قال محييا بدهشة وهو ينظر متأملاً إياي : هآي , كلارا ..! لقد رأيت والدك وقال بأنك بالداخل.. كيف حالك..
حييته : أهلا مارك.. تفضل أرجوك..
_ لقد اخبرني والدك بأنك هنا بالداخل , اقرباءك موجودين .
قال الكلمتين الاخيرة بتوتر طفيف , جلسنا في المطبخ و كذلك أتت تيرآ و هي تحييه ببسمة متشككة ..ثم وقفت خلفي و كأنها حارس ما , سمعت صوت خطوات لكني وجهت انتباهي للضيف قائلة بابتسامة لطيفة :
_ كيف هي حالك , اذكر بأنك قلت ستدرس بالمدينة ؟
ابتسم لي وعينيه تنظران لشيء ما خلفي , ربما تيرآ : أجل , تمنيت لو تدرسين معي هناك أيضاً , لكنك لا تحبين المدينة صحيح !.
وافقته : أجل , لكنك ستزور منزلك هنا من آن لآخر ,صحيح !
ابتسم لي بعمق و السعادة في عينيه قائلا : أجل بالطبع , سآتي لأزور عائلتي و أزورك أيضاً..
أومأت له بسرور , مارك طيب القلب جداً و نقي الروح واتمنى له السعادة , هو سيدرس الاقتصاد ليساعد والده أيضاً في المحلات..
تنهدت و فاجأتني خطوات رزينة من خلف مقعدي تماماً , ثم بـ دآنييل ينحني قليلاً من خلفي لأشعر بمس شفتيه على خدي وانفاسه الدافئة , هامساً بصوت ساحر خافت :
_ ألم أقل لك.. صباح الخير.
تسمرت مصدومة أنظر أمامي و كذلك كان مارك مندهشاً يحدق به من خلفي ثم بي , اشتعلت خجلاً ولم أدري ما أقول , وقف بمكان ما خلفي و سمعت صوته الهامس يتحدث إلى تيرآ الضاحكة.. هل كان عليه احراجي هكذا أمام مآرك !! آآآه لقد صدمني ~~!
سألني مارك فجأة بخجل طفيف : هل يمكنني مراسلتك ؟
أومأت بجمود , ثم استعدت انفاسي بصعوبة , قلت : آوه بالطبع , أخبرني بكل شيء يحدث معك ^^
لا أدري لما راودني شعور مريب بانقباض في معدتي لكن تابعت الثرثرة مع مارك و الابتسام شاعرة بنظرات مركزة من خلفي.. نهضت معه عندما غادر و حيّته بحرارة ,
ثم التفتُ وعدت للمطبخ , شعرت بخطر مقلق عندما وجدت دآنييل فقط متكأ على الطاولة و تيرآ قد غادرت للخارج..
قلت بتوتر مدعيّة المرح - بينما نظراته هادئة لكنها مركزة علي , وأنا أمر من جانبه : هيا لنخرج !!
غير أنه قبض على ذراعي بلطف لكن بإحكام و أوقفني أمام درج الأدوات , وقف أمامي محاصراً إياي بذراعيه , قائلا بنعومة هامسة :
_ لكن.. كلآرا , أنا لا أريدك أن تراسلي ذلك الولد..
بدا وعيد غريب في عينيه الذهبية ذات اللمعان الغريب الرمادي , رغم أني في حالة مسحورة به , لكن قلت بتركيز ضعيف بسبب قربه الشديد :
_ أنه.. صديق قديم..
_ لا يهمني..
أجابني بهدوء وهو يميل برأسه نحوي حتى همس قرب اذني : لقد سمحت هذه المرة بسلام مني , لكن.. لن أجعل أي كائن كان يتقرب منك , حسنا..
قلت بعبوس وأنا أضع يدي على صدره كي ابعده قليلاً فقط لا أريد أن نتجادل : آه لا تبالغ دآنييل..
لكنه لم يتزحزح , بل أمسك بجانبي وجهي بكلا يدي , ناظراً نحوي بعمق شديد و صوته خافت حزين يؤلمني في الأعماق:
_ ليتك تعلمين كم تعنين لي , ومنذ زمن طويل.. لا شيء يدور بعقلي بجنون سوى خيالك.. هل تنامين جيداً بلا كوابيس , أما عدتِ تكرهين الظلام , هل لا تزال البرودة تعتمل في صدرك.. أتتذكرين الآلام ؟.. ألا تزالين مشتتة تكرهين هذه الحياة !.
شعرت بأني سأنهار على قدميّ , لكن لا .. لم يكن هنالك من ألم أو كوابيس , سوى الشوق إليه.. تمتمت بهمس و أنا أتمسك بقميصه :
_ لا.. في الحقيقة ..
نظرت بعينيه وأنا اقرب نفسي منه : كنت احتضر بدونك..
انحني و ضمني إليه بإحكام وبقوة أقرب إلى قلبه حتى أصبحا ينبضان معاً كروح واحدة , أروع ما يمكن أن يكون هذا الشعور وهو معي تماماً هنا أحيطه و اريده أن يطمئن أن لا أحد يسكن قلبي سواه..
جاء المساء فاضطرا ليون و تيرآ للمغادرة , وبقيت داليا و رآف الذي لا يكف عن ردوده الساخرة الباردة لا أحد يستطيع أن يصمته سوى داليا أو نظرات دآنييل الحارقة .. غادر والدي قليلاً لمكتبه عند الساعة التاسعة و حملت أنا جيني إلى أعلى وهي نائمة بعمق طفلتي الجميلة الصغيرة !.
نزلت لأسفل مبتسمة وسعيدة , لكني وجدت رآفييل و دآليا على وشك المغادرة , قلت بأسف : الوقت باكر..
ابتسمت دآليا قائلة بغمزة : سنعود غداً..
كنت بلا شعور أقف قرب دآنييل الذي انحنى هامساً لي : لا بأس يكفي وجودي صحيح..
أحمررت خجلاً وقلبي يجيبه بالطبع !, بينما رآفييل يعلق ببرود : لديك واجبات كثيرة أيضاً , أترك الفتاة تنام قليلا الليلة !
همس دآنييل بثقة باردة وهو يحيط خصري بذراعه ليقربني منه : لا شأن لك كيف تنام كلآرا , حسنا !.
ضحكت داليآ بينما رآف ينظر بحقد , قالت هامسة بنظرة مذنبة : لكن , رآف محق .. عليك بدورية سريعة..
شعرت به يتنهد بعبوس فانحنى نحوي مجدداً هامساً قرب اذني بنبرة ناصحة ناعمة : ادفئِي نفسكِ جيداً حبيبتي..
آووه "حبيبتي" , أنا ؟؟ , لا أدري لكن النجوم ضربت في عيني فجأة و ركبتيّ تهاوت أرضاً..
_ كلارآ...!
لم اقدر على فتح عيني أشعر بالألم في رأسي و قلبي يضرب بجنون.. آوه أحببت تلك الكلمة من شفتيه.. أنها جميلة..
شعرت بطبطة على خدي , ففتحت عيني والنجوم والضياء يتراجع , آوه ما أجمل عيناه البراقتان ~
_ دآنييل..
همست بابتسامة , وصوت رآفييل واضح وحاد قليلاً : لقد صرعت الفتاة !!, يجب أن أخبر والدها عنك !.
داليآ ساعدتني لأجلس قليلا وأنا متمددة على الأريكة الطويلة , ثم قدمت لي كأس من الماء و دآنييل جالس بجانب ساقيّ ينظر نحوي بعيون ضيقة قلقة , شربت قليلاً , ثم اخذ هو الكأس من يدي , لمس وجهي قائلا بقلق :
_ هل تشعرين بالدوار ؟ أو أي ألم ؟!.
آووه هذا محرج !!, مالذي حدث لي ؟! هل جننت ~~".. هي كلمة واحدة منه و سقطت صريعة !!
_ اعتقد بأن عليك أن تكون أكثر حذراً , مثلا أن تبدأ بالخروج من هنا !.
سخر رآفييل , و شهقت قائلا بلا شعور : لا !..
فابتسمت داليآ قائلة : طيب , تصبحين على خير عزيزتي , رآف هيا لنغادر..
سحبت رآفييل معها على غير رضاه , وبقيت أنا شبه مضطجعة على الأريكة و دآنييل قربي , نهض ثم مد ذراعيه نحوي هامساً :
_ يجب أن تنامي صحيح , تعالي لأوصلك لغرفتك..
كان العرض مغرياً وأنا اسمح له بحملي و رأسي على صدره , همست وهو ينزلني على السرير : ابقى معي.. قليلاً..
ابتسم بخفوت في الظلام : ها أنا لديك..
آوه أنت روحي الآن !, بقي فوق الفراش وهو يمسح على شعري و رأسي , همس بنعومة : أنا حبك الأول !.
لا أدري هل يسألني أم يقرر حقيقة وهي حقيقة بالطبع ! , جيد أن الظلام يخفي قليلا من وجهي المشتعل حرارة عندما يهمس لي هكذا..
_ أنت الوحيد.. ولا أحد غيرك..
ضمي ببطء و برفق , وهو يهمس : أعرف هذا , وأنا ظننت بأني سأعيش هكذا حتى وجدتك.. نامي الآن , سأراك غداً..
_ لـ.. لكن.. لا أريدك أن تذهب !
شهقت رغماً عني أحدق بوجهه في العتمة , اقترب وطبع قبلة رقيقة بين عيني , وهو ينهض هامساً : سأكون في الصباح هنا , هيا نامي بهدوء..
لمس خدي قليلا ثم اختفى في الظلام...الغريب رأيت أمي في الحلم , لم أحلم بها منذ أمد بعيد, كنا نجلس معاً تحت شجرة الأرجوحة في هذا المنزل , كان شعرها الأشقر يلمع تحت الشمس وهي تنظر نحوي و تبتسم لا أدري ما كنا نتحدث به , لكنها كانت مسرورة جداً و كدت أشعر بيديها وهي تلمس وجهي بحنان ..
اردت أن ألقي بنفسي عليها و اضمها , لكن أبيّض كل شيء وانتهى الحلم بسرعة..
فتحت عيني بضيق شديد شاعرة بالحزن يحيط قلبي مسحت دمعة هربت و حدقت لثانية بالسقف , أني مشتاقة إليها بشدة ! , ليتها معنا تضيء حياتنا ! لكنها .. ليست في هذه الحياة.. لم اقدر على التنفس من بالحزن .. الجو معتماً قليلاً هنا , سمعت همس خافت من طرف سريري قرب قدمي :
_ لا تحزني..
حركت رأسي قليلاً فقط ,لأنظر نحوه جالس آخر السرير ينظر إلي بهدوء , تمتمت باختناق وأنا أرفع يدي أمام وجهي : كانت.. كانت أمامي قبل ثوان.. لكن بسرعة.. اختفت.. اردت أن أضمها.. أخبرها أني أحبـ...
شهقت باكية غير قادرة على الاكمال.. تباً ما كان ذلك.. أريد رؤية أمي مجدداً..
_ آششش , هي تعرف هذا.. لا يمكنك الحزن بعدما رأيتها هكذا.. كنتِ مبتسمة قبل ثوان في نومك.. أنه حلم سعيد..
مد ذرعه إلى شعري ليمسح عليه بلطف , تنهدت و تنفست ببطء من جديد..
_ ها أنتِ , فكري بما لديك الآن كلآرا..
بقي قربي حتى عدتُ للنوم بهدوء مجدداً , وفي الصباح تعجبت لعدم وجود الرفاق , ولا حتى دآنييل , كان هنا "لوك" و زوجته "ماريان و "أليكس" اخته "ليندآ" وقد جلبوا إفطاراً رائعاً معهم , تحدثوا جميعاً بأشراق و والدي سعيد جداً معهم .. حييتهم وأنا اخفي عبوسي لعدم وجود دآنييل ..
قالت "ليندآ" بأنها ستساعدني كثيراً لأجل اختبار الكلية , فوافقت لبعض المراجعات .. هي لن تكون هنا سوى لليلتين أو ثلاث كل أسبوع.. بينما أليكس يتحدث معي بكل مرح انساني قليلا حزني ..
بعدما غادر الجميع قرب الظهيرة , جلست متكأة بعبوس و ملل على طاولة الإفطار , بينما والدي يلاعب جيني في حجره , لاحظته ينظر نحوي بتركيز بضع دقائق , فارتبكت قليلاً , هل يبدو شيء ما على وجهي ؟!
سألني فجأة بهدوء : تبدو الهالات تحت عينيك!, أمن خطب ما ؟
هززت رأسي بسرعة نافية , ثم قلت محاولة اخفاء توتري و صورة دآنييل معلقة أمام عيني : آه , لا .. كل شيء بخير..
تأملني قليلاً ثم ابتسم , ففزعت ! , مالأمر ربآه ~.~"!!
ضممت يدي معاً لأنهما ترتجفان قليلاً , همس والدي : من فترة.. سألني دآنييل شيئاً..
يا ألهي !!, كنت أشعر بأمر رهيب بينهما... حدقت به بقلق فتابع وهو ينظر إلى جيني ويخرج قبضتها من فمها الكبير :
_ تحدثنا كثيراً , .. حدثني عن نفسه.. وعنك..
نظر نحوي وهمس بخفوت : المهم.. هو.. حسنا أنا أثق به كثيراً و ارتاح لوجوده هنا , يمنح الأمان.. أنه.. مميز هذا الشاب.. دون ان اتطرق لموضوع الخوارق تلك .. شخصيته تثير اعجابي كل يوم.. قال لي.. أنه مهتم بك.. و سألني أن يعود لحمايتك.. أن.. يكون.. حسناً.. معك كثيراً.. آممم , إن اردتِ هذا عزيزتي..
حدقت بدهشة بـ والدي , بعدما استوعبت الأمر شعرت بالحرارة تهاجم وجهي.. دآنييل سهل الأمر علي كثيراً , و والدي بدأ بالموضوع هذا جيد ~~" , قلت بارتباك و خجل شديد :
_ آه.. أنا...
فكرت بأنها اللحظة.. يجب أن أقولها بسرعة قبل أن افقد الوعي أو يحدث أمر سيء ..
_ أنا أحبه أبي..!
وددت أن أدفن رأسي في الأرض ! , ابعدت عيني عنه و بقيت أنظر بأسى إلى يدي المضمومتين بقوة لدرجة أن الدماء لم تصل إليهما :
_ آه , حقا ! , كنت أشك بهذا في الحقيقة , تغيرك الذي اخافني تلك الأيام.. آحمم.. أنتِ.. لا تزالين صغيرة حبيبتي قبل أي شيء..
نظرت نحوه هامسة بتوتر طفيف مع أنني ارتحت بشدة بعدما اخبرته : أجل.. بالطبع..
ابتسم لي بشحوب وهو يضم جيني و يقبلها , نهضت وأنا اقترب منه و انحنيت لأضمه واقبل وجنته هامسة : بالطبع لا أزال صغيرتك أبي , أحبك !.
المفضلات