و ـ آداب عيادة المريض
المسلمون أخوة في دينهم، الذي وحد بينهم، وألف قلوبهم؛ لهذا كان لزاماً على الأخ أن يعمل بحقوق إخوانه؛ فيساعدهم إن احتاجوا ويكون عوناً لهم دائماً، كتفاً بكتف لنهضة هذه الأمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم".
ومن حقوق الأخ على أخيه، أن يعيده إذا مرض؛ ففي صحيح مسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "حق المسلم على المسلم ست وذكر منها : ... وإذا مرض فعده".
الإمام البخاري يقول: العيادة واجبة، وقال: إنها فرض كفاية؛ أي إذا قام به البعض سقط عن الكل.
وهذا ما يدل عليه حديث أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"أَطْعِمُوا الْجَائِعَ, وَعُودُوا الْمَرِيضَ, وَفُكُّوا الْعَانِي"، أخرجه البخاري في الصحيح، وأبو داود في سننه.
وروى الترمذي وابن ماجه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال أيضاً : "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
وذكر أن في السنة عيادة المريض سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهور العلماء، بقول ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع".
ولما كان الأمر بهذا القدر من الضرورة؛ فلم يترك ديننا الحنيف الأمر مفتوحاً لأهواء البشر، بل رتب فيه العديد من الآداب؛ لتقويم النفوس ولكي لا تكون عيادة المريض إثقالاً عليه عوض رفعها لمعنوياته ومساندته لمقاومة مرضه؛ فوضع الأساس التالي:
1. ضرورة اختيار الوقت المناسب؛ فيستحيل أن يقرر شخص عيادة صديق له مريض؛ فيزوره في أواخر الليل أو بكور الصباح!
2. أن يكون حضوره خفيفاً، قصير الأمد؛ فلا يقضي وقتاً طويلاً لدى المريض بحيث يزعجه أو يقلل راحته ويزيد إعياءه، خاصة لو كان المكان مزدحماً بالزوار.
3. أن يغض بصره عن حرمات أهل بيت المريض.
4. أن يسأل أهله عن حاله.
5. أن يطيب خاطره ويكثر له بالدعاء، ويصبره لما في الأمر من ثواب، ويحذره مضار الجزع والتذمر.
وفيما يلي اقتباس من خطبة للشيخ عبد الحميد بن جعفر:
ومن آداب زيارة المريض المسارعة إلى عيادته وهذا يفهم من قوله: "إذا مرض فعده".
وهناك أحاديث تدل على أن زيارة المريض تكون بعد ثلاثة أيام من مرضه لما رواه ابن ماجة والبيهقى قال: "كان النبى لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث".
فإذا لم يكن المرض خطير يخشى على المريض من جرائه الموت ولم يتأذى من الزيارة تكون الزيارة مباشرة.
أما إذا كان المرض عاديا فتكون الزيارة بعد ثلاث، و|لا يترك بحسب سعة حال المريض وبحسب ما تمليه الظروف من سرعة فى العيادة او تأخيرها بعد ثلاث أيام.
ومن السنة تخفيف العيادة ولاسيما عند ضعف المريض أو عند كثرة الزوار أو عند ضيق المكان، ويكون الدخول |لى المريض بحسب حالته واحتياجه لما روي عنه عند الحاكم أنه قال: "زر غبا تزدد حبا".
ومن أعظم ما يهدى للمريض عند الدخول عليه الدعاء له، لا تهريب ما منعه الأطباء منه من شراب أو غذاء، لاسيما إن كان محرما كدخان أو نحوه.
ويفعـل الزائر كما كان يفعل النبي يمسح يده اليمنى عليه ويقول: "أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما"، أو يقول سبعا: "اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك"؛ عن ابن عباس عن النبى قال: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض"، رواه أبو داود.
ومما يهدى إلى المريض تذكيره بوصية النبي في الاستشفاء فقد جاء عثمان بن أبي العاص إلى النبى يشكوه وجعا فى جسده فقال له: "ضع يدك على الذى يألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"، رواه مسلم.
ومن الود والأدب أن يسأل المسلم أهل المريض عن حاله، فقد سأل الناس عليا لما خرج من عند النبي في مرضه فأجابهم على بقوله: "يصبح بحمد الله بارئا".
قال رسول الله: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك عدته لوجدتني عنده"، رواه مسلم.
ويستحب قعود الزائر عند رأس المريض، ويستحب تطييب نفس المريض بالشفاء العاجل والعمر الطويل: "إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في أجله - بطول العمر- فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب بنفسه"، رواه ابن ماجة والترمذي.
ويقال له: "لا بأس طهور إن شاء الله تعالى".
طلب الدعاء من المريض: "إذا دخلت على مريض فمره أن يدعوا لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة"، رواه ابن ماجة والنسائي.
تذكيره بلا إله إلا الله عند الاحتضار.
"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
"من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة".
ز ـ آداب الجوار
لقد أشفق الله على عباده فوضع لهم دين حق ليسيروا عليه، وبين لهم كماله ليعرفوا بنعمه، وكان من أهم ما أقره الدين الإسلامي هو ضرورة التآخي بين المسلمين؛ وهذا ليوضح لنا أن يداً واحدة لا تصفق ولا تبني، والعصا يسهل كسرها إن لم تكن رفقة أخريات، وجميعنا طبعاً نعرف أن الذئب لا يأكل إلا من غنم قاصية، لا رفيق لها ولا معين.
وحسن جيرة كل إنسان مع آخر لهو من أسمى صور التعاون والأخوة.
ولقد أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجيران حتى سابع جار، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ...﴾(النساء:36).
وقد روي عن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم -: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمه".
ولشدة ما كانت الوصية بالجار تتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فمن قصر في حقه عداوة أو بخلا فهو آثم".
وقد وضع الإسلام آداباً خاصة لتسود المحبة بين الجيران، ومنها:
1. اختيار الجار الصالح؛ فيجب أن يعرف المرء خلق سكان المنطقة التي ينوي العيش فيها؛ لأن أكثر من سيساعد المرء في ضيقة هو الجار؛ فهو أقرب الناس له من حيث المسافة، والتي قد تفصل في حياة المئات - ما شاء الله ذلك -، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنئ. وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق"؛ أحمد (1/168 ) وابن حبان (4021) إحسان. وأبو نعيم في الحلية (8/388) والبيهقي في الشعب (9556، 9557) عن سعد. صحيح الجامع (887). وقد قيل في الأمثال: الجار قبل الدار.
2. أن يحب لجاره ما يحب لنفسه؛ وهذا الحق واجب على أخ لأخوه، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده. لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره مايحب لنفسه"، مسلم (45).
3. عدم أذية الجار بالقول أو بالفعل، وأذية الجار محرمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره"، البخاري(6018).
4. الإحسان إليه، في كل أم ممكن ومتى استطاع دائماً؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت"، مسلم (48) عن أبي شريح وأبي هريرة، وأخرجه البخاري بنحوه في الصحيح، وبمثله في الأدب المفرد، انظر صحيح الأدب المفرد(75/102).
5. تحمل أذاه والصبر عليه، يقال: ليس حسن الجوار بكف الأذى عن الجار، ولكن بتحمل أذاه؛ والذي بالطبع يكون عن طريق الإحسان إليه ومقابلة السيئة بالحسنة، وهذا واجب على المسلم مع جميع الناس سواء أكانوا إخوته من المسلمين أو حتى غير المسلمين.
6. مواساته بالطعام، وخاصة إذا كان فقيراً، ولعلنا سمعنا دائماً من جداتنا بل وحتى أمهاتنا حديثهن عن الماضي وكيف كن يتشاركن الطعام مع غيرهن بل وحتى يؤثرنهن على نفوسهن، والواجب أن يعطي الرجل جاره من الطعام وألا يحتقر القليل منه أو يشعر أنه سيظهر بمظهر بسيط لو قدم له جزءاً يسيراً، وأن يمتنع عن شراء ما لذ وطاب لأبنائه، ويتركهم ليأكلوه أمام أبناء جاره لو كانوا فقراء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه"، الطبراني، في الكبير (12/154/ح12741) والحاكم(4/167) وصححه، ووافقه الذهبي، والبخاري في المفرد (ص20ح82) والبيهقي في الكبير (10/3) وغيرهم، من حديث ابن عباس. السلسلة الصحيحة برقم (148). وقال أيضاً: "إذا طبخ أحدكم قدرا فليكثر مرقها، ثم ليناول جاره منها"، قال في المجمع ( 08/165): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش. وثقه ابن حبان، وضعفه غيره. وبقية رجاله ثـقات ) أ هـ. وأبو ورده الألباني في صحيح الجامع برقم(676). وأما في احتقار الشيء البسيط قال ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فر سن شاة"، البخاري (2566،6017) ومسلم(1030).
7. تقديم المعونة له إن كان بحاجة إليها والسؤال عنه دائماً؛ حيث يجب عليه أن يتفقد أمره ويسأل عنه، فإن عثر عليه بحاجة إلى مال فعليه مواساته به وهذا حق من حقوق الأخوة في الإسلام وحق الجار أعظم من ذلك، وليس شرطاً أن يكون معلناً حاجته تلك، بل يتقدم الأخ المسلم بالمساعدة لجاره من دون أن يسأله إياها؛ فيبحث عنه عندما يلاحظ اختفاءه أو يستفسر إذا انتبه لتغير عادة من عاداته، ولا يخفى على أحد منا قصة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع جاره الكافر الذي ما فتأ يضع الشوك وغيره في طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل يوم، حتى إذا انتبه الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى اختفائها مرة سأل عنه، وزاره عندما علم أنه مريض مرض موته؛ فأقنعه باعتناق الإسلام.
8. مشاركته الفرح والحزن، وهو من واجب الأخ على أخيه والجار أولى به؛ فيعوده في مصيبته ويطيب خاطره، ويزوره في فرحه ويشاركه إياه بصدق وكل هذا ما دام يخلو من معصية الله، ويحذر المسلم من زيارة جاره في فرحه فقط والتخلي عنه في مصائبه.
9. أن يعرض عليه مسكنه لو أراد الانتقال عنه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له أرض فأراد بيعها فليعرضها على جاره"، ابن ماجه(2493) وغيره، عن ابن عباس. صحيح ابن ماجه(2022)؛ وهذا طبعاً للتخفيف عنه وليس لينتقل الأمر إلى عداء كما يحصل مع بعض الناس هداهم الله - سبحانه وتعالى -.
10. ألا يمنع جاره من غرسة خشبة في جداره، إذا احتاج الجار إلى ذلك، فينبغي أن يسمح له بغرس هذه الخشبة، ولا يمنعه من الانتفاع بها فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره"، البخاري (2463) ومسلم (1609) عن أبي هريرة؛ ثم قال أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين ؟ والله! لأرمين بها بين أكتافكم أي لأصرحن ولأحدثن بها بينكم مهما ساءكم ذلك وأوجعكم.
11. احترام وتعظيم حرمة الجار وعدم خيانته، ويتضمن ذلك حفظ الأسرار التي تعرض عليه واحترام عرض الجار وماله، ومن أقبح الكبائر خيانة الجار سواء في نفسه أو ماله والأهم عرضه، فقد روى ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك"، قيل: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قيل: ثم أي قال: "أن تزني حليلة جارك"، البخاري (6001) ومسلم(86)؛ ويجدر أن يأمن الجار جاره؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:" والله لا يؤمن – ثلاثا – الذي لا يأمن جاره بوائقه"، البخاري (6016) عن أبي شريح وأبي هريرة؛ والمقصود: أنه ردد "والله لا يؤمن" ثلاث مرات للتأكيد والتنبيه على ضرورة الأمر، وبوائقه تعني: غدره وخيانته.
12. يؤدي إليه حقوق الإخوة المسلمين، والجار أحق وأولى بكل هذه الآداب المتضمنة والتي يفعلها الأخ لأخيه باستمرار، من زيارة عند المرض واستقصاء عن الأحوال واهتمام بأهل بيت الجار حال غيابه وتشييعه عند مماته ونصحه في حياته، وغيرها.
13. أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتقديم النصيحة له، ويعد من الخيانة للجار والتفريط بحقوقه أن يراه على خطأ فيتجاهل الأمر والواجب إعلامه وتنبيهه ونصحه وإرشاده وتقديم المساعدة له والحث على أن يسير إلى الطريق الصحيح حتى يهتدى بل والواجب أيضاً أن يبقى مسانداً بعد هدايته كي لا ينتكس مرة أخرى أو يعود إلى حال أسوء.
وهذه الآداب في مجملها تعامل مع الجيران، ويخطئ بعض الناس عندما يعتقدون أن عليهم أن يبغضوا الجار الكافر، والصحيح أن يعاملوهم بذات معاملته للجار المسلم وإن احتمل الأمر بعض الرسمية المصحوبة بالمودة الطبيعية في البشر أنفسهم، بالإضافة إلى عدم الانحياز وراء تقاليدهم المخالفة للتعاليم الإسلامية، ولكن المعاملة الحسنة مع الجيران غير المسلمون لتحملهم على الاعتراف بالإسلام كدين محبة ورشد، وعلى أن ينظروا إليه بطريقة صحيحة مخالفة لما اعتقدوا مما تنشره وسائل الإعلام وسواه، وهذا قد يدفعهم إلى البحث أكثر ومن ثم اعتناقه - ما شاء الله ذلك -، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحسن معاملة جيرانه، اليهود منهم والمسلمين، ولم يفرق بين جار وجار على حسب دينه، بل كان يحسن ويعطف على الجميع.
المفضلات