عشر سنة من هذه الحادثة، وأن ترجمة قصة ابن طفيل إلى الإنكليزية قد ظهرت سنة ١٧٠٨ أي بعد حادثة سالكرك بثلاث سنوات وقبل قصة دو فو بإحدى عشر سنة.
وهذا أمر يحملنا على تأكيد الاعتقاد بأن دو فو قد اطلع ولا شك على قصة ابن طفيل وتأثر بعالمها، فكان انفعاله بحادثة سالكرك ثم تأثره بعالم قصة حي بن يقظان مصدر وحيد في كتابة قصة روبنسون كروزو، ويكفي أن كروزو يلح على تذكيرنا بحي بمساعيه في تحويل العزلة إلى أنس والبطالة إلى عمل والعبث إلى جدوى.
لكننا نضيف أن كروزو يمثل نمطا للرجل العملي دنيويا، في حين يمثل حي بن يقظان نمطا مثاليا للحياة التأملية الصوفية. فالحاجة أم الاختراع.. هكذا فُسرت منجزات روبنسون كروزو.. ومن هذه الزاوية يمكن تفسير منجزات حي الحسيّة دون إغفال فطرته الفائقة.
المفضلات