تـابـــع ~ الـفـصـل الـثـالــث
قضينا يوماً رائعاً بالخارج ، لم نشترِ الكثير من الحاجيات ، و لكن قضينا وقتاً ممتعاً .. من الجميل أن تقضى الوقت مع رفقاء مخلصين ..
عدنا للبيت بحلول التاسعة .. استقبلنا ليوناردوا و نوين فرحين لفرحى و تحسن حالتى ، قضينا بعض الوقت معاً فى غرفة الجلوس ، تناولنا طعام العشاء و استأذنت الجميع و صعدت لغرفتى ..
مايزال هناك شئ ما ، شخص ما ، إحساس ما ، شعور يخالجنى ، لا أعلم ماهيته ولا حقيقته .. أخاف على عقلى الجنون .. حقاً ما أدرانى أنه ليس جنوناً و وهماً أصابنى .. و بالتأكيد سيزول عنى مع مرور الأيام ..
انقلبت على جانبى الأيمن نائمة على سريرى .. أحقاً هذا مجرد وهم و خيال !! لا أعلم ، ليتنى أستطيع الإقتناع بهذا التفسير ..
اعتدلت جالسة و مددت يدى إلى درج بجانب السرير ، فتحته و أخرجت دفتر و قلم .. و على نور الأباجور الخافت ، بدأت أخطو أول كلماتى ، و ليس آخرها ..
مرت حوالى نصف ساعة قبل أن أسمع طرقاً خفيفاً على باب غرفتى ، آتانى صوت ليوناردوا يهتف بهدوء : " ريلينا .. هل أنتِ مستيقظة ؟ "
" أجل ليوناردوا .. يمكنك الدخول "
فتح الباب و طل منه وجهه الباسم قائلاً : " عزيزتى ، أيمكننى الحديث معك قليلاً ؟ "
ابتسمت : " بالطبع ليوناردوا .. تفضل "
أغلق الباب من وراءه و توجه نحوى ، استند بجانبى على السرير و هو يهتف : " كيف حال صحتك عزيزتى ؟ هل مازالت تلك الكوابيس تزعجك ؟ "
ابتسمت : " أبداً .. كل ما آراه الآن هادئ ، مرت فترة على تلك الكوابيس "
اتسعت ابتسامته براحة : " جيد .. و ماذا عن أصدقاءك ؟ "
أجبت بإبتسامة : " وجودهم قد أراحنى كثيراً ، حقاً كنت بحاجة لوجودهم ، أعترف لك أنه ماتزال الكثير من التساؤلات تطرح نفسها ، و أسئلة كثيرة تحيرنى.. لما لم يظهروا قبل الآن ، أقصد ، لا أجد سبباً يمنعهم من زيارتى منذ خرجت من المشفى .. ألا تجد ذلك غريباً ؟ "
أطرق نظره متمتماً : " لا تفكرى بذلك ريلينا ، أنا من أراد منهم البقاء بعيداً ريثما تتحسنين صغيرتى .. كنت ولا أزال أخاف على مواجهتك لأشخاص قد يذكرونك بالماضى ، و قد طلب الطبيب و كذلك رأيت أنا أن تتذكرى وحدك كل شئ .. لا أريد لذاكرتك أن يسيطر عليها شئ .. "
صمت قليلاً ثم أحاط كتفى بذراعه قائلاً ببعض التردد : " هل تذكرتِ أحد منهم ؟؟ "
هززت رأسى بالنفى و أسندت رأسى إلى كتفه قائلة : " أتظن أننى سأفعل ؟ "
ربت على شعرى بهدوء قائلاً : " أنا واثق من ذلك ريلينا .. ستتذكرين كل شئ عاجلاً أو آجلاً عزيزتى .. و ستتفهمين الكثير من الامور وقتها "
أخذتنى كلماته نحو ذاك الخيال الذى لا أكاد أذكره ، لأهمس : " هل سأتذكره أيضاً !! أتمنى ذلك ! "
توقفت حركة يده و كأن بعض الجمود انتابه ، رفعت نظرى نحوه لأجده يحدق فىّ و بقوة .. سألت بقلق : " ليوناردوا .. أهناك شئ لا أعرفه ..؟!! "
رافقه الصمت لبعض الوقت قبل أن يجيب : " أبداً .. أنا فقط .. "
أخذت انتظر منه إتمام كلامه قبل أن يهتف : " لا شئ .. أنا فقط قلق عليكِ ، و لكنى واثق من أنكِ ستتذكرين كل شئ "
ابتسم بهدوء و لم يستطع أن يخفى ما أراد إخفائه عنى ، ضمنى لصدره اكثر لأشعر بشئ يسرى بجسده ..
ليوناردوا .. ماذا تخفى عنى !!
أتمنى أن أعرف !!
مرت لحظات قبل أن أهتف : " لدى إجتماع صباحاً و سأذهب باكراً ، لم أعلم إلا منذ قليل .. هاتفنى مركز الإجتماعات و أخبرنى بالموعد "
- " لا بأس .. فى آى ساعة ؟ "
- " الثامنة صباحاً "
هتف : " أليس باكراً بعض الشئ ؟؟ "
- " أجل . و لكن هناك بعض رجال الأعمال ستقلع طائرتهم الساعة الحادية عشر ، و يتوجب عليهم حضور الإجتماع .. لذا فقد جعلوه باكراً "
أجابنى : " لا بأس .. هل أذهب معك ؟؟
- " ليس هناك داع لذلك .. باجان سيوصلنى "
قبل جبينى هامساً : " لا بأس عزيزتى ، سأتركك لتنامى قليلاً .. "
قام من جانبى و هو يحكم الغطاء حولى و توجه نحو الباب مبتسماً هامساً : " تصبحين على خير عزيزتى "
ابتسمت : " تصبح على خير ليوناردوا "
ودّع غرفتى و أغلق الباب من وراءه و تركنى أغرق فى سكون هادئ ..
ليوناردوا .. أى حديث تخفيه عنى !!
و أى هم تحمله دونى !!
~ * ~
سار ليوناردوا شارداً فى ردهة طويلة تصل بين الغرف ، وصل إلى الدرج و شروده لم يسكن بعد ، هبط تلك الدرجات و مايزال مطرقاً لا يكاد يستوعب تلك الأفكار التى تغزوه ، سار بضع خطوات بعيداً عن الدرج حتى اقترب من باب مكتبه ، أدار المقبض بهدوء حين سمع هتافاً من خلفه .. استدار ليجد نوين مستندة إلى الجدار هاتفة : " أأخبرتها ؟ "
نظر للأرض بشرود و لم يجب .. فأعادت حديثها مرة أخرى هاتفة : " زيكس ....؟؟ "
لم يرفع نظره قائلاً : " لم أستطع يا نوين .. لم أستطع "
صمتت للحظات قبل أن تجيب : " ظننت ذلك .. "
جاءها صوته قائلاً : " لم أعد أدرى بأى ضعف أواجهها يا نوين .. أصبحت الظروف أقسى منى و أقوى ، كيف لى أن أواجهها بأمر مثل ذلك .. "
همست نوين و عينيها قد بدأتا تننتحب : " أخبرتك يا زيكس أنك لا يجب أن تفعل .. لا أتخيل أنـ .. "
قاطعها صوته : " نوين .. أرجوكِ .. لست أقوى على ذلك "
صمتت و لم تكمل كلماتها القليلة .. و مرت بضع لحظات قبل أن يدير مقبض الباب و يخطو إلى داخل مكتبه تاركاً نوين تستدير لتنصرف عن مرآه و عيونها تكاد تنطق بالكثير ..
أغلق الباب برفق وراءه و توجه نحو مكتبه ، مسح على وجهه مرات عديدة قبل أن يفتح أحد الأدراج و يخرج منه صورة .. مجرد صورة .. أخذ يحدق بها قليلاً يتذكر كيف واجهتها ريلينا يوم ما رآتها على مكتبه ، فقدت وعيها و لا يعلم ، أمازالت تذكر ما رآت ! ، أم قد توارت تحت غباب الذكريات ..!
~ * ~
لا أذكر جيداً ما تم بعد تركى للسيارة و ذهابى مع تروا و ديو ، و أيضاً لم أنتبه جيداً بما تم بينهم .. و إن سألتمونى ، لن أفلح فى تذكر الطعام الذى تناولناه .. لا أذكر كيف عدت للشركة بعد موعد الغداء ، لأنه فى الوقت ذاته كنت أستشعر شئ ما يطاردنى .. أجل ، إنه نفس ذات الخيال الذى يرافقنى .. أكاد أهرب منه الآن ، و لكن يبدو أنه جداً عازم على اللحاق بى .. و من أين لى الآن بمهرب منه ..؟!!
فتحت باب سيارتى مغادرها.. و لكن عدت أفتحها من جديد و أتناول معطف ديو الذى نساه بالسيارة و رحل دون أن ينتبه إليه ، أخذته و أغلقت أبوابها و توجهت نحو عتبات المبنى الذى أقطن فيه ..
مرت نصف ساعة بدلت فيها ملابسى ، أخذت حاسوبى و جلست أتابع بعض الأعمال الخفيفة التى تشغل تفكيرى عن التحليق بعيداً .. سمعت رنين باب المنزل ، تساءلت من يأتينى فى مثل تلك الساعة .. لقد اقتربت من العاشرة ..
توجهت نحو الباب أفتحه ليأتينى صوت مرح : " بالتأكيد اشتقت إلىّ بخلال تلك الساعات أليس كذلك ؟ "
قابلت ضحكات ديو بابتسامة طمأنته إلى أننى فى حال أفضل ..
فتحت الباب أدعوه للدخول ، خطا خطوات واسعة للداخل حين أعقبت قائلاً : " عدت من أجل المعطف ذى الزر المفقود أليس كذلك ؟ ، لم أتوقع أن تتذكره "
أجابنى بتضاحك : " فى الواقع لقد تعمدت تركه و لم أنساه "
قابلته ببعض الابتسام : " لا داعى للتظاهر بالمسئولية "
أجابنى بضحكة خفيفة : " حسناً هيرو يكفى إهانة ، لقد نسيته "
أجبت بهدوء : " اتخذ مقعداً حتى أعود "
تركته ليجلس على الأريكة و توجهت نحو المطبخ أحضر بعض العصير ، تناولت كأسين و عدت نحو صالة الاستقبال حيث تركت ديو ، كان يحدق النظر فى إحدى اللوحات المعلقة ..
فاجأته من الخلف : " هل أعجبتك ؟ "
- " لم أعرف أنك تهتم باللوحات الفنية ، منذ متى يا هيرو ؟ "
أجبت : " مضى عليها بضع شهور .. مر وقت طويل على شرائى للوحات الفنية "
- " و متى ستعود لتذوقك الفنى مرة أخرى ؟ "
أجبت عنه : " حسناً ، لا أظن أن لدى الوقت الكافى لذلك الآن "
تحرك من مكانه عائداً نحو الأريكة مجيباً : " لا تبرر يا هيرو .. لم لا تذهب لرؤيتها ؟ "
تحولت ملامحى للملامح الساكنة بلحظة لأهتف : " هل عدنا لتلك الأحاديث يا ديو ؟!! "
- " حسناً .. أنا لم أتركها من البداية حتى أعود إليها ، أموراً كثيرة لا نستطيع مهما حاولنا أن نتجافل عنها .. "
أجبت بهدوء : " ديو .. فلتنس هذا الأمر "
أسند ظهره إلى الأريكة مردداَ : " تعلم أنك لا تستطيع يا هيرو .. و لا تزال تغالب القدر "
رددت : " بل أستسلم للقدر يا ديو .. صحح مفاهيمك .."
علق ديو : " أياً يكن تعريف المفهوم فهو لا يزال ثابتاً .. كم أتوق لمعرفة رد فعل الأميرة حالما ترى هيرو يوى مواجهاً لها ، هل ستذكرك يا ترى ؟! أم يضع القدر بصماته ليحقق ما تخشاه يا هيرو .. لن تتقدم حتى تتخذ قرارك "
- " لا أخشى شيئاً يا ديو .. لا أخشى القدر ، فقط لا أتمنى مواجهته "
لم يجب عن حديثى و أكتفى فقط بابتسامة امتزجت فيها معانى الواقع مع السخرية ، و لكن على قلبى كانت أرطب من الكلمات الموجعة ..
مد يده متناولاً الكأس من أمامه ، و مرت ثوانى قليلة قبل أن يتحدث بنبرة تختلف عن نبرته الاعتيادية قائلاً : " بالمناسبة يا هيرو ، هل سمعت عن شركة تدعى ( ريكلر ) ؟ "
نظرت إليه ببعض الإهتمام حين أكمل : " حسناً .. إنها هيئة تعمل على إعادة بناء و هيكلة القرى الفضائية التى تضررت فى خلال الأعوام الماضية ، نظراً للأحداث التى مر بها الفضاء الخارجى "
رفع نظره نحوى و بدا لى استنكاره صمتى ، هتفت أنا بعد لحظات : " لم أسمع بها ، ما أمرها ؟ "
تحولت نظراته إلى طبيعتها أو على الأقل هذا ما تظاهر به و اقتنعت به أنا و علق : " آ .. لا شئ ، فقط كنت أفكر بالإنتقال و العمل بها .. عملهم أثار إعجابى ، و فكرت لو .. "
قطع حديثه ببعض الضحكات التى تلتها جرعة من كأس العصير ، قام واقفاً و هو يرشف ما تبقى فى الكأس مردداً : " على أى حال .. علي الذهاب الآن ، هايلد تنتظرنى و أظننى تأخرت عليها كالمعتاد "
توجه نحو الباب ملوحاً و هاتفاً : " آراك فيما بعد يا صديقى "
" ديو .. انتظر "
هتفت بها و غادرت الصالة نحو الداخل ، عدت بعد لحظات قليلة حاملاً معطفه لألمح نظراته الضاحكة مردداً : " كنت سأنساه مرة اخرى .. شكراً لك يا هيرو ، سأصلح الزر حالما أصل إلى البيت ، آمل فقط ألا أنسى "
صافحنى بابتسامة و غادر شقتى ، و تركنى مرة أخرى وحدى لأعود لأعمالى المعتادة ..
و انتصف الليل .. ولا أزال يقظاً لم يغمض لى جفن ، و لم يعتب النعاس عيونى ، أخذت كلمات كواتر تتردد بلا توقف .. بجانب كلام تروا الذى لم أكد أنساه و لم أغفل عنه.. و حتى لو أردت ، ما كانت تلك الكلمات لتتركنى أستمتع بنوم هانئ ولا بلحظة شرود ..
اليوم زارنى كواتر فى مكتبى بالشركة .. تحدثنا لبعض الوقت و تجاذبنا أطراف الحديث ، حينها تطرق كواتر لذاك الحديث الذى لم ارغب أن أسمع أى كلمة من أى مخلوق عنه ، كى لا أسحق الكائن المتحدث بكل ما يأتينى من قوة .. فما بالكم بأصدقائى ؟!
أعزهم و أقربهم .. أصدقائى الذين شاركونى لحظات الموت ، و أحاسيس الخطر .. يأِسنا معاً و أملنا معاً ، قوتنا كانت و لا تزال فى وجودنا معاً ..!!
لا تكاد عقولهم تستوعب أنهم يمزقون روحى بتلك السهام التى يتقاذفونها فى مرماى ، ألا يعلموا أنهم يسلبوا كل ما تبقى من آمال أعيش على رحاها و ريحها ..!!
أأنا الغريب أم كلامهم هو العجيب !!
أأنا العنيد أم هم السذّج !!
لم أعد أعرف .. لم أعد أدرى !!
رغم كل تساؤلاتى .. إلا أننى لم أحاول منع نفسى فى التفكير بكلام كلا من تروا و كواتر و غضب ديو اللاذع الذى يصبه فوق رأسى كلما حادثنى أو هاتفنى ، أفكر و أغوص فى حيرتى ، و رأسى تدور معى و تدور .. و تدور .. إلى حيث لا أدرى !!
ربما أخذتنى لذاك المكان الذى سارت به سيارة أعرفها حق المعرفة !!
لذاك المكان الذى طافت روحى حول طيفها للحظات .. و يالها من لحظات !!
شعرت بضيق الحجرة .. بل الشقة بأكملها ، تناولت سترتى و مفاتيح الشقة و غادرت المنزل بلا وجهة ولا مقصد .. إلى حيث تأخذنى قدمى فقط ، علها ترفق بى و تشفق بحالى ، علها تتفهم ما لم يفهمه البشر .. ولا تعيدنى إلى مقصد الذكريات !!
~
إلى هنا أقف
و أتسائل ؛
حسناً ، قد يبدو تروا قاسياً بعض الشئ ، هكذا سيراه البعض .." هى حتى لا تعرف من أنت يا هيرو ، لا تذكرك ولا تذكر أى شئ عنك .. أنت غير موجود بحياتها ولا بعقلها يا هيرو ، ولا حتى بأحلامها "
و لكن ، كيف ترونه أنتم ؟!
هل إستسمحتم لهيرو عذراً ، و لو يسيراً لما يشعر به من ضياع و إستسلام للقدر " على حد قوله " ؟!
مما يتضح الآن ، ما بيد هيرو ليفعله ؟!
أو كيف يجب أن يتعامل مع الأمر ، و مع ألم عميق يسيطر على خوالجه جميعها ؟!
تُرى ، أتستطيعون الآن ببساطة ، تحليل شخصية ريلينا ؟!
" فيليب "
أعلم أن وجوده لم يتعدى سطرين ، و لكن .. هل رسمتم صورته بمخيلتكم ؟!
ما تظنوا هذا الشئ " الأكبر من ذلك " ؟! رؤيتها لهيرو ؟! و فقط ؟!" لم يخشى ليوناردوا من رد فعلها عند رؤية أصدقائها يا ديو .. بل خشى عليها مما هو أكبر من ذلك "
تُرى ، هل إتضح شئ جديد من خلال هذا الفصل ؟!مد يديه و فتح زجاج النافذة على مصراعه و هو يتنهد بصمت متمتماً : " فلتعذرينا آنسة ريلينا .. لم نكن ندرى بشئ ، و لازلنا لا ندرى .. "
مممممم ، حسناً ، أهناك أى شئ دار ببالكم ؟!و ليتنى حدقت النظر بديو الذى ما لبثت نظراته أن تحولت لنظرات غريبة غامضة ، لم أفهمها إلا بعد حين ..
و السؤال الأهم من كل هذا ؛
أى تعليق ، نقد ، أخطاء ؛ فى لاإسلوب ، البلاغة ، الحوار ، الوصف ، ... إلخ
أرحب بأى تعليق بأوسع صدر و أرحب قلب
<3
مــودتـــــــــ ــــــــــى
المفضلات