الصفحة رقم 3 من 7 البدايةالبداية 12345 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 41 الى 60 من 133
  1. #41
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة تساندي مشاهدة المشاركة
    لي عودة بعد وقت طويييل في القراءة knockedout

    يا أهلا وسهلا، سأسعد بعودتك وأرجوا أنك تستمتعي بالمحتوى e056



    في آمان الله
    موون
    " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "


  2. ...

  3. #42

    -5-







    -٥-






    ألكسا


    لا يفصلنا على ليلة الإفتتاح سوى يوم واحد وأنا لا أزال في مزاجي المتذبذب بشأن ما جرى مع جورج، ولم يخفف عني الإفضاء الى صوفي على الرغم من كونها ترى أن لعزوفه الشديد علةٌ غير كراهيته لي، وكيف أتقبل حديثها وأنا التى تلقت صده مصحوباً بلغة جسده وآمارت وجهه القاسي!، لقد غضبت من نفسي أكثر لأني سمحت له معاملتي بتلك الطريقة..

    طلبتني صوفي لأخرج من القوقعة التى فرضتها على محيطي في العلية كي أساعدها في تعليق أنور الزينة حول سقف العريشة ووضع الطاولات والمقاعد في مواضعها للأمسية، فتأخرت عليها في النزول من شدة التثاقل الذي كنت أشعر به بجوفي وحين فعلت وخرجت الى الباحة أنتابني الندم على جعلها تقوم بأغلب التنظيم وحدها، فقد كانت تدور هنا وهناك كالنحلة الأم وبقية افراد العائلة من الموظفين يحومون حولها ويعملون بمشورتها.. لمحتني وأنا أتقدم من المكان بخطوات بطيئة فأسرعت نحوي بجدية وقالت وهي تريح يدها على عضدي:

    - حمداً لله على نزولك، جدتي تكاد تفقد صوابها داخل النُزل وأنا لم أنتهى من هاهنا لأتمكن من مساعدتها، أريدك أن تقومي بتجهيز الديكورات لمنصة الفرقة الموسيقية وفعالية ركن التصوير، فلا احد بوسعه الإهتمام بالتفاصيل هنا قدرك عزيزتي

    أومأت لها بالإيجاب واتجهت الى حيث طلبت مني لأشرع في تفقد الأكياس المتكدسة وما حوته من خيارات للزينة، وما إن شرعت في استخراج ما اريد حتى غرقت في تفاصيل المهمة مما سرق تفكيري عن اي شيء اخر..

    تبقى لإكتمال بهجة مقر الإحتفال في الهواء الطلق بضع عناصر لا ينفع اضافتها سوى نهار يوم الإفتتاح حتى لا يبعثرها الهواء وينثرها في الأرجاء، وأجتمعنا جميعاً في ساحة المطبخ لمساعدة لينا التى ظلت تجهز لسفرة الإحتفال من أيام، فهتم بعضنا بتقطيع الخضروات الطازجة، وأخرون تكفلوا بالفاكهة بينما أعان بيل زوجته على تزين الكعكات المصغرة بكل انسجام وهو يتلقى الأوامر الصارمة من زوجته المنفعلة إثر تراكم الضغوطات، وجائتني فكرة لتلطيف الأجواء فخلعت مريلة المطبخ وأسرعت الى الأعلى غير مبالية بالإحتجاجات التى ثارت إبان فعلتي، وسرعان ما عدت بمكبر الصوت الخاص بمشغل الموسيقي فوضعته فوق احدى الأسطح المكتضه وفتحت بعضاً من موسيقي رعاة البقر التى باتت تروق لي مؤخراً.. الأن أصبح لدينا حفلة أخرى في المطبخ،.. قابلتني صوفي بإبتسامة رضا بينما أخذ البقية بالغناء مع المسجل ونحن نضحك على تراقص هذا وتلك..

    وحين دخلت جدتي علينا استمر الجميع في قضاء وقت ممتع فردت انشراحهم بإبتسامة خفيفة ثم أشارت لي بالقدوم، تبادلت نظرات الإستفسار مع صوفي بدهشة فهزت أكتافها بأنها لا تعلم شيئاً، تركتهم على أية حال وأنضممت إليها بعيداً عن الصخب في ردهة النُزل لأشهق بتفاجئ لحظة أن وقعت عيناي على صديق العائلة المقرب جون وهو يقف امام مكتب الإستقبال وبجواره حقيبة السفر!.. ولم أتريث في الإسراع إليه بحماس لمعانقته مطولاً ثم قلت وأنا لا أزال في مرحلة التكذيب:
    - قلت بأنك ستكون في أوروبا جون كيف عدت ومتي؟!

    أجاب وهو يعتصر أنفي وكان فارع الطول وسيمٌ ومهندم من الدرجة الأولى:
    - عز علي أن أرفض طلبك في الحضور فبعد كلٍ سأكون الموثق الأول لإنجازاتك، و أروبا لن تذهب الى أي مكان

    انتابني سرور عارم من حديثه فقلت بحماس:
    - أحقاً !! .. حمداً للرب فلم أتمكن من العثور على مصور أخر بالجوار ، أوه جون لا تصدق كم أنا سعيدة بقدومك.. كيف حال البقية أخبرني؟!


    رد متحرجاً وهو يأخذ بكتفى بعيداً عن الدرب بلطف كي يصبح في مجال جدتي:
    - سأخبرك كل شيء لاحقاً، والأن ألن تعرفينا ألكسا؟!

    أخجلتني دماثته إلا أنها لم تزعجني قط بل ذكرتني بكم اشتقت إليه والى بقية الرفاق في العاصمة، فقلت وأنا أحدث جدتي:
    - جون صديق طفولة ويقطن في حينا بالعاصمة، كما أنه مصور قدير وسيتكفل بتصوير الأمسية بالغد جنباً الى دعاية حفلات الزفاف التي أخبرتك عنها من قبل من أجل الموقع الإلكتروني والمنشورات


    نظرت إليه مستعلمة لأتوثق من قيامه بالمهمة، فأومأ لي بالإيجاب ومن ثم مد يده مصافحاً:
    - سررت برؤيتك سيدتي، واسمحي لي أن أعرب عن مدى جمال المكان الخلاب، سيكون من دواعي سروري التصوير فيه


    أردفتُ بسرور وفخر:
    - أنتظر ريثما ترى الحجرات وما فعلنا بالباحة الخلفية، فهنا تصوغ جدتي الجمال في كيفية اعتناءها بالمكان!

    وأخيراً قالت جدتي بلطف:
    - من المبهج انضمامك لنا عزيزي جون، أصدقاء ألكسا مرحب بهم على الدوام في النُزل

    انفجرت ابتسامتي من حديث جدتي فأسرعت إليها لمعانقتها إلا أنها قالت وهي تتخلص مني برشاقة:
    - كلا يا آنسة، ليس ورائحتك كالبصل.. عودي الى المطبخ ودعيني أهتم بصديقك، لا يجوز تركه واقفاً طيلة الليل وقد قدم من سفر طويل هيا اذهبي

    فتلونت وجنتاي بحرج بالغ، كونه لم يسبق لجون أو أياً من أصدقائي رؤيتي على الحالة التى كنت عليها آنها طيلة سنوات صداقتنا الطويلة، ومن ثم أسرعت بترك المكان عائدة من حيث أتيت و أنا اسمع ضحكاته اللطيفة في أذناي على مشهد هروبي..


    ....




    أشرق صباح يوم الإفتتاح المنتظر، استيقظت فيه بنفسية مستقرة ومزاج منشرح و أبصرت صوفي تضع زي الموظفين الخاص بها وهي تعقد شعرها الى الوراء وكأنه يوم عمل اعتيادي، فقلت متسائلة وأنا لا أزال على الفراش:

    - قفي عندك، أنت لم تخلدي للنوم سوى لاحقاً مساء الأمس فلم العجلة الأن؟!




    قالت وهي تضع حذائها المريح استعداداً للنزول:

    - أبدأي بالإستعداد أولاً ريثما أنتهى من تفقد الإعدادات بالأسفل.. كما أن علي وضع المفارش والزهور على الطاولات والتأكد من وصول طاقم المساعدة الإضافية و إلمام كل واحد منهم بمهمته، فالهدف أن تنتهى الأمسية دون أدنى مخلفات لأن النُزل محجوز بالكامل الليلة ولا يجب أن يستيقظ النزلاء بالغد على باحة متسخه أو ردهة غير نظيف..




    وخالجني تأنيبٌ داخلي من قدر ابتعادي عن الطابق السفلي وما جرى فيه من ترتيبات بالأيام الأخيرة الماضية فقلت متندمة:

    - إذاً ألحق بك عما قريب ..




    وتفاجأت من نبرتها الحازمة حين قالت:

    - كلا آنسة ألكسا، هل نسيتي عادتك في النزول أخراً في كل مناسبة فيما مضى!.. ستبقين هنا وتحللين وقتك في الإستعداد حتى تكوني في استقبال الضيوف مع جدتي ريثما استعد أنا.. يجب على احدانا على الأقل أن تكون بجوارها منذ بداية الأمسية أهذا واضح!




    أومأت بالإيجاب وأنا أضحك جديتها فهي صادقة تماماً، لأنه لا يعبر ذاكرتي ذكرى أي أمسية سوى في نهاياتها لأني لا أشرع في التجهيزات إلا لحظة أن يقرع الضيف الأول باب منزلنا .. كما أني أنوي الإستمتاع بحمام طويل فأظن أنه من الحكيم اتباع خطة صوفي الكادحة، أبعدت الفراش بسرور وشرعت في اخراج ثوب الإحتفال وباقي مستلزماته قبل أن أغيب لبضع ساعات داخل الحمام..






    ~~~













    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 11-04-2015 عند الساعة » 02:44

  4. #43

    -٥-





    صوفي







    تباطأت خطواتي وأنا أهبط أخر درجات السلالم أمام ذلك الكم الهائل من باقات الورد التى غطت الردهة بالكلية، وكنت مأخوذة بأغصان اللافندر الصغيرة وهي تتخلل تشكيلة الباقات ببروز و تألق، وسرعان ما أجتاحتني ابتسامة عريضة فقد ذكرتني بالباقة الأولى من ذلك الرجل، وصدق ظني حين ظهرت جدتي تتبعها ريتا من جانب الردهة الأيمن وهما تتحدثان عن فيليب فطالعتني وقالت بتوتر أقل عما كانت عليه مساء البارحة:

    - طاب صباحك عزيزتي، ظننتك تقضين النهار في الإستعداد فلماذا عجلت في النزول؟!




    رددت التحية ثم قلت ببشاشة وجزء مني لا يزال يريد تأكيد ظنوني:

    - لن أكون هانئة حتى أنهى ما بدأته في الباحة.. من الذي بعث بهذه الباقات جدتي؟!




    أجابت:

    - انها هدية السيد فيليب وقد وصلتنا قبل قليل.. كنت أحدث ريتا قبل لحظات عنها، اليست مبادرة رائعة من قِبله؟




    تمتمت بخجل:

    - بلى..




    ثم قالت:

    - لا تقلقي بشأنها، سنتكفل بتوزيعها في أرجاء النُزل أنا وريتا وأنهى عملك سريعاً ثم أعتنى بمظهرك عزيزتي.. أريد أن تكون حفيدتاي الأجمل بين الشابات الليلة




    فبتسمت مرة أخرى وأنا أعشق هذا الصباح، وأجبتها بالموافقة ثم أكملت طريقي لوضع اللمسات الأخيرة على المكان.. وما كدت أن أنتهى حتى وجدت جون يتجول في أرجاء المكان بكميرته، لقد أعلمتني ألكسا عن وصوله بالأمس إلا أنني لم أره حتى اللحظة..
    حييته بلطف وكان الوحيد من أصدقاء ألكسا الذين لا اعترض عليهم، إلا أنني طالما لمست اعجابه السري بشقيقتي في حين لم يسبق لها التفكير فيه خارج اطار الصداقة على الإطلاق!، وهذا يعزز من نظريتي أن الصداقة بين الذكر والأنثى غير ممكنة!، فإن كانت كذلك في منظور طرف واحد إلا أن الطرف الأخر عادة ما يكون متضرراً ومتوجعاً بمشاعره التى لا تجد القبول، ولطالما سمعت عن أصدقاء أو زملاء لمدة طويلة ينتهى بهم الأمر بالزواج في ظرف أيام قلائل بعد أن يتبادر لهما أنهما كانا يتبادلان الحب طوال الوقت تحت مسمى أخر، وفي اطار من الإنسجام الذي لا يمكن تبريره تحت ذريعة الصداقة الجيدة مهما بلغت بهما المحاولة..




    تركت جون الشغوف بعد تبادل محادثة قصيرة دافئة و أن اشعر بالآسى في داخلي من أجله، ولست في مقامٍ يخولني تحطيم آماله بكسب قلب ألكسا المأخوذ سلفاً بشاب كادح لا يكترث لأي مما تكترث به على عكس جون الذي ترعرع بجوارنا، وأن قدومه كل هذه المسافة لن يبدل شيئاً فيما يتعلق بعاطفتها تجاهه.. و أظنها من الأحوال التى يجب على المرء ان يتألم فيها في سبيل المضى قدماً دون أن يساوره الحنين والرجاء ..




    ومن ثم تفقدت لينا و لورا في المطبخ وعن ما إذا كانتا بحاجة الى المساعدة، فنهرتني كلتاهما ودفعوا بي خارج المطبخ لأشرع في الإستعداد، ومن ثم وجدت جدتي تتحدث مع شابين وفتاتين أتضح لي أنهم القادمون من أجل الإهتمام بالضيافة ونظافة المكان، وأخيراً شعرت بالإطمئنان فرقيت السلالم الى العلية وولجت الى الحجرة لأجد ألكسا قد أنتهت من حمامها للتو، ضحكت وقلت بعجب:

    - ثلاث ساعات يا ظالمة، ألم تتحلل بشرتك تحت المياه !!




    ردت بإنتعاش:

    - بالكاد تكفي صدقيني، ثم ما شأن الباقة العملاقة هناك!




    وأستدرت بسرعة حيث أشارت لأشهق من حجم وجمال بستان الورد المصغر في ركن الغرفة، اقتربت منها ووجدت ملاحظة معلقة بين الورود الملونة فقرأتها وأنا أضحك ملء الأشداق.. نظرة لي ألكسا بإرتياب فقلت بخجل:

    - ماذا عندك؟!




    قالت بحنق وهي تشير الى الباقة:

    - عندي أنا!! … بربك من منا التى تحتفظ بالأسرار عن الأخرى؟!




    أجبت بخجل وأنا أتمالك سعادتي المفرطة حتى لا أبدو كالحمقاء حيث سارعت بإتجاه الخزانة:

    - كنت على وشك اخبارك كل شيء الليلة فلا تستبقي الأحداث




    شهقت بعمق وقالت وهي تقصدني على عجل:

    - كل شيء!!.. ماهي الأشياء التى لا أعرفها آنسة صوفي أنت لن تتزحزحي عن مكانك حتى تخبريني فوراً! أنا أطالبك بذلك..




    ضحكت وتراجعت الى الوراء بإستسلام ثم جلست على طرف السرير الفوضوي وجلست هي بدورها أمامي وهي لا تزال بروب الإستحمام ثم قلت:

    - حسناً سأتحدث بسرعة حتى أتمكن من الإغتسال أنا الأخرى، لقد سبق وقابلت فيليب خلال احدى زياراتي للمدينة وأنتهى بنا المطاف الى تناول العشاء سوية، أعادني تلك الليلة الى النُزل وتبادلنا الأرقام ونحن نتراسل بين الحينة والأخرى وهذا كل شيء ..




    احتدت نظرات عينيها بغيض ومن ثم أسرعت بالإنقضاض على جيبي لإنتزاع الجوال فحاولت دفعها حتى نجحت وقلت بإستياء:

    - ألكسا!!




    قالت بغيظ:

    - أريد أن أتأكد من أنكما لم تتفقا على موعد الزفاف بعد وإلا متى كنت تنوين اخباري !




    قلت متلطفة وأنا أحاول الإمساك بيدها في ظل صدها لي:

    - لا تغضبي ألكسا، كنت تمرين بوقت عصيب هل تتوقعين مني أن أحكى لكِ عن سعادتي بلا مراعاة لأحاسيسك!




    وكانت ترفض النظر في اتجاهي وشفتيها مزمُمتان ثم قالت دامعة:

    - لا يزال، كان يجب عليك إخباري صوفي، على الأقل لأكون أكثر تقبلاً لفكرة زواجك في المستقبل القريب




    فضحكت مطولاً وقلت برحمة:

    - توقفي عن التصرف بسخافة ألكسا أنا لن أذهب الى أي مكان، وأبعدي أفكار زواجي عن رأسك الدرامي فأنا بالكاد أعرفه ونحن لا نزال في طور التعارف




    فقالت بصراحة:

    - هل قبلك؟!




    صرخت بها بخجل:

    - قطعاً لا ألكسا من تظنينني يا آنسة!، لا شيء من هذا القبيل.. نحن فقط نتبادل أطراف الحديث ومن المبكر جداً الإنتقال الى أي اتصال جسدي من هذه الطبيعة




    أجابت ساخرة:

    - تقصدين أنك لن تسمحين له سوى بعد الزواج.. المسكين فيليب لا يعلم ماهو مُقبل عليه!




    تنهدت بغرور وقلت بثقة:

    - بالطبع، عليه الإنتظار لينال مثل هذه الصلاحيات ويجب عليه أن يكون شاكراً لذلك




    ومن ثم قفزت من مكاني وأنا أتنبه الى الوقت بفزع، ونهرت ألكسا على جعلنا نتحدث دون أن تقوم إحدانا بعمل شيء حيال مظهرها.. ألتقطت روب الإستحمام خاصتي ثم أسرعت الى الحمام بجوار الحجرة ..








  5. #44

    -٥-








    فُتحت أبواب النُزل على مصارعيها أمام توافد الحضور من المدينة والقرى المجاورة، ووقفت جدتي المتألقة بثوبها الأزرق الأنيق وكلتينا بجوارها نستقبل الضيوف بحرارة، وسرعان ما امتلأت الباحة الخلفية بالبشر وثياب الشابات الزاهية تزيد المكان بهجة وجمالاً..
    حضرت الفرقة أخيراً وترقب الكل أمام المنصة الملفته بإخراجها المتقن، وتعالت الهتفات المنسجة مع القرعات الأولى على الطبول..

    كنت أدور بين الحضور وأتعرف عليهم بشكل سطحي بصحبة جدتي في حين غادرتنا ألكسا لقضاء الوقت مع جون رفيقها لهذه الأمسية، وكانت تشرف على ركوب المدعوين في البجعات وتعين الصغار منهم بينما توثق عدسة جون الأحداث الصاخبة بشكل مكثف .. وخلال جولتنا مالت جدتي بإتجاهي وهمست مستعلمة:


    - أما لك رفيق عزيزتي؟!




    ابتسمت بخجل وأنا أهم بذكر فيليب، إلا أنه ظهر من بين الحشود ببدلة أنيقة وقميص يتماثل مع لون ثوبي البنفسجي الزاهي فلم أجد حاجة في الحديث ونظراتنا تتحدث بكل شيء.. أنضم الى جِواري وحيا جدتي بحرارة مبالغ فيها قبل أن يستأذنها في الإنفراد بي، فأذنت ببرود وهي تراقبنا بتفحص وحرص، ولما ابتعدنا عن المكان قليلاً نظر الي متفحصاً وهو يمسك بمعصمي ثم قال متندماً:

    - تلك الفرس الجحود.. لم يطب لها الوضع سوى نهار اليوم




    أجبته بحماس:

    - هذا رائع فيليب.. كنت قلقاً عليها من قبل كونها تأخرت في الوضع، كيف حال الصغير؟




    فجر يدي إليه وقبلها بشغف ثم قال:

    - ولكنها جعلتني أخوض غمار قلقٍ أخر، وهو أن لا أصل في الوقت المناسب فأراك برفقة رجل غيري وأنت في حلتك الساحرة هذه بهذا المغيب




    ابتسمت بخجل وأردفت برقة:

    - لم يخطف بصري رجل غيرك فيليب، ليس الأن ولا من قبل أيضاً




    فتنهد مستعطفاً:

    - لما لا أخذك في نزهة وحدنا نحن الأثنين فقط!




    لكزته وأنا أعض على شفاهي من الداخل لأمنعها من الإبتسام:

    - عيب عليك بالتأكيد لا ينفع!، وإن لم نعد من فورنا تغضب جدتي ويتحدث الضيوف




    أردف محبطاً ونحن نعود أدراجنا سوية:

    - انك ابنة صالحة بحق





    ….





    غابت الشمس فتوقفت رحلات القوارب وأغلق على المرسى الخشبي لأن لا يدخله أحد، ومن ثم أضيأت انوار النُزل تزامناً مع اضواء العريشة فنعكست كالثوب الزاهي على البحيرة في لحظات تسرق الأنفاس .. ومن ثم وضع العشاء فطابت الأحاديث بين الضيوف وكانت الأجواء تزداد ألفة وانبساطاً، بينما بقيتُ مع ألكسا ونحن نخوض في أحاديث متنوعة مع باقي الفتيات في مضمار الرقص، وحيث أن أعضاء الفرقة انضموا الى البقية لتناول الطعام قامت ألكسا المنتعشة بسحب موصل مكبرات الصوت وايصاله بمشغل الوسائط الخاص بها لتنبعث أنغام الموسيقى الإيطالية المحببة الى قلب أبي والتى لطالما رقصنا عليها رقصة التارانتلا التقليدية معه في صغرنا وفي بعض المناسبات الإيطالية الخاصة، وهي رقصة شهيرة في جنوب إيطاليا إلا أن جمالها يكمن في استخدام الدفوف واللباس التقليدي ثم كثرة عدد الراقصين.
    ولم تكن ألكسا لتهتم بكل ذلك سوى برغبتها في الإستمتاع فجرتني الى وسط الحلبة وابتدأنا الرقص على إيقاع واحد فتعالت الهتفات من حولنا وصح لنا متابعة التحرك برشاقة حتى تجمهر الكثيرون حول الحلبة للمراقبة، وازداد منسوب الحماس لدى انضمام جون إلينا و أحد المدعوين ممن له معرفة بالرقصة فأصبحت أكثر إمتاعاً وجذباً للأعين، لمحت جدتي تراقبنا بسعادة ومن ثم فيليب وباقي الأفراد الذين لامسوا قلبي خلال اقامتي في هذا النُزل الساحر، وشعرت صدقاً بكآبة حياتي السابقة مقارنة مع كمية الحياة والمرح في هذا المكان ..





    توقفنا أخيراً مع انتهاء المقطوعة وانحنينا ضاحكين أمام الجمهور المتفاعل، وسرعان ما شرعت الفرقة في الغناء مجدداً وكأن مقطعنا الإستعراضي آثار حماسها لتقديم المزيد فزداد عدد الراقصين، وانتشلني فيليب الى جانبه بخفة قبل أن تصلني يد أحد طالبي الرقص، فرافقته بسلاسة وانبساط وربما قليل من الشوق..






    ~~~







    ألكسا







    انحنيت أمام الجمهور بسرور بعد انتهاء الرقصة الأقرب الى قلبي ثم استدرت بقوة اتجاه جون الذي فاجأني بمعرفته لخطوات الرقص رغم انضمامه في منتصف الطريق وقلت متعجبة:

    - جون! كيف لم تخبرني أنك ماهر في التارانتلا الإيطالية من قبل!.. أنت لم تقم بخطأ واحد




    فضحك وهو يريح يده حول كتفاي العاريين ونحن نبتعد عن مضمار الرقص الذي اكتظ خلال لحظات:

    - وهل سبق وأن قمت بخطأ واحد في حياتي ايتها الساحرة ألكسا




    دفعته ضاحكة وأنا لا أزال ألتقط أنفاسي:

    - الرحمة، لا تجعلني أبدأ العد رجاءاً




    وتفاجأت حين باغتني بكفيه التى حاصرت وجنتاي المشتعلتين من حماس الرقص قال بعدها بنبرة عميقة قلقه:

    - أنت تتوقدين من شدة الإحمرار، سأحضر لنا مشروباً بارداً فأنتظريني ..




    ثم أستدار قاصداً طاولة المأكولات الممدودة بينما تسمرت مكاني لحظة أن وقعت عيناي على جورج الذي كان يقف على بعد مسافة وجيزة وهو يرتدى بذلة رسمية مهندمة وربطة عنق وشعره مصفف بأناقة الى الوراء، كما حملت احدى يديه زمرة من الأزهار الربيعية ذات السيقان الطويلة المقطوفة بعشوائية .. ومرت لحظات الإندهاش بهدوء مريب رغم اتصال أعيننا بقوة قبل أن يُقدم على مجالي ويسحبني من يدي خلفه وهو يقول بإمتعاض:

    - يجب أن نتحدث في الحال..



    ...................




  6. #45

    -٥-




    تبعته بخطوات متسارعة لأجاري رقعة خطواته العريضة فلا يبدو للناظر وكأنه يجرني من وراءه كما كان الأمر فعلاً، واستمر في السير الدؤوب حتى أنتهينا الى ابعد مقعد أمام البحيرة، دفعني للجلوس عليه بجلافة واضطراب وألقى بالأزهار قربي ثم أستدار بإتجاه البحيرة المظلمة وأطراف السترة مثنية الى الوراء بفعل يديه المحشورتين في جيوب البنطال مما جعلني أتوجس خيفة من طبيعة أعصابه في هذه الدقائق بالذات..
    طال انتظاري
    ليشرع في الحديث وتبددت مخاوفي منه خلال الإنتظار تزامناً مع عودة اشتياقي إليه، وكانت الأضواء وأصوات الموسيقى تصل الينا من بعيد مما خفف من غرابة الموقف ككل، بينما هبطت معدلات الحرارة التي أعقبت رقصي قبل قليل فأصبح جلدي بارداً من برودة النسيم، وقلت متلطفة في محاولة لكسر حاجز الصمت المريب:


    - سعيدة بحضورك جورج


    وكأنني ألقيت قنبلة في مجاله حين فتحت فمي فعاد أدراجه نحوي بإندفاع وقال بغضب أرهبني:

    - وأنا لست كذلك على الإطلاق، كنت أعلم أنه ليس من الصواب ومع ذلك فعلتها..



    أجبته بحذر ولين لأستشف ما يُكن من وراء تصرفاته المنفعلة هذه:

    - ولماذا أنت غاضب الى هذا الحد!



    أردف بإنفعال خشيتُ أن تصل حدته الى أذان الحضور:

    - بسببك أنت ألكسا!، فأنت أبعد ما تكونين عن الفتاة التى أريد ومع ذلك أتقلب في فراشي كل مساء وصورتك لا تفارق مخيلتي.. أنت السبب في تعاستي بينما أجدك تراقصين الرجال بكل سرور وانبساط!..



    ومن ثم تقهقر الى الوراء وكأنه نادمٌ على التصريح الذي أدلى به، فقمت بسرعة ولحقته لأحاصر وجهه بوجودي فلا يهرب من بين يداي:

    - لا تدع المظاهر تخدعك، أنت علمتني هذا الدرس بأقسى طريقة ممكنة، فلا يجب أن تخطأ الظن وأنت تدرك أن أمثالي لا يتساهلون مع الرجال



    قال بنبرة أهون عن سابقتها وهو يحور عينيه عن مجالي بتخبط:

    - كلا ليس من الصواب ما يجرى، لا يمكنني التورط معك ألكسا فكلانا لن يجعل الأخر سعيداً



    قلت غاضبة وقد ألمتني كلماته القاسية:

    - إذا كنت واثقاً هكذا فعلى ماذا نتحدث الأن!


    أجاب بقنوط:

    - أنت لا تفهمين ألكسا، فما أريده لا تقبل به صبية في مثل ظروفك المرفهه، وليس من العدل أن أرغم عليك طريقتي كما أنني لا أستطيع الإستغناء عن مبادئ من أجلك أو من أجل كائن من كان!



    قلت بصوت متحشرج:

    - كفى تعقيداً وصارحني بمبادئك لأجيبك عنها بلساني فأنا أيضاً لن أغير مبادئ اذا لم يكن للأفضل



    أردف بهدوء وهو لا يحول عينيه الحلوتين عن عيناي هذه المرة:

    - أنا لا أستطيع البقاء بجورك كمجرد حبيب، هذا النوع من العلاقات لا يناسبني ولا يعني لي شيئاً



    فتمتمت وضربات قلبي تزداد اضطراباً كسمكة خارج الماء:

    - وكيف أجعلك تبقى بجواري!



    ازداد صوته عمقاً وهو يدنو مني بوهن:

    - تزوجيني ألكسا وسأبقى وفياً لك الى الأبد ..



    ...




    لاحقاً و أنا استند بظهري على صدر جورج العريض بعد أن أوينا الى بطن احدى البجعات المثبته بالمرسى بواسطة حبل سميك هرباً من أجواء الإحتفال، ارتديت سترته لأتحمل برودة النسيم القادم من جانب البحيرة حيث كنا وقلت:

    - لا ازال اجردك من ستراتك جورج الواحدة تلوى الأخرى، ايمكنك التعايش مع هذا الطبع المُشين؟!


    ضحك ثم أجاب وهو يطبق على بذراعيه بإحكام مما جعل أنفاسي تتسارع تزامناً مع نبضاتي الصاخبه:

    - طالما تبقيك دافئة من أجلي فسأكون بخير


    رفعت راسي غير مباليه بما يحل بتسريحة شعري الملاصق لكتفه ثم قلت متخوفة:

    - كيف أواجه الجميع بقرارنا، اخشى ان يحجروا علي بعيداً عنك و سأفقد صوابي آنها



    قال بعد تنهيدة طويلة:

    - هذا صحيح، لن يكون بإمكاننا الزواج في الحال وسيتوجب علينا الانتظار بعضاً من الوقت !



    أبتعدت عنه مجفلة بغضب وقلت وانا متأبهه للشجار:

    - هل تتلاعب بي منذ الأن!


    اجاب متفاجئاً:

    - وهل نتزوج غداً ثم نسكن في الشارع! ألا يجب أن أنتهى من بناء منزلنا أولاً لنعيش فيه!



    فقلت وانا اتأوه بدلال ويدي تطبقان على عضده القوي:

    - ستشيد منزلنا بيدك؟



    هز رأسه ساخراً والحرج يمنعه من النظر الى في العينين وقال:

    - ومنزل من الذي اقتحمته مرتين يا آنسة؟



    قلت بدهشة:

    - ذاك هو؟!، اوووه جوورج لن يطول انتظارنا اذاً .. هذا عظيم سنعيش فوق هضبة رائعة وبوسعنا مراقبة المغيب سوية كل مساء



    اجاب وهو يحك رأسه قلقاً:

    - ألكسا يجب ان اكون صريحاً منذ البداية، أنا لست عاطفياً البته كما انني ارغب بتكوين عائلة في اسرع وقت ممكن فأرجوا أن لا تبني
    الكثير من الأحلام الوردية




    قلت بمكر وانا احدق في وجهه الحاد القسمات:

    - سأمنحك جيشاً اذا أردت وسنرى بشأن فقرك العاطفي حين أحكم قبضتي عليك


    نظر الي بارتياب ثم قال بعذوبة:

    - ويفترض ان أعد قولك هذا غزلاً ام تهديداً؟!



    رفعت حجباي بكبر ثم علقت مازحة:

    - ربما الأثنين معاً



    وبدأت اجواء الصخب تتحول الى سكون تدريجي والضيوف يتسحبون الى غرفهم، فعلمت أني سأكون بورطه اذا لم أُظهِر وجودي للعيان عما قريب..
    وقفت بحذر حتى لا اخل من اتزان القارب بمعونة يده التى امتدت لي بتلقائية، ومن ثم قفزت بخفة فوق خشبة المرسى، وحين التفت لوداعه فاجئني بوقوفه من خلفي حيث قال وهو يمسك بطرف شعري البندقي الفاتح:


    - ألكسا أنا لا أنوى التراجع عن أي شيء قلته لك الليلة، لقد قضيت ساعات الأسبوع الفائت متأرقاً وأنا أفكر في هذه اللحظات .. إلا ان رفضك الأن كفيل بجعلي أختفى عن محيطك وكأن شيئاً لم يكن، فهل انت واثقة مما تفعلين؟


    أومأت له بخجل واحساس جارف يتملكني لأنغمس في احضانه، إلا أنني أكتفيت بالإنحناء لأقبل خده البارد ثم همست بدلال:

    - حتى تبقيك دافئاً ما تبقى من الليلة، عمت مسائاً خطيبي العزيز



    .................





  7. #46

    -٥-

    وتركته متخدراً في مكانه لأسرع بالعودة الى النُزل، قابلتني جدتي بالطريق و أراهن من انها كانت تبحث عني إلا انها قالت بسكينة وعينيها تتفحص السترة التى احتفظت بها على كتفاي:

    - اذهبي للنوم و سنتحدث بالغد


    قبلتها بدلال وقلت مازحة:

    - بدوتِ جميلة جداً الليلة جدتي، ألن تترفقي بحال العم براين و تقبلي عرضه بالزواج قريباً؟!



    وبانت البغتت على وجهها فأردفت وانا اعتلى السلالم:

    - لا تتفاجئي من معرفتي فكما اشرتي سلفاً، الكسا تشعر كثيرا و لكنها ايضا تعرف كثيراً جدتي


    ثم رقيت بضع سلالم وعدت ادراجي بخفه لأضيف بمكر:

    - او بوسعك الانتظار ريثما اتزوج اولاً ومن ثم تستطيعين حذو خطواتي فكما أرى أنه ينقصك بعض التحفيز!.. لا اظنني اتركك تنتظرين طويلاً على اية حال


    فقالت بانفعال:

    - الكسا!!



    اجبت وانا اتصنع البراءة:

    - فقط أقول الصدق



    ومن ثم لوحت لها واكملت طريقي الى الأعلى ..



    ~~~






    صوفي







    كنا على وشك الخروج من دوامة المدعوين المتفاعلين مع غناء الفرقة الشعبية أنا وفيليب ونحن على أمل قضاء بعض من الوقت سوية، إلا أنه علِقَ في أحاديث رسمية مع بعض رجال المدينة الذين ظهروا في وجهه خلال المسير، شعرت بالتحرج من وقوفي بجانبه خاصة والأحاديث لا تعنى لي بشيء فستأذنت للذهاب الى المائدة ولمحت ألكسا وجون وهما على بعد مسافة يسيرة من مكاني، ومن ثم رأيت كيف اجترها جورج حين ولى جون قاصداً اتجاهي فبتسمت رغماً عن ارادتي وأنا أرى قصتهما تبدأ أمام عيناي، ولما وصل جون الى المائدة انتهزت الفرصة في ابعاده عن التفكير بألكسا وحتى أمنحهما بعض من الوقت دون أن يتنبه الى غيابها وينصرف للبحث عنها.. أسرعت إليه بدون تفكير طويل وقلت وأنا أجره من معصمه:

    - كنت أبحث عنك جون، يجب أن تلتقط بعض الصور للعريشة حيث تتراقص الشابات




    أجاب متلعثماً من البغته:

    - ولكن ألكسا..




    قلت و أنا أتابع سحبه:

    - دعها وشأنها الأن وتعال معي .. الكثير يصطفون بإنتظارك في ركن التصوير




    وانتابه شيء من الضحك ثم أجابني:

    - ألن تحددي موقفك، العريشة أم ركن التصوير؟!




    فقلت وأنا أعض على شفاهي بخجل من توتري المفضوح:

    - وهل أطلب الكثير إذا ما قلت كلاهما؟!




    هز رأسه بالنفي وقال وهو يرفع الكاميرا المعلقة على رقبته أمامي:

    - ولكن يجب أن تمنحيني هذه اللقطة أولاً




    ابتسمت للكاميرا بإنسجام وزفرت بإرتياح نجاحي في ابعاده عن طريق ألكسا، ولمجرد شعوري بالذنب تجاهه أبقيت على صحبته ماتبقى من الأمسية وهو يلتقط صور المدعوين ببشاشة، بينما كانت عيناي تبحثان عن فيليب بين الحينة والأخرى دون أن يكون له أثر!..




    توقفت الموسيقى وغادر من غادر من المدعوين وبقى عدد كبير منهم حيث أخذوا بالصعود الى غرفهم لأخذ قسط من الراحة، وصعد جون بعدما تمنى لي ليلة سعيدة فأصبحت متفرغة للبحث عن فيليب،.. وبلا جدوى عدت أدراجي الى العلية وخلعت حذائي لأُسرع نحو الهاتف عله ترك رسالة ما، إلا أن ذلك لم يحدث أيضاً وهنا بدأ قلبي بالإنقباض وأنا أحس احساساً تاماً بأن ثمة خطب ما، ولم أبدد ثانية للهواجس فتصلت عليه وأنتظرت بصبر نافِذ أن يجيب، ثم أطلقت تنهيدة راحة حين أجاب، أردفت بعدها بقلق أولاً:

    - هل كل شيء على مايرام مع الخيل؟، لم أستطع إيجادك في أي مكان فنتابني القلق!




    جائني صوته لاذعاً ببرودته مما أيقظ كافة استشعارات القلق في نفسي دفعة واحدة:

    - رائع.. الأن فقط تبالين؟!




    قلت متوجسة بدهشة:

    - فيليب أنت غاضب!!




    أجاب:

    - وهل يهمك حقاً




    فأطبقت على شفاهي بفزع وقلت:

    - أنا لا أفهم.. كنت سعيداً خلال الأمسية فمالذي عكر صفو مزاجك هكذا!




    تنهد بإنزعاج ثم أجاب بنفاذ صبر:

    - صوفي أنا لست مراهقاً لأتحمل ألاعيبك بي ومحاولاتك إثارة غيرتي أو أياً يكن مما تفعله الشابات المراهقات، كنت واضحاً حين قلتها من قبل بأني أرفض قطعاً أن أراكِ بصحة رجل أخر ومع ذلك طابت نفسك الحوم حول صديقك المصور، وهو لم يتواني عن لمسك مراراً دون أن تبدى أي تحفظ اتجاهه!.. هنالك أمور لا أتحملها بتاتاً وهذا النوع من التصرفات على قمة القائمة بالنسبة لي وقد سبق ونبهتك بشأن غيرتي..




    حديثه فاجئني حتى النخاع وكأنه يتحدث بلغة لا أفهمها، وشعرت بالإهانة لوصفه لي بالشابة المراهقة، إلا أنني قلت في محاولة للتبرير بتعقل:

    - فيليب لقد أخطأت الفهم بالكلية .. إن جون مجرد صديق للعائلة وإنما أبقيت على صحبته من أجل ألكسا فقد اختفت فجأة.. وأقرك على عدم تحفظه بشأن اللمسات و تشابك الأذرع إلا أنني أأكد لك من أنه لا يقصد بها المعنى الذي تظن و إلا لما تجاوبت معه بالتأكيد، وإذا أبقيت عينيك عليه لوجدت أنه هكذا مع الجميع




    فرد بحنق وبدى كم يجاهد لكبح انفعاله:

    - صوفي لا تتوقعي أن أغير تحفظاتي مع كل انسان ليتناسب مع طبعه فأنا كما أنا مع الجميع، و إن كان لا يرى بأساً في تحرشاته السخيفة فهذا شأنه وما يعنيني أنني كنت صريحاً معك ولا أظنني أستحق قلة الإكتراث التي أبديتها بعد العشاء..




    قلت مدافعة وأنا لا أستسيغ امتعاضه بالكلية كوني لم أرى تجاوزاً من ناحية جون عن طبيعته التى أعرف منذ أن كان صغيراً:

    - فيليب اهدأ قليلاً وثق من أن الأمر ليس كما تتصور.. جون كان يقوم بخدمة للنُزل بالإلتقاط الصور ولم يكن من الصواب تركه وحيداً بين حشود من المدعوين الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه! رجاءاً حاول النظر في الأمر من منظوري..




    زفر بعنف ثم قال بصرامة:

    - جون .. جون .. والمزيد عن جون، إنه ليس معضلتي الأساسية يا صوفي فكفي عن الدفاع عنه بإستماته!..سأغلق الأن، لدي الكثير من الأعمال بالغد ولا وقت عندي للخوض في مثل هذه النقاشات، وإن كنت ترين من أني أبالغ في ردة فعلي هذه فلا جدوى من استمرارنا سوية صوفي.. مع الأسف الشديد لا أجدني أطيق صبراً على مثل هذه التراهات على الإطلاق ..




    ومن ثم أنهى الإتصال دون الإنتظار لسماع اجابتي وتزامناً مع ولوج ألكسا الى الحجرة، فقلت لها وأنا في وجوم شديد:

    - لقد أغلق في وجهي ألكسا!..



    ..............





  8. #47

    -٥-

    جائتني مستنكرة وجلست قربي على طرف السرير، بينما لم أزل في حالة من عدم التصديق لكل ما جرى، وقالت الكسا متأثره بشحوبي:

    - وهل تشاجرتما؟!




    أجبت بذات الوجوم:

    -رأني بصحبة جون فثار جنونه وترك المكان ساخِطاً!




    ورقة نبرتها كثيراً وهي تقول بسكينة:

    - إذاً لا يجب أن تغضبي منه صوفي، إننا نجهل حقاً طبيعة رجال القُرى فجورج ليس أحسنُ منه حالاً في غيرته المفرطة!




    نظرتُ اليه بجحوظ وأنا لا أتقبل شفعتها له، وقلت بغضب واستخفاف:

    - هذا جنون.. كيف عساه يتعلق بي ويغضب إزاء قضائي بعض من الوقت مع غيره في حين يحوم حولنا العشرات من المدعوين ونحن لم نكمل الأسبوع منذ قررنا التعارف!




    ضحكت ألكسا من عجبي وقالت:

    - يبدو أن الرجال مجانين بعض الشيء في هذا المكان، وهذا ما يزيدهم اثارة صوفي صدقيني.. لا أعتقد أن فيليب بسوء جورج الأحمق فلا تضخمي القضية وتعطيها أكبر من حجمها




    زفرت بغضب وأنا أقول:

    - ألكسا إنه لم يتوانى عن اهانتي ونعتي بالمتصابية، كمثيرات الشفقة اللاتي يحاولن كسب اهتمام الرجال عن طريق إثارة الغيرة في قلوبهم ..هل أنا كذلك!




    أجابت وهي تريح بيديها على كتفاي:

    - حسبك عن الغضب، تعلمين أنه لا يقصد اهانتك شخصياً وإنما أخطأ في التعبير.. كما أنه لا يعرفك حق المعرفة صوفي كما لا تعرفينه، وخيرٌ أنه أظهر حقيقته منذ البداية فلم يتلاعب لكسب قلبك ومن ثم يفاجئك بحقيقته المغايرة، صوفي التي أعرف لن تغضب من الصراحة وإن كانت لاذعة!




    أخمد حديثها الرزين نيران الغضب من الإشتعال بجوفي، وعقلي يتجاوب مع منطقها بسلامة وانسجام كونه مبدأي منذ القِدم، وساهمت رؤيتها لفظاظة فيليب من منظور مغاير في تخفيف حدة الحادثة علي ككل..

    تنهدت بإنزعاج وأنا أكره أن لا أكون على وفاق مع أحد، خاصة فيليب في هذه الحالة، فهو يروق لي بالفعل على الرغم من كوننا بالكاد نعرف بعضاً البعض.. وربما لكونه الرجل الوحيد الذي أيقظ في ذاتي هذا النوع من المشاعر الدافئة غير المألوفة، ولأن معه أشعر وكأن الأحاسيس تولد من جديد حيال كل شيء.. مشوار الطريق و طعم المأكولات و برودة الأجواء ودفئها، مستشعرات اللمسات في جسدي ووقع الكلمات على أذني.. كلها تبدو مختلفة معه ولا أعرف العلة لهذا..




    انشغلتُ في دوامة تفكيري بعضاً من الوقت ولم ألاحظ تحركات ألكسا في المكان وهي تعد نفسها للنوم حتى راودتني رغبة شديدة في رؤية فيليب لإصلاح الأضرار بيننا وأنا لا أتحمل فكرة النوم ونحن متخاصمان لسبب كهذا، فقلت بإندفاع وأنا ألتقط سترتي وحقيبتي:

    - سأذهب إليه ألكسا وسأعود قبل الفجر.. احرصي أن لا يشعر أحد بغيابي




    أسرعت ألكسا وصدت الباب بجسدها وهي تقول بفزع:

    - افعلي ما شأت بالغد ولكن ليس الأن يا حلوة، مجنونة أنا لأتركك تذهبين في هذا الليل!، إنها الأرياف وليست العاصمة المضاءة طوال الليل والنهار!، سنرى أين تذهب شجاعتك وأنت تقفين في العراء أمام مفترق الطرق، ولك مني ألف دولار ان استطعتي الإستدلال على طريقك عندها




    تراجعتُ الى الوراء وأنا القى بأغراضي على الأرض بإهمال، كنت أعلم في قرارة ذاتي أنها فكرة سخيفة ومع ذلك بدت كخلاصي الوحيد من كم الهواجس التى شتت تفكيري و نزعت راحة بالي، جلست على طرف السرير هذه المرة وأنا أضغط على رأسي ولم يسبق لي الخوض في تجربة مماثلة مما زاد من شعوري بأن حجمها يتخطى قدرتي على التحمل.. ألقت ألكسا بالمنامة على رأسي وثم قالت وهي تأخذ جانبها من السرير:

    - ولم تسألي حتى عن كيف كانت ليلتي .. يالك من شقيقة !!




    انتابني الخجل بصدق، فالمسكينة لم تلاقي مني اهتماماً بالغاً حين كانت تتقلب وحيدة مع أوجاعها، والأن وقد استجد الأمر تجدني مشغولة بمسائلي الخاصة.. أجبرت طيف فيليب على مغادرة خيالي بمشقه وقلت وأنا أبدل ثيابي حيث كنت:

    - هل رضخ صديقنا امام الأمر الواقع وأقر على حماقته لرفضك مسبقاً؟!




    ضحكت وانتابها مزيج من الخجل والحماس وهي تقول:

    - أفضل من ذلك صوفي، لقد طلب يدي للزواج




    رمقتها مكذبة ثم قلت بفزع من أماراتها التي تعكس الصدق:

    - أووه ألكسا لا أظنني توقعت شيئاً من هذا القبيل صغيرتي




    قالت وهي تريح ظهرها على السرير:

    - لا تقلقي لديك متسع من الوقت لتتكيفي مع النبأ، فسنظل مخطوبين حتى ينتهى من بناء منزلنا ومن ثم يتم الزواج!




    رددت وقلبي يخفق بمزيج من المشاعر المتضاربة:

    - ولكن لماذا هكذا فجأة!.. ألم يصد كل محاولاتك في الصلح من قبل!




    زفَرتْ بارتياح وقالت:

    - اتضح انه كان يكره الخوض في علاقة لا يرى نهايتها، وهو بطبيعة الحال لا يريد البدء في أي علاقة لا تنتهى بالزواج ويطمح في تكوين عائلة في أقرب فرصة ممكنة ..




    فقلت متلطفة:

    - لا ضير من ذلك كله إلا أنك لا تعرفينه ألكسا!، لربما يكون عاملاً آميناً وجاداً ولكنك لا تعرفين كيف يكون كزوج!




    ردت بثقة:

    - ولن أعرف حتى أخوض غمار التجربة صوفي.. المهم الأن أن قلبي أقره بالكلية وهذا ما ظننته مستحيلاً من قبل، أنا لم أفكر في مستقبلي قطعاً والأن أستطيع رؤية ما سأكون عليه خلال الخمس سنوات القادمة وعلى ذلك سأقيس.




    ارحتُ رأسي على الوسادة وماقالته جعلني انسى كل شيء بشأن فيليب وخصامنا لأتفرغ في التفكير بشأن ألكسا الكبير، ومن ثم قلت صادقة:

    - أياً كان قرارك فسأدعمك ألكسا، بيد أني أخاف أن تجرحي مشاعرك ومشاعره حين يتجلى لك كامل أبعاد القرار..




    أجابت باسمة:

    - لا تقلقي علي صوفي، وأعلم أن افعالي في الماضي يمكن أن تتنبأ بما يحتمل أن أقوم به في المستقبل من طيش، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يمكنني القيام بعكس ذلك، وهذا ما انا واثقة من قيامي به هذه المرة، لا زلت لا أصدق سهولة اتخاذي لهذا القرار عن اي قرار أخر قمت به في حياتي كلها!




    ثقتها العجيبة وملامح الرضا في صوتها جعلاني أهدأ قليلاِ ًوراودني تساءل من نوع آخر فأفصحت عنه مباشرة:

    - وكيف تتعاملين مع أمي وأبي بهذا الصدد، فأنت لا تريدين الزواج فقط بل و الإنتقال بعيداً عن العاصمة والجامعة بالكلية!




    تنهدت مستبشرة وقالت وهي تغلق الإنارة قرب جانبها:

    - لما لا ننام الأن وندع عنا استباق الأحداث، لديك مشوار تقضينه صباح الغد أم أنك نسيتي؟!




    انحنيت على اتجاهي وأغلقت الضوء بدروي وأنا أسترد تفكيري عنه، وضحكت حين نهرتني ألكسا وهي تقول:

    - كفى عن التفكير فيه في الحال وأخلدي الى النوم.. عمت مساءاً صوفي




    رددت وأنا أهيء عقلي للنوم الذي بدى مستحيلاً في حالتي تلك:

    - عمت مساءاً ألكساندرا..








    ...................
    نهاية الجزء الخامس
    قراءة ممتعة للجميع smile




  9. #48



    ووووهووو، عظمه على عظمه ياست، وأخيراً أنشر جزء ولا يطلع عيوني em_1f605

    عزيزي المحرر: كنت رائعاً اليوم أستمر بهذه السلاسة بارك الله فيك em_1f60b

    حسناً على الإعتراف أن الجزء لم يكن طويلاً كسابقيه كما أن الحالة النفسية جيده جداً ولله الحمد

    بالنسبة لحجم الجزء، أتمنى ما تلاقوه قصير جداً وإذا كان كذلك فسأنظر في شأن نشر جزئين خلال الأسبوع الواحد بدل جزء واحد على حسب التصويت والإمكانية والتفرغ

    وعلى أية حال، قراءة ممتعة يا أحبة smile


    في حفظ الله ورعايته
    مووون

  10. #49
    السلام عليكم والرحمة

    كيف حالكِ ؟ أرجو أنكِ بخير وصحة

    البارت كان رائعاً جداً لكن لا أنكر بأنه لم يكن طويلاً كفاية < طمعع emoji125
    أشكركِ على كتابته emoji171

    وأخييراً تصالح الثنائي الرائع .. جورج وألكسا كم أحببتهما في هذا البارت لكن ماذا ستكون ردة فعل والدتها هل ستوافق emoji45؟!

    لكن من جهة أخرى تفسد علاقة أخرى ، ارجو أن يتفهم فيليب الموضوع بأسرع وقت

    وجون المسكين لقد أشفقت على مشاعره اتجاه الكسا emoji174
    أرجو أن يذهب بكرامته لا أريد فساد علاقتهما أبداً emoji86

    بإنتظاركِ عزيزتي
    في أمان الله emoji169.

  11. #50
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مووون cry كيف حالك جميلتي؟ أرجو أنك بخير embarrassed
    وأخيرا قدرت أدخل وأقرأ وأستمتع cry > قلبي الصغير لا يصدق > مشيلي دراما كوين إعتبريها تبعات الدراسة laugh


    يا ستي قرأت الفصلين، واستمتعت، بس ولما بدأتِ الخوض في غمار الحب تسائلت، ليش حبت ألكسا جورج؟ أنا فاهمة إن الاثنين بسهولة يقدروا يطيحوا في الحب، بس ما اتقابلوا غير في كم مشهد ما بان من خلالها إيش دافع ألكسا عشان تبدأ بإعجاب وتنتهي بحب؟!

    هنا قادرة أفهم صوفي، كان في تدرج إعجاب وما زال إعجاب هيقلب ع حب، ومن جهتي في قبوول له، لكن ألكسا فجأة كانت تصرخ فيه، وفجأة صارت تحبه، إيش حبت بالضبط؟َ! هذا السؤال اللي وقفت عنده، ومن هذا المنطلق حسيت في سرعة في الأحداث. لا ما اتوقعت تماطلي بالأحداث وتعملي زي بعض الروايات مد وجزر طول الرواية وآخر دقيقتين يبان الوله laugh لكن انتظرت تبرير للحاجة خلتها ترفعه من القروي لخطيب؟
    هذا بس اللي انتقدته في الفصلين وحبيت أعلق عليه embarrassed

    حبيت جون على فكرة وحزنت عليه، وأحب أحييك ع طريقة معارضتك لقانون مافي صداقة بين رجل وامرأة، أقنعتني نظرتك فشكرًا embarrassed

    أما مشاعري من خلال الفصل:
    كانت مزيج بين العقل والاندماج، حبيت صوفي في البداية، لما زعلت عشان فليب ماطلها، أحب الناس اللي يفصلوا بين الالتزام والمشاعر، بانت لي صوفي منهم بهذا الموقف. وفي نفس الوقت لاحظت طبع فيليب العملي، أعجب بالبنت ما ضيع وقت ما شاء الله. حبيتهم كثنائي embarrassed


    أما لقصة ألكسا وجورج اتحمست ليها، أظن إن ألكسا هتذوقه أصناف العذاب، تعرفي ينطبق عليهم مقولة الشريك المخالف، يا كثر ما يتخالفوا وللعجب مافي شخص أحسن من أحدهم ممكن يفهم طبيعة الآخر وعمقه. عشان كذه أتطلع لهما.

    للأسف هذا اللي عندي هذه المرة
    سامحيني ع الرد اللي مو مرتب والقصير، بس بحاول أرد قبل لا أنسى كل اللي في بالي knockedout cry

    طبعًا منتظرة الفصل الجديد بشوق
    وأرجو لك التوفيق
    في أمان الله

  12. #51
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة emi79 مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم والرحمة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته e106

    كيف حالكِ ؟ أرجو أنكِ بخير وصحة

    ولله الحمد بين هذا وهذاك e40a


    البارت كان رائعاً جداً لكن لا أنكر بأنه لم يكن طويلاً كفاية < طمعع emoji125
    أشكركِ على كتابته emoji171

    وأشكرك على قراءته عزيزتي ايمي e418

    وأخييراً تصالح الثنائي الرائع .. جورج وألكسا كم أحببتهما في هذا البارت لكن ماذا ستكون ردة فعل والدتها هل ستوافق emoji45؟!

    هذا قادم في الطريق

    لكن من جهة أخرى تفسد علاقة أخرى ، ارجو أن يتفهم فيليب الموضوع بأسرع وقت

    e402e402

    وجون المسكين لقد أشفقت على مشاعره اتجاه الكسا emoji174
    أرجو أن يذهب بكرامته لا أريد فساد علاقتهما أبداً emoji86

    جون المسكين em_1f629 حبيب ألبي لول

    بإنتظاركِ عزيزتي
    في أمان الله emoji169.


    الله يسعدك ايمي، منورتني والله .. وبإذن الله الجزء قادم في الطريق كالمعتاد خلال اليومين القادمين


    الي أن أراكِ قريباً

    في آمان الله
    موون

  13. #52
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ديدا. مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته e418

    مووون cry كيف حالك جميلتي؟ أرجو أنك بخير embarrassed


    أنا كذلك أخت العرب وأنتِ بارك الله فيك؟!em_1f619
    وأخيرا قدرت أدخل وأقرأ وأستمتع cry > قلبي الصغير لا يصدق > مشيلي دراما كوين إعتبريها تبعات الدراسة laugh

    هههههههه حبيبتي الله يهون عليكي، طمنيني كيف اختباراتك وفروضك

    يا ستي قرأت الفصلين، واستمتعت، بس ولما بدأتِ الخوض في غمار الحب تسائلت، ليش حبت ألكسا جورج؟ أنا فاهمة إن الاثنين بسهولة يقدروا يطيحوا في الحب، بس ما اتقابلوا غير في كم مشهد ما بان من خلالها إيش دافع ألكسا عشان تبدأ بإعجاب وتنتهي بحب؟!

    أووه ديدا أوليس الحب سيد اللامنطق!، أنا من الشخصيات الى أرفض التفكير بهذه الطريقة ولكن فقط بنطاق شخصي يخصني، وقصدي إنه ما اتخيل إني أعجب في انسان بدون سبب ومنطق ولكن هذا لا يمنع إيماني بوجودك الإتجاه المعاكس عند البعض em_1f606 .. وعلى أرض الواقع شاهدت حالات متعددة من هذا الطراز، وطراز ألكسا وجورج كان أحد الطرازات الى وقعت لقريب لي من الدرجة الأولى (تزوجوا خلال اسبوعين) ولا كان زواج تقليدي أيضاً كالمتعارف عليه (خطوبة أم وما الى ذلك) .. خلينا من خصوصيات الناس وأشرحلك النظرية من فهمي المجرد على شخصياتنا في القصة:

    الرابطة بين ألكسا وجورج والى وصلتهم لقرارهم المتسرع بدون معرفة مسبقة وتروي هي "الرغبة" و "الإعجاب" ليس إلا ولا أظن أن للحب تدخل حتى يتم التعارف وفهم الأول لطبيعة الأخر وتقبلها، والرغبة غالباً ما تصور كشيء سلبي في مجتمعاتنا ولكن الحقيقة ان الرغبة هي الدافع الأساسي لأي عمل، لأنه اذا ما كان في رغبة ماراح يكون في محرك ومحفز للأداء ..
    جورج وألكسا حسوا ان بينهم انجذاب شديد في مرحلة ما ودا الإنجذاب أتطور ليصبح رغبة من الطرف الأول في الأخر في وقت قياسي يعزى لفطرة سليمة بين الرجل والمرأة، وهذا الشعور الجارف كان الدافع في تحولهم من مجرد غرباء لخطيب وخطيبة في لمح البصر لأن الإنسان الى عنده الرغبة راح يحاول يحققها بأي طريقة كانت المهم أن تتحقق (وهنا يبان أصل جورج السليم و الأدعى لزيادة الإعجاب إنه ما سعى لتحقيق الرغبة بأسلوب حيواني فقط، بل اختار المسار الأعقد نوعاً ما وهو بطلب الزواج)..

    نجي لتساؤل أطرحه أنا عليكي وأعطيلك إجابتي الشخصية عليه:
    - هل حقاً تؤمني إن الدافع الأقوى للزواج يجب أن يكون الحب؟!

    إجابتي الشخصية: قطعاً لا، الزواج ممكن يكون لأي دافع بغض النظر عن كونه دافع اناني أو دافع منطقي أو دافع غرائزي في نظر الأفراد أو المجتمع، وهذا من الحرية الشخصية للشخص انه يقرر لأي سبب يبغى يتزوج طالما أسبابه شريفة smile


    وسؤال ثاني أطرحه:
    - هل رغبة ألكسا وجورج سليمة أم انها سطحية ولا تكاد تكون من الواقع؟


    وإجابتي الشخصية:
    بلى الرغبة سليمة وفطرية مئة في المئة ولا عيب فيها سوى المخاطرة، والمخاطرة موجودة أيضاً في الزواج بالحب فالأمر سيان عندي رغم اختلاف الأسلوب.. بالنسبة لواقعيتها أتوقع وضحت فوق قد ايش واقعية بالنسبة لي كونها حصلت على أمام عيناي والزوجين الى تزوجوا بهذه الطريقة تبارك الله حبايب وعسل لليوم الله يباركلهم >>> إثبات اخر للفعالية لول



    هنا قادرة أفهم صوفي، كان في تدرج إعجاب وما زال إعجاب هيقلب ع حب، ومن جهتي في قبوول له، لكن ألكسا فجأة كانت تصرخ فيه، وفجأة صارت تحبه، إيش حبت بالضبط؟َ!

    لول زي ما قلت ألكسا ما حبت، ألكسا مالت برغبتها لجانبه، والعجيب عجبك em_1f606 فهذي شخصية ألكسا منذ البداية لم تتغير في كونها تتمسك في الى يعجبها وفي رأيها مهما كان بغض النظر عن منطقيته المهم أنه يروق لها e40a

    هذا السؤال اللي وقفت عنده، ومن هذا المنطلق حسيت في سرعة في الأحداث. لا ما اتوقعت تماطلي بالأحداث وتعملي زي بعض الروايات مد وجزر طول الرواية وآخر دقيقتين يبان الوله laugh لكن انتظرت تبرير للحاجة خلتها ترفعه من القروي لخطيب؟

    الجزء القدام راح يحمل تفسيرات داخلية من أفواه الشخصيات عن هذي الجزئية بالذات، يارب تقنعك وتعطيك الإجابة الى تبغيها، وبالنسبة لي ككاتبة فأكره ما علي التعقيد والمماطلة (عشان كدا ما أتفرج مسلسلات عربية أو تركية على الإطلاق المطلق، موت بطيء لول) فبإذن الله ما تلاقي دا مني يارب


    هذا بس اللي انتقدته في الفصلين وحبيت أعلق عليه embarrassed

    وانتقادك محل ترحيب وسعادة، حقيقي أحب أناقش قطعه كتبتها لأنها غالباً تتوج فكر خضع عندي لمرحلة التفحيص والتمحيص وفي بعض الأحيان القبول، وجود طرف اخر يناقشني فيه هو بمثابة زيادة تنقيح للفكرة فشكراً لك ديدا


    حبيت جون على فكرة وحزنت عليه، وأحب أحييك ع طريقة معارضتك لقانون مافي صداقة بين رجل وامرأة، أقنعتني نظرتك فشكرًا embarrassed

    لوول، مع إنه ممكن يجي من يعارضني فيه ولهم اسبابهم بس أنا أؤمن فيه بالكلية >>>> هل معناته اني أدعم الفصل الكامل بين الجنسين لهذا السبب؟ no way .. الحل الوسط هو الأسلم، الطرفين عليهم معرفة كيفية التعامل مع بعضهم البعض في اطار من التعاون اليومي بدون تخطي حدود أو الوقوع في متاهات مالها نور أخر الطريق em_1f636


    أما مشاعري من خلال الفصل:
    كانت مزيج بين العقل والاندماج، حبيت صوفي في البداية، لما زعلت عشان فليب ماطلها، أحب الناس اللي يفصلوا بين الالتزام والمشاعر، بانت لي صوفي منهم بهذا الموقف. وفي نفس الوقت لاحظت طبع فيليب العملي، أعجب بالبنت ما ضيع وقت ما شاء الله. حبيتهم كثنائي embarrassed

    مسار آخر في طبيعة البشر للتعارف والإندماج .. أوافقك اعجابك عزيزتي e40a

    أما لقصة ألكسا وجورج اتحمست ليها، أظن إن ألكسا هتذوقه أصناف العذاب، تعرفي ينطبق عليهم مقولة الشريك المخالف، يا كثر ما يتخالفوا وللعجب مافي شخص أحسن من أحدهم ممكن يفهم طبيعة الآخر وعمقه. عشان كذه أتطلع لهما.

    لول الإنسان الى طبيعته حب المناقره ممكن يموت لو وضعيته في بيئة مسالمة بالتمام، لا أستطيع رؤية ألكسا تتخذ مسار صوفي العاطفي على الإطلاق ولا أراها إلا فيما اختارته لنفسها، والعكس صحيح، لو وضعنا صوفي في غمار علاقه في هضبات كثيرة أشك في أنها تستمر تماماً، بالعامي "ما عندها طول نفس" على الشد والرخي em_1f606


    للأسف هذا اللي عندي هذه المرة
    سامحيني ع الرد اللي مو مرتب والقصير، بس بحاول أرد قبل لا أنسى كل اللي في بالي knockedout cry

    طبعًا منتظرة الفصل الجديد بشوق
    وأرجو لك التوفيق
    في أمان الله


    إذا ردك مو مرتب كيف ردي أنا لووول، مسموحة ومحشمه يالغالية، كانت جرعة نقاش لطيفة و رد صريح راقي ..

    بإذن الله يبسطك الجزء القادم ويوضح لك كثير من نقاط الإرتياب، وسعيدة بتواجدك دائماً وأبداً


    الى أن ألقاكِ

    في آمان الله
    موون

  14. #53

    -6-










    -٦-





    صوفي


    وقفت خجلة من وراء السيدة ليزا على بعد خطوات وهي تطرق باب المكتب في القصر حيث يقبع فيليب منذ الصباح الباكر، وخفق قلبي متسارعاً حين جاءت اجابته جافة:
    - ليس الأن سيدة ليزا.. لا أريد أي طعام بعد وسأخبرك متى أردت


    وصدر عن السيدة ليزا بضع حمحمات قبل أن تردف القول:
    - أعلم ذلك جيداً ياسيدي وإنما لديك زوار..

    وشعرت أن التهذيب الزائد يفقدني صوابي فتخطيتها بخجل ثم فتحت الباب عليه وولجت دون انتظار الإذن.. زفرت الهواء من صدري متمهلة وعيناي تبصران فيليب المتفاجئ وأنا أغلق الباب وراى تدريجياً بكامل جسدي، قلت بعدها بلطف لأخفي توتري:
    - صباح الخير فيليب

    كان لا يزال في دهشته حين قال بلسان ثقيل:
    - صوفي مالذي تفعلينه هنا في هذا الوقت المبكر!


    ونظر الى ساعته متفقداً ثم قال بإيقاع أسرع:
    - إنها بالكاد الثامنة صباحاً..


    قلت وأنا أسير نحوه بإنتعاش مصطنع، و الحقيقة أني لم أكد أنام بالأمس ورأسي في ثقله كالحجر، ومن ثم لامست بأناملي طرف مكتبه:
    - لدينا ما نتحدث بشأنه مما لا يحتمل التأخير..

    فعاود الجلوس بهدوء على مقعده المتحرك الفسيح وهو ينظر الى بسكينة، قال بعدها بنبرة هادئة:
    - رجاءاً لا تقومي بمثل هذا التصرف الغير مسؤول مجدداً، مالذي يحدث للسيدة صوفيا حين تستيقظ و لا تجدك في الجوار

    أجبته بخجل:
    - لم تترك لي مجال أخر فقد رفضت اكمال الحديث بالأمس ولو أنك فعلت لتأكدتُ من مصالحتك قبل الخلود الى النوم

    قال وهو لا يزال متمسكاً بقناع الهدوء المقيت:
    - كان بوسعك الإنتظار حتى الظهيرة، وربما أكون قد انتهيت من بعض أعمالي الملحة آنها


    قلت بسرعة وأنا أزداد اضطراباً:
    - لا بأس بوسعي الإنتظار ولن أشغلك عن عملك..

    أومأ لي على مضض ثم قال:
    - ومالذي تفعلينه حتى أنتهى؟

    أجبت بتصنع:
    - أتجول هنا وهناك و أقضى بعض الوقت مع السيدة ليزا.. كانت حاضرة في احتفال الأمس وبالتأكيد لدينا الكثير من الأحاديث المشتركة

    قال:
    - هل أنت متأكدة؟ بوسعي اعادتك الى النزل الأن

    واحتججت سريعاً ثم قلت وأنا أتراجع لأهرب من المكان:
    - تناسى وجودي و اكمل عملك رجاءاً وسأكون على مايرام..

    ومن ثم لوحت له باسمة وخرجت من المكان وانا احسن تمالك دموعي، مالذي أقدمت عليه بكل غباء!.. على الأقل كان بإستطاعته أن يكون أقل بروداً حتى لا يجعلني أكره ذاتي الى هذا الحد.. وحتى القليل الذي أظهره من حرصٍ لم يكن بالضرورة مدفوعاً بالمحبة وإنما من باب الذوق العام ولما يجمعه بجدتي من شراكة مالية تستوجب ابقاء الود بينهما..

    قابلتي السيدة ليزا خلال سيري بحثاً عنها وسرعان من اندمجنا في الأحاديث وشعرت بالإمتنان كونها لم تحاول حشر انفها عن اسباب قدومي، وإن كنت أظنها ادركت السببية من توقيتي في الزيارة.. غادرتني لاحقاً قبيل الظهيرة للإشراف على تحضيرات الغذاء وسير الأعمال في القصر، فتمعنت في تفاصيل الأثاث ورسومات الحائط المتداخلة حتى تثاقل رأسي وتكاسلت أجفاني وأصبحت أنفاسي عميقة وهادئة، أدركت آنها أنه لا مفر من الوقوع في النوم فستسلمت له على الأريكة بإصغار..


    ~~~




    ألكسا


    فتحت عيناي على مضض وأنا أشعر بتحركات مضطربة في الغرفة ووجدت صوفي تلقى بحاجياتها في حقيبة يدها ومن ثم تقف مترددة أمام الخزانة، كان من الواضح انها عاجزة عن اتخاذ قرار بشأن ما تريد ارتداءه فقلت بصوت يملئه النعاس:
    - الأخضر يليق بك، كم الساعة؟!


    التقطت القميص المطبوع ووضعته متعجلة ثم دست أطرافه وراء بنطالها الجينز ذو الخصر العالي وقالت:
    - السادسة صباحاً، يجب علي النزول قريباً حتى لا أفقد فرصة مواصلاتي

    قلت وأنا أتابع فوضوية تحركاتها بعيناي المثقلة، وكانت تصلح خديها بحمرة ناعمة:
    - ومن سيقلك في هذه الوقت؟

    قالت وهي تلتقط حقيبتها:
    - الشباب العاملون من احتفال الأمس، سيغادرون خلال دقائق ولا أريد أن تراني جدتي فتحبسني عن الذهاب.. أراك لاحقاً ألكسا

    ومن ثم خرَجتْ من المكان على عجل فعاودتُ النوم وانا افرد جسدي بإرتياح على السرير حتى تخدرت اوصالي منه، قمت بعدها وشرعت في تجهيزاتي ونزلت دون أن يفوتني موعد الإفطار، وكان النُزل ينبض بالحياة و صالة الغذاء الداخلية ممتلئة بأوجه الضيوف المنشرحين من ليلة البارحة..

    خرجت الى الباحة لأكمل الجولة فوجدتها تعج بالأنفس هي الأخرى وهنالك مجموعة من الأطفال يلعبون أمام العريشة وبضع شابات ينتظرون أدوارهن لأخذ نزهة على ظهر البجعات … لوحة من الجمال والحياة تزين نظري الى الدرجة التى جعلتني أذرف بضع دمعات تُحسب لرصيد السعادة.. قابلني جون بعدها وهو يحمل طبق الإفطار خاصته، ومن ثم جلسنا سوية على احدى الطاولات الشاغرة في الهواء الطلق وكان يأكل دقيقة وسرعان ما يرفع كميرته لإلتقاط مشهد ما من حولنا، وقال وهو ينزل كاميرته ليعاود الأكل:

    - لقد اختفيتِ بالأمس فجأة وفاتك قضاء وقتٍ ممتع برفقتي أنا و صوفي

    فعلّقت مازحة:
    - فوتها في سبيل المضى قدماً في حياتي جون، ولكن قل لي كيف كانت ليلتك؟!

    وأردفت دون السماح له بالكلام:
    - ليست الأرياف مملة كما ظننت أليس كذلك؟!

    اجاب برزانة:
    - ومن قال بأني ظننت ذلك من قبل؟! ألكساندرا أخشى أنه كان تفكيرك الخاص ليس إلا

    ضحكت وأجبت:
    -لربما ولكنني ظننت أن صديقي يحمل فِكراً مشابِهاً

    نظر الى ساخراً:
    - نتشابه، أنا وأنتِ؟! ..




    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 19-04-2015 عند الساعة » 05:22

  15. #54

    -٦-





    فحدجته بنظرة امتعاض وقلت:

    - دعك من هذا الكلام وأكمل طعامك بهدوء سيد جون ..

    ابتسم لي وأحسن الإمتثال.. وحين كنت على وشك الإنتهاء من طعامي بعثت جدتي بثوماس لينادي علي فتركت جون وقصدت مكتبها وأنا غير متأبهة لمواجهتها بما أحمل في صدري من أنبأ.. أشارت لي بالجلوس أمام المكتب وكانت أماراتها توحي بالإطمئنان فلم تكن مشدودة أو متوترة، ومن ثم قالت:
    - أعلم أن مهمتك في تخطيط التحسينات للنُزل والإشراف عليها قد انتهت بنجاح باهر، ولهذا أود عرض منصب جديد عليك لما تبقى من هذا الصيف..


    قلت بإهتمام وأنا متفاجأة فلم أرى ذلك قادماً:
    - أنا مصغية جدتي


    أردفت وهي تحمل قصاصات أوراق عشوائية وضعتها أمامي:
    - أريدك أن تكوني متعهدة الحفلات في النُزل، لدينا حتى الأن سبعة أزواج مهتمين بإقامة حفلات زفافهم معنا خلال هذه السنة إلا أنهم يريدون معرفة ما نستطيع تقديمه لهم من خدمات و أطعمة وتجهيزات تخص الديكور وما الى ذلك.. جدتك ليست مؤهله لمثل هذه الأمور ولا طاقة لي على تحمل ضغوطات المهمة فما قولك؟!


    فاجأني العرض الكبير دون شك إلا أنني بادرت بتسائلي لأتأكد من طبيعة فهمي للمنصب:
    - إذاً تريدين أن أتكفل بالحجوزات وأتعامل معها بشكل مباشر تام؟


    أجابت بلسانها وبيديها:
    - تماماً.. كل شيء ألكسا، قوائم الطعام و قوائم الموسيقى.. العاملون و حجوزات الغرف المرتبطة بالمناسبات، سأعهد إليك بكل شيء


    قلت متخوفة من حجم المهمة:
    - ولماذا لم تختاري صوفي فهي مؤهلة أكثر مني وقد سبق لها تجربة العمل في كل شيء يخص النُزل


    أجابت بوقار:
    - صوفي خيار ممتاز إلا أنها ومع الأسف الشديد لن تكون متاحة لبعض الوقت، كما أنني أطمح لرؤية المزيد من لمساتك الخاصة في النُزل وقد اتضح لي أنك موهوبة أكثر مما تتصورين


    خالجني سرور ورضا رغم التخوف، بيد أني قلت مستنكره:
    - ومالذي يجعل صوفي غير متاحة!..


    عندها سحبت ورقة من على طرف مكتبها وناولتني إياها وهي تقول:
    - وصلتني عن طريق الفاكس هذا الصباح، لقد قبلها المشفى الرئيسي بالمدينة للتدريب لديهم ويتوقعون حضورها منذ بداية الأسبوع، أي بالغد


    مشطت عيناي الخطاب سريعاً وثم قلت لجدتي ببغته:
    - ومتى كانت تخطط اخبارنا تلك اللئيمة؟


    أجابتني باسمة:
    - كانت الطبيبة المسؤولة عن قبولها حاضرة بالأمس وحكت لي تفاصيل ما حدث، لا تقلقي صوفي لم تخنك على الإطلاق وإنما جاءتها الفرصة دون أن تسعى في طلبها، كما أظنها لم تطلع أحداً بعد حتى يصلها هذا الخطاب، إنها من النوع الذي لا يحب اثارة الجلبة في دون حاجة


    إنه مصيبة، فما أشبه فعل صوفي بشخصيتها، وحتي سكوتها عن مقابلتها لفيليب من قبل والتطورات التى نشأت بينهما، إنها هكذا دائماً ما تأجل اطلاعنا عن حقيقة ما يدور في حياتها وأنا أعلم أنها لا تعنى التكتم عنا بقدر أنها لا تحب الكلام عن شيء ليست متيقنة منه تمام الثقة، وهذا لا يمنع شعوري بالحنق تجاه خصلتها هذه بالذات، أكملت جدتي الحديث وقالت:
    - إنه لا تعلم عن خطاب القبول لم لا نفاجئها خلال عشاء الليلة؟!


    أومأت لها بالموافقة ثم أردفت بقليل من التردد:
    - جدتي أنا موافقة على العرض، متي يجدر بي البدأ؟!


    فقالت برضا:
    - منذ اللحظة.



    ~~~



    صوفي



    - آنسة صوفي ...
    تنبهت على صوت السيدة ليزا الرقيق وهي تحاول ايقاظي و سرعان ما اعتدلت في جلوسي فسقط عن كتفاي الغطاء الذي كان يغطين اثناء النوم، كنت فزعه الى حد بعيد و انا لا ادري كيف ومتى استغرقت في النوم، ومن ثم طالعت اتجاه النافذة العريضة و اعتراني بعض الهدوء كون اشعة الشمس لا تزال ساطعة بكامل جبروتها، مسحت السيدة ليزا على شعري بلطف وقالت لتهدأ من روعي:
    - هون عليك لم تنامي اكثر من ساعتين


    تفقدت المقعد ووجدت وسادة وضعت مكان موضع راسي ومن ثم الغطاء حولي فقالت ليزا سريعاً وبحذاقة:
    - اوه اردت فقط ان احرص على راحتك، كما انني اعلمت السيد فيليب ريثما وجدتك نائمة فلم يتجرأ على المرور بالغرفة على الإطلاق أأكد لك


    زفرت بقليل من الارتياح واحسست بالدماء تتجمع في خدي و اذناي من الخجل، دلتني بعدها على الحمام وقالت من ان الغذاء جاهز و فيليب ينتظرني لنتناوله سوية..
    اختليت بنفسي أخيراً و طالعت وجهي النعس في المراءة فغسلته مراراً عل عقلي يتوقف عن ملامته القاسية ضد جملة افعالي مؤخراً، ونجحت في اخراسه عنوة إلا انه نجح في زعزعت ثقتي بنفسي لأقصى درجة، و كان اتهام فيليب يحوم حول ذاكرتي وينطبع بواقعية على تصرفاتي الصبيانية! .. ولوهلة راودني شعور جارف في الهرب من المكان ومن مواجهة فيليب مرة اخرى ومن التعامل مع جدتي بشأن اختفائي منذ الصباح الباكر، ولا ادري مالذي حصل لي!.. ألم أكن حريصة جداً على ابقاء انطباع مشرف عني امامها منذ قدومي ومن قبل ذلك خلال مراسلاتنا الورقية.. لماذا أشعر وكأني عدت الى نقطة الصفر مجدداً!


    انها عادة سيئة أخرى أعانى منها غير التجاهل والحذر.. فأنا قاسية جداً على نفسي ولا أسمح لها بإرتكاب الأخطاء دون تعنيف لاذع سوى في مجال ضيق جداً، الأن وبما أني أفقد السيطرة على انفعالاتي وتصرفاتي فعقلي ثائر ساخط كما لم يكن من قبل، وثورانه ينهكني داخلياً ويجعلني عاجزة عن اطلاق احكام صائبة فلا أرى حلاً سوى الإنعزال والإبتعاد حتى أعيد تقييم ذاتي بعيداً عن الأعين..


    تنهدت بضيق، و تبادر الى ذهني من أن الهرب لن يعالج شيئاً كما أنني محاصرة في القصر حتى أجد من يقلني الى النُزل، ثم حاولت التركيز على مظهري الهامد فأصلحت شعري في جديلة جانبية وأصلحت القميص وثنيته داخل البنطال.. تفقدت مظهري مرة أخيرة وأدرت مقبض الباب بعدها لأتفاجئ بحوم فيليب بالقرب من المكان ويديه معقودتين وراء ظهره، رأني فسار يقصدني بخطوات متسارعه وتحدث بنبرة صريحة تشابهة مع أسلوب مشيته الرشيقة:
    - ظننت بأن مكروهاً أصابك، هل كل شيء على مايرام؟!







  16. #55

    -٦-



    أومأتُ له بالإيجاب وأنا أذكر سريرتي بوعُودنا على التزام الدماثة حتى أبتعد عن المكان، وأن نظراته لا يجب أن تؤثر علي مهما تعمقت داخل فؤادي، أكمل بهدوء وانشراح:


    - إذاً أصحبك الى السفرة، المسكينة ليزا أعياها الإنتظار



    مشيت أمامه سريعاً لأن لا اضطر الى رفض يده، فلحقني ببضع خطوات من خلفي حتى وصلنا الى الغرفة، و كوني أتمتع بذاكرة جيدة فلم يصعب علي تذكر الطريق المؤدي إليها دون الحاجة الى دلالته..


    كانت الغرفة ذات طابع أنثوى فاللون الوردي يغلب على الأثاث بصورة ملحوظة وفي الورود المنقوشة والستائر وعلى الكراسي، ولا يماثله قوةً في الحضور إلا الفضيات في الشمعدانات و أواني الزهور وطاقم السفرة، وعلى الرغم من اعتناء السيدة ليزا بكامل الإعدادات بشكل ملحوظ، إلا أنني لم اشعر بالإمتنان الكافي لأتغاضى عن صف الملاعق والسكاكين الموضوعة على جانبي طبقين أمام مقعدين فقط، احدهما على رأس السفرة والأخر عن يمينه..
    وببداهة أدركت أين يجب بي القعود فشققت طريقي دون انتظار، وكتمت تأوهاً خافتاً من الظهور حين أسرع فيليب بسحب الكرسي من أجلي، وتركته يعينني على اعادته ثم استقر بي القعود، راقبته يجلس بطرف عيني دون أن أسمح له بضبطي اتلصص عليه، ثم شرعنا في الأكل من الأطباق المتواجدة أمامنا بهدوء وكان لا بد من كسر حاجز الصمت الذي أصبح سخيفاً فقلت برزانة:


    - إذا كيف جرت أعمالك هذا الصباح فيليب



    انفجرت ابتسامته، ولم أتمالك نفسي كفاية لأن لا أسترق النظر اليه ثم قال:

    - أنت تبرعين في كسر توقعاتي صوفي..
    ابتسمت ببرود:
    - مالذي تعنيه؟
    أجاب:
    - قبل قليل فقط كنت متيقناً من أنك تهربين من القصر خلسة إذا لم ألحق بك في الوقت المناسب!، وفقط الأن ظننتك تقولين سيد فيليب عوضاً عن فيليب من جدية مزاجك..



    أظهرت استنكاراً مصحوباً مع ابتسامة خفيفة، وأنا أدعو أن لا يشعر بالإضطراب الذي عم أوصالي لما قاله عني لتو فأصاب عين الحقيقة، وكافحت لأن لا أحقق له توقعاته وقلت:

    - عجيبة ظنونك، لماذا أهرب وأنا التي أتيت صباحاً بمحض ارادتي؟!



    أجاب وهو يرمقني بإعجاب:

    - بلى أتيتِ، إلا أنك لا تقومين بذلك في العادة وما فعلتها اليوم سوى لمراضاتي ومن أجلي فقط


    تباطأت نبضات صدري من كم الثقة في نبرته الرصينة وشعرت بهيمنتها على جوارحي المأخوذه من حذاقة فهمه لطبيعتي، إلا أنه من المبكر اعلان الإستسلام فقلت:

    - هذا صحيح، كان قراراً متسرعاً ولا أظنني أُعيد الكرة مرة أخرى.. لك أو لغيرك


    رد معاتباً:

    - مالذي جرى للحسناء التى قالت أنها ستنتظر برحابة صدر صباح اليوم؟!


    أجبت وأنا أتابع بلا اكتراث:

    - غفت وأدركت حماقتها


    كان يتأملني بجرأة وهو يقول بصوت عميق:

    - ما أسرع حموتك!



    رمقته للحظات وأدركت من أنها نهاية مشوار نضالي أمام عينيه العشبيتين وشعره البني الكثيف فقلت بملامة:

    - وما أقل ثقتك بي بينما أفعل الحماقات في سبيل ابقاء الود بيننا



    فجتر يدي وقبل ظهرها بشغف جعلني أشيح بعيداً وأنا أستردها الي قبل أن أقول برجاء:

    - لا تفعل أرجوك، ليس إذا أردت فرصة عادلة مع عقلي قبل عواطفي



    قال بهدوء محبط:

    - لم تكن مشاعري بهذا الوضوح من قبل فلِما التحفظ عن اظهارها!، ولولاها لم كدت أن أتصرف بصبيانية وأوسع ذلك اللقيط ضرباً وهو يسحبك من خصرك هنا وهناك

    قلت بصراحة وأنا أضغط على فخذي تحت الطاولة:
    - على الأقل امنح مشاعري بعضاً من الوقت لأكون على قدرك من الوضوح، فأنا لست واثقة من اى شيء اللحظة ولا أنوى التلاعب بك ولو لدقيقة واحدة


    زفر بضيق جلي وقال:
    - أخشى أنني اعجز عن فهمك صوفي، فتارة ألاقي القبول في عينيك وتارة أشعر وكأني أراك للمرة الأولى!..

    لم أجبه هذه المرة، فهو صادق حيال تناقضي وليس عندي مبرر ادافع به عن نفسي، بيد أنه في الوقت ذاته أجد أنه من سابع المستحيلات أن أرضخ الى احتمالية كوني قد وقعت في حبه خلال أيام قلائل!، وهذا قطعاً ما يرفضه عقلي وجانبٌ من قلبي أيضاً..
    إنني أدرك ماهية الحب من جانب ثقافي، فقد قرأت عنه كثيراً من باب الإطلاع وأعلم أن ما أمر به هي عوارض من عوارضه دون شك، ولكنني أخاف من خديعة نفسي لي، وأن أطلق العنان لمشاعري حياله فأستيقظ في لحظة لأجد أن كل ما فعلته بتسرع وطيش كان محض حماقة كبيرة ورطةُ نفسي في تفاصيلها بكل عمى..


    أردف فيليب وكان الحنق يخنق صوته الواضح هذه المرة:
    - تطالبين بثقتي يا صوفي ولا أجد لنفسي نصيباً من ثقتك..

    فتذكرت ما تداولناه سابقاً بشأن الثقة حيث أخبرته بكل صراحة أنه ليس في موضع ثقتي، وأغمضت عيناي بإمتعاض لحماقتي من قبل،، بالتأكيد كان هنالك نوع من الثقة بيننا وإلا لما كنا نقوم بتلك المحادثة في ذلك الوقت منذ الأساس، لا أكاد أصدق لساني في بعض المرات، والأن يجب علي التعامل مع النتائج! .. أجبته متلطفة وأنا أقر بجانبي من الخطأ:
    - آسفة.. هذا ليس عدلاً بكل تأكيد، وأظنني أخطأت التعبير في ذلك الوقت فيليب فأنا أثق بك حقيقة

    - أحقاً؟!


    قالها مشككاً فأجبت مؤكده:
    - بلى


    فبتسم ملء أشداقه وأردف بإصرار وهو يقوم من مقعده:
    - إذاً لنختبر صدق ثقتك صوفي.. الحقي بي رجاءاً..


    طالعته لبرهة ومن ثم أذعنت لرغبته فقمت من مكاني وتبعته الى الخارج، وصادفتنا السيدة ليزا ونحن نخرج من الغرفة وهي تحمل الطبق الرئيسي بين يديها، فأشار لها فيليب سريعاً دون أن يسمح لها بالإحتجاج:
    - سنعود قريباً سيدة ليزا بوسع الطعام الإنتظار

    ومن ثم عبرنا الباب الرئيسي و ركبنا احدى العربات المتحركة وهو لا يحدثني بشيء.. قاد العربة المفتوحة مطولاً فوق الأملاك الشاسعة للعائلة حتى وصلنا الى كوخ صغير اتضح حين أقتربنا منه وتوقفنا عنده أنه لم يكن سوى اصطبل صغير، تنهدت بفزع ونظرت اليه بجحوظ فقال باسماً:
    - تذكري حديثك

    قلت بإضطراب وأنا أتوجس خيفة من خروج أي حصان علينا في أي لحظة:
    - أنت لا تفهم فيليب، أرجوك دعنا نعود الى القصر

    ترجل دون السماع الى توسلاتي واستدار بخطوات بسيطة ليصبح أمامي فقلت برجاء أعمق:
    - فيليب لا تفعل هذا بي أرجوك أنا..


    وأشار لي بالسكوت وهو يأخذ بيدي لأترجل من العربة، طاوعته على مضض وأنا أسحب أنفاسي بصعوبة، ومن ثم قال وهو يمسح على عضدي:
    - أنا أعرف كل شيء بشأن خوفك صوفي، كنت متواجداً حين أفضت ألكسا بخبر الحادثة الى جدتك ذلك اليوم وكان من الصعب أن لا أتذكر تفاصيل ما جرى بعد ذلك السباق الكبير..

    رفعت رأسي الثقيل لأرى كيف يقدر على التحدث بذلك الهدوء بينما أوشك على فقدان صوابي من شدة الذعر، وأردف بصوت حنون:
    - كنت متواجداً أثناء تلك المبارة ولم يفصلني عنك سوى سياج المضمار..


    فتشبثت بقميصه لأعين قدماي على الوقوف وقلت بإختناق وأنا أسترجع تفاصيل ذلك اليوم:
    - رأيت كيف أوقعني الحصان!


    أجاب:
    - رأيت شجاعتك وتمسكك في البقاء على ظهره ما امكنك من الوقت، ولا أكاد أصدق مصادفة رؤيتك بعد كل تلك السنين..

    اشتدت قبضتي على قميصه وأنا أقول من بين أسناني وجبهتي مستندة على صدره حيث أن الرعب شل مقدرتي على النظر من حولي:
    - لماذا ثار وأنا على ظهره!

    عانقني أخيراً فأغمضت عيناي تجاوباً وهروباً من واقعي، وكانت أنفاسي تنتظم بالقرب من دقات قلبه وقال ويده تمسك برأسي لتثبتنا سوية:
    - لأنه كان مخموراً عزيزتي، قبل أن تنضمي مع عائلتك الى الحصان جعل المتسابق الغبي يسقيه بحبور من الزجاجة الفاخرة التى تسلمها من ضمن هدايا الفوز، وحين دار أثر الشراب برأس الخيل ثار ومع الأسف الشديد كنت على ظهره آنها.. أرجو أن تصدقيني، فالخيول لا تثور بلا سبب وخاصة مع وجود طفل على ظهرها، وهي تعرف الفرق بين البالغ والصبي بحاسة فطرية فتكون أكثر عطفاً على الأطفال من البالغين..

    أبعدني عنه ليتفقد وجهي فاقع الإحمرار وقال برجاء:
    - ثقي بي وأسمح لي بأخذك لزيارة “أصيل” الفرد الجديد في العائلة وأمه.. وكلاهما مسالمان جداً أعدك بذلك

    قلت برهبة:
    - ألن تكون الأم فظه لمن يحاول الإقتراب من صغيرها!


    ضحك:
    - بلى ولكنها ليست قاعدة عامه، فهي حذرة مع من يقترب منه وسرعان ما تدع حذرها اذا لم تشعر بالتهديد..





  17. #56

    -٦-





    كلامه وقع بسلاسة على عقلي رغم صراع الخوف القائم مع بعض أجزاءه.. تشابكت أيدينا ونحن نقصد الكوخ وتباطأت خطواتي عندما وصلنا الى الباب، فأخذني من ذراعي وولج بخطوات متمهلة، وسرعان ما شهقت حين أبصرت الفرس الأم والصغير يجلسان قريباً من بعضهما، تجاهل فيليب انفعالاتي وأستمر في تقدمه حتى أصبحنا نقف على مقربة من السياج الخشبي المتباعد، تشبثت بعضده وقلت بالكاد:

    - هنا يكفى أرجوك..

    فبتسم وتخلص من ذراعي ليطوق كتفاي ومن ثم أصبح ظهره يدعم ظهري وهو يحثنى على متابعة التقدم حتى السياج وساعدني على التقليل من خوفي بقائهما مستقرين في أماكنهما، دنى فيليب قليلاً وقال هامساً:
    - مرت بمخاض طويل ومؤلم، لذلك لن أخذك إليها بعد ولكن ثقي من أنني سأفعل قريباً

    استدرت برقبتي لأواجهه وقلت بروع بالغ:
    - كلا فيليب أنا شاكرة لك ولكنني لا أنوى الخوض في تجربة مماثلة مرة أخرى..

    أطلق ضحكة بسيطة وأسترعى صوته انتباه الأم على مايبدو لأنها قامت على رجليها فصرخت من فوري وأنا أحاول الهرب، ثبتني فيليب بين قبضتيه القويتين وقال بقوة:
    - ابقى هادئة وستكونين على ما يرام..

    وحاولت لأجزاء من الثانية إلا أني استدرت من فوري لأواجه كتفه والخيل تقصدنا، وهمست بصوت مرتعش النبرات:
    - أرجوك ابعدني عن هذا المكان في الحال


    قال وهو يربت على ظهري باسماً:
    - ابقى هادئة انها ترغب في التعرف عليك

    فنم عنى نحيب صامت من حلقي ولم أتمالك اعصابي إلا بالبكاء، وشعرت بأنفاس قوية من ورائ فشددت على كتفه وأنا اهمس بضعف:
    - ابعدها عني أرجوك

    أجاب ويده الأخرى تخفف من قبضتها على لتمسح على رأس خيله:
    - أنت تبلين بلاءاً حسناً صوفي

    ثم أخذ يصدر أصواتاً من بين شفاهه فختفى احساسي بالأنفاس، استدرت ببطأ شديد وتنفست الصعداء وأنا أراها تعاود الإنضمام الى وليدها الذي أخذ يحاول القيام على ساقيه بعضاً من الوقت حتى نجح.. فأردف فيليب:
    - تبدأ المُهرة في محاولاتها القيام على ساقيها منذ الدقائق الأولى لولادتها وتنجح بعدها خلال وقت قصير،، التدرج في مواجهة مخاوفك لا ينفع في أغلب الأحيان بينما يستطيع عقلك التغلب عليها خلال وقت وجيز حين تواجهينها دون تحضير مسبق، فالمرء لا يقف متفرجاً حين يهاجمه أسد في البرية بل تجدينه يشرع في الركض مبتعداً عن مصدر الخطر وإن لم يتعرض له من قبل وهذه غريزة فطرية في كل المخلوقات..


    قلت وأنا أراقب الصغير بنوع من الغبطة على اصراره، لطالما أسرني المثابرون والمجتهدون في مساعيهم:
    - أيمكننا الإبتعاد الأن؟!

    ضحك بإنبساط وأجابني لما أردت، وعندما وصلنا الى العربة قلت بإصرار:
    - عدني من أنك لن تستخدمني في تجاربك مرة ثانية..

    فعاوده الضحك وقال وهو يدير العربة في اتجاه القصر:
    - سأحاول ولكن لا وعود..

    ومن ثم انهينا ما تبقى من وجبة الغذاء ونحن نخوض في أحاديث وديه، ووصلنا الى النُزل بحلول العصر حيث صادف وجود جدتي أمام الباب لوداع أحد النزلاء، فلما رأتنا استأذنت من ضيوفها و قصدت السيارة لتدنو من الشرفة المجاورة لي وأنا لا أقوى على النظر في عينيها من شدة الخجل، وقالت:
    - شكراً لإعادتك حفيدتي سيد فيليب، ما رأيك بتناول العشاء معنا الليلة.. أنا أصر

    أجابها بلباقة:
    - كما تشائين سيدتي

    ومن ثم تخطيناها ليقف بالسيارة في المواقف المخصصه وقال وهو يتجرد من حزام الأمان:
    - لن أجيبها كذباً صوفي إذا ما سألت عما يدور بيننا، ولا حاجة لي بالتروي حتى تتصالحي مع مشاعرك المختلطة بشأني

    أجبته بسكينة:
    - لا حاجة لك للكذب فيليب، فلن أكذب أنا أيضاً و كلي أمل أن لا أخيب آمالها

    أخذ يدي وقبلها مجدداً وقال مستعطفاً:
    - على الأقل دعي عقلك يتأقلم مع هذا التجاوز فقط وأعدك بإلتزام حدودي في المستقبل

    ضحكت وأنا أهز رأسي بأن لا فائدة من مجادلته، وترجلنا سوية لأبصر جدتي تقف في مكانها بإنتظارنا، دعتني يدها فأسرعت خطواتي إليها وولجت معها الى النُزل دون تفقد فيليب، وضحكت في قرارة نفسي لأني بدأت أدرك شيئاً من طباعه، وهو أنه لن يكون مسروراً من تجاهلي له على الإطلاق فهو يحب أن يكون محور اهتمامي ولا يرضا بالتنازل..


    ~~~







  18. #57

    -٦-






    ألكسا



    قضيت ما تبقي من نهاري في الحديث مع الأزواج الراغبين بالإحتفال في النُزل عبر الهاتف، ورتبت مواعيد خاصة خلال الأيام التالية لنتعرف على بعضنا بصورة أفضل وأتمكن من فهم تطلعاتهم ورغباتهم في ليلتهم الكبرى والأهمية تنصب على أصحاب المواعيد القريبة، ولا أظن أن جورج فارق تفكيري على الإطلاق طيلة الوقت إلا أن الإنشغال بمهام المنصب الجديد منعتني من التصرف بعشوائية والذهاب لرؤيته وتفقد منزلنا المستقبلي رغم تحرقي شوقاً لذلك، ووجدت فرصة ذهبية في زيارته بالغد بعد الإنتهاء من مقابلة احدى الأزواج، فأصبح دافعي أقوى في تنظيم الأوراق وانجاز الخطط الأوليه ليتسنى لي متسع من الوقت معه دون أن أهمل في مسؤولياتي..

    وعلى سفرة العشاء لليلة التي تلت الإفتتاح انضم لنا فيليب وجلس في المقعد المجاور لصوفي مما أثار حنقي من جرأته، وكان الجزء الأكبر من حنقي منصب على صوفي التي لم تتصل لتطمأنني على ما جرى معها طوال النهار..

    تبادلت نظرات الإستنكار مع جدتي فأشارت لي بالسكوت.. سأصمت الأن ولكن الويل لك مني عندما نختلي بأنفسنا صوفي!، أحضرت لينا آخر الأطباق فبتدأنا الأكل في ظل محادثات عمومية لم أتشارك فيها أنا أو صوفي التي بدا وكأن الحمى قد أصابتها من شدة الخجل

    وعندما رفعت الأطباق قامت جدتي وأحضرت ورقة القبول من المشفى ثم وضعتها أمام صوفي وهي تقبل رأسها، التقطت صوفي الورقة، و سررتُ حين انفجرت ابتسامتها بكل ظرافة، كما سرني رؤية فيليب وهو يتبادل نظرات الإستفسار مع من حوله على السفرة كونه لم يفهم شيئاً مما كان يدور وماهو سر سرورها، لو انه يعلم كم يبدو أحمقاً اللحظة، ضحكت داخلياً وأردفت بمكر بالغ لإغاظته:
    - أحسنت صنعاً صوفي، لقد حكت لي جدتي عن كيف سارعوا لضمك إليهم حين علموا بمؤهلاتك

    وحدجت فيليب بنظرة لاذعة حين أمسك بيد صوفي وهو يستعلم بإهتمام:
    - ماذا هناك عزيزتي؟

    ماذا!.. مالذي يقوله! ..ذلك اللقيط!، رمقت جدتي بأعين جاحظة وأنا لا أكاد أصدق من أنها تتركه يتمادي هكذا دون أن توقفه عن حده!، إنه يمسك بها أمام أعين الجميع يالقلة أدبه.. وأظن أن خيبة آملي الكبرى كانت ضد جدتي إذ أنها أكتفت بالحمحمة!.. استردت صوفي يدها سريعاً بخجل، وزفرة برتياح حين عمدت جدتي على اراحة يديها على كتفيها وهي تتوجه بالحديث الى فيليب وكأنها تخبر بطريقة غير مباشرة من أنها تنتمي إلينا و ليست له:
    - عزيزتنا صوفي ستعمل منذ الغد كممرضة في المشفي المركزي بالمدينة لبعض الوقت

    تأملت امارات دهشته العارمة بكل استشفاء وأردفت مسددة ضربتي بلا ترأف:
    - غريب.. تبدو عليك الدهشة وكأنك لا تعلم أن صوفي ممرضة!

    تمالك موقفه جيداً أمام باقي المتابعين الشغوفين على السفرة حين قال بصراحة:
    - هذا صحيح، الأن فقط أعرف ذلك ولم يزدني علمي هذا سوى اعجاباً بها لأكون صادقاً معك عزيزتي ألكسا

    رمقته بفظاظة وأنا أعلن العداء ضده، كان يجب عليه أن يحصل على مباركتي أولاً عوضاً عن التمرد و الضحك على المسكينة صوفي.. سيرى كم ستكون مواجهتي صعبة، وصرفني عن تبادل الشرر معه حديث صوفي حيث أمسكت بإحدى كتفيها لتطبق على يدي جدتي وهي تقول بتسائل:
    -وماذا عن العقد بيننا، لقد وعدت بالعمل لديك حتي انتهاء الصيفية، وقبول المشفى لا يعنى شيئاً دون قبولك

    أسكتتها جدتي عن متابعة الحديث وقالت بعطف:
    -لا عليك صوفي، سأعفيك من العمل لدينا وبإمكانك التفرغ لدوام المشفى، إنها ثلاثة أسابيع فقط وهذا لا يعني أننا لن نستفيد من خدماتك في عطل نهاية الأسبوع وفي المناسبات


    أومأت لها صوفي قبل أن تأخذ بيدها وتقبلها بإجلال، لحظة واحدة أيعني هذا أن مهامها تنصب على عاتقي الأن أم ماذا؟!..



    وانتهى العشاء البغيض أخيراً، فحملت الأطباق مع البقية الى الحوض قبل أن يعود كل واحد الى ما تبقى من مهامه لليوم، وأبصرت صوفي وهي ترفق فيليب الى خارج النُزل وأظنها تقصد توديعه فأردت اللحاق بها قبل أن تمنعني جدتي، نظرت إليها بعتاب فقالت بحزم:


    -على الأقل صارحني فيليب عصر اليوم بما يدور بينهما على نقيض البعض!






    لم أزد حرفاً واحداً بعد النظرة التي حدجتني بها العجوز، أليست متنبهة جداً على امرأة في عمرها!..

    ابتسمت لها بسخافة وعدت أدراجي الى العلية لأكمل العمل على الأفكار التي أنوي عرضها خلال لقاءاتي مع الأزواج ، انضمت صوفي بعد ذلك بوقت قصير وأفضت لي بمجريات يومها الجنوني فغفرت لها وتصالحنا من جديد، بيد أن فيليب جعلني أصاب بالأرق ليلتها كونه استطاع الحصول على اهتمام صوفي البريئة عن هذه الأمور بتعقيداتها، انه صيف المفاجأت دون شك!


    وفي نهار اليوم التالي جلست في مقهى لطيف على ضفاف نهر مدينة الملكات الساحرة، كانت جدرانه المنعشة مطلية بالأبيض و الأصفر الليموني و بعض اللوح العتيقة تزينه وتزيده دفئاً.. انه لمن المدهش كيف تغير انطباعي عن هذا المكان المنعزل من العالم و ناسه الطيبين عن مامضى ، ولربما يكون جورج هو علة تكيفي مع اجواء الحياة الريفية الى هذا القدر، إلا انه تكيف ليس بالضرورة خاطئ!، ومن يكره الاندماج في حياة لا يعكر صفوها ابواق السيارات المتزاحمة و أكتاف المشاة المتعجلين دائماً.. أما هنا فبالكاد يمر اثنين دون ان يتصافحا و يتبادلا التحية والسؤال، ومن لا يبتسم في وجه الاخر فأفعاله السلمية تفعل..

    اخترت الجلوس في الطاولة الخارجية امام النهر مباشرة، حيث الهواء الطلق يحوم من حولي ويخفف من حدة توتري، فهذه تكون المرة الأولى التي اتقابل فيها مع عميل محتمل في مهمة رسمية لا مجال فيها للعب، وإن أسأت جلبت الضرر على جدتي وسمعتها قبل أن الحقه بنفسي..

    وصل العروسين أخيراً فصافحتهما وأشرت لهما بالجلوس وأنا أتصنع بشاشة مفرطة لتتغلب على مخاوفي بشأن فشل اللقاء، وفاجأني احساس قوي عن مدى انزعاج العروس الشابة مني فعينيها قابلتني بنظرة باردة منذ البداية وازدادت بروداً مع نظرات خطيبها لي، أنا بالتأكيد أبرر للشاب حملقته المكللة بالإعجاب إلا أنني وللمرة الأولى شعرت بالإستياء من أجل الشابة، فكيف يكون شعوري وجورج ينظر الى فتاة أخرى وأنا بجانبه.. اووه حتماً سأقتله دون شك.. انه ليس الوقت المناسب لهذا وعلي كسب العروس حتى لا يرافقني سوء الحظ منذ البداية، قلت بود وأنا أقصدها بحديثي:
    - أنت تعتنين بنفسك جيداً روزي بشرتك تتألق بجمال، حين أحتفل بزفافي آمل أن تكون لي بشرة مثلك ..

    عقدت المسكينة حاجبيها بعضاً من الشيء وقالت بحذر ووضعية جسدها تنبسط أمامي القدر اليسير، فهي تنحني بإتجاه الطاولة عوضاً عن التيبس الى ظهر المعقد:
    - أوه أعذري سؤالي ولكن هل أنت مرتبطة؟!


    أومأت بثقة والسعادة تصرخ في جوفي ومن ثم أردفت بحماس:
    - لذلك أظنني أفهم شعورك تماماً عزيزتي، فأنا أيضاً أريد أن يكون زفافي الأجمل في أيام عمري بكل المقايسس، وسأحرص على مساعدتكما لجعلها تجربة لا تنسى وحتى أدق التفاصيل.. ولكن دعوني أدعوكما على مشروب أولاً

    ومن ثم مضى اللقاء بإنسيابية مذهلة بعد أن تمكنت من كسر حاجز الجليد بيني وبين روزي عروسي الأولى.. تناقشنا العديد من الأفكار وكنت أصب جل اهتمامي عليها وعلى رغباتها مع قليل من الأسئلة أوجهها لشريكها ويل حتى تتيقن من سلامة نيتي وتأمن جانبي، وبما أن موعد الزواج كان قريب جداً أي خلال شهرين وجب على التعامل بعقلانية مع ما يمكن وما لا يمكن واستطعت اقناعها بالخيارات المتاحة، كما حرصت أن لا نفترق حتى تبدى رضاها التام على جميع الأفكار المطروحة و وعدتها بإطلاعها على التفاصيل ريثما أباشر بالعمل..
    وقبل أن أغادر المكان كان العقد مكتملاً في ملفي بتوقيعهما، ومع كون المسؤولية ازدادت على عاتقي إلا أن لذة الإنجاز جعلت ترطب فمي طوال الفترة التى قضيتها وأنا أشق طريقي في شوارع المدينة قاصدة هضبة جورج البعيدة حتى أخرجني من عالم الأحلام رنين الهاتف، التقطه بإنتعاش وأجبت سريعاً حين تبادر لي المتصل:

    - ظننتك لن تكلمني أبداً..

    أجابني بصوته الحاد:
    - ولأي سبب أتصل بك؟!

    أجبته بإمتعاض كونه لا يزال جافاً في تعامله معي:
    - الشوق لي مثلاً!

    قال ببرود مستنكراً:
    - ولكنني سأسمع صوتك فقط عبر الهاتف

    تنهدت بعمق، أهو حقاً بهذا الجفاف!:
    - تسمع صوتي فقط أفضل من لا شيء!

    وخفق قلبي حين أجاب بقوة:
    - كلا.. لا أقبل بالتنازلات

    تأخرت اجابتي ومن ثم قلت متوردة:
    - وما سبب هذا الإتصال اذاً؟!

    أجاب:
    - بدى لي أنك في حاجة الى توصيلة؟






  19. #58

    -٦-




    استدرت من حولي سريعاً ووجدته يسير بشاحنته الداكنة ببطء على بعد يسير من ورائي، نظر الي بغرور ماكر من خلف المقود فبتسمت وسلكت طريقي اليه ثم ركبت في السيارة، كان ينظر في اتجاهي بكامل جسده قبل أن يقول:


    - الى أين يا آنسة؟!



    وضعت حزام الأمان ثم قلت بثقة:

    - أود زيارة منزلي المستقبلي رجاءاً



    نظر الي بعضاً من الوقت فنظرت إليه متسائلة وأضطر الى متابعة السير حين قدِمت سيارة من ورانا، إلا أننا لم نتحدث خلال البضع دقائق الى حيث الهضبة سوى حين وصلنا حيث قال بصرامة حال أن أوقف السيارة:

    - تزورين موقع البناء فقط وأعيدك من حيث أتيت



    أصدرت قرقعة بشفاهي وقلت وأنا ألويها متصنعة البراءه:

    - صوفي تعمل حتى الرابعة وليس عندي ما أفعله الى أن تنتهى فنعود سوية الى النُزل!



    أردف بذات الحزم:

    - هذا شأنك. أما أنا فلدي أعمال أنجزها ولن أقبل بحومك من حولي ألكسا



    رمقته بحنق وترجلت من السيارة دون اطالة النقاش، صحيح انني غبية بما فيه الكفاية لأقع في حب شاب بفظاظته، إلا أن حبي له لا يشفع له بروده خاصة ونحن لازلنا في البدايات!

    أكملت طريقي داخل البيت العظم وأنا أصب جل اهتمامي عليه بعيداً عن الأخرق الذي لحق بي بصمت، كانت الأخشاب الداخلية التى تحدد معالم الغرف قد بدأت في الظهور وشهقت بتلقائية حين وصلت الى قواعد بدت كالسلالم، استدرت الى مرافقي الصامت وقلت مستفهمه:

    - ألنا طابقين؟



    حك مؤخرة رأسه وأردف بنبرة مفخمة بدت كالهمهمة:

    - ثلاثة إذا حسبنا العلية



    ولم أتمالك رغبتي من العوم في خيلات حياتي المستقبلية فيه، لولا أن عكر صفوة احاسيسي المطعمة بالسرور والبهجة هدوء و برود جورج الذي أرغم الهواجس في عقلي مجدداً، فقلت متلطفة بحيرة وأنا أقترب منه بنية أن أمسك بيده:

    - ماذا دهاك جـ



    تراجع الى الوراء سريعاً قبل أن تصله يدي وقال بفزع وانزعاج:

    - لا تلمسيني ألكسا!



    نهره أوقع قلبي من لحظتها وبعثر سعادتي أيما بعثرة، كنت أرمقه بذهول فأطبق على رأسه بذات الإنزعاج ثم قال بإمتعاض ملموس:

    - لم أشاء




    وسكت عن متابعة الكلام فأكملت عنه:

    - لم تشاء ماذا جورج؟! من الضروري أن تبدأ في الحديث عما يخالج صدرك بشأني قبل أن نتابع المضي معاً!..




    وابقى على سكوته وهو يتقلب في امتعاضه فقلت بهلع وانكسار:

    - أم أنك لا تنوى متابعة المُضي جورج، قل شيئاً أرجوك




    فنهرني بإنفعال:

    - لا تتحدثي بلساني ألكسا وهل لك الصبر حتى أستجمع شتات عقلي رجاءاً!




    سحبت نفساً طويلاً وزفرته بهدوء لأتمالك أعصابي المتوترة، ولحقته عيناي بإمتياز حين أخذ يجوب الموقع ذهاباً وإياباً فتذكرت شأنه قبل الأمس وأدركت أنه في أوجه درجات ارتباكه، وساعدني هذا الفهم على فرض مزيد من الهدوء على شحناتي الداخلية بيد أنه فاجئني بتركه للموقع مغاضباً وهو يتمتم بسخط:

    - سحقاً هذا لن يجدني نفعاً



    ورفع صوته وهو يقصد بيته المؤقت:

    - إياكِ واللاحاق بي ألكسا



    مع الأسف الشديد تأخرت تعليماته جداً ولم اكن لأصغي لها على أية حال .. لحقته لحظة أن استدار ليترك المكان، وأجبته بعناد:

    - لن أسمح لك بالهرب جورج وعليك مواجهتي هل تفهم!



    وتمهلت خوفاً على نفسي حين ترجل برشاقة على المنحنى ليصل الى بيته.. راقبته يلج دون النظر الى الوراء وكيف أغلق الباب بعنف خلفه فزددت حيرة وارتياباً من أفعاله!، وعانيت القدر الكبير مع ذاتي حتى تمكنت من هبوط المنحنى والوصول الى الباب بسلام، قرعته على التوال ثم قلت وأنا أحاول فتحه دون فائدة:

    - جورج افتح الباب الأن



    لم يصلني أي جواب فعاودت القرع ومزاجي يتعكر تدريجياً:

    - جورج أنت تسمعني أليس كذلك.. أفتح وإلا هجرت المدينة بالكلية حتى لا أرى وجهك مرة ثانية



    وشهقت عندما جر الباب بإنفعال وقال وهو يرمقني بشرر:

    - تقولينها مرة ثانية ولا حياة بيننا، ولا مزحاً ولا حتى في أحلامك



    شعرت بالخجل آنها وقلت بنبرة اعتذار:

    - آسفة



    ومن ثم أكملت مستعطفة:

    - لكنك تحبسني في الخارج دون سبب !



    فضرب على فخذه وقال بنفاذ حيلة:

    - رباه لا أدري مالذي يؤزك لرؤية صندوقي ولكن تفضلي على أية حال أنا أستسلم، هل أنت سعيدة!



    أومأت له بشقاوة وابتسمت كما يفعل المنتصرون، ثم صعدت العقبة المرتفعة وولجت الى ما يطلق عليه بالصندوق واظنني فهمت اسباب التسمية وانا اقف في منتصفه، فالمكان كالصندوق في حجمه والفوضى هي السمة الرئيسية بحيث لم استطع تمييز معالم البيت المستطيل، استدرت اليه وكان لا يزال واقفاً بالقرب من الباب، ووجدته لا ينظر الي إنما ينقل بصره مابين الأرضية والسقف، لمحني للحظات ثم أسرع متخطياً إياي ليبعد كومة من الثياب المهملة والأوراق والأكياس عن مقعدة عرضية وأشار لي بالجلوس ففعلت، أبقيت على مراقبته بعد القعود وأنا أحاول فهم غرابته، وتبادر لي حل الأحجية بالسؤال فقلت مستأنسه:

    - ما بك جورج؟! أنت لا تنظر الى حتي!!



    تمتم بغموض:

    - لن تحبذي نظراتي



    فقلت ضاحكة وأنا أعجز عن فك شفراته:

    - أيعقل أن تكون خجلاً من الفوضى الى هذه الدرجة لتكره رؤيتي للبيت بهذه الحاله!



    أجاب بذات البرود:

    - لا ترتاحي في الحديث فلن نبقى طويلاً



    وانتابني صمت دام برهة، ثم قلت بحيرة:

    - ومتى يصح لي الراحة في الحديث معك! أنت لا تنوى مهاتفتي إلا لسبب وجيه، وحين أراك هكذا لا تنظر الي ولا تريد أن نخوض في الحديث بإرتياح، كيف سنتزوج إذاً؟!



    فعلق عينيه على الحائط وقال بهدوء:

    - أنت لا تفهمين ما أمر به ألكسا



    قلت برجاء:

    - اشرح لي إذاً أرجوك



  20. #59

    -٦-

    أجاب وهو يستدير الى النافذة اليتيمة بالمكان وقال:

    - خلال العامين الماضيين ومنذ أن قدِمتُ الى هذا المكان أنا لم أكن بصحبة أمرأة ولو لمرة واحدة!، ومؤخراً منذ أن أتيتِ الى حياتي تغير كل شيء كنت ألفه ومعتاداً عليه، فبأعجوبة قبلتي عرضي للزواج والأن تجلسين في صندوقي القذر ودعيني أأكد لك من أنني أكره الفوضى بكل تأكيد الى أنها سمت حياتي منذ أن ألتقيت بك ولا زلت أعجز عن التخلص من براثنها



    أنضممت إليه بالقرب من النافذة و أنا حريصة على منحه مساحته الخاصة وبهدوء أجبته:

    -ألن تساعدك معرفتي بصورة أفضل على خلق الإستقرار بجوفك؟ فلماذا تحول بين تحقيق ذلك بالحرص الشديد!، إنني على عكسك جورج ولا أخجل من شعوري بهذه الطريقة حيالك وإن كنت لا تزال غريباً عني، فأنا ومنذ تلك الليلة أشعر بالإستقرار والسلام الداخلي حيالك وحيال خياراتي وقرراتي المتسرعة معك



    اردف:

    - ليس من السهل علي التحكم في رغباتي عندما أكون حولك ألكسا، ملامحك وثيابك، لمساتك ونبرات صوتك، وكل شيء يتعلق بك يختبر صبري ومبادئ وهذه علة انفعالاتي المرهِقة حين أكون بجوارك، ليس اليوم فقط بل منذ أن قدمتي الي لطلب خدماتي في النُزل، فمنذئذ تيقنت من أنك أجمل من رأت عيناي من النساء وكان شعوراً مهيباً الى حد كبير، فالمسافة بيننا خطوات ومع ذلك بدت لي بعيدة جداً والأن



    وسكت عن متابعة الكلام دون أن يحرك ساكناً وهو جاهل عن حجم الأثر الذي أحدثتها كلماته في قلبي، وأني أريده اللحظة أكثر عن أي لحظة فيما مضي، وليكن أني لا أعرف عنه شيئاً فهذا لا يهم، أولم يسبق أن تزوج ملايين من البشر من خلال زوجات مدبرة من قِبل ذويهم ليتعارفوا بعد الزواج!.. على قدر إيماني بسخافة الفكرة من قبل إلا أنها في هذه اللحظة تتبادر لذهني كالصواب بعينه، إنها قطعاً الطريقة الصحيحة في حالتي فهي الحل الوحيد الذي أملكه لأن لا أخسر جورج لكائن من كائن وهي خسارة لا أتحمل التفكير فيها ولا أريد تخيلها.. كان لا يزال صامتاً حين مالت أصابعي لتلامس أصابعه فتتشابك معها ثم قلت:

    - إذاً دعنا لا نبدد أعمارنا في الإنتظار جورج، سأتزوجك أولاً ثم أراقبك تكمل بناء منزلنا من هذه النافذة هنا



    تحول جسده بتجاهي ببطء وقال بدهشة:

    - وماذا عن عائلتك ألكسا؟ كيف نتمكن من اقناعهم!



    أجبته مبتسمة برضا من بريق عينيه:

    - أنا كفيلة بهم وما عليك سوى الإهتمام بعائلتك جورج ولكن قبل أي شيء أريد منك القدوم معي لمقابلة جدتي اليوم.. أريدها أن تبارك لنا أولاً قبل الجميع



    فأومأ بحماس وطبع قبلة سخيه على جبهتي قبل أنا يأخذني الى الباب وهو يقول بنشاط مفرط:

    - لنقابلها الأن ألكسا قبل أن يعارض العقل رغبتنا



    ضحكت بإنسجام بينما كان قلبي يخفق بجنون من جنوني.. وكنا قد وصلنا الى باحة النُزل الأمامية خلال زمن وجيز أنقضى ونحن نتدرب على ما سنقوله لجدتي لكي لا ترمي بنا خارج الباب لحظة أن تعلم ما أتينا من أجله


    كانت جدتي منحنية تتفقد أزهارها في الباحة الخلفية حين وجدتها أخيراً، وما إن رأتني حتى عقدت حاجبيها بإستنكار كوني عدت وحيدة دون صوفي ومبكراً جداً عن توقعاتها، وتغيرت أماراتها كثيراً حين رأت جورج ينضم الي من خلفي بتردد

    تقدمت إليها وأناملي تتطاحن أمام جسدي المضطرب فعتدلت في وقوفها وانتظرتني لأشرع في الحديث أولاً، بيد أن لساني أنعقد بالتمام وضاعت مني الحروف التى تدربت عليها جيداً في الشاحنة و أنا أقف أمامها، هنا تقدم جورج وأفصح عن رغبته أمامها برصانة وأدب، وحيث أنني لم أقوى على النظر في عينيها استطعت رؤية يدها تضع بوعاء الري الأصفر على الأرض قبل أن أسمعها تقول:
    - هل أنتما واثقين من رغبتكما هذه؟!

    أجابها جورج بفمه بينما رفعت عيناي لتتقابل مع عينيها ولم أتمالك دموعي وأنا أومأ لها بالإيجاب، ابتسمت في وجهي ابتسامة حنونة صادقة وقالت برزانة وسرور:
    - مبارك لكما إذاً

    عانقتها من فوري وجرت دموعي بغزارة وأنا لا أقوى على تركها، فأخذت تربت على ظهري بكلتا يديها ومن ثم أبعدتني لتمسح بكفها على وجهي أولاً قبل أن تقوم بالمثل لصالح جورج، وقالت له:
    - أحسنت الإختيار بني، انها باهظة الوجود وفريدة من نوعها

    فطبع قبلة احترام على ظهر كف جدتي وأسترعت الدراما العائلية سيدات المطبخ فخرجن يستعلمن عن الأسباب، ضحكت بسرور وخجل حين شاركتهما جدتي بسعادة وفخر الأنباء الحديثة فأسرعن بالمباركة والأحضان وسرعان ما علم كامل محيط النُزل بالخبر السعيد ..




    .........................
    نهاية الجزء السادس
    قراءة ممتعة للجميع smile







  21. #60


    طوال النشر وأنا أكافح رغبتي الملحة في النوم رغم أنه لم يحن وقته بعدe406، بدأ الشتاء منذ الأمس تقريباً (الشتاء الفعلي أحسبه من برودة الجو مو من تقرير المرصد e404) والنوم يداعب الأجفان طوال الوقت بلا استثناء .. والحمدلله جاء انقطاع المنتدى للصيانة وسط عملية النشر في صالحي لأنام قيلولة لطيفة وأكمل بعدها ما بدأت ..


    اليوم بإذن الله ناويه أنزل جزء آخر بعد تناول العشاء وحتى أفعل أستمتعوا بالموجود ..

    في حفظ الله ووداعته

    موون

الصفحة رقم 3 من 7 البدايةالبداية 12345 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter