بسم الله و الصلاة و السلام علي رسول الله
أما بعد
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لكي تكون انسان .. و لكي تعامل كإنسان .. و لكي تحصل علي وضعك في المجتمع الذي تعيش فيه .. تُري ما المطلوب ؟
ان تمتلك عين تري و لسان يتحدث و اذن تسمع و عقل يفكر ؟ .. فاذا كان هذه هي الاجابة .. فالاجابة الخاطئة .. بل ان
تمتلك قلبًا .. الانسان الذي يفكر بقلبه .. يصل الي الحقيقة .. يصل الي الارتياح .. حتي ان الدين كان مكانه القلب .. حتي
ان الله ينظر الي القلب لا الي صورنا و لا الي شكالنا .. فكم من أًناس كانت تفتقد الي بعض الحواس او شلل في الاعضاء
و حققت انجازات لم يحققها انسان يمتلك كل هذه النعم .
تربيت منذ الصغر علي اشخاص نحفظها اسمًا اسمًا .. تعلمناها في مناهجنا الدراسية .. عميد الادب العربي " طه حسين "
.. كان كفيفًا .. و لم يكن من اسرة غنية .. و لم يولد كفيفًا بل نتيجة الاهمال في وقتها تحول مرض في العين الي ان تضيع
منه نعمة الابصار .. و لم يتم الانفاق عليه مثلماً قد ينفق علي ابن احد الاسر المتيسرة مادياً .. كيف تفوق علي كل من في عصره
.. و اخذ هذه المكانة بينهم ... فلقد اخذ الله منه نعمة الابصار .. لكن المأكد ان عقله ما زال موجود .. ما زال يستطيع ان يفكر
.. ان ينقد .. ان يبدع .. قد لا يري .. لكنه يستطيع التخيل .. ان يرسم صوراً بداخله .. ان يشعر بمن حوله .. و لم يكن فقدان نعمة
الابصار يعني انه لم يعد انسان او اصبح كشئ يلقي علي رف لا ينظر اليه احد .. و يغمره التراب .. بل ان نظرتنا الي الكفيف علي
انه منقوص هي فقداننا نحن للانسانية .. و عدم شكر للنعمة التي لدينا .. كل ما كان يحتاجه شخص كطه حسين منا .. هو ان
نقول له امامك كذا و كذا .. و هذا المبني يبدو كذا و كذا .. و هو قادر علي التخيل .. و يستطيع ان يري هذا بداخله .. كل ما
يحتاجه هو صديق .. مثل اي منا يحتاج الي صديق يعاونه و يقف بجانبه .. اي مثل اي انسان خلقه الله
مثلما كان للرسول صلي الله عليه و سلم صاحب مثل ابو بكر .. يشاركه كل شئ .. كما طمأنه الرسول في الغار ..
لا تحزن ان الله معنا .. تلك الكلمات التي انزلها الله في كتابه .. صديق يطمأن صديقه
و كم ذكر الله في كتابه ايضًا .. " عبس و تولى(1) أن جاءه الأعمى (2)و ما يدريك لعله يزكى(3) أو يذكر فتنفعه الذكرى "
لا فرق بين الأعمي و المُبصر .. بل ان الأعمي بقلبه قد يعي ما لم يعيه الاخر .. قد يحكم المبصر علي شخص ما من
مظهره .. او لان امراءة لييست جميلة قد لا يتزوجها .. و لو كانت بها من الصفات ما لم يوجد في اي امرأة اخري رآها
.. لكن الأعمي لن يحكم من المظهر بل سيرسم لها صورة بقلبه .. سيري الجمال الحقيقي .. و القبح الحقيقي
و عندها قد يكون هذا الاعمي لديه نعمه .. لا يمتلكها من ليس مثله من البشر و بهذه النظرة و الصورة التي يرسمها
بقلبه و خياله .. انسان بمعني الكلمة .. و لم تكن عينه لتسلبه انسانيته يوماً
اتذكر حين كنت مع صديقي في مسجد الحسين و بعد ان انتهت الصلاة اذا بأناس كبار في السن يجتمعون في دائرة
و يقرأون القرآن واحداً تلو الاخر في ترتيب .. مع وجود شيخ ازهري يتوسطهم .. يصحح لمن يخطأ .. و اذا بكفيف يقرأ
في مصحف مكتوب بطريقة التي يستطيع ان يقرأ من خلال الملمس .. و الجدير بالذكر ان كان يقرأ و يرتل كما كان يرتل الاخرون
.. لا يتوقف ببطأ .. بل كانه انسان يري و ينظر الي المصحف و يقرأ .. لم يكن هذا ما لفت نظري اكثر من وجود مسلمين
كُثر لا يقرأون هذا القرآن .. و هم يستطيعون القراءة .. و اذا كان عمر بن الخطاب قال " نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإذا
ابتغينا العزة بغير الله اذلنا " .. فحينها يجب التفكير هل من كان سبب في اذلال هذه الامة و انحطاطها بين الامم ؟ ..
هل كانوا كهذا الكفيف متمسكين بكتاب الله ام مبصرين ابتعدوا عن كتاب الله ؟ .. بل العجب ان الله اذا كان يرحم هذه
الامة حتي الآن .. قد يكون بسبب امثال هذا الكفيف الذي يتضرعون الي الله ليلاً و نهارا .. المشكلة لم تكن يومًا في
انسان يفتقد نعمة من نعم الله .. بل كانت في اناس اغرتهم الدنيا .. و يفتقدون القلب .. ينظرون الي الاشياء بشهواتهم
و ضرب احمد الشقيري لنا مثلاً في برنامجه خواطر في الحلقة التي صورها في اليابان .. و كيف الكفيف هناك يلعب الرياضة
و يمشي وحده دون مساعدة و يتحدث الانجليزية .. بل الاهم حين سأل شخص عن هواياته و كانت من هواياته القراءة ..
و نحن امة " اقرأ " لا تقرأ .. بل هناك بعضنا من لا يطيق ان يفتح كتاب و ينظر به اننا نفتقر حقاً ان نكون خير أمة اخرجت للناس
اننا نحتاج الي وقفة مع انفسنا .. و نفكر في احوالنا .. اننا بحاجة ان نكون حملة الرسالة بحق .. فهل و نحن بهذا الحال
نستطيع ان نقف امام الرسول في الاخرة .. و يكون فخور بما فعلناه من بعده .. اننا في امس الحاجة الي يكون لدينا قلوب
" إلا من أتى الله بقلب سليم "
ان امة تنظر الي اي انسان علي انه لا فائدة منه لافتقاده الي احد النعم هي امة فقدت معني الانسانية ..
بل هي امة بل قلب " فانها لا تعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور "
المفضلات