الصفحة رقم 5 من 5 البدايةالبداية ... 345
مشاهدة النتائج 81 الى 100 من 100

المواضيع: دوّامة!!

  1. #81
    عُدّت لمَكانِي المُحبَّب إلى قلِبي ،
    آآخ يا فتَاة مالّذي فعلته الآن ؟

    تقطَّع قلبِي للمرّة المليُون على حال أم ولِيد bored



    حسَناً .. حسناً ، مهلاً أعلم أنّ رديّ
    قد دخل بِلا استَئذان ولا اعتذار يليِق بحجم ومدَّة
    غيابِي عن هذا المكان ، أعنِي انظِري إلى تارِيخ
    وضَع الجُزء وتارِيخ ردِّي ermm >> أُجزِم أنَّكِ ستقتلِيننيْ knockedout





    لذلِك أقدِّم لكِ :


    كـــــــامــــــل اعــــتــــذاري وكــــل أســــــــفــــــــي


    على هذَا التأخَّير اللَّا إرداي في التعقيب على الحكاية :/

    أظن الموازين ستنقلب الآن .. لا أحس بالراحة وهذه الحكاية لم تكتمل بعد
    وأشعر بالأسف لتأخري كل هذا الوقت ..
    سأعود بإذن للرد عليك ردا معتبرا وإن لم أفعل أو أطلت الغياب مجددا
    فاعذريني يا روح

    تحية ..


  2. ...

  3. #82
    بما أنك مازلتي تنظفين المكان
    سأقوم بمراجعة الفصول السابقة
    لحين نزول الفصل الجديد
    معكِ متابعة صامتة
    حياك الله وبياكِ
    اظهري وعليك الأمان e056
    أما الفصل الجديد فقصته قصة طويلة >_<

    دمتِ بخير ~

  4. #83

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    أيها الأعزاء .. أعضاء كنتم أم متابعين من خلف الكواليس
    أنا أعترف بجريمتي .. لذا

    أقتلوني .. نعم أنا أسمح لكم
    ما بكم تنظرون لي بتعجب هكذا .. تعالوا وأبيدوني فقط

    هذه عودة .. ولكن ليس لوضع الجزء الجديد e411

    اكتشفت أني تأخرت بالرد على عزيزتي سول ..

    نعم سول لا بأس ضعي السكين على عنقي e407

    لكن لن تجدوا أحدا غير جثمان ليكمل لكم القصة e402

    >> الحمد لله يا ضميري يوجد منك نفع .. لن أنسى لك هذه الوقفة أبدا
    هكذا سأضمن بقائي على قيد الحياة .. آه أرى الجميع يتراجعون .. الحمد لله

    ..
    ..

    احممم بعد المسرحية الهزلية بالأعلى .. نأتي للمهم


    يآهـ يا جُثَمان ، كيَف سيكُون حال الأسَرة
    الآن ؟! والديَّ ولِيد يتخبَّطان فِي ظلمة لا مثيَل
    لها يُحيط بِهما اليأس يكَّبلهما الذَّعر ويتملَّك الخُوف
    روحُيهما ، إنَّه عجزهما أمام هذِه الظرَوف البائِسَة!

    ذلِك العَجز الّذي كبَّلهما عن تصِحيح مسار
    ابنهما الوحِيد وفَّك شفرةَ كلِماته وحلَّ لغز حرُوفه
    وأوهامهِ.
    الأسرة .. أسأل الله أن يلم شتاتهم في القريب العاجل
    طال سيرهم في هذا الدهليز المعتم .. عسى أن يجدوا الخلاص قريبا

    بدايةً وصفكِ لجثَّة ولِيد :



    الدماء تنبع من جرح في رأسه مُخَضِّبة بذلك خصلات شعره الفاحمة بل جسده كله بحمرة نفرت منها و أصابتها بغثيان شديد

    غضب قبل أن يتفوه بهراء لا معنى له عن قريته المزعومة ، صبرها سينفد قريبا ، لماذا لم يرد عليها إلى الآن ؟ جثت على ركبتيها بجواره و هزته برفق لم يتجاوب معها ، فقلبت جسمه لتقصم الحقيقة المفجعة ظهرها بل روحها و قلبها إلى شطرين ! عظام صدره مسحوقة تماما ، و معالم وجهه الحبيبة اختفت أكثر و تداخلت في بعضها ، فلا تكاد تفرق بين الأنف و الفم و العين ، إلهي أيعقل أن السيارة الحمقاء تسكعت بعجلاتها فوقه ! ليس ابنها محال أن يكون هو ، بذهول مدت أطراف أناملها لتمسح على ما كان يطلق عليه يوما " ملامح وجه " و كم أرعبها الملمس


    كالعادة -ما شاء الله- تُحسنين اختيَار ردَّة الفعل
    المُناسبَة للمشهِد المُناسِب ، بانسيابيَّة صادقَة كيَف
    تخيَّلت تلك الأم المكلُومة تهرَع إلى الجسدِ المُسجَّى
    يضِطرب بداخلها ألَف شعُورٍ وشعُور ، أملٌ فألم وهكذا
    تتوالَى بها المشاعر وتعزِف سمفونيَّتها الحزيَنة على
    قلِبها وكأنه يحتمل المزيِد!
    شكرا عزيزتي .. أعتز بكِ وبمديحك كثيرا

    ثمَّ ، يتوالَى المشهَد ، وهُنا اسمِحي لِي
    أن أهنئَّكِ بشدَّة وبشدَّة على نقُطة بديَعة استحسَنتها
    لفِرط ما تمكَّنت منَّي وتملَّكت مشاعِري :





    و كأنما نشطت من عقال ، استوت واقفة ، و بأسرع من البرق كانت خارج الغرفة و في نيتها التوجه لحجرة وليد ، أجل إنه بخير لابد و أنه ينعم بنوم هادئ الآن بينما هي قلقة على أمور لا أساس لها من الصحة




    فِي العادَة حيَن يكُتب شخصٌ مَّا مشهداً عن حُلم أو كابُوس
    مُزعجِ يعتِري إحدى الشَّخصيات ثمَّ يميَط عنه اللَّثام
    فيَختار أن يأتي بمشَهد يُسكِن حدَّة تُوتَّر هذِه الشخصية

    أعزُو ذلِك شخصياً لئَّلا يتكرَّر وصَف مفردات الخُوف
    والتَّوتر ولأن الكاتبِ أغفل طريقة أخرى لتغييَر مسار
    المشاهد وتوالِيها ولأنَّه لا يستطِيع أو لا يعرِف لزيادَة
    انفعالات التَّوتر والتحَّكم بوصَف حالات ودرجات الغضَب
    فِي شخصيَّاته سبيل!




    >> أشعُر وكأنّني اتحدَّث عن نفسي هُنا tired
    من الجميل أنكِ أشرتِ لهذه النقطة
    في الحقيقة لا أفكر في الأمر بهذه الطريقة
    أعني مشهد ما بعد الحلم ..
    ببساطة لو عشت نفس مواقف ومشاعر الشخصيات
    سأجد المشهد المناسب بطريقة ما
    تقريبا .. المقاطع يكتب بعضها بعضا >> ستكونين عبقرية لو فهمتِ شيئا
    لا أملك حاليا طرقا جيدة للشرح

    إذ أخذِتنا إلى
    السؤال المهم :


    مـاذَا بعَد ذلِك الحلُم ؟!



    ماذا بعد الجثَّة ؟ أيَن ولِيد ؟ مالّذِي حصَل ؟ كيَف
    انتهى بِها الحال هُنا ؟!


    وهكذا كانت ردَّة فعلِي كردَّة فعل أم ولِيد تماماً ،
    ففِي البدايَة أخذِتنا فِي رحلة البَحث عن ولِيد ثمَّ الخيط
    الآخر والدِه ومدى ارتباطه بذلِك الكابُوس بل ومدى
    صحَّة ذلِك الكابُوس !!
    فعلا الجزء كله تقريبا عبارة عن تساؤلات حائرة
    بلا أجوبة !
    أما الكابوس سأترك لكم تخيل الأمر فقط
    أهو حقيقي فعلا أم لا ؟

    ردَّة فعل الأبَ ، تضُعنا ما بين التوتر والخُوف ،
    التوَّجس والقلق وأخيراً الشّفقة فرُغم كلِّ شيء رُغم كلِّ
    ما حدَث رُغم أنَّني لا أدرِي مالّذي فعله أبو وليد بابنه
    لكنَّ هُناك شائبة ندَم مُخيفة وَ مثيرةَ للحُزن قد
    لمَعت فِي عينيَّ هذا الرَّجل :




    سترغمه على رؤية ما لا يريده من دموع ، شهقاتها التي صاحبت بكائها العنيف كادت تمزق نياط قلبه و تقضي على البقية المتبقية من روحه ، لم يسبق له أن شهد انهيارها بهذه الطريقة المفزعة من قبل ،الأجواء المفعمة بالنحيب تمنع وصول الأكسجين إلى رئتيه ، إنه بحاجة ماسة لأن يتنفس ، سيختنق لو بقي هنا أكثر ، تحامل على نفسه و نهض و على نفس الصمت غادر الغرفة بخطوات سريعة هربا من كل شيء ، و حين أصبح خارج المنزل تباطأت خطواته تلقائيا وما أثقلها سوى شعوره بالذنب العظيم ..



    فأيَّ ألم أقَسى من أن يُضطَّر للتَّخلصُ مِن ابِنه ؟!

    صحيح هذه من الأمور العظام التي لا يتحملها أشد الأقوياء
    لا غرابة أن تشعري تجاهه بالشفقة
    ربما يتضاعف شعورك بها إذا عرفتِ الحقيقة المرة ، أو ربما تنقلب الموازين .. من يدري ؟
    برأيك هل الأب حزين من أجل زوجته ، أم من أجل أبنه ، أم الاثنان معا ؟

    والآن ها قدَ تعلَّقنا بالخيط السَّابِق من جديد ، حُول
    مصير ولِيد الّذي أحسَبه حياً - لكنَّني لن أعلِّق على ذلِك
    آمالاً كبيرة مَع قلمكِ المُحمَّل بالمُفاجئَات laugh -


    سيَّما ونحن نعلم الآن بحقيقة واحدَة هِيَ أنَّ
    والدِة ولِيد تِحمل صدَمة بعثَرت الحقائِق المهُولة الِّتي
    شاهدَّتها وألقَتها صرِيعة لذلِك النَّوم ومن ثمَّ الكَابُوس
    المُرِعب . فمَا الّذِي حصَل الآن ؟!
    هههههه .. أضحكتني أسعدك الرحمن ..
    كونك ترين قلمي محمل بالمفاجآت فهذه شهادة أعتز بها
    شكرا لك ..
    الحقيقة .. الحقيقة
    الكثير يركض خلفها راغبا بمعرفتها .. وربما يُفني عمرها من أجل ذلك
    هذا جيد طبعا على حسب الحقيقية التي يسعى المرء لمعرفتها
    لكن أظن أنه في النهاية ستكون هناك صدمة حاضرة ستقع على رأس أحدهم >> وقامت الأخت تتفلسف em_1f606

    كلِّي شُوق لمعرفة ذلِك ، ولأن
    تأتِيني تتمَّة تُزيَح شيئاً من غمُوض هذِه الحكايَة
    عن كاهلِي



    دُمِـت كما أنتِ مُبدَعة

    بانتِظاركِ متى ما استبدَّت بكِ رُغبة إكمالِها فخذِي
    وقتكِ وأنا أعلم جيَّداً أن مشاغل الحياة لن تنتهي رُغم أنَّني لا أنكر شُوقي
    المُستعر للحكاية embarrassed



    * ردِّي قصير اعتِذر
    التتمة .. أظن أنه لم يبق الكثير .. ربما فصلان فقط
    في الحقيقة آمل ذلك e408
    ولكنها ليست قريبة في الوقت الحالي
    حسنا اقـ .. اقـتـ
    آه أعني اقبلوا اعتذاري جميعا ..
    بإذن الله لن أترك هذه الحكاية حتى تكتمل
    وعسى أن لا يخبو شوقكم جميعا

    * لا يا عزيزتي لا قصير ولا هم يحزنون
    لا بأس .. المهم في الموضوع أنك عدت
    وزينت جدران الحكاية ببصمة مبدعة تحفل بها ردودك المميزة دوما
    شكرا لك يا عزيزتي ^^

    في أمان الله ..
    اخر تعديل كان بواسطة » جثمان ابتسامة في يوم » 24-10-2014 عند الساعة » 17:40

  5. #84

  6. #85
    جميــــــــــــــــــــــــل embarrassed
    أحببتُ هذه الرواية للغاية
    أرجو أن تُكمليها عزيزتي في أقرب وقت ممكن
    لن أستطيع الرد تفصيليًا الآن فلم أنتهِ من امتحاناتي بعد cry
    ولكن أرجوووووووووووووووووووووكِ أنزلي التكملة قريبًا
    فيبدو أن صبر المتابعين بدأ ينفذ ogre
    بانتظاركِ
    في أمان الله


    مع حبـــي ^^
    اشتقت لمكسات القديم cry

  7. #86
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أُنسٌ زَهَر مشاهدة المشاركة
    tired

    nervous

    أهلاً وسهلاً

  8. #87
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Kandam ZERO~1 مشاهدة المشاركة
    جميــــــــــــــــــــــــل embarrassed
    أحببتُ هذه الرواية للغاية
    أرجو أن تُكمليها عزيزتي في أقرب وقت ممكن
    لن أستطيع الرد تفصيليًا الآن فلم أنتهِ من امتحاناتي بعد cry
    ولكن أرجوووووووووووووووووووووكِ أنزلي التكملة قريبًا
    فيبدو أن صبر المتابعين بدأ ينفذ ogre
    بانتظاركِ
    في أمان الله


    مع حبـــي ^^
    الله يجمّل حياتك بطاعته والقرب منه ^^
    شكرًا لكِ .. هذا يشرفني كثيرًا
    أنا بانتظار ردكِ التفصيلي وإلا ogre
    وأمّا التكملة cross-eyed
    إنها موجودة في دماغي .. لكن من ينقلها ؟؟
    اااخ أعلم لا عذر لي .. لكني صدقًا لستُ قادرة على إكمالها حاليًا
    التأنيب يقتلني .. لا أحب أن أترك أحدهم مُعلّقًا هكذا لأنني جربت هذا الأمر hurt
    لكني بإذن الله لن أدع هذه الرواية حتى أكملها وإن كانت آخر رواية أكتبها في حياتي
    لن أتركها بإذن الله .. فأنا جادة هذه المرة وعازمة فعلاً على إنهائها
    لكن صبرًا

    أرجو أن تقبلوا اعتذاراتي الحارة cry

  9. #88
    * الفصل الثامن *


    جسدها هنا لكن عقلها يسبح بل يغرق عميقًا في مكان آخر .. على عكس المعتاد لم يُحدث التوائم أي فوضى ومشاكسة .. أساسًا منذ وطأت أقدامهم أرض هذا المنزل لم يُسمع لهم أي صوت !
    كانت تروح وتجيء في حركة دائبة من المطبخ إلى الصالة والعكس، تنقل صواني المعجنات والحلويات وغيرها من مستلزمات الضيافة، وهي متعجبة من سكون أختها المريب هي وأطفالها .. أي مصيبة حلت بهم يا تُرى ؟!
    أولاً إحضار أختها لأبنائها بشكل مفاجئ وطلبها أن تعتني بهم لأجلها لأن ثمة مشاكل حاصلة في منزلهم ولا ترغب بإقحامهم بها .. واليوم قَدِمتْ منذ الصباح الباكر واستأذنت منها أن تمكث هي أيضًا في منزلها مع أطفالها لأيام إضافية .. فقط هكذا دون أية تفاصيل أخرى
    وضعت الطبق الأخير ثم جلستْ على الأرض - المكسوة بسجادة حمراء- بمحاذاة شقيقتها الصامتة وذهنها مشغول بالتفكير في فتح أي موضوع من شأنه أن يبدد الوجوم الذي يعتلي ملامحها :
    -صنعت هذه الحلوى خصيصًا لك أعلم أنكِ تحبينها كثيرًا
    استيقظت من تفكيرها العميق وجاهدت لرسم ابتسامة مجاملة على شفتيها لكنها لم تفلح، تنحنحت قليلاً إلا أن صوتها خرجًا مبحوحًا بسبب بكائها لفترة طويلة ليلة البارحة :
    -شكرًا يا عزيزتي .. وأعتذر عن أي إزعاج سببناه أو سنسببه لكِ بدون قصد
    أجابت من فورها بنبرة مرحة :
    -عن أي إزعاج تتحدثين بالله عليكِ .. أخبرتكِ أن زوجي مسافر لمدة أسبوعين تقريبًا .. من الرائع بقاؤكم هنا حتى تملؤا عليّ وحدتي خلال هذه الفترة
    هذه المرة اغتصبت ابتسامة باهتة من شفتيها دون أن تعقب .. هزت شقيقتها رأسها بعدم تصديق وكأن الصمت حلَّ عليهم ضيفًا ثقيلاً وعَقَد ألسنتهم عن الكلام .. بدر متشبثٌ بعباءة والدته الساهمة، وعيناه مغرورقتان بالدموع، بينما أخواه منزويان في النصف الآخر من الصالة، لا شيء يبدو على طبيعته البتة .. كيف تحول هذا البدر -خصوصًا- وهو العفريت المُخرب إلى هذا الصمت المفزع ؟
    مجددًا حاولت فتح موضوع ما :
    -هيا اخلعي عباءتكِ .. وبسم الله لا تتردي في مد يديك أنتِ وبدر
    شدّت على حجابها بحركة لا إرادية وهي تقول :
    -أشعر براحة أكبر هكذا
    هتفت الأخرى باستنكار :
    -بربك أي راحة ؟! لسنا في عزاء، اللون الأسود يجلب لي الكآبة صدقًا
    واستدارت إلى الطفلين الآخرين دون أن ترى الأثر الذي أحدثته كلماتها على وجه أختها :
    -معاذ وإياد اقتربا هنا .. هيا ما بكم جميعًا ؟ صنعت لكم حلوى لذيذة
    لم يتجاوبا مع خالتهما .. إنما شدّ معاذ على فخذ شقيقه وهو يتطلع إلى الباب برعب قبل أن يُحوّل نظراته لوالدته ويسألها بصوت مرتجف :
    -أين وليد ؟
    لا تعلم عندما وصلت إلى بيت أختها بأي وجه استقبلت صغارها هذا إذا استقبلتهم أصلاً .. كل خلية في ذهنها كانت ولا زالت تفكر بوليد، وتَعْقد المقارنات بين مظهره السابق والأخير
    مولد وليد، وجه وليد، ابتسامة وليد .. ثم جنون وليد، جريمة وليد، موت وليد !!
    وبعد سؤال إياد المذعور، تنبهت لعدم طمأنتها أطفالها والابتسام أمامهم، والسؤال عن أحوالهم هل يُعتبر هذا التجاهل - الغير متعمد - أنانية منها ؟
    مسحتْ على رأس بدر وهي تنظر لعينيَ الصغيرين :
    -وليد لم يحضر ..
    أرادت أن تتكلم أكثر لبث الطمأنينة في نفوسهم، لكن كان لعبارتها أثرًا سحريًا أكثر من كاف ليقتلع الطفلين من مكانهما ويجعلهما يتسابقان للوصول إليها قبل أن يسقطا في حضنها وينهارا بالبكاء
    طوقت ثلاثتهم بذراعيها وهي تحاول تهدئتهم بشتى الكلمات، وتجاهد نفسها في ذات الوقت حتى لا تشاركهم البكاء .. بينما فغرت شقيقتها فمها بذهول وهي تنظر لهذا المشهد " التراجيدي " دون أن تفهم له سببًا
    .
    .
    ناموا بدون مشقة بعد أن أصابهم البكاء بالصداع .. تعاونت هي وأختها على نقلهم إلى إحدى الغرف الشاغرة ليكملوا نومهم هناك .. ثم رجعتا إلى مجلسهما الأول لتهتف أختها بتلهف وخوف :
    -كنت أنتظر هذه الفسحة التي ستسمح لي بسؤال ما أشاء بعيدًا عن مسامع الصغار .. والآن أخبريني يا عزيزتي ما الذي يحدث عندكم بالضبط ؟
    أشاحت بوجهها بسرعة أثارت شك أختها أكثر :
    -لا شيء .. فقط وليد ..
    لم تعرف بم تكمل فعادت لصمتها المريب
    ودت أن تخترق جمجمة أختها لتعرف ما ستنطق به فورًا، فآخر ما ترغبه حاليًا هو الاستماع لهذه العبارات المتقطّعة التي تلعب بالأعصاب بشكل بغيض :
    -انظري إلي .. ما به وليد ؟
    نظرت إليها وحركّت يديها في الهواء بعشوائية :
    -وليد، أقصد امتحانات وليد ..
    استمرت بالتلويح بيديها والأخرى تكاد تنفجر غيظًا وقلقًا، فلم تنجح طبعًا بفهم حركات شقيقتها وكلماتها المبهمة :
    -لا إله إلا أنتَ يا ربي .. ما بها امتحانات وليد ؟
    -أبعدنا الصغار حتى لا يزعجوا وليد عندما يذاكر لامتحاناته !
    كيف خرج هذا التبرير السخيف من لسانها ؟ لا تعرف ولا تريد أن تعرف .. المهم أن تتخلص من حصار الأسئلة الخانق .. وكأنها ستقول الحقيقة بهذه البساطة ! وليد قَتل ثم قُتل .. وعلى يد من ؟ والده ؟!
    ولتكمل لعبة الهروب هبّت لالتقاط الجريدة المفروشة فوق الأريكة المنجدة - المقابلة لظهر أختها- ثم عادت لمكانها وفردتها أمامها قبل أن تتظاهر بانشغالها بتصفح العناوين
    " ما هذه الحركات الصبيانية ؟ أنتِ لستِ طبيعية أبدًا " كان هذا التقريع يوشك على الانفلات من لسان أختها، لكنها ابتلعته عنوة ونهضت لتنظيف الصحون، فليكن .. ستترك لها حرية التنفس وتحجم عن استجوابها حتى تبادر بإفراغ ما في جعبتها من تلقاء نفسها، وإن طال الوقت ولم تفعل فستحترم خصوصياتها فقط .. مع أن نيتها حسنة فكل ما تريده هو طرد الحزن من قلب أختها وإسداء النصيحة المُسعفة بإذن الله ..
    صوت الماء المتقاطر من الحنفية الموجودة داخل المطبخ - المفتوح على الصالة - ، تقليب صفحات الجريدة بعشوائية، ورَنّة الساعة الكبيرة بجانب المدخل بنغمة مميزة تُعلن حلول الرابعة عصرًا
    ثم ..
    تَخَشَبَ جسد والدة وليد، وتجمدتْ جميع المشاهد المحيطة بها، بل وتغير لونها إلى الأبيض والأسود، وكأنها التُقطت بعدسة كاميرا قديمة .. لم تكن ثمة حياة في هذه الصورة العتيقة سوى في نظرة عيني والدة وليد، فقد كان بؤبؤاها يمران على السطور المكتوبة بحركة سريعة قبل أن يستقرا مجددًا على ذلك العنوان، ثم ينتقلان لتاريخ إصدار الصحيفة، يوم .. يومان .. ارتفع وجيب قلبها بجنون
    ثم تمزقت أجزاء الصورة وتطايرت، وعادت إلى المشاهد ألوانها حين هبّت والدة وليد كالملدوغة تبحث عن حقيبة يدها، في ذات اللحظة خرجت أختها من المطبخ لتراها في حالة الاستنفار تلك بوجه شاحب ونظرات زائغة، فانتقلت عدوى القلق إليها وهي تهتف :
    -ما بكِ ؟ ما الذي حدث ؟
    -الهاتف .. أحتاج هاتفي
    بدون أسئلة إضافية، هرعت لتحضر لها حقيبتها التي وضعتها في الغرفة عند الأطفال، وحين رجعت لم تجد لها أثرًا في الصالة ولا في البيت بأكمله !
    ×××
    " كان عليَّ أن أهاتفه على الأقل .. لا لا .. المواجهة هي الحل الأفضل، لن يجرؤ على الكذب وأنا أنظر إلى عينيه مباشرة "
    كان قلبها لا يزال يقرع بقوة كالطبل، والأفكار تتصارع داخل عقلها أثناء بحثها عن حافلة أو أي شيء يقلها إلى منزلها على وجه السرعة .. تمنت لو تملك أجنحة في مثل هذه الظروف لتطير من فورها إلى حيث تشاء ....
    حين وصلت بحثت عن أبي وليد ولم تجده كما كانت تأمل، أسرعت إلى الهاتف الثابت في الطابق الأرضي وطلبت رقمه سريعًا .. مرت عليها ثوان خالتها دهرًا قبل أن يأتيها صوت زوجها أخيرًا :
    -السلام عليكم .. مرحبًا
    تساءلت برباطة جأش :
    -لماذا قمتَ بقتله ؟
    ظنها تحوم حول نفس الموضوع الذي أرقهما ليلة البارحة، وقبل أن يقول شيئًا انفجرت فجأة كقنبلة موقوتة :
    -أتكلم عن الطبيب النفسي، لماذا ؟ ألا يكفي ابنك لتزيد رصيد ذنوبك بقتل نفس أخرى ؟
    توقعت أن يراوغ أو يقتلها بصمته كما فعل بالأمس، لكنه حطّم جميع توقعاتها حين انهار معترفًا بشكل مفاجيء :
    -لستُ أنا، صدقيني لستُ أنا .. بل هم .. لقد ذهبت لأهدم المشفى فوق رأسه لكنه لم يكن موجودًا .. كان قريبًا .. لكني كنتُ متأخرًا
    وصلها صوت تنفسه الثقيل، وكأنه استنفد جميع قواه بعد نطقه لهذه الكلمات القليلة الغامضة
    لغز آخر ينطق به، ضغطت على أسنانها وهي تسأل :
    -من هم ؟
    أجابها صوت متقطع يُعلن نهاية المكالمة، هل أغلق الخط ؟ سحقًا للشيطان
    وضعت السماعة في مكانها وهي تزفر بتعب، لم تشعر إلا وخطواتها تقودها للأعلى، إلى غرفة وليد تحديدًا، فتحت الباب وتقدمت للداخل تُطالع الجدار المقابل للباب بنظرات حزينة وهي تتذكر كيف كان مظهره قبل أيام .. هل ابنها قاتل فعلا ؟ جزء في عقلها يرفض تصديق هذا الأمر برمته، إذًا ما الذي حدث بالضبط ؟ كيف تعثر على الخيط المفقود الذي يكشف لها كل شيء ؟
    جلست فوق السرير ومرّرت أناملها على اللحاف الداكن ببطء، تتخيل لو أن وليد نائم الآن في فراشه وأن كل هذا مجرد كابوس، فتحت درج الطاولة القريبة من السرير وانحنت تعبث بالأغراض الموجودة داخله بلا هدف، وحينها شاهدت دفترًا متوسط الحجم، مغلف بتغليف جلدي بني، ومغلق بإزرار معدني، التقطته وفتحته بلا تردد، قلبت صفحاته إلى المنتصف، يبدو كدفتر مذكرات قديم، شدتها جملة مكتوبة بخط متعرج [ كنت واقفًا مع سمير، وسمعناهم يتحدثون عن بصمات أصابع وما شابه، بالطبع لم نقصد التجسس عليهم، كنا نلعب فقط ]
    عقدت حاجبيها بعدم فهم، وهذا السمير مجددًا؟ ما قصته بحق الله ؟ أخذت الدفتر معها وغادرت الغرفة وفي نيتها أن تتكلم مع سمير صديق ابنها، يبدو أنه يعرف الكثير مما تجهله هي، حسنًا لا دموع أو تخاذل بعد الآن، عليها أن تتحرك لتكتشف الحقائق بنفسها .

  10. #89
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أرجو من الله أن تكونوا جميعًا بخير

    احم وضعي لهذا الفصل أعتبره خطوة متهورة للغاية
    لكن لدي أسبابي على أية حال
    اعتذر لجميع الذين علقتهم مع حكايتي بقصد أو بدون قصد
    وأيضًا لاحظت أنني لم أرقم الفصول منذ البداية .. وبعد رد " سول " التفصيلي
    قامت هي بالترقيم ونبهتني .. احم لا أدري كيف كنتُ أكتب هذه الحكاية بالضبط

    في أمان الله جميعًا .
    أَسْتَغْفِرُ اللَّه العَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيهِ ..

    " ما أجمل عيش الغرباء "

  11. #90
    e106e106e106



    اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
    ،واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ♥"
    الحمدلله كثيرًا *)
    القرآن كامل *

  12. #91

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ❤
    مرحبا جثمان .. كيف الحال غاليتي ؟؟
    اتمنى انك بخير وصحة وسلامة ياااا رب

    حسنا انه الرد الاول لي هنا biggrin .. في هذه الرواية الغريبة الجميلة الفاتنة المؤثرة cry !!
    اسلوبك جميل ما شاء الله وبالتاكيد هذه ليست المرة الاولى التي اقرا لك لكن قراءة كتاباتك ببارتات امر اخر تمااااما :قلووووووبات:
    احب وصفك للمشاعر مااا شاء الله تبارك الرحمن ❤ ❤ ..

    انت تجيدين مثل كل مرة اللعب باعصابي والدخول لمتاهات غامضة كلها اسرار @@ ..
    هذه الرواية بالذات تجعلك تشكين بكل الحقائق !!! تختفي المسلمات ويشك المرء حتى بنفسه =.=
    فيها الكثير من الامور التي لا تصدق !! @@ .. ووووه لا اتخيل مقدار آلم العائلة والحالة التي هم بها الان *^* .. بل لا املك حتى احتمالات عما يحدث لوليد بالضبط dead

    وليد شخصيته غريبة وفريدة جدا .. اكاد اجزم انه لم يمت cry .. مستحييييييييييييل dead
    سالفة القرية التي كان متاكد منها جدا تثير حيرتي لكن المرعب بالامر هو تصرفاته الدموية المخيفة .. ربما هو يعاني حقا مرض نفسي فضيع .. الامر مؤسف ومؤثر *^*
    لكن والده ذاك ماذا فعل !!!!! cry cry :تتحطم من البكاااء والشهيق والدموع:
    وه حالة الام كيف كانت !!!! مسكيييينة والابناء ايضا !! يا الله ما كل هذا ؟؟؟ :قلب مكسور:

    حسنا الان الام قررت النهوض والقيام ببعض التحقيقات .. اتمنى ان تصل لنتيجة ما مع هذا الصديق الغريب .. اظن ان له كل العلاقة فيما يحصل لوليد .. لا بد انه يعلم الكثير hurt
    امر تلك القرية سحرني بالكاااامل وووه embarrassed .. انتظر معرفة السر بفارغ الصبر ان شاء الله ♡♡

    رجاء لا تتاخري وكوني بخير غاليتي
    في امان الله ~ ♡
    بِآلإستغفآرِ .. ♥
    ستسعدُون ، ستنَعمون , ستُرزقون من حيثَ لآ تعلمون
    [ أستغفرُ الله آلعظيمَ وأتوب إليه ]

    ♥ رابط روايتي على الواتباد ♥

  13. #92
    Śummєя

    رؤية اسمك بحد ذاته أكبر داعم ومحفّز
    ليس بين جدران هذه الحكاية فقط بل بشكل عام
    لا أدري من أي مكان التقطتني يا فتاة
    ألف شكر لكِ عزيزتي

    انت تجيدين مثل كل مرة اللعب باعصابي والدخول لمتاهات غامضة كلها اسرار @@ ..
    هذه الرواية بالذات تجعلك تشكين بكل الحقائق !!! تختفي المسلمات ويشك المرء حتى بنفسه =.=
    اللعب بالأعصاب :ضجكة:
    حسنًا لن أعلق حفاظًا على حياتي
    وأما عن الشك نعم معكِ حق .. حتى عقلي أُقحم في هذه المتاهة المظلمة !

    لا أتأخر .. لستُ متأخرة أصلا بقية الأحداث والنهاية مكتملة في ذهني
    لكن عندما أريد كتابتها تتعاكس معي الأمور
    المهم هذه الحكاية أتعبتني وأنا أتعبتها وفي الأخير نحن متعادلان ولله الحمد

    دمتِ بخير آنستي العزيزة ^^

  14. #93
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة لاڤينيا . . مشاهدة المشاركة
    e106e106e106


    الناس التي تضع " فيسات القلوب " ولا تعود .. بحاجة للضرب
    أم أن البيئة نقلت لك العدوى ؟ @_@

  15. #94

  16. #95
    انبهارٌ فظيع جداً جداً جداً ، سأعود
    حين انتهي من الاختبارات و الجامعة و
    كل شيءِ tired

    * knockedoutembarrassed




    -
    24fdf136d98964be4048f69ee9c2759d

  17. #96
    كح كح كح
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ها نحن ذا قطعنا شوطا كبيرا بعد سنة كاملة حتى وصلنا إلى ختام الرحلة ولله الحمد
    أفكّر بإنزال الجزء الأخير إكراما للمكان ولأهله الذين دعموني وانتظروني .. احم وإن انقرضوا
    سأقرؤه لمرة إضافية ثم أنشره بإذن الله ..
    إلى ذلك الحين دمتم بأمان الله.

    ملاحظة: تغاضوا عن عنوان الرواية لأنني غيرته في النسخة المعدّلة.

  18. #97
    وااااه عوداً حميداً ..
    سنتغاضى عن كل شيء فقط ضعي الفصلe414

  19. #98


    â—ڈâ—‹â—ڈ





    *الفصل الأخير*


    بمجرد أن أغلقت البوابة الخارجية للمنزل، ارتفع صوت التلفون بإلحاح لكنها لم تسمعه .. بضع خطوات ونظرات حائرة ثم أوقفت سيارة أجرة نقلتها إلى منزل أختها ثانية ..
    لم تضطر لتبرير خروجها المفاجئ لأن شقيقتها كانت تصلي .. ولحسن الحظ ما زال الصغار نياما إلى الآن .. أدتّ فريضة المغرب وجلست منزوية في الغرفة الهادئة .. وحين لمحت دفتر التلوين الملقى على طرف المنضدة الزجاجية خطرت لها مذكرات وليد، وتلقائيا فكرت في صديقه سمير .. صحيح لقد كانت تخطط للذهاب إليه قبل أن يحدث ما حدث .. أعادت لفّ حجابها ثم نهضت والتقطت حقيبتها .. اهتز هاتفها النقال فأخرجته وعقدت حاجبيها وهي ترى الرقم الغريب:
    - نعم .. السلام عليكم
    - سأخبر ك بشيء
    رفعت حاجبها باستنكار، إنه زوجها ..
    - ماذا تريد؟
    دار حول المكان بتخبط وهو يمسك رأسه بتوتر:
    - أنا لا أملك وقتاً .. لأنهم هنا .. سيصلون قريبا
    انتظرته أن يتمّ حديثه بأقصى ما تملك من صبر لكنها استمعت لشيء آخر .. شيء تعجبت من سماعه الآن بالتحديد .. صافرة عالية حادة تدُرك الغرض الذي تستخدم له، ثم صراخ وتحركات فوضوية ..
    - مرحبا، مرحبا، أبو وليد ما الذي يحدث؟!
    وشوشة مزعجة ثم قطُع الخط .. أبعدت الهاتف عن أذنها بخوف، ثم عاودت الاتصال وقلبها ينبض بمعدل ألف نبضة في الثانية الواحدة، ولا إجابة كانت محادثة غامضة قصيرة جدا لكنها خلخلت موازينها أكثر من السابق ..

    ×××

    [قبل ثلاثة أشهر]

    الكرة تتدحرج بسرعة وتلحقها أقدام صغيرة حافية .. تتعالى تلك الضحكات الصافية كصفاء هذه المنطقة وقلوب أهلها ..
    - سمير! سمير!
    انتبه المعنيّ متأخرا فأصابت رمية صاحبه منتصف جبهته، انفلتت قهقهة بريئة من شفاه الأخير فما كان من متلقي الضربة إلا أن يشاركه الفعل ذاته ..
    - هيا لنعد الآن، ستقتلني أمي إن غربت الشمس وأنا بالخارج
    يستجيب لرغبة صديقه سمير ويرتدي كل منهما حذاءه ثم ينطلقان ركضا فاتحين ذراعهما لنسمات الهواء المنعشة، والعشب المرتفع أسفلهما يتماوج على تلك الأرض الشاسعة الخُضْرة ..

    ~

    جبينه وظهره متعرقان بالكامل والحرارة المرتفعة توشك على صهر جسده، حاول تثبيت خطواته المترنحة حتى يصل إلى المنزل المطلوب، في هذه الظهيرة الجهنمية يبدو الشارع خاليا إلا من قلة لا يتجاوز عددهم أصابع يده الواحدة .. بالطبع فغالب الأهالي يتنعمون بقيلولة ما قبل العصر، أما هو فسيحصل على متعته الخاصة عندما يقابل صديقه وجها لوجه، ابتسم على إثر الفكرة الأخيرة وتحول مشيه لهرولة ثم لركض سريع عند المنعطف الأخير .....
    - مرحبا بني، صاحبك نائم الآن
    ارتسمت خيبة الأمل على ملامحه وهو يطالع عيون والد رفيقه .. ماذا عن الوعد الذي قطعاه بالأمس؟
    - آه صحيح .. حصتكم من الأرز بداخل المزرعة، تعال لتأخذها يا بطل.
    .
    .
    .
    لم يستيقظ لأنه لم يكن نائما ..
    متمددا في الخلف، يهتزّ جسده مع تحركات السيارة كلما مرّت بأرض وعرة ..
    عقله فارغ من الألوان والأصوات والأحاديث والأوجه، ولا شيء سوى سمير ..
    اعتدل جالسا وقبض على طرف قميصه الرياضي:
    - أين سمير يا أبي؟
    - هممم
    لم تسُكته همهمة والده فكرّر بإصرار:
    - أين سمير؟
    - ما بك يا بني لقد قابلَْته في المدرسة بالفعل.
    حرّك المعنيّ ساقيه بتوتر:
    - خذني إليه
    انعطف الأب لجانب الشارع الأيمن متفاديا إحدى الحفر فاهتزت الأوراق والدفاتر المكوّمة في مقعد الراكب الأمامي
    - يمكنك الذهاب إليه بمفردك فيما بعد
    ولأن الرد ّ لم يرضيه هتف بحدة:
    - الآن أقول لك!
    نهره الأب باستنكار من طريقته الغريبة في الحديث:
    - وليد!!
    أخرس استهجان والده عندما نطق بهدوء مريب:
    - خذني إلى منزله .. في القرية.
    التحمت أصابع الأب بالمقود الأسود حتى بدا وكأنهما هيكلا واحد .. اكتسحه توتر عنيف وقلبه ينفجر بدوي صامت ..
    - ما الذي تحاول قوله؟
    صرخ الفتى بانفعال وهو يركل حقيبة ظهره المجاورة لقدميه:
    - تعلم أنه ينتظرني هناك!

    ×××

    كانت المرة الأولى التي نسف بها وليد التلفاز المتواجد في حجرته بثورة لم يفهم سببها غير والده، ولأن الأخير كان يأمل أن ذلك محض وهم، كرّر التجربة مرارا، وعلى فترات متباعدة نالت الأجهزة الثلاثة نفس المصير ..
    شيء ما أيقظ الذكريات القديمة في رأس وليد، تحديدا تلك الفترة المنسية من حياته والتي تجهل الأم والتوائم الصغار تفاصيلها ولا يعلمها سوى الأب، اصطحاب ابنه لتلك القرية كان خط أً فادحا ظن أنه تمكن من معالجته، لكن عقل الابن نجح بالتمرد على العقاقير والأدوية التي كان مفعولها ساريا عليه لفترة طويلة من الزمن حتى بلوغه السادسة عشرة من عمره ..
    ذكرياته متذبذبة ولا شك لكنها استيقظت وهذا هو الأهم، لذا على والده أن يتصرف!

    ×××

    [سمير ينزعج من تصرفات أبناء الجيران اللئيمة لأنهم لم يسمحوا له يوما بمشاهدة التلفاز معهم، لقد أسرّ إليّ يوما أنه يمقت هذه الأجهزة التي أخذت تقتحم حياتهم القروية المسالمة شيئا فشيئا، ولأنه يكرهها كرهتها أنا أيضًا].

    عشرات الصفحات والرسائل والأحاديث الموجهة إلى سمير، هذا ما شغله طوال الأيام الفائتة، وما لم يدُركه كان أقسى من كل شيء ..
    نظر للسماء بشرود وابتسم، يتذكر قضاء الليالي المقمرة بصحبة رفيقه .. لا أحد يحصي سعادتهما أثناء عد ّ النجوم معًا عندما يُسمح لأحدهما بالمبيت عند الآخر، وكان وليد عادة يفضّل الذهاب لمنزل سمير لأن لحكايات جدته المسائية سحرًا لا يقاوم ..
    والداه لا يفهمان شيئا ويعتقدانه يهذي .. ليته يعرف طريقا يأخذه إلى قريته الحبيبة ولا يعيده إلى هنا!

    ×××

    كان عليه أن يتصرف، خطة أخذ وليد لطبيب نفسي لا تبدو مجدية تماما، خصوصا بعد إخبار الطبيب لابنه بأمور غير ضرورية، وحتى حيلته الأخرى لم تسر كما أراد لها ..
    بعد أن أعياه التفكير لم يهده عقله السقيم سوى لحلّ وحيد فاتبعه بلا تردد
    .
    .
    .
    وجّه كلامه لابنه وهو يفتح الأضواء الأمامية للسيارة:
    - وليد انزل وتفقد العجلات، لا أعلم ما الذي أصاب السيارة.
    ردت الأم نيابة عن ابنها وغيظها لم يهدأ حتى الآن:
    - انزل أنت، وليد متعب بما فيه الكفاية صرّ على أسنانه بغضب وتجاهل زوجته:
    - وليد اذهب وتفحص العجلات، انزل بمفردك.
    ترجل الابن وصفق الباب خلفه بعنف، لم يكن ذلك تلبية لأمر والده بل لأجل خاطر داهمه .. سار بتمهل و عرج واضح، تفقد "الكفرات" الخلفية ثم الأمامية، لم يكن هناك أي عطل، دار ببطء حول السيارة دورة كاملة حتى يتأكد أكثر ثم توقف أمامها وهو يقول بجمود:
    - لا يوجد أي خلل
    خفتت الإضاءة فجأة وعادت المركبة إلى الخلف ببطء حتى ابتعدت عن وليد بمسافة كبيرة، لم يستوعب هذا الأخير الأمر وهو يجد نفسه في مواجهة السيارة المندفعة باتجاهه بسرعة مخيفة، تخشب جسده في مكانه وهو يبصر شريط حياته يمر أمام ناظريه بسرعة خرافية "وداعا سمير، الوداع يا قريتي الحبيبة" ..
    عند هذه اللحظة تحديدا انتفض المشهد الغارق في أعماق وليد، وخرج إلى السطح مجددا ليستنشق هواء الحقيقة الملوثة بالدماء والسواد .. يتذكر بوضوح ذلك العشب الطري الذي تشربت خضرته احمرارا قاتما، وذاك الجسد الهامد سوى من أنفاس بالغة الضعف .. ثم يخرج رجل ما من سيارته ويمسك جانبي رأسه بتوتر وترقب ..
    يتلفت يمينا وشمالا قبل أن يسحب من حقيبة سيارته بساطا كبيرا تلتصق به ذرات الغبار، يلف الجسم الصغير بداخله ويلقيه في الخلف ويغلق الباب وينطلق!
    لم يرَ أحدًاً وليد، لكنه كان هناك متسمّرا في تلك الزاوية يحاول استيعاب حقيقة أن الشخصين الذين اختفيا عن ناظريه، أحدهما سمير، والآخر والده!
    وبنفس الطريقة ها هو وليد يواجه نفس المصير الذي لقيه صديقه سمير .. سمير رفيق الليالي المقمرة والأقاصيص الماتعة .. سمير صاحب السمّرة الداكنة، والقامة القصيرة، والخصلات المتناثرة على الجبين، ولثغة الراء التي جعلته موضع سخرية من قبل بعض الأولاد الأشقياء الذين ينادونه "ثمير" بدلا من "سمير" كيف لكل شيء أن يختفي بغمضة عين؟!

    ×××

    [بعد ثمانية أسابيع]

    - السلام عليكم.
    - وعليكم السلام ورحمة الله.
    أفسح لها مجالا حيث أنه يعلم وجهتها مسبقا، ومع ذلك لم يمنع نفسه من مخاطبتها قبل أن تبتعد:
    - عفوا سيدتي، أن ت تتفهمين حالته بلا شك
    أومأت دون أن تنبس بحرف .. مضى الكثير منذ عصفت بها تلك الرياح العاتية، بدءا من الحادث المروري الذي أصُيب فيه زوجها، ثم نقله للمستشفى، ثم إعلان القبض عليه بتهمة المتاجرة في بعض الممنوعات، وانتهائه بمكان غير متوقع ..
    كان الثمن غاليا حقا، وهي لم تدرك كل شيء إلا متأخرا جدا ..
    فتحت الباب وطالعت شبح الشخص الواقف أمام السرير والذي جلس على طرفه حين رآها تتقدم منه .. جلست قبالته فوق المقعد الأبيض الوحيد
    - كيف حالك اليوم؟
    مسح رأسه الحليق بحركة بطيئة:
    - بخير
    كانت أول كلمة ينطقها بعد صمت مريب استمر ليومين ..
    طالعت عيناه العسليتان بوجوم .. وجهها الذي ينعكس داخل بؤبؤيه يذكرها بكل تصرفاته المريبة التي لم تفهم سببها في تلك الأوقات .. كان بهيئة مختلفة عن آخر مرة، شعره القصير جدا، وقميصه المغلق إلى آخر زر، وذاك الخدش الدامي الذي يقطع أنفه عرضيا ..
    - أن ت لا تصدقينني؟
    نطقها فجأة ولم يمنحها فرصة للرد وهو يقف ويكمل بتوجس:
    - هم السبب .. كان يجب أن أحميه منهم مهما كلفّ الأمر
    - تحمي من؟
    لفظتها باستنكار وخيبة مريرة
    نظر الرجل لما خلفها لشيء أبعد من الفراغات الضيقة بين تلك القضبان المعدنية ..
    ثم نطق وكأنه يُخاطب شخصا غيرها:
    - وليد!
    استدارت للوراء بلهفة عظيمة ولم ترى غير البوابة الكبيرة بلونها الكئيب، وبضعة رجال يراقبون الوضع من بعُد قريب ..
    يا للخيبة! هل ظنته سيقبل نحوهما في هذه اللحظة!
    نهضت لتعلن أن وقت الرحيل قد حان لكن قبضة قوية منعتها من ذلك!
    تدافعت الخطوات بالخارج فرفعت المرأة يدها الحرّة مشيرة للآخرين بالهدوء .. لم يسبق لها أن غادرت بهذه الطريقة خلال زياراتها الفائتة، لكن فقط ذكر اسم وليد في الحديث يقلب الأوضاع رأسا على عقب .. تسللت الدموع إلى مآقيها بعناد .. التفتت لزوجها وهمست بتماسك:
    - دعني
    توسعت عيناه بمزيج من الذهول والحزن، وبلا شعور زاد من ضغطه على معصمها:
    - لا تفعلي ذلك، لا تبكي! لستُ أنا، إنهم هم أقسم ل ك بالعظيم، ألا تثقين بي؟
    هذا ما لا يمكنها فعله بعد الآن للأسف .. لو يعلم كم تلُقي عشرات التبريرات له كل يوم حتى تمنع نفسها من كرهه ..
    - دعني أنت تؤلمني
    هتف بعصبية محاولا إيصال الفكرة إليها:
    - أخبرت ك أن عليّ حمايته!
    - بتعذيبه بتلك الطريقة؟ لقد نسفت حياته أيها الحقير!
    ارتكبتْ خطأ جسيما بانفعالها ولم تدرك ضرر ذلك إلا بعد انقلاب حال الزوج لأول مرة منذ قدومها .. سحب حقيبة كتفها بقوة فتناثرت أغراضها على الأرض ..
    قاومته بأقصى ما تملك وهو يجرّها بقسوة ناحية الجدار .. تطلب الأمر تدخلا مستعجلا ففُتح الباب واقتحم رجلين الغرفة ..
    - اهدأ .. سيد كريم عليك أن تهدأ .. هذه زوجتك لا تقم بإيذائها ..
    انتشر الصوت عبر إحدى المكبرات المثبتة في الحجرة ..
    تسمّرت خطوات المقصود بحيرة وألقى نظرة على زوجته المرعوبة، كان تردده اللحظي كفيلا بإنقاذ الموقف، فقد هجم عليه الفريق الطبي وفي دقائق قصيرة تم تقييده وحقنه بمحلول ما رغم ثورته وجنونه ..
    لم تعي المرأة شيئا وإحدى الممرضات تقدم لها حقيبتها وأخرى تهدئها بعبارات كثيرة متفرقة
    غادرت وهي تشد ّ على حجابها والمشاعر المتضاربة تعصف بها ..
    لطالما سار كل شيء في حياتهم بشكل جيد على بساطة أحوالهم المعيشية، إلا أن تعرّف أبا وليد على تلك الثلة الفاسدة في عمله، بطريقة ما تمكنوا من سحبه إلى عالمهم .. وكانت غلطته العظيمة أن سمح لنفسه بالتعامل معهم لاكتساب المال بوسائل غير مشروعة، معللا لنفسه أنها مرته الأولى والأخيرة وأن الضرورة تبيح المحظورات .. لكن مع أولئك الرجال لم تكن هنالك مرة أخيرة أبدا!
    كانوا على استعداد تام لإبقائه رهن إشارتهم وإن لجئوا لحيل قذرة تورّث الجنون، وقد فعلوا!

    ×××

    يُتبع ...


  20. #99
    [الحاضر]

    أزاحت جزءا من الستارة القماشية إلى الجانب الأيمن، فانسل إلى المكان ضوء بسيط من أشعة الشمس ..
    انطلقت المرأة بخطوات هادئة إلى دورة المياه، لبثت فيها يسيرا ثم اتجهت إلى الطاولة الخشبية قصيرة القوائم، وسكبت داخل المزهرية الزجاجية ماء نظيفا قبل أن تضع الباقة الجديدة وسطها .. رَنَت للشخص النائم بسلام على الفراش الأبيض، وفي هذه اللحظة فتح هو عيناه، انعكست حزمة الضوء على ملامح المرأة فكان أول ما رآه ذاك المستيقظ هي تلك الابتسامة الرقيقة والنظرات التي تحيطه بحنان
    - صباح الخير وليد.
    نطقت بصوت ناعم وعيونها البنيّة تفيض بالحبور .. لطالما خاطبته بهذه الطريقة وأجرت معاه كثيرا من الحوارت الماتعة، وفي كل زيارة كانت تفاجؤه بشيء مختلف وتعامله بشكل طبيعي متغاضية عن كونه لا يملك القدرة على التعبير بلسانه ..
    نظراته العابسة من أثر النوم لانت قليلا عندما شاهد العلبة المغلّفة بجانب المزهرية، وابتسم، من أجل الهدية، والورد، ومرافقته العطوفة التي يحبّ تواجدها حوله ..
    اقتربت الأخيرة منه ومررت أناملها على خصلاته الطويلة برقة ..
    كطقس يوميّ كانت لا تفوّت الحضور إلى هنا، على الأقل مرّة واحدة كل صباح أو مساء .. رغم أن وليد قد فقد الكثير لكن رؤيته تمنحها أملا كبيرا وتجدد نشاطها بطريقة ما ..
    بحلول الظهيرة غادرت أم وليد المستشفى إلى منزلها القريب مشيّا على الأقدام ..
    علّقت عباءتها وحجابها خلف باب غرفتها ثم انطلقت ناحية المطبخ، قُرع جرس البيت في ذات اللحظة فغيّرت مسارها باتجاه الباب ..
    - من؟
    - أنا
    لم تكن تحبذ تعريف الطارق لنفسه بهذه الكلمة، لكنها عجزت عن تغيير طريقة هذا الشخص ..
    فتحت القفل ونظرت بالتوالي إلى قامة الزائر التي تفوقها، ولحيته التي نمت مؤخرا، وثيابه الشبابية .. بينما هتف هو بنبرة مرحة:
    - إنه أنا إياد يا أمي، لا تخبريني أنكِ نسيتني
    ابتسمت ضاحكة وهي تفسح له مجالا:
    - وكيف لي أن أفعل؟
    انحنى الشاب ليقبّل رأسها وكفيها، ثم قفز متجاوزا العتبة الصغيرة بطريقة فوضوية وأغلق الباب بقدمه .. أسقط نفسه على أقرب مقعد في غرفة المعيشة وأطلق تنهيدة ارتياح كبيرة .. فركت والدته كفيها ونطقت بابتسامة صغيرة:
    - أعددت فطائر الزبدة المحلّاة بالعسل، هل ترغب بتناول بعضها؟
    اعتدل المعنيّ جالسا وقبل الدعوة باسما:
    - بالتأكيد! سأعتبرها بمثابة مقبّلات قبل وجبة الغداء.
    ضحكت الأم بخفة وهي تبتعد عنه، ومن مكان استلقائه هناك  كان بإمكان الابن رؤية ظهر والدته من المطبخ المفتوح، سألها وهو يعبث بهاتفه:
    - بالمناسبة أمي أين كنتِ منذ الصباح الباكر؟
    أفرغت كمية من الحليب بداخل الكوب الفسفوري:
    - اوه هل انتظرتني طويلا؟ كنت في زيارة لوليد يا بنيّ 
    تجهمت ملامح إياد لوهلة ثم عادت لطبيعتها، وليد الذي لم يقم بزيارته سوى لمرة يتيمة منذ دخوله المستشفى ..
    استمر بالعبث في هاتفه ولم يضف على قول: آه
    حين أحضرت والدته الطعام شرع يأكل بصمت غريب، ولم يلبث أن هزّ رأسه وكأنه يعترض على شيء ما مع نفسه، ثم نطق بعد ارتشافه قليلا من الحليب:
    - كيف حال وليد؟
    انبسطت ملامح الأم وهي تبتسم وتشرح بإسهاب:
    - اوه إنه في تحسن كبير ولله الحمد .. بدا اليوم سعيدا جدا، ولقد قضينا وقتا مسليا معا .. هممم أظنني بالغد سأُجلب له ...
    همهمت بتفكير جاد لما ستحضره، بينما أكمل إياد الطعام بشرود .. ابتسم ابتسامة واسعة حين التقت نظراته بأمه:
    - حمدا لله شبعت، سلمت يداكِ أماه.
    - بالصحة والهناء يا حبيبي.

    ×××

    منذ بواكير الصباح الأولى، نهضت من فراشها بنشاط وخلال دقائق كانت في المطبخ تعدّ لنفسها إفطارا خفيفا ..
    بعد انتهائها مسحت فمها بمنديل ورقي وهي تتمتم بالحمد .. ومجددا مارست طقسها الأزلي بزيارة تلك الغرفة ذات الأثاث الأبيض والذي خاصمها ابنها بدر في إحدى المرات بداخلها، لأجل احتفاظها بأغراض وليد الشخصية فيها ..
    بعد أن تأملت ملامح وليد مليّا، أعادت الصورة إلى الخزانة الخشبية ثم اتجهت إلى النافذة وفتحتها، ومن مكانها هناك بين الهواء المنعش والستائر التي تتراقص بخفة على إيقاع النسمات اللطيفة، أخذت نفسا عميقا وابتسمت في وجه السماء .. إنه موعد الزيارة اليومية ..
    حين فتحت باب المنزل لتغادر فوجئت برؤية الشخص الذي خلفه، كانت يده ممدودة لقرع الجرس لكنه لم يعد بحاجة لذلك، ابتسم ببلاهة وهو يقول:
    - مرحبا أمي، إنه أنا إياد مجددا. 

    ×××

    الغرفة نفسها، لم يتغير موقعها أو تختفي من المنزل، لكن الجديد أنها كانت خاوية على عروشها!
    بالأمس فقط كان الوضع مختلفا ..
    لقد أجّلت موعد الزيارة إلى المساء نزولا عند رغبة إياد الذي أحبّ مفاجأتها بنزهة صباحية خفيفة، ثم تعود وتُصدم بهذا المشهد!
    دارت الأم بنظراتها في أرجاء المكان قبل أن يستقر بصرها على معاذ الذي تجهل مدّة تواجده في البيت .. لا بد وأن له يدا فيما حصل .. علامات الاستفهام المطلّة من عينيها بدت أبلغ من أي سؤال .. مسحت وجهها بباطن كفها ثم حدّقت بابنها ثانية باستنكار ودهشة:
    - من فعل ذلك؟ أين صورة وليد؟ أين ثيابه؟
    أخذ معاذ نفسا عميقا قبل أن يقول:
    - تصدقنا بها لأن وليد لم يعد بحاجة إليها، والأغراض التي بلا فائدة تخلصنا منها
    - تخلصتم منها؟!!
    هكذا وبكل بساطة تُتلف ذكريات عمر بأكمله!
    - إنه في عالم آخر مختلف عن ما نعرفه.
    حملقت به دون أن تعي كلماته:
    - ماذا سأقول له إن جاء ولم يجد مقتنياته الخاصة؟
    زفر الابن بتوتر وهو يمسّد جبينه:
    - لن يأتِ ولن تتمكني من مخاطبته أبدا
    - ولماذا؟!
    خرجت الحروف من لسانه كئيبة وباهتة كأبهت شيء في الحياة:
    - لقد مات يا أمي .. مات منذ عشرين عام!
    هزّت رأسها عاجزة عن التعبير ..
    ابناؤها لا يفهمون شيئا، لقد اعتقدت في البداية أن ولدها البكر قد تُوفي حقا، لكن تم إيجاده فيما بعد داخل قبو مظلم، يتكئ بظهره على أحد جدرانه الرطبة، وحيدا لا يآنسه شيء سوى ذراعان بشريتان تحيطان به وكأنهما ترغبان باحتوائه، كتلك الأيادي التي كذّبت تورط ابنها في بترها وقتل أصحابها .. وفي أحيان كانت تُصدّق ذلك مع الأسف .. المهم أنهم أخبروها أن وليد على قيد الحياة وسيذهب في رحلة طويلة لتلقي العلاج اللازم ثم سيعود .. لذا آمنت طوال الوقت أنه سيعود، والآن يسلبونها إيمانها وذكرياتها الثمينة دفعة واحدة!
    رقّت نظرات معاذ وداهمه الحزن لأجل والدته، لقد خرجت باطمئنان في نزهة مع إياد دون أن تدرك مخططاتهم .. بالطبع ما كان ليقدم على هذه الخطوة الخطيرة لولا سؤاله لأحد المختصين، فوالدته لم تُقْبل بشكل جِدّي على العلاج لأنها لا ترى نفسها مريضة أساسا .. زياراتها المتكررة لابن الجيران الصغير وليد منذ دخوله المستشفى قبل أسبوعين وإلى يوم الأمس، تبدو بادرة إنسانية طيّبة للآخرين لكنها كانت تستنزف أبناءها كثيرا، لأنهم يدركون السبب الحقيقي وراء هذا التعلّق ..
    - لقد أخبروني أنه سيتعالج ثم سيعود!
    نطقتها بصوت متحشرج ورعشة خفيفة تسري في أوصالها
    تلاقت أنامل معاذ بحركة خاطفة، وبذات السرعة فصلها عن بعضها وهو يتنهد بعمق:
    - لا يا أمي .. لقد كنتِ تتخيلين ذلك طوال الوقت
    كعواصف عاتية تنطلق عبارات ابنها وتقتلع كل شيء جميل بداخلها!
    - إنه بحاجة إلى دعواتكِ الآن.
    توسع بؤبؤاها بصدمة كبيرة والرياح العنيفة لا زالت تلعب بها كغصن يتيم نفضت عنه الحياة يديها!
    رغم أن ذلك بدا مؤلما لأبعد مدى، إلّا أن الابن آمن أن هذه هي الخطوة الأولى التي ستبعد والدته عن تخبطها .. لا بدّ أن تدرك أنّ تعلقها المخيف بالماضي يجذبها كالدوامة، ومن ثم يلزمها عدم الهلع والسباحة عكس التيار كي تنجو، وإلا فالغرق المميت هو ما ينتظرها! 
    - أمي!
    هتف بقلق وهو يمسكها في الوقت المناسب قبل أن تسقط .. اقتادها لحجرة نومها كي تنال قسطا وافرا من الراحة، ولم يعلم أن هذه الكلمة قد اختفت من حياتها نهائيا .. ولفترة ظلّ صامتا قبل أن يواسيها بأسلوب ليّن، وشاركه في ذلك توأمه إياد الذي قدم لتوه .. كان الأخير يحاول تحاشي النظر إلى والدته قدر المستطاع، فعيناها تلومانه على استغفاله لها بتلك الطريقة، وهذا يعذبه رغم أنه لم يقصد سوءا .. ابتلع رمقه ونهض قائلا:
    - سأذهب لشرب الماء
    بمجرد أن وضع الكأس الزجاجي داخل الحوض ارتفع النداء لصلاة المغرب، لم يرغب الشقيقان بترك والدتهما بمفردها، لكنهما اطمأنا لكونها قد نامت أخيرا بعد جهد جهيد ..
    وفقط حين عادا عقب انتهاء الصلاة استوعبا  أنه تمّ خداعهما وبجدارة!
    فوسط تلك الزوايا المظلمة لم يجدا أي أثر للأم في المنزل
    .
    .

    وكانت وُجهة الأخيرة -التي لا يعرفها الأخوان- إلى إحدى العيادات النفسية بالعاصمة، كي تقابل والد أبنائها الذي انفصلت عنه منذ سنين، منقادة وراء قلبها الذي يؤكد لها حقيقة واحدة لا غير "الخبر اليقين عند أبي وليد!"



  21. #100

الصفحة رقم 5 من 5 البدايةالبداية ... 345

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter