الـفـصـل الـثـانـى : ذكـرى أم نـسـيـان
~ صراخ ينطق بإسمى .. يستنجد بإسمى .. صوت مفزوع .. و كأنه طائر وقع من عشه ، تحيط به الغربان .. وجه مرعوب .. و ملامح ، لطالما احببتها .. الآن أراها فزعة و كأنها تتصارع مع لحظاتها الأخيرة .. و تصرخ بإسمى للمرة الأخيرة .. فجأة ، يدوى صوت مفزززع .. يتناسب مع اللحظة التى أصرخ انا بها " ريليييناااااااااااااااااااااااا "
انتفض من فراشى مذعوراً .. محاطاً بذرات العرق ، أنفاس ساخنة تحيطنى .. كان حلماً .. مجرد حلم .. لماذا لا يزال يراودنى ! .. اكاد أموت هلعاً .. لماذا تصر الذكرى على البقاء امامى ، و إعادة شريطها مراراً و تكراراً ..
أتنفس بقوة .. صدرى يعلو و يهبط بعنف .. اتذكر كلمتها الأخيرة ، لا تزال تؤلمنى أكثر من ألم الذكرى نفسه .. كانت .. فقط ، تصرخ بإسمى .. و أنا لم استطع إلا المرور بأسرع ما لدى .. لم أستطع إلا تجاوزها .. و تركها ، و انا لا أعلم ما سيحل بها .. وحيدة ..
اجل .. لم يكن الإنفجار فى السماء .. كان خلفى مباشرة .. كان امامها مباشرة .. لماذا .. لمااذااااااا .. !
اغطى فمى بيدى اليمنى ، و عينى تكاد تقفز من مكانها .. اتذكر صراخها .. اتذكر إسمى ، امسك رأسى بكلتا يداي ، تكاد تنفجر .. انفاسى تتزايد و تتسارع معاً ، انفاس ساخنة تخرج من شعبى الهوائية .. و أخرى باردة تحل محلها ، ارفع خصلات شعرى المتساقطة على جبينى و اطراف عينى .. قطرات العرق تخالطها ، و تتساقط بعضها على غطاء الفراش ..
لا أزال أتنفس بعنف ، و صدرى لا يزال يعانى أنفاس دخيلة .. مفزوعة .. مُفزِعة ..
أحاول تهدئة نفسى قليلاً .. لا بأس ..
أبقى على نفس وضعيتى لبضع دقائق ، ثم تسترخى يديّ كلتاهما و تهبطا بجانبى .. أترك رأسى لتعود لمكانها على الوسادة ، و أغطى بذراعى الأيمن كله جبينى و عينى .. دقائق قليلة و ألتفت نحو الساعة المعلقة بجانبى .. لا يزال هناك بعض الوقت ، فلأنم قليلاً .. علَ النوم يطغى على جفونى ، و ليمر ما تبقى من الليلة بسلام ..
~ * ~
الكثير من المحلات التجارية .. و الكثير من المارة و الزبائن ، اصواتهم لا تكاد تنقطع .. الشمس ترسل أشعتها على كل المنطقة ، و الضوضاء لها وقع مميز ، و كأنها أنغام يسير على وقعها المارة ..
من الوهلة الأولى لا تستطيع تبين فى أى مدينة أنت .. حيث الوجوه بلا ملامح واحدة ، بل تكاد ترى بشر من كل الألوان و الأجناس.. و لكن عندما تدقق النظر فى الطراز المعمارى المحيط بهم ، من طراز للمحال التجارية و تلك البنوك العديدة المنتشرة بطول المنطقة ، تكن على يقين أن هذا الشارع ما هو إلا أحد أحياء الأسكندرية العتيقة ، الذى لا يزال يحتفظ بمعماره اليونانى القديم العبق..
بوسط الحشد تسير فتاتان فى بداية مرحلة الشباب ، تخاطب إحداهن الأخرى قائلة :
- " لا فائدة ، لا تحاولى اقناعى يا هايلد ، لن أرحل من هنا حتى أجد الثوب الذى أريد "
هتفت الأخرى : " اخبرتك يا كاثرين ، لا أظنه من السهل البحث فى كل تلك المحال وسط هذه الحشود .. لم أعلم ان الأسكندرية تعج بالسياح لهذه الدرجة "
عادت كاثرين تهتف : " تعالى نرى هذا المحل "
سحبتها من يدها للداخل فى حين تابعت هايلد حديثها : " حسناً حسناً انا قادمة .. و لكن رفقاً بيدى ، لا أزال أحمل كل حقائب التسوق وحدى "
تبعتها للداخل متابعة حديثها : " لو كنت اعلم بهذا الزحام لأجلت السفر لفصل الشتاء "
هتفت كاثرين مشيرة إلى احد الأركان : " هااااااايلد .. إنظرررى .. اخبرتك اننى سأجد ما أريد .. "
إقتربت من بعض الأثواب و بدأت بتفحصها و تقليبها و إنتقاء الألوان التى تروقها ، و بينما هى منشغلة بتلك الأثواب إذ بهاتف هايلد الخلوى يبدأ بالرن بشكل متواصل ، اخرجته من حقيبتها ، و ما إن تظرت إلى المتصل حتى اجابت بابتسامة و لهفة : " نوووووووين .."
- " مرحباً هااايلد .. كيف حالك .. "
أجابت هايلد بإبتسامة واسعة و إن لم تخلو من ملامح مُريبة : " انا بخير .. كيف أنتٍ ؟؟ "
أجابت نوين بنبرة هادئة : " بخير.. مضى الكثير منذ اخر لقاء لنا "
تنهدت هايلد هاتفة : " اجل ، مضى الكثير ..و لكن ، كيف حصلتٍ على رقمى ؟! أنا لست فى سانك الآن ..؟؟ "
هتفت نوين ضاحكة : " ديو لم يبخل علي به .. "
أجابت هايلد : " كان علي أن أتوقع هذا .. أخبرينى ، كيف حال ريلينا ، أهى بخير ..؟؟؟ لا تعلمى كم انا قلقة عليها .. كيف أحوالها ..؟؟ "
هتفت نوين : " لهذا السبب أحادثك يا هايلد .. "
هايلد بقلق باد : " نوين اخبرينى ما بها ريلينا ، أبها شئ ما ..؟؟ "
تنهدت نوين : " لا .. هى بخير لا تقلقى .. فقط .. "
صمتت لبرهة قبل أن تتابع : " لا أريدك أن تقلقى .. و لكنى أرى أن وضعها ليس جيداً أبداً ، أصابتها إغماءة منذ يومين ، و الأحلام لا تزال تطاردها .. مع عدم رغبتها فى التحدث بهذا الشأن ، و ليوناردوا لا يزال يكتم الكثير بنفسه .. لا أرى أى تقدم يا هايلد و لا أدرى ما يتوجب فعله ، أرى حالتها تسوء يوماً بعد يوم .. و أحاول حتى التماسك أمامها و امام ليوناردوا .. و لكن لن يطول الأمر حتى ينهار كل شئ .. فكرت فى أن حضوركم سيجعلها تتحسن كثيراً .. "
هتفت هايلد بصوت مبحوح : " نوين .. تعلمين أن حضورنا سوف .. "
قاطعتها نوين : " أعلم ذلك يا هايلد ، و هذا ما كنت أتمنى أن يحدث منذ شهور ، و لولا منع ليوناردوا لى لكنت تصرفت بدلاً من هذا الصمت الذى يحوم الجميع حوله .. هايلد أنا حقاً لا أعلم إلى أين سنصل ، عاجزة عن المساعدة .. ما ذنبها ريلينا ! ، المسكينة .. ليتها تعلم ..! "
صمتت هايلد تشارك نوين القلق قبل أن تهتف : " نوين .. أقدر كل ما تقولينه .. و لكن ، لا تستطيعين لوم ليوناردوا .. لو كنت مكانه لفعلت ما يفعل ، سأخبرك شيئاً .. سآتى أنا و باقى الأصدقاء .. و لكن ، تولى أنتِ أمر ليوناردوا .. أعلم أنه ليس من الصعب عليكِ التعامل معه ، على الأقل سآتى أنا و كاثرين فقط .. فقط حاولى معه ، أرجوكِ نوين .. "
هتفت نوين بشئ من الأمل : " حاولت .. لايزال يعاند ، و لكن سأحاول من جديد "
أردفت هايلد بشئ من الإطمئنان : " لا تقلقى يا نوين ، سيكون كل شئ على مايرام .. "
تنهدت نوين بإرتياح مرددة : " شكراً جزيلاً يا هايلد .. "
أنهت هايلد المكالمة و إلتفتت نحو كاثرين التى لا تزال منغمسة وسط الأثواب بحيرة ، لتهتف : " ماذا كاثرين ، ألا تزالى مصرة على شراءه ..؟ "
رفعت كاثرين رأسها بإبتسامة واسعة ، مرددة : " وجدته يا هايلد .. اللون البنى رااائع ، اظنه سيناسبنى كثيراً ، أنظرى كم يبدو رائعاً .."
ابتسمت هايلد ضاحكة قائلة : " حسناً كاثرين ، هلا إشتريته الآن علنا نجد طائرة هذا المساء "
إلتفتت كاثرين إليها بإهتمام : " طائرة ..!! إلى أين ..؟؟ "
هتفت هايلد بنظرة صامتة : " إلى سانك .. "
~ * ~
حجزت هايلد مقعدين على أول طائرة متجهة لعاصمة الشمال فى اليوم التالى ، و كلما اقترب موعد وصولهم ازدادت الفتاتان قلقاً على صديقة حرموا من رؤيتها ، و أخذهم التفكير فيما يتوجب عليهم فعله ، و فضلوا الإنتظار حتى يتم اللقاء الحميم بين باقى الأصدقاء ..
حطت الطائرة فى مطار العاصمة مدينة الشمال .. و هبطت منها الفتاتان ، و أول ما فعلتاه هو التوجه الى كافيتريا المطار ..
كاثرين و هى تتحدث بهاتفها الخلوى : " أجل ، كما اخبرتك .. نعم .. نعم .. لا ، أنا و هايلد فقط .. حسناً لا بأس ، نحن فى مقهى المطار الآن .. حسناً ، أجل وصلنا للتو .. لا بأس ، اسرعى .. سننتظرك .. الى اللقاء "
وضعت كاثرين هاتفها على الطاولة و أمسكت بكوب العصير و بدأت ترشف منه بقلق ، وجهت هايلد نظراتها القلقة نحوها متسائلة : " ما الأمر ، هل ستأتى ..؟؟ "
كاثرين : " أجل .. ستصل بعد خمسة عشر دقيقة ، ترجو منا ان ننتظرها "
هايلد : " و ما ظنك بما يتوجب فعله ..؟؟ "
كاثرين : " أمرى أمرك ، لا أكاد أتبين ما الفعل الصحيح الذى يجب أن نختاره !! "
هايلد : " فلننتظرها إذن "
مرت دقائق سريعة ، قبل أن تقترب فتاة بعمرهم من الطاولة التى يجلسن عليها ، تلوح بيدها عالياً مبتسمة و مسرعة الخطى نحوهم ، تلمحانها كاثرين و هايلد و يلوحن بأيديهن مسرعين نحوها ، متعانقين و مستقبلينها بالأحضان و الأشواق ؛
" حقاً إشتقت إليكم كثيراً ، لا تتصوروا كم مضى على أخر لقاء لنا ، لا أكاد اتخيل كيف مرت تلك الشهور دون رؤياكم "
قالتها نانسى ذو الشعر الأسود متوسط الطول و العيون الزرقاء الكريستالية و هى تتخذ لها مقعداً على نفس طاولتهم ..
هايلد : " اشتقت اليكِ ايضاً .. كنت أنوى أنا و كاثرين اصطحابك و السفر خارج المدينة لبعض الوقت ، و لكن لم تكونى فى سانك .. كان لدى زيارة عمل لمقر الشركة التى أعمل بها ، المقر بالأسكندرية ، إستغللت الفرصة أنا و كاثرين و استمتعنا هناك لبعض الوقت "
نانسى : " هذا رائع ، أنا بالفعل لم أكن بسانك .. رحلت إلى استراليا من أجل سلسلة حفلات غنائية .. و مكثت هناك إسبوعين ، عدت منذ يومين فقط .. أخبرونى ، ما أخبار كل الأصدقاء ، اشتقت إليهم جميعاً "
هتفت كاثرين : " إن كنتِ تعنين ديو و تروا و كواتر ، فهم فى أحسن حال .. أظن ذلك ، ديو يعمل فى شركة كبيرة و مقرها هنا فى سانك .. أخبرنى بإسمها و لكنى نسيته .. و تروا ايضاً ، كان يعمل فى فرع أخر لنفس الشركة و لكن أظنه انضم للفرع الذى يعمل به ديو مؤخراً ، و يود لو يستقر هنا فى سانك "
تابعت هايلد عنها : " اما عن كواتر فهو يتنقل كثيراً بين المدن و القرى الفضائية ، لا يزال منشغلاً بمصانع و شركات عائلته ، و لا يزال مهتماً بتطوير افرعها العديدة "
صمتت قليلاً و أكملت : " و لا شئ نعلمه عن البقية .. "
هتفت نانسى بهدوء : " أنا رأيت وفيه منذ شهر و نصف ، وفيه خرج إلى القرية الفضائية l-04 و لا يزال هناك منذ شهرين مضيا .. و لم يعد إلى الآن ، أظنه قد استقر هناك و لو مؤقتاً ، و أمضى معى كواتر بعض الوقت فى استراليا .. أظنه وجدنى مصادفة .. "
صمتت بقلق ، لتتابع كاثرين بنبرة حزينة : " و هيرو ، لا نزال لا نعلم ما أصابه .. "
أتمت هايلد : " و ليس لأحد منا الجرأة على الإقتراب من ذاك الحديث معه ، ترون كيف تفتت جمعنا و تفرق شملنا جميعاً.. "
نظرة صمت سيطرت على الأجواء ، و لحظات شاردة لا تعى ما يكون وجودها ، صمتت الاجواء للحظات قليلة قبل أن تقوم نانسى واقفة ، موجهة أنظارها نحو الأعلى قائلة : " لا بأس يا أصدقاء ، هونوا عليكم .. رفقاً بحالنا ، إن كان الوضع الراهن لا يروق لكم .. فعلينا فعل شئ .. و أنا سأخبركم ما سنبدأ به "
صمتت للحظة و هى تعيد أنظارها نحو صديقتاها متابعة : " علينا التوجه نحو الأميرة الوحيدة ، علها فى صراع و أشواق لا تكد تعيها ولا تتذكرها .. "
ما إن أتمت كلامها ، حتى تهلل وجه هايلد و كاثرين ، صائحات : " أحقاً !! ، هل أنتٍ جادة ..؟؟ "
ابتسمت نانسى بثقة و أجابت : " أجل ، كل الجدية .. و لكن ، فى طريقنا إلى هناك ، هناك مكان علينا الذهاب إليه اولاً .. "
ابتسمت الفتاتان الجالستان بسعادة ، و قامت احداهن تلتها الأخرى ، ممسكة كل منهما بحقيبتها مبتسمات ، لتهتف هايلد : " فقط سنتوجه نحو البيت لنضع حقائب السفر تلك ، لا تنسى أننا عدنا للتو من الخارج "
نانسى : " لا أظنها فكرة جيدة ، أريدكم كما أنتم بحقائبكم "
ابتسمت الفتاة ابتسامة ذو مغزى ، استدارت حاملة حقيبة يدها ، ملوحة لهن قائلة : " هيا لا تتأخرن ، السيارة تنتظرنا بالخارج "
ولا تزال الإبتسامة مرتسمة على وجهها..
~ * ~
كان الوقت باكراً عندما عتبت نوين مكتب ليوناردوا بهدوء دون أن تطرق الباب .. بنظرة باسمة هادئة رآته واقفاً مولياً الباب ظهره ، مستنداً بيد على الباب الزجاجى الكبير الذى يطل على جزء من الحديقة الكبيرة ، و يده الأخرى فى جيب بنطاله.. كان جلياً على مظهره الشرود ، لم تشأ أن تقلقه و لكن احبت أن تشاركه شروده ، اغلقت الباب من ورائها بلطف و توجهت نحوه بخطى هادئة ..
لم يشعر إلا بيد تحنو على كتفه ، عرف من تكون ، فمن غيرها يملك هذا الحنان الهادئ الذى يُذهِب الهم ..!
ابتسمت إليه عندما أدار عيونه نحوها و همست : " أأفزعتك ؟ "
ابتسم بهدوء مجيباً : " أبداً "
انطلق صوتها بهمسه الناعم : " لا تزال تشرد وحيداً يا زيكس .. "
- " و ما تريديننى أن أفعل يا نوين .. ؟"
ظهرت نبرة الحيرة الحزينة فى كلامه لتتحرك هى خطوتين بعيداً عنه مجيبة : " فقط عندما تريد الشرود بعيداً أخبرنى و لنشرد سويا "
ضحك ضحكة خفيفة قائلاً : " حتى الشرود يا نوين تمنعيننى منه "
ابتسمت ضاحكة : " لا أمنعك يا زيكس .. فقط أشاركك ، أم أنك تفضل التخلص من مشاركتى لك ؟ "
التفت نحو مكتبه متضاحكاً : " لا بأس سأخبرك المرة القادمة فلا تقلقى "
ابتسمت و تحركت بضع خطوات نحو المكتبة العريضة التى تستقر بإحدى الجوانب هاتفة : " فلندع الشرود الآن و لأخبرك بما جئت لأجله "
أجابها و هو يجلس إلى كرسى المكتب الوثير : " كلى آذان صاغية "
أمسكت بكتاباً من المكتبة و فتحت أولى صفحاته ، و بدأت حديثها قائلة : " أعلم أنك إخترت طريقاً و فرضته على الجميع ليتبعه ، شاءووا أم أبوا .. كان عليهم ألا يخالفوا فعلاً أنت اخترته ، و احتراماً لرأى أخذته .. و ما كانوا ليفكروا فى معارضتك .. و لكن ، هناك بعض الأصدقاء يبدو أنهم عازمين على زيارتنا .. و ليس بعزم واهن ، بل جادين فى زيارتهم "
ظهرت معالم الجد على وجهه قائلاً : " أصدقااء !! .. و من وجهّ لهم دعوة لزيارتنا ..!!؟ "
أجابت بهدوء : " لم يعتدوا أن الأصدقاء بحاجة لدعوة ، لزيارة صديقة فرق بينهم الكثير "
بدا الإنزعاج على وجهه قائلاً : " قلتِها بنفسك يا نوين .. فرق بينهم الكثير "
أجابت بهدوء و هى تقلب بعض الصفحات من الكتاب : " أجل ، و لكن ربط بينهم أكثر مما فرق "
لحظات قليلة مرت قبل أن تتابع حديثها : " أعلم أنك لن توافق على مقابلتها لهم .. و لكن أرجوك يا زيكس ، إسمعنى جيدا هذه المرة.. "
صمتت للحظتين مغلقة الكتاب الذى بين يديها ، متوجهة نحو مكتبه ، تركت الكتاب على طرفه و تحركت بضع خطوات نحو كرسيه الذى يجلس عليه ، إلتفت اليها بكرسيه حتى أصبح مواجها لها ..
تحدثت بهدوء الواثق قائلة : " لا أنكر يا زيكس أن خوفك على ريلينا يدفعك لفعل ما لا يخطر على بال احد ، و لكن عليك ان تنتقى الفعل المناسب .. فقط كى لا تضيع من بين أيدينا يا زيكس ، ريلينا ما تزال صغيرة السن ، لينة القلب ، طرية الحلم .. لا نريد لهذه الزهرة البريئة أن ينطفى شعاعها قبل أن تزهر للحياة .. زيكس ، لا تظن أنك تحب ريلينا اكثر منى ، فكما هى أختك ، تعلم جيداً أننى أخاف عليها و أهتم لأمرها كما أهتم لأمرك .. و لولا تعلقى بكم ما كنت لأضحى بحياتى كاملة فى خدمتكم .. و هذا هو الشئ الذى أشعر اننى ولدت لأجله .. "
صمتت للحظات تتبين ملامحه و أكملت : " ريلينا لا تزال تعانى يا زيكس ، كما أنك لا تزال لا تستطيع أن تنسى ولا أن تسامح .. لا أقصد بهذا أن أذكرك بما مضى ، و لكن عليك مواجهة الحقيقة مهما كانت جارحة .. ريلينا بحاجة إلى رفقاء مثل أصدقائها ، لا تستطيع العثور على من هم افضل من هايلد و كاثرين و نانسى لصحبتها ، خاصة فى تلك الفترة العصيبة التى تمر ريلينا بها "
صمتت للحظات ، أدار فيهم ليوناردوا وجهه بعيداً عنها يخفى نظرة حزينة عميقة .. سألها بهمس به حزن دفين : " نوين ، هل أنا مخطئ منذ البداية ؟؟!! "
اقتربت خطوة منه هامسة : " أبداً ، لست مخطئاً يا زيكس .. و لكن فقط ، هل ترى النهاية ..؟؟ عليك فقط أن ترى إلى أين تقود نفسك و من تحب .. لماذا تحاول تجاهل حقيقة ستنكشف إن عاجلاً أو آجلاً "
تنهد ليوناردوا بهدوء و اضطراب .. رجع بكرسيه للخلف قليلاً ، ثم قام واقفاً و استدار نحو النافذة الطويلة و همس : " لا بأس يا نوين .. لا بأس أن تحضر صديقاتها .. و لكن ، أرجوكٍ ، لا تعرضيها لأى ضغط نفسى .. "
صمت للحظات قبل أن يعود يهتف بنبرة مختلفة تماماً : " لا تجعلى أحدهم يتحدث عنه أمامها ، تعلمين من أقصد.. "
تهللت ملامح نوين الهادئة ، متجاهلة عبارته الأخيرة ، و مجيبة ببسمة مطمئنة : " لا تقلق يا زيكس ، لا تقلق ابداً .. فقط أترك الأمر لى "
التفت نحوها بملامح قلقة .. ما لبثت أن تحولت لبسمة شاكرة و إن خالطها بعض الشحوب ، إلا أنها تعنى لها الكثير ..
هتفت نوين بهدوء : " و الآن اعذرنى ، سأذهب لرؤية ريلينا قبل وصولهم "
إستدارت عنه حالما سمعا طرقاً على الباب ، سمح ليوناردوا بالدخول ، ليخطو أحدهم للداخل مبتسماً هاتفاً : " هل جئت مبكراً ؟؟ "
أجاب ليوناردوا و هو يخطو نحو كرسيه جالساً : " أبداً .. "
تقدمت نوين نحو ذاك الشخص خطوتين و هى لا تكاد تخفى دهشتها بقدومه مرحبة : " مرحباً فيليب .. "
التفتت عنهم مغادرة الغرفة ، مغلقة الباب من ورائها ، و متوجهة نحو غرفة ريلينا ..
~ * ~
يُتبع فى الرد التالى ~
المفضلات