الصفحة رقم 2 من 7 البدايةالبداية 1234 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 21 الى 40 من 133
  1. #21

    -٣-




    ألكسا






    وصلت أخيراً الى النُزل وأنا لا أريد رؤية شيء سوى الفراش الوفير.. ترجلت على مهل من السيارة وشكرت العم براين بإخلاص قبل أن ألج بأرجلي العارية الى النُزل النائم، ولم أبالى بأي شيء وانا اصعدكنت أصعد السلالم بعقل فارغ حتى كدت أن أصل الى بوابة العلية، بيد أن صوت نحيب خافت استوقفني مكاني فتيبست دون حراك، واستمعت لكامل الحوار دون أن يكون من الصعب ادراك هوية المتحاورتين.. وقبل أن أختفي عن المكان خرجت جدتي من باب الغرفة لنتقابل وجهاً لوجه.. ابتسمت بإمتعاض لعنصر المفاجأة وقلت مازحة:
    - ليس من عوائدك السهر جدتي، أحدث أمر ما في غيابي؟


    ولم تتحدث بل اكتفت بطبع قبلة على جبيني ثم تخطتني وكأن شيئاً لم يكن.. ولجت الى الغرفة ووجدت صوفي تجلس متكأة على ظهر السرير في الظلام، وأظنها شعرت بوجودي لذلك فتحت النور بقربها مجدداً فبان لي بوضوح أثر البكاء على وجهها، وقالت تتصنع كونها بخير:
    - تأخرتِ ألكسا.. قلقت عليك كثيراً ..


    فتذكرت معاناة يومي وأسرعت إليها اتصنع البكاء بدلال، عانقتني بمحبة ومن ثم أريتها قدماي فشهقت وهبت من فوق السرير لتفقدها:
    - رباه هل تكرهين قميك الى هذا الحد.. أصبري عندك سأتي ببعض الماء الحار المملح


    أمسكت بها قبل أن تفلت وقلت بإلحاح:
    - كلا أرجوك سأغسلها في الحمام وتصبح بخير.. أنتظري هنا فلدي الكثير لأحدثك عنه ..


    لم يعجبها قولي إلا أن إلحاح عيناي جعلها تتراجع على مضض ثم مالبثت أن قالت بحماس يعارضه الخجل:
    - وأنا أيضاً ألكسا، لدي ما أقوله لـ..


    قاطعتها بدون خجل وقلت وأنا أستدير بكامل جسدي اتجاهها:
    - ماذا ماذا؟!


    فضحكت وهي تدير بوجهها عني ثم قالت ببطء:
    - لقد تقابلت مع السيد فيليب رجل الباقة اليوم ..


    تفاجأت بصدق وقلت بحماس مفرط وأنا أعود أدراجي:
    - تمزحين! الفارس المُنقذ، متى وكيف و أين؟!


    أجابت وهي تحتضن احدى الوسائد:
    - يبدو أنه يكون شريكنا المالي الجديد، وأظنه أوسم رجل صادفته في حياتي


    لكزتها بمكر:
    - تقولين مصادفه!!.. اذا لم تكوني قادرة على التذكر فسمحي لي بإنعاش ذاكرتك يا آنسة.. إنه الرجل الذي حملك من..


    وردت لكزتي بالوسادة بين يديها، فرمقتها بتفاجئ وقلت معاتبة:
    - اللئيمة الناكرة، تتكبرين علي لرؤية الرجل الأوسم في حياتك فما تفعلين إن وقعت في غرامه!


    تأوهت بإستخفاف للفكرة وقالت ضاحكة:
    - هذا كلام فارغ، لماذا عساي أقع في الحب بمجرد حصول بعضٍ من كيمياء الإنجذاب اتجاهه، إن أوهن العلاقات هي تلك التي تنشأ من محض الإعجاب بالجمال الخارجي يا عزيزتي


    تنهدت متحسرة على عقليتها العتيقة وقلت:
    - وهل تنشأ العلاقات من غير اعجاب يا ذكية!.. صدقيني لدي احساس من أنه سيكون الرجل الوحيد في حياتك، ولن أخفيك من أن هذه الإحساس راودني منذ وقعت عيناي عليه للمرة الأولى وإلا لما أعتقته من أجلك..


    تجاهلتني واضجعت وكأني أحدث الهواء فقلت بحنق:
    - وماذا عن دوري في الكلام!


    فعتدلت من جديد وقالت بإهتمام مزيف:
    - كلي آذان صاغية عزيزتي..


    رمقتها بحقد وقلت بطرف شفاهي:
    - لا عليك فقط افعلي ما يريحك..


    وتمتمت بسخط:
    - دائماً ما تفعل هذا بي


    ردت مدافعة وعينيها تتسعان بذهول:
    -أنا!!.. ياظالمة ومتي تجاهلتك من قبل؟!


    أجبتها بتحد:
    - مراراً وتكراراً.. كلما رغبة في الحديث أجدك غارقة بين أسطر كتبك


    مدت شفاهها وقالت ببراءة:
    - أنت مخطأه ألكسا أنا لا أغرق بين أسطر كتبي بل أحلق … أحلــــــق!


    وفردت يديها كالجناحين فمددت لساني بغيض ومن ثم افضيت بما في صدري بدون مقدمات:
    - تذكرين النادل يوم ذهبنا الى المطعم في المدينة؟


    أومأت لي وهي تقول ببساطة واريحية:
    - إنه نوعك المفضل بالضبط!


    كشرت عن حاجباي بسرعة وقلت مدافعة:
    - كلا وألف كلا.. مالذي تهذين به حباً في الرب!


    نظرة الى نظرة المكذب وقالت بثقة أزعجتني:
    - ألكسا لا داعي للإنكار كونه لم يكترث بوجودك الفاتن ..


    أستقمت من مكاني بإنفعال وقلت بنفاذ صبر:
    - يا إلاهي .. بوسعك أن تكوني مزعجة جداً في بعض الأحيان..


    فتكأت بذقنها على ركبتيها المضمومتان إليها ومررت أصابعها على شفاهها اشارة منها بالإستماع، هدأت حموتي الحمقاء وقلت وأنا أضبط انفاسي:
    - القروي اللعين سيكون البناء المسؤول عن بناء العريشة قرب البحيرة، ولا تسألي كيف أنتهيت الى تعيينه فقد كان اليوم الأكثر إذلالً في حياتي كلها وأنتهى ..


    أومأت برأسها دلالة على الفهم وسرعان ما اضجعت لتستسلم للنوم العميق، تأملتها بإحباط وخيبة أمل ثم قصدت الخزانة لأبدل ثيابي وحديثها لا يزال يزعجني، وربما لكونها مصيبة في بعض استنتاجها، لقد أعتدت على مصاحبة أوسم الشبان بحكم عمل أمي ومكان سكننا الذي فرض علي مكانة اجتماعية مهمة كأبنة أحد أشهر مدراء الفنادق على الصعيد العالمي حتى أصابني نوعٌ من التبلد أمام الوسامة، و أصبح من الصعب جداً مناسبة ذوقي في هيئات الرجال.. على الإعتراف بأنه من القلائل الذين ألتقوا مع جميع معاير تقييمي للجمال إلا أنه مع الأسف الشديد قروي نتن، ولا يستحق أن أخصه بحيز من تفكيري، طردت صورته السخيفة عن رأسي استعداداً للنوم واضجعت على السرير لأغرق فيه بسرعة أنا الأخرى ..












    ...................
    نهاية الجزء الثالث
    قراءة ممتعه للجميع
    " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "


  2. ...

  3. #22



    أخيراً أنتهيت من وضع الجزء الطويل الكارثي


    المحرر يقتـــــــــــل ببطء em_1f624 والتنزيل يأخذ وقت وجهد الله المستعان

    دائماً ما أمني نفسي بنشر رايق وفايق وأول شيء في الصباح وألاقي نفسي أتركه لأخر اليوم وأنا هلكانه ونعسانه والحاله حاله e406

    أعتذر كان بودي أنظمه أكثر وأقنن طوله المبالغ فيه ولكن هذه الأجزاء كتبتها من زمان ومقاساتها كما هيا، التعديل في الكمية راح يعني تعديل في هيكل باقي الأجزاء الى النهاية وهذا كابوس بحد ذاته لا انوي الخوض فيه ..

    الجميل أن الجزء ال٣ و ال٤ هم فقط الأطول من بين البقية ومن ال٥ الى النهاية أعتقد أن أحجامها طيبه وكافيه

    قسموا الجزء على قسمين في القراءه أو كما تفضلوا and let me know what you think e405

    for now i think i am off to sleep e40a


    في آمان الله

  4. #23
    السلام عليككم ورحمة الله وبركاته
    كيف حالك يا جميلة؟


    وأخيرًا روايتك، بجد اشتقت للفصل بس التكاليف والنت hurt dead
    ع العموم ولما قدرت أدخل لقيت طوول يبرد القلب فشكرًا embarrassed

    لسات الفصل دافئ، وأظن الدفئ رح يرافقنا لأن العلاقات اللي بتتكلمي عنها دافئة وجميلة embarrassed
    أكثر شيء حبيته في الفصل حماس ألكسا وموقفها مع جورج تستاهل laugh كون إني أحبها ما ينفي حقيقة إنها تستاهل إزدراءه عشان تتأدب وتبطل تظن السوء في خليقة الله، وفي نفس الوقت ما تنلام خاصة إنها ربيت على لفت الأنظار اللي يعززه شخصيتها الجذابة، وهذا شيء محزن إنها تربى في وسط المظاهر، وبنفس الوقت مبرر لكينونتها الساخرة اللاذعة، عشانها عرفت المغزى من البداية.


    الشيء الثاني اللي حزني عليها إن أحب الناس ليها ما تستمع لها في كل وقت. لا أخفيك أني لمست أنانية صوفي في هذا الفصل، خاصة حين عاتبتها ولم تكترث، وحين حكت لها ولم تعلق بأبعد من النوم. أعرف إنها تحبها، وإنها ممكن تعطي لها القمر لو صار لها شيء، بس أي شخص محتاج الإهتمام وصوفي شحيحة في هذا الجانب وهذا اللي لمسته هذا الفصل.


    بس بجد بجد اتمنيتك قدامي عشان أعطيك نظرة " من جدك" لما حكت لها ليزا عن سبب ترك أمها وخالتها المكان وما عرفت شيء tired
    قد ما شاء الله وصفك سلس درجة إن الخيال سهل معاه، فاتمنيت إنهم حقيقين من وراء الكلام وأتخطى الشاشة وأجلس واسمع معاهم laugh > ما رح يطردوني صح laugh
    المهم إني بديت أتخيل واتوقعت إن الغلط مشترك ! فيا إن الجدة كانت صارمة معاهم درجة إنهم عقوها، أو إنها دللتهم حد الفساد وحاولت ترضيهم حتى وصلت لحد ما قدرت تماشيهم، فصارت قاسية فعاقبوها بترك المكان. في كلا الحالتين إتعاطفت مع الجدة ورميت اللوم عليهم لسبب، لو كانت الجدة سيئة بالفعل ما كانت خافت إنها تفرط في حفيداتها زي ما قالت هنا :

    إن جدتك شديدة الحماقة في بعض الأحيان وخشيت خسارتك فوجب علي الإعتذار

    يب حمقاء، بس مو للسبب اللي هي فاهمته، لسبب أعمق وهو إنها ترمي على نفسها اللوم في كل الأخطاء أظن مو بعضها بس.
    على العموم رصيد الجدة وألكسا في تزايد، أما صوفي فأخشى أنني أستطيع التنبوء بمستقبلها منذ الآن لذا لن أرفعها حتى أصل لنتيجة مختلفة.

    صدعت رأسك على ما يبدوا بس هذه نتيجة إنك تدخليني لعالم روايتك اللطيف الدافئ، وتعيشيني جواها وتمتعيني بالفصل، معليش ع الصداع، وبجد شكرًا على الفصل ما رح أتذمر من الطول على فكرة.
    شيء كمان التحليل اللي فوق مبدئي، يمكن يتغير يمكن لا، منتظرة بشوق أتفاعل مع الرواية، اتحفيني embarrassed


    وبالنسبة للأخطاء الإملائية:
    حدجتني وليس حدرجتني
    هذا ما أذكره للأسف لأني قرأته أمس، يبدو أنك راجعتيه جيدًا هذه المرة ما شاء الله فاستمري embarrassed

    وردًا على ما سبق embarrassed

    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة moon child مشاهدة المشاركة

    لول جيك الخير بس كما اشرتي، لن يكون هو المحور الأساسي في القصه وإنما شخصية الشقيقتين في التعاطي معاه وما الى ذلك، سعيدة أن الدفء وصلك، مطلبي الأول والأخير هو أن ترسم الأجزاء البسمة على الوجوه عند قراءتها smile
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة moon child مشاهدة المشاركة
    ههههههههههههههههه ممتاز، قلبي الصغير ينظر
    embarrassed


    بالفعل شخصية ألكسا شخصية جذابة وتلفت الأنظار أين ما راحت، وفي المقابل صوفي شخصية مثالية ومنغلقة نوعاً ما .. لأن الحرص الشديد على اظهار أفضل مافي المرء من صفات يخليها في حالة تيقظ دائمه إلا ما توصل لحد وتنهكها وتخليها تنزوي عشان تاخذ نفس..

    ألكسا مافي راسها كلام الناس، وماشيه بمبدأ نفسي ثم من أحب .. em_1f61b

    فهمت ليش حبيت ألكسا cheeky laugh

    اوه .. وأثق انك راح تتعلقي فيها أكثر مع مرور الأجزاء e414

    بإذن الله embarrassed


    e411e411e411 ديدا وربي شيء مو طبيعي، رجعت اقرأ الجزء بعد النشر وأنا انصدمت من بداهية بعض الأخطاء .. أقتلني عادي بس بعد ما أكمل تنزيل لووول

    يب يب تصير لي كثيير، أنشر وأنا متأكدة مافي خطأ، وأول قراءة بعد النشر ألاحظ الهباب cry
    ههههههههههههه تكرمي laugh


    نصيحتك على العين والرأس إلا أنها تجمل لفتره معينه فقط، الدراسة واجبه لأنه اذا فهمت القاعدة مش ممكن أرجع اغلط فيها تاني، مشكلتي اني مرات أكتب الإملاء صح في جزء ونفس الكلمة في جزء تاني غلط .. وغالباً في القراءة العين الى تصور أشكال الكلمات لكني أحس ان التصوير غير كافي والإدراك الكامل أهم << يارب ما أكون لفيت دماغك لول

    مو هنا البوينت، إنك تتعلمي وتعززي بتطبيق سليم، صقل ثنائي الأبعاد laugh >> فهمت عليك embarrassed

    سأفعل يا عزيزه <<< ودا ما يمنع تشيري للكلمات الخاطئة عشان اعدلها em_1f61b


    بس كذه تكرمي embarrassed


    أوه ديدا نقاش لطيف معك، وحقيقي يكفيني وجودك لأكمل للنهاية ..

    بإذن الله أضع الجزء الثالث اليوم أو غداً مع اني ححاول اليوم بعد ما ياخذ نصيبه من التدقيق والتعديل ..

    الجزء القادم طووويل ودسم وأتمني يكون بدفء الى قبله وزيادة ..

    خذي وقتك في الرد وأنا أيضاً سأكون بإنتظار بشوق ..

    الله يحفظك

    موون


    بإذن الله هكون هنا للنهاية embarrassed وسامحيني إتأخرت، بس يا النت يقتلني، يا التكاليف تذبحني، وبين البينين أشتاق لروايتك وما أقدر أقرأ cry



    أرجو لك التوفيق
    في أمان الله

  5. #24
    -


    السلام عليكم والرحمة
    كيف حالكِ عزيزتي ؟ أرجو بأنكِ بخير وصحة

    طريقة كتابتكِ ووصفكِ يجعلني أشعر وكأنني بينهم

    البارتات هادئة ورائعة بمعنى الكلمة ، أشكركِ على كتابتهاemoji169!

    صوفيا لقد أُعجبت بشخصيتها الهادئة والمتفاهمة
    وأختها الصغرى ألكسا أيضاً بالرغم من تصرفاتها المتكبرة emoji28،

    جدتهما حنونة جداً معهما مع أن والدتهما وخالتهما قد هربتا منها ؛
    أشعر بالفضول ماذا فعلت صوفيا لتهربا ابنتيها هكذا من دون أي توضيح؟!

    بإنتظاركِ عزيزتي emoji169
    في أمان الله.

  6. #25
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ديدا. مشاهدة المشاركة
    السلام عليككم ورحمة الله وبركاته
    كيف حالك يا جميلة؟

    أوه عزيزتي بخير وصحة وعافية .. أحب التثليت ما اعرف ليش e056
    وأخيرًا روايتك، بجد اشتقت للفصل بس التكاليف والنت hurt dead
    ع العموم ولما قدرت أدخل لقيت طوول يبرد القلب فشكرًا embarrassed

    حبيبتي، كان الله في عونك، الدراسة منهكه وتتطلب تكريس كامل، أنا مريحه راسي دا الترم وأخيراً لقيت فرصة أشتغل على هواياتي من جديد وإلا مافي أمل e402


    لسات الفصل دافئ، وأظن الدفئ رح يرافقنا لأن العلاقات اللي بتتكلمي عنها دافئة وجميلة embarrassed
    أوه الحمدلله .. e418

    أكثر شيء حبيته في الفصل حماس ألكسا وموقفها مع جورج تستاهل laugh كون إني أحبها ما ينفي حقيقة إنها تستاهل إزدراءه عشان تتأدب وتبطل تظن السوء في خليقة الله، وفي نفس الوقت ما تنلام خاصة إنها ربيت على لفت الأنظار اللي يعززه شخصيتها الجذابة، وهذا شيء محزن إنها تربى في وسط المظاهر، وبنفس الوقت مبرر لكينونتها الساخرة اللاذعة، عشانها عرفت المغزى من البداية.

    ألكسا الساخرة ما أتعلمت الدرس بالطرق التقليدية ولكن أظن الحب يأدبها لوول


    الشيء الثاني اللي حزني عليها إن أحب الناس ليها ما تستمع لها في كل وقت. لا أخفيك أني لمست أنانية صوفي في هذا الفصل، خاصة حين عاتبتها ولم تكترث، وحين حكت لها ولم تعلق بأبعد من النوم. أعرف إنها تحبها، وإنها ممكن تعطي لها القمر لو صار لها شيء، بس أي شخص محتاج الإهتمام وصوفي شحيحة في هذا الجانب وهذا اللي لمسته هذا الفصل.

    أحسنت الفهم عزيزتي، بالفعل صوفي رغم الهدوء والمثالية إلا أنه فيها طباع أنانية، ولو فكرتي في الأمر ألكسا تظهر طباعها الأنانية على الدوام ولكن صوفي تتحكم فيها إلا أنها ما تزال تظهر، وأنانيتهما مختلفه .. ألكسا أنانيتها في فرض أسلوبها على الكل بدون الأخذ بعين الإعتبار أي أحد .. وصوفي أنانيتها في نفسها وعدم اشراك الى يهتموا لأمرها في حياتها الشخصية جداً أو حتى في حياتهم، وهذا يعطيهم انطباع بأنهم ما ينتموا لدائرتها الخاصة أبداً ..

    راح تبان الأنانيات أكثر خلال الأجزاء القادمة وهي طبيعة بشرية موجودة فينا كلنا بتفاوت ماعدا في الأنبياء والرسول عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم e056

    بس بجد بجد اتمنيتك قدامي عشان أعطيك نظرة " من جدك" لما حكت لها ليزا عن سبب ترك أمها وخالتها المكان وما عرفت شيء tired
    ديدا مافهمت قصدك مع الأسف الشديد في دي النقطه، "من جدك" كويس ولا بطال لوول

    قد ما شاء الله وصفك سلس درجة إن الخيال سهل معاه، فاتمنيت إنهم حقيقين من وراء الكلام وأتخطى الشاشة وأجلس واسمع معاهم laugh > ما رح يطردوني صح laugh

    هههههه اتخيلتك جالسة بالفعل صديقتي

    المهم إني بديت أتخيل واتوقعت إن الغلط مشترك ! فيا إن الجدة كانت صارمة معاهم درجة إنهم عقوها، أو إنها دللتهم حد الفساد وحاولت ترضيهم حتى وصلت لحد ما قدرت تماشيهم، فصارت قاسية فعاقبوها بترك المكان. في كلا الحالتين إتعاطفت مع الجدة ورميت اللوم عليهم لسبب، لو كانت الجدة سيئة بالفعل ما كانت خافت إنها تفرط في حفيداتها زي ما قالت هنا :

    هممم الحبكة هنا لازم تراعي فيها أني بأوصف ناس من طبيعة مختلفة عن طبيعتنا العرب، حاولت أني أوصف طباعهم وأسلوب حياتهم قدر المستطاع، طبعاً ما يعني هذا أن جميع النيوزلنديين على هذي الطباع الى بأوصفها، إلا أنها جانب موجود فيهم، أسباب هروب الأختين الى راح تبان مع الأجزاء ليست بالضرورة مقنعه لعالمنا العربي والإسلامي الى يقدس الأهل والأم والأب ولكن بالنسبة للغرب فهي جداً منطقيه وطبيعية.. ضعي ذلك بالحسبان يا عزيزة e056




    يب حمقاء، بس مو للسبب اللي هي فاهمته، لسبب أعمق وهو إنها ترمي على نفسها اللوم في كل الأخطاء أظن مو بعضها بس.
    على العموم رصيد الجدة وألكسا في تزايد، أما صوفي فأخشى أنني أستطيع التنبوء بمستقبلها منذ الآن لذا لن أرفعها حتى أصل لنتيجة مختلفة.

    هههههههههه سنرى بشأن ذلك


    صدعت رأسك على ما يبدوا بس هذه نتيجة إنك تدخليني لعالم روايتك اللطيف الدافئ، وتعيشيني جواها وتمتعيني بالفصل، معليش ع الصداع، وبجد شكرًا على الفصل ما رح أتذمر من الطول على فكرة.
    شيء كمان التحليل اللي فوق مبدئي، يمكن يتغير يمكن لا، منتظرة بشوق أتفاعل مع الرواية، اتحفيني embarrassed

    لوول لا صدعتيني ولا شيء >>>> بعد الدراما الحياتيه الى عايشه فيها ما أظن بسهولة أصدع لووول فلا تاكلي هم وفضفضي براحتك

    وبالنسبة للأخطاء الإملائية:
    حدجتني وليس حدرجتني
    هذا ما أذكره للأسف لأني قرأته أمس، يبدو أنك راجعتيه جيدًا هذه المرة ما شاء الله فاستمري embarrassed

    هووف الحمدلله، مهمة التعديل أشد بأساً من مهمة الكتابة e406

    وردًا على ما سبق embarrassed



    بإذن الله هكون هنا للنهاية embarrassed وسامحيني إتأخرت، بس يا النت يقتلني، يا التكاليف تذبحني، وبين البينين أشتاق لروايتك وما أقدر أقرأ cry


    أوي يالطيفة، شكراً على الحضور اللطيف، خدي وقتك غالباً راح ألتزم بتنزيل الأجزاء كل عطلة نهاية اسبوع أي يا جمعة أو سبت أو أحد .. وهذا يعني الجزء الرابع موعده اليوم بإذن الله .. خذ وقتك في الرد ولا تتعجلي، ما راح أنبسط إذا أهملتي تكاليفك عشان تقرأي صدقيني لأنه يهمني تقرأي بنفسيه منشرحة ومستمتعه مو مضغوطه e405

    أرجو لك التوفيق
    في أمان الله


    الله يوفقك ديدا تشان.. ومتشوقة لردك على الأحداث القادمة


    في آمان المولي

    موون

  7. #26
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة emi79 مشاهدة المشاركة
    -



    السلام عليكم والرحمة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. عدتي من جديد ونورتي smile
    كيف حالكِ عزيزتي ؟ أرجو بأنكِ بخير وصحة
    أنا كذلك ولله الحمد، وأنت يا جميلة ؟؟

    طريقة كتابتكِ ووصفكِ يجعلني أشعر وكأنني بينهم

    الحمدلله، هذا من فضل ربي e418
    البارتات هادئة ورائعة بمعنى الكلمة ، أشكركِ على كتابتهاemoji169!

    أوه وأنا أشكرك عن التعبير بمحتوى صدرك لي، أسعدتيني الله يسعدك

    صوفيا لقد أُعجبت بشخصيتها الهادئة والمتفاهمة
    وأختها الصغرى ألكسا أيضاً بالرغم من تصرفاتها المتكبرة emoji28،

    em_1f607

    جدتهما حنونة جداً معهما مع أن والدتهما وخالتهما قد هربتا منها ؛
    أشعر بالفضول ماذا فعلت صوفيا لتهربا ابنتيها هكذا من دون أي توضيح؟!

    من يدري e414

    بإنتظاركِ عزيزتي emoji169
    في أمان الله.

    إيمي سعيدة بتواجدك مجدداً يا جميلة.. الحمدلله رجعت لي القصة ذكرى صحبه ومتابعين من الماضي الجميل ... أتمنى تمتعك وتسعدك

    بإذن الله القادم تجدينه خلال ساعات .. لا تنسي الإستمتاع أولاً وأخيراً


    الى أن ألقاك من جديد

    في آمان الله

    موون

  8. #27

    -٤-




    -٤-





    صوفي






    حل صباح اليوم التالي فتجهزت مبكراً كالمعتاد وطلبت من ألكسا الذهاب معي الي قصر عائلة بيرك.. فرفضت بحجة رغبتها في البقاء وحيدة لتعمل على تصاميم ثياب موحدة للموظفين بالنزل، وسأكون أختاً جيدة وأثق من أنها ستأتي بتصاميم لبقة لا تجعلنا نبدو كفتيات الإعلانات، خاصة وأن معظم افراد الطاقم المكون من ثمانية أفراد غيرنا هم من جيل التسعينيات..

    ففي النزل يعمل كُلً من السيد بيل والسيد ماث في اعمال الحديقة و المواشي، ويعدان الرجلين الوحيدين بالمكان، ومن ثم زوجة البستاني بيل السيدة لينا، متعهدة المطبخ التى تعد أشهى وألذ الأطباق بلا منازع، ومتى ما وجدت الفرصة تقوم بإعداد مربى الفراولة والتوت والليمون والبرتقال و من ثم تضمهم الى متجر النُزل الصغير، و أراهن من أنه بوسعنا احياء النُزل جراء بيع مثل هذه المنتجات الطازجة على نطاق واسع إلا أن لينا لا تحبذ الفكرة لأسباب شخصية..

    وتساعدها في المطبخ لورا بيد أنها تصب اهتمامها بالعجن والأجبان وهما من أفضل الأصدقاء، وهنالك الأم العازبة ريتا وأبنها الصبي ثوماس والإثنين يعملان عند جدتي في خدمة تنظيف الغرف بكل تفان وإخلاص، وفي أقرب قرية مجاورة تعمل السيدة المحترمة مولي في اعمال الغسيل والكي من منزلها، وأخيراً جدتي المالكة القديرة لكل شيء، بالتفكير في الأمر فهم أشبه بالعائلة من مجرد محض زملاء عمل، وهذا ما يمنح النُزل دفئه المميز وأجواءه المريحة الساحرة ..



    عرض العم براين إيصالي لمقابلة السيد فيليب بعد أن مر بالنزل لتناول طعام الإفطار وعلم بشأن مخططاتي لليوم، وأبى قطعياً أن أسير الى القرية المجاورة على الأقدام ومن ثم أختبر حظي في ايجاد من يقلني الى اعلى التلة حيث القصر، وكعادته تحجج من أن المكان في طريقه والكل يعلم أنه غير صادق تماماً، وأنه من الطيبة ليعرض علينا خدماته مرة تلوى الأخرى دون مقابل..
    وحسب ما علمت مؤخراً أن العم براين أرمل وليس له في الأولاد نصيب، لذلك نجده يواظب على الحضور كل صباح لينضم إلينا في المطبخ على طاولة الإفطار وهو يلقى النكات المكررة والقصص المضحكة، فأصبح له مقعده في المكان ولم يعد يكمل الإفطار إلا بوجوده بيننا..



    وفي هذا المشوار أصر الصبي المهذب ثوماس على مرافقتي رغبة في التغيير، فالمسكين بالكاد يغادر النزل لغير بيته البسيط الذي يبعد عن النزل مسيرة النص ساعة على الأقدام، وبحكم الإجازة الصيفية فإنه يعمل طوال النهار ولا يتقابل مع أصدقاءه من المدرسة وأغلبهم يعيشون مسيرة الساعة الى الساعتين عن مكان عيشنا، أذعنت والدته لرغبته على تخوف ولم تطلق سراحنا سوى بعد إلحاح شديد و تأكيد قاطع من أن الفتى سيكون بآمان..

    وصلت السيارة الى البوابة الحديدة فملت برأسي صوب ثوماس الجالس بهدوء بيني وبين العم براين وقلت متسائلة:

    - كيف يعقل أنك لم تزر القصر مسبقاً وأنت تعيش بالجوار!!




    أجابني وعينيه منشغلتان عني بمراقبة الطبيعة من حوله بإنغماس:

    - لم تسمح لي أمي من قبل بالإنضمام الى رحلات المدرسة الى هذا المكان، وكانت تعدني بأخذي إليه ذات مرة إلا أنها تعمل طوال الوقت كما ترين آنسة صوفي




    فشعثت شعره الذهبي بأناملي وأنا أحب ظرفه وأدبه ومن ثم قلت بسرور:

    - أشعر بالفخر كوني أول من يصطحبك الى هذا المكان سيدي الشاب ثوماس، تعلم أن لك مستقبلاً مشرقاً إذا ما أبقيت على جودة أخلاقك هذه.




    تحاشى النظر الي رغم تبسمه بخجل ثم توقف العم براين أمام مدخل القصر بعد ذلك بوقت قصير، شكرته بحرارة وترجلت مع ثوماس ووجوده معي يشعرني بشئ من الإطمئنان حيال الحيوانات الأليفة الخاصة بهذه العائلة.. أطلت السيدة ليزا من الباب الرئيسي وهي تلوح لنا باسمة فرددت التحية وشققت طريقي باتجاهها و أنا متشابكة اليد مع ثوماس..









    تركتني السيدة ليزا النشيطة انتظر في المكتب المنمق بالطابق السفلي وغادرت برفقة ثوماس ليتجول معها في الأرجاء، فمكثت هادئة لبضع دقائق ثم سلكت طريقي الى حيث النافذة الشاهقة ريثما ينضم لي السيد فيليب، وأمامها أخذت عيناي تجوبان أرجاء الحديقة الداخلية ما استطاعت لأتفقد الصبي المسرور وهو يركض فيها ويلعب مع كلب القصر الكبير، وحين شعرت بحركة قرب الباب أسرعت الى المقعد وتصنعت الوقار وأنا مطبقة على أنفاسي بإحكام..

    ولج فيليب بحلة شبابية أقل رسميه عن التي كان يرتديها بالأمس ولا أظنه سرح شعره أيضاً، ومع ذلك وجدته أكثر وسامة وتأثيراً من هيئته بالأمس.. أبعدت الأفكار السخيفة عن رأسي وأنا أستقيم لأصافحه وأرد التحية الودودة التي قابلني بها:

    - صباح الخير سيد فيليب، أعتذر عن إزعاجك باكراً هذا الصباح




    فأمعن النظر في عيناي لثوان مما جعلني أشكك في اختياري للفستان الصيفي الزاهي الذي كنت أرتديه، والسترة الخيطية الموردة، استدار بعدها حول المكتب وجلس بعد أن أشار لي بالجلوس أولاً وأنتظرني لأفعل، ومن ثم قال:

    - إذاً هل غيرت السيدة صوفيا رأيها بشأن مشاركتنا خطط التحسين التى تود الحصول على تمويلها من عندنا؟!




    أومأت له بالإيجاب وأنا لا أستطيع غض الطرف عن جاذبيته الممغنطه وقلت وأنا أضع الملف على الطاولة برعشة خفيفة..:

    - نعم سيد فيليب.. وتجد هنا كل شيء بالتفصيل من حيث الفكرة والتكاليف و التواريخ المتوقعة للإنتهاء من كل اضافة على حده.




    استلم الملف وأنشغل بتفحصه بعناية بعضاً من الوقت، فوجدت الفرصة في تعنيف ذاتي وأمرها بالإنشغال بما هو مهم عوضاً عن استراق النظر الى أصابع يديه وتفحصها من وجود خاتم للزفاف الذي لم يكن له وجود، ومرت بضع دقائق قبل أن يقول متعجباً:

    - على ما أذكر من حديث جدتك فإن هذه الخطط من اعدادك وصنعك أنت وشقيقتك الأخرى؟




    ابتسمت بفخر وأنا أتذكر الجهد الذي وضعناه في كل ورقة من أوراق الملف:

    - هذا صحيح، وبالتأكيد فإن التخطيط الهندسي وما إلا ذلك من رسومات هي من فعل اخصائيين كان لنا الحظ في معرفتهم مسبقاً، وهذا كان العامل الأقوى في تسهيل مهمتنا..




    باغتتني نبرة حديثه المشككه بعنف حين بادر بالقول مجدداً:

    - آنسة صوفي عذراً ولكن ماهي طبيعة دراستك!.. أنت في المرحلة الجامعية أليس كذلك؟




    أجبته متباطأه وأنا لا أفهم مساعيه:

    - بلى ..




    قال:

    - دعيني أحزر، طالبة في قطاع ادارة الأعمال؟!




    فكشرت عن حاجبي وأنا أبتسم وأظنني ادركت ما يرمي إليه:

    - ليس تماماً، ولكني عشت طيلة حياتي في فندق وحين نخطط القيام بزيارة عائلية فهي لفندق أخر..




    أخيراً ظهرت ابتسامته المرحة وقال وهو يهز رأسه بعجب:

    - هذا مدعاة للدهشة بحق!، أن تقوم شابتين لم تتجاوزا العشرينات من الخروج بعمل بهذه البراعة لهو أمر يبعث بالسرور والغبطة




    وأحسست بالألفة تجاهه فقلت بفضول:

    - وهل يعقل أنك تتجاوز العشرينات سيد فيليب؟




    توالت ضحكاته الساحرة إثر قولي ثم قال:

    - قبلنا مديحك يا آنسة، إلا أننا نبلغ الثلاثين خلال شهرين..




    وكرهت عقلي السخيف مجدداً حين قام بالحسابات سريعاً دون الإستئذان أولاً.. إذاً فهو يكبرني بثماني سنوات فأنا أيضاً أبلغ الثالثة والعشرين الشهر القادم .. فرق السنين مثالي بيننا بالنسبة لي، لحظة.. أما زلت أفكر فيه بتلك الطريقة مرة أخرى، متى سأتعلم وأكف عن الحماقات!.. أردف فيليب وهو يغلق الملف أمامه:

    - لن أخفيك من أن والدي أعطى موافقته منذ أن سمع برغبة السيدة صوفيا بالشراكة، إلا أني أصريتُ على القيام بالعقد بهذه الطريقة كي لا يتطور أي نوع من سوء الفهم مستقبلاً، وكان مهماً بالنسبة لي أن تثق السيدة صوفيا بنا تمام الثقة أولاً قبل أن نخوض غمار العمل سوية..




    أجبت برزانة:

    - أجدني أوافقك الرأي مجدداً سيد فيليب، إذا هل نمضي في توثيق العقد؟!




    أجاب وهو يستريح بظهره الى الوراء:

    - لا أنوي أن أبدو وقحاً على الإطلاق وإنما أتمنى أن تسمحي لي بمراجعة الملف مرة أخرى خلال اليوم وسأمر بالغد للإمضاء في مكتب السيدة صوفيا شخصياً، أهذا ممكن؟!..




    تنهدت بهدوء لأتمالك عارض الإحباط الذي اعتراني بعد سماعي لرده المنطقي الأخير، وبتلقائية وجدت نفسي أقوم من مكاني وأنا أصلح حبال حقيبتي الصغيرة على كتفي ثم قلت وأنا بالكاد ابتسم:

    - لا بأس على الإطلاق، إذاً نراك بالغد سيد فيليب طاب صباحك..




    فبان التفاجئ على وجهه من الجمود الذي تلبس صوتي، إلا أنني أدرت ظهري ومشيت خارج المكتب بإنزعاج حقيقي.. إن كان لا يريد الإمضاء فهذا شأنه أما أن يسمعني آيات الثناء أولاً ليخفف من لذاعة الرفض بعدها فهذا احتيال لا أقبله!

    وصلت الى الردهة الرئيسية بسهولة تُعزى الى تصميم القصر الواضح الذي لا يحتمل التعقيد، ومن ثم قصدت صالة الزوار لأنادى على ثوماس من الحديقة الداخلية، ومن منافذ الصالة خرجت الى الحديقة وعيناي تبحثان عن الغلام بإضطراب، فلم يكن له أثر حتى ظهر من ركن الحديقة وهو يمتطى فرساً صغيراً وبجواره رجل ناضج يمسك باللجام ليتحكم في حركة وسرعة الفرس، تثاقلت أنفاسي بفزع وسرعان ما قلت بذعر:


    - أنزله في الحال.. أبعده عن ظهر الحصان أرجوك






    ..........

  9. #28

    -٤-




    وكان من الصعب أن لا يصله انفعالي فرتاع الرجل وثوماس وأسرع بإنزاله بينما أتى صوت فيليب من ورائي:

    - أبعد الحصان عن المكان فوراً!..


    ولم أكن لأهتم بوجوده إنما أسرعت الى ثوماس الذي قصدني بدوره على وجل، وصرت أتفحص رأسه وجسده بحركة مضطربة وسرعان ما ضممته الى صدري الذي راح يعلو ويهبط بفزع وأنا أتنفس الصعداء، أبعدته مرة أخرى وأنا أنهره :

    - ما كان يجب عليك ارعابي هكذا ثوماس، ماذا لو حدث لك مكروه لا سمح الله


    فأجاب الفتى الشاحب من شدة الفزع:

    - آسف آنسة صوفي لم أشاء اخافتك بهذه الطريقة.. إنما وددت حقاً تجربة امتطاء الحصان



    أطبقت بيدي على فاهي و أنا أحاول تمالك اعصابي، وشهقت بفزع حين أراح فيليب بإحدى يديه على كتفي مما جعله يستردها خلال لحظات وهو يعلقها في الهواء اشارة منه بالسلام من جهته، رمقته وأنا لا أزال ألتقط أنفاسي بصعوبة وقلت وأنا أنتشل يد الصبي لأقبض عليها بإحكام:

    - لربما لم يكن من الصواب القدوم الى هذا المكان في المقام الأول.. هيا ثوماس وعدت أمك أن أعيدك لها قطعة سليمة



    فحمحم فيليب وقال بلباقة:

    - عذراً آنسة صوفي



    استدرت إليه برأسي تلقائياً وعلمت أنه رأى دموعي المتجمعة في عيناي لا محال فكرهته رغماً عن انفي .. إلا أنه وبكل نبل غض بصره عني الى الأرض وقال متلطفاً:

    - تمنحيني دقائق لأجهز السيارة، لقد اتصل السيد براين وأخبر عن عدم مقدرته على الرجوع لأخذكما



    انتبني القلق وأنساني شيئاً من ازدرائ لتصرفي قبل قليل فقلت بقلق:

    - وهل هو بخير؟!


    أومأ سريعاً وأردف:

    - عطل بسيط في السيارة، أرسلت له السائق وسيكون عنده قريباً فلا داعي للقلق..



    ضاعت الكلمات مني في تلك اللحظة ولم أستطع التفكير في أي شيء يقال، وأنقذني هرع السيدة ليزا إلينا وهي تقول بلكنتها القوية:

    - آنسة صوفي لا يصح أن تغادري قبل شرب كوب من الشاي وكعك الصباح.. أرجوك ابقى لمدة أطول وإلا ضاعت جهود السيدات في المطبخ سُداً


    ونظرت صوب الصبي ثوماس فوجدته يلح بعينه التي لا يزال فيها نصيب من الفزع، فبتسمت وأنا أمسح على وجهه:

    - لا يجوز لنا رفض كرمك سيدة ليزا أليس كذلك ثوماس؟



    ابتسم الفتى و وجدت أن عيناي ترقيان الى جانب فيليب الذي كان يحوم حولي بعينيه العشبيتين والسرور مفضوح في ابتسامته، فقلت وأنا أحاول التغطية على مابدر مني قبل لحظات:

    - تنضم إلينا سيد فيليب؟



    أجابني بحبور صادق:

    - لا أفوت الفرصة لأي شاغِلٍ كان


    و انتظرته حتى جاورنا المسير ثم قصدنا جميعاً غرفة حميمة كنت قد زرتها بالأمس لبضع دقائق، وإن كانت ذاكرتي لا تزال بخير فإنها تكون غرفة الشاي الخاصة بسيدة القصر وضيفاتها فيما مضى..










    خرجنا الى الطريق اخيراً في عز الظهيرة بعد قضاء وقت لطيف في حجرة الشاي الدافئة، حيث كانت السيدة ليزا هي المتحدث الرسمي فيها وإن جاملتها ببعض التعليقات بين الحينة والأخرى، بينما كان انتباهي ينصب بسرية على ثوماس الذي أخرج لعبة البطاقات من جيب بنطاله ورفيقه في اللعب فيليب الذي انسجم مع الصبي مانحاً إياي سبباً أخر للإعجاب به، فهو رحيم في التعامل مع الأطفال..


    كنت أراقب الهضاب الخضراء من نافذة السيارة وأنا أجيب على أسئلة ثوماس العشوائية حتى وصلنا .. ترجلت من السيارة أولاً وأستدرت لأشكر فيليب إلا أنه ترجل هو الأخر، وبان الإستنكار على وجهي فقال وهو يرفع نظارته الشمسية ويستعملها لثبيت شعره الداكن الكثيف الى الوراء:

    -بما أنني هنا الأن فسأقوم بزيارة السيدة صوفيانا لإتمام الأعمال الورقية،.. كنت أحاول التذاكي وكسب فرصة اضافية للحضور بالغد ورأيتك آنسة صوفي إلا أن نواياي لم يقدر لها النجاح كما يبدو..




    تورد وجهي حياءاً من صراحته المفاجئة و أومأت له بالإيجاب ثم قدت الطريق الى مكتب جدتي وأفسحت له المجال ليلج عليها دون أن أرافقه لأبعد من تلك النقطة، وهربت بعدها الى الفناء الخارجي لألتقط أنفاسي الثائرة..






    ~~~




    ألكسا







    إنه صباح مبارك وجو مثالي للحصول على حمام شمس يعيد اللون الى جسدي الشاحب، هذا ما اجتاح عقلي بعد ساعات من الخلوة في المقاعد الخارجية للنزل الساكِن، فقد أنطلق كل من فيه الى عمله ولم يكن لدي شيء للقيام به بقية النهار..
    أردت صدقاً العمل على تصاميم الثياب الموحدة كما أخبرت صوفي صباح اليوم الى أن تبادر لي أنه من المعصية إهدار التأمل في يوم بهذا الجمال والروعة!، ولم تسعفني أية أفكارٍ على أية حال فيما يتعلق بالتصاميم فعلمت بأنه قد آن أوان نيل قسط من الراحة ..




    هبطت درجات السلالم بسلام وانبساط بعد ارتداء لباس المسبح.. ولسوء الحظ كانت جدتي المصون في استقبالي عند رأس الردهة، فحدجتني من رأسي لأخمص قدماي وقالت مستعلمة ومتربصة:

    - إلا أين يا آنسة على هذه الحالة؟!




    أجبت و أنا أتحاذق:

    -أوه جدتي احزري ماذا، لمحت بحيرة بالقرب من المكان من نافذة العلية الضيقة وأغرتني مياهها بالإستحمام




    فردت وهي ترفع كلتا حاجبيها:

    - ظننت أن لدينا مايكفى من المراوش ألكسا، ما رأيك بإستخدام احدها عوضاً عن السير وأنت شبه عارية في نُزلي!




    تأففت بحنق وقلت وأنا أصر على موقفي:

    - جدتي انه حمام شمس كما أن المكان ملك لي حالياً وأجزم لك أنه لن يكون كذلك خلال الأشهر القادمة مع كل المجهودات التي أقوم بها فلا ضير في السماح لي بالإستجمام ليوم واحد!




    وظلت ترمقني بعضاً من الوقت حتى قالت:

    - على الأقل ضعي شالاً وأنتِ تتحركين في الجوار، ولن أسمح بتكرار هذه المهزلة يا آنسة أهذا مفهوم!




    تعلقت برقبتها وأنا أقبل خدها بعنف وهي تحاول دفعي دون أن تلمس جلدي، وضحكت كثيراً حين أخذت تتمتم بسخط وهي تبتعد عن المكان..
    أمتثلت لرغبتها جزئياً وربطت الشال حول خصري ثم أكملت طريقي الى الباحة الخلفية قريباً من ضفة البحيرة ..






    ............



  10. #29

    -٤-



    ….





    اشتدت الشمس خلال ساعات الظهيرة واختفى تأثير العصير المثلج في التبريد على اعضائي وجلدي، وادركت انه من الصواب العودة كي لا اصاب بضربة شمس حادة ..
    حملت حقيبة حاجياتي الفوضوية وأصلحت القبعة القشية العريضة فوق رأسي وأنا أعود أدراجي الى النُزل لألمح ظل صوفي وهي تشير الى رجل ما بالولوج الى مكتب جدتي، استدارتْ بعد ذلك في اتجاه الباحة وخرجت إليها فلوحتُ لها وما إن تنبهت لي حتى أمتقع لونها فجاءتني مسرعة وهي تقول بحنق:

    - بربك ألكسا هل تودين إصابة جدتي بنوبة قلبية بهذه الثياب! نحن لسنا في شواطئ "القولد كوست" يا آنسة!




    طالعتها بهزء وقلت بزهو سعيد:

    - هييه متى تتعلمين مني صوفي!، لقد رأتني ولم تُمانع فما قولك؟




    تقلصت حاجبيها وهي تقول مشككه:

    - هراء!




    حدجتها بغيض وقلت مدافعة:

    - أسأليها اذا أردتِ، ولكن من الذي دخل عليها قبل قليل.. لا تقولي من أنه الفارس المنقذ،، الرحمة أليس من العجلة أن يأتي لطلب يديك في الزواج!




    وضحكتُ بمكر فلكزتني والخجل يزيدها ظرفاً ثم قالت:

    - انه مجنون ألكسا وأظنه أوقع بقلبي..




    وطالعتها بعجب ثم قلت ضاحكة:

    - هكذا إذا.. ما رأيك بإطلاعه على مشاعرك يا آنسة؟! فهاهو على وشك الإنضمام إلينا




    وراقبتها تستدير بفزع الى الوراء ثم ضحكت أمداً على انطلاء كذبتي البيضاء عليها، بيد أنه سرعان ما أنتابني الفزع أنا الأخرى حين خارج ولوح لنا من عند الباب.. أسرعت عندها بتعرية صوفي المضطربة من سترتها وأرتديتها على عجل لستر ما يمكن، ثم تصنعت الثقة والإتزان حين أنضم إلينا خلال وقت قصير.. طالعته صوفي للحظات قبل أن تقول متلعثمة:

    - سيد فيليب.. أعرفك بألكساندرا أختي الصغرى .. ألكسا السيد فيليب الشريك المالي




    وكنت مشغولة بمراقبة شقيقتي وانفعالاتها المفضوحة أمامي عن التنبه الى يده الممدودة حتى قال بلباقة:

    - سعيد برؤيتك.. حقاً الأختين على ذات القدر من الجمال و لا أعرف ماذا أقول !




    راق لي اطراءه وليس وكأنني لست معتادة على سماعه، إنما يصح القول من أنني لم أسمعه منذ مدة وهذا محزن بعض الشيء،.. و قاطع تعارفنا قدوم الصبي المبهج ثوماس فلاعبت شعره بشقاوة حتى قال من بين ابتسامته الخجولة:

    - آنسة صوفي الجدة تطلبك..



    استأذنتنا وغادرت ثم قلت معاتبة الصبي:

    - أيها الخائن الصغير، كيف أثرت تركِ على مصاحبة صوفي في مشوار الصباح!.. لقد ضيعت فرصة السباحة معي في البحيرة!




    انكمشت أمارات الفتى وهو ينظر لي بأسى فقلت وأنا أضحك:

    - حسبك بوسعنا السباحة في يوم أخر، كما أن المياه باردة كالجليد ولا أظنها فكرة صائبة على أية حال




    ومن ثم حثثته ليعود الى جانب أمه فيترك لي المجال في اختبار زوج صوفي المستقبلي.. استدرت إليه برقبتي وقلت متسائلة:

    - إذا كيف وجدت شقيقتي الحلوة سيد فيليب..




    ضحك ثم أجاب:

    - وهل اعجابي مفضوح الى هذا الحد آنسة الكساندرا؟!




    تنهدت بعمق وقلت:

    - لست الأول الذي أراه على هذه الحالة بعد اللقاء بها.. وأظنك ذكي لتعي أنك لن تكون الأخير فهي ساحرة في أعين الجميع بلا استثناء




    أجابني بروية وثقة:

    - لا يجوز أن تقتلي فرصي منذ البداية آنسة ألكساندرا ولعلمك أن حديثك لم يزدني سوى إصراراً على معرفتها بشكل أفضل..




    حديثه الواثق جعل صدري ينقبض بحدة وأيقظ شعوري بالتهديد فقلت بصرامة:

    - إنها حذرة جداً سيد فيليب، وعبقرية فلا تخدعها المظاهر أو تتلاعب بها الكلمات




    أرخى رأسه باسماً ثم قال:

    - هي كذلك بكل تأكيد، قضيت النهار أحاول معرفة طبيعة دراستها وكانت تتحفظ عن الإجابة ببراعة تامة..




    وشعرت بالفخر من حديثه فقلت:

    - ولا تظنني أسهل عليك مساعيك سيد فيليب، مع أنك تبدو كرجل مهذب صادق وهذه مزايا جيدة في نظري




    فقال واثقاً وبصراحة:

    - يسرني سماع ذلك، و أفضل المحاولة بنزاهة حتى النهاية




    أعجبتني إجاباته الحاذقة ولمست في شخصيته تشابه كبيراً مع صوفي، ومع ذلك بدا وكأن المزاح يصفعني بجديته فلم يرق لي كرجل بعد الأن.. وإن كنت أتحدث معه من باب المزاج إلا أنه بدا صادق بالتمام وهذا قرع نواقيس الخطر في خاطري.. أيعقل أن تقع صوفي في حب هذا الرجل وهي المتحفظة الأقوى على قلبها وعقلها الراجح الرزين ضد معشر الرجال!! ..




    وكنا قد وصلنا الى منافذ النُزل فتعذر بإنشغاله واستئذان للإنصراف وغادر قبل أن تنضم إلينا صوفي من جديد فزفرت برتياح صادق..









    استقيظت متأخراً صباح اليوم التالى كوني لم أستغرق في النوم مبكراً ليلة البارحة وهواجس فقداني لصوفي تعج في مخيلتي بواقعية مفزعه،..
    وعلى إثر استدارة بسيطة بإتجاه عقارب الساعة الصغيرة على المنضدة، وجدت بأن جسدي يقفز من الفراش قاصداً المطبخ في الطابق السفلي غير مبالٍ بما أرتديه من لباس يخص النوم، فمواعيد الإفطار صارمة في النُزل ولن تتواني جدتي عن جعلي أتضور جوعاً حتى موعد الغذاء بكل قسوة ..


    تنهدت بإرتياح حين وصلت الى المطبخ لأجد الطعام لا يزال على الطاولة، إلا أنه لا أحد حوله!.. وترامى الى مسمعي صوت جلبة في الخارج قصدت أستعلم عنها من باب المطبخ الداخلي بعد سرقت قطعة خبر مدهونة بالمربى السماوية من أحد الأطباق، لأجد جدتي وصوفي وباقي العاملات في النُزل يقفن متفرجات على مجموعة من العمال الرجال الذين كانوا يفرغون حمولة الخشب من شاحنة نقل ضخمة في الفناء الداخلي للنزل، و قريباً من البحيرة، أنضممت إليهن وسرعان ما عثرت عيناي اللوزيتين على ضالتها وهو يقف ويلقي بالأوامر لهذا وذاك، وتلقائياً وجدت يدي الشاغرة تطبق على صدري..





    طالعتني جدتي بيأس ولسان حالها يقول:

    - على الأقل سرحي شعرك قبل النزول!




    إلا أنني لم ألقى بالاً وأنا أحسبها تبالغ كعادتها ثم قلت بينما أقضم الطعام:

    - إنهم مثابرون بالفعل




    أومأ الحزب الأنثوي بالموافقة ثم استدارت جدتي عائدة وهي تقول:

    - لا يجب علينا تشتيت انتباههم أكثر مما فعلنا .. لينا تكفلي بإعداد الشاي والتحلية لهم في بعد رجاءاً




    مددت شفاهي بإنزعاج وأنا أتمتم:

    - فقط عندما أصل تنتهي المتعة !




    فلكزتني صوفي وهي تتلون بخجل في مكانها وقالت متلعثمة بهمس:

    - مالذي أتى به هو الأخر هذا الصباح؟!




    تلفت من حولي حتى وقعت عيناي على السيد فيليب بهندامه الأنيق وهو يصافح القروي جورج ويبدو وكأنهما يتجاذبان أطراف الحديث، مشهد من النشوة والألم والتعذيب!.. أسرعت كلتانا الى الداخل بعد ان نلنا كفايتنا من الآثام بالتحديق في كليهما وقلت بحدة صادقة:

    - جدتي هل قمتِ بدعوة السيد فيليب؟!



    .............





  11. #30

    -٤-

    أجابت وهي تسكب لنفسها الشاي:

    - بل أمرته بالقدوم، أنتما بالتأكيد لا توقعان أن أترككما تشرفان على جماعة الرجال بالخارج! كما أنها مهمة ذكر لا أنثى



    رددت عليها بحنق وأنا أصر على شفاهي:

    - وهل نسيتِ بشأن بيل و ماث أم أنهما ليسا ذكرين بما فيهم الكفاية



    فشهقت السيدات وتعالت ضحكاتهن حين قالت لينا مدافعة:

    - دعيني أأكد لك أن بيل كامل الفحولة عزيزتي ولا يزال بطاقة الشباب حين يتطلب الأمر



    رمقتني جدتي التى لم تكن مع الضاحكين وقالت بلا هوادة:

    - راقبي ألفاظك يا آنسة!.. كما أن لكل منهما عمله ولا أتوقع أن يتركا مهماتهما لمراقبة التطورات .. على الشريك الجديد القيام ببعض الأشغال أيضاً فهو منتفع بالعوائد معنا!

    حديثها جعلني أفقد الشهية في تناول الطعام.. الحقير فيليب، لهذا كان يتحدث بغرور وثقة بالأمس وأنا المغفلة التى ظننت أننا لا نراه بعد ذلك!.. وبحثت عيناي عن صوفي ثم استقرت عليها برهة لأقراء ملامحها، فوجدتها مشغولة بالإفطار عن أي شيء أخر، عندها ابتسمت بسعادة وأنا أجاورها في الجلوس وأتنهد بإرتياح..




    بقية النهار قضيته جلوساً على عتبة إحدى النوافذ المطلة على الباحة الخلفية مع كراستي والقلم .. وكانت عيناي تراقبان العمال من حين لأخر وخاصة معلمهم الوسيم المغرور، بيد أنه لم يخطئ بتاتاً ويجعلني أضبطه متلبساً بجرم استراق النظر الي كما فعل جميع افراد طاقمه بلا استثناء ..

    وكانت الشمس تتلطف في حرارتها حين لمحت صوفي تسير الى منطقة العمل وفي يديها صينية عليها عدد وفير من الأكواب المملوءة، وشعرت بالرهبة عليها جراء تجمع العمال حولها دفعة واحدة حتى حوطوها بالتمام، وسرعان ما زفرت براحة حين أخترقهم فيليب وصولاً إليها ليحمي ظهرها..

    انقضت بضع دقائق أخرى تعالت فيها قهقهات الشباب مع بعضهم البعض قبل ان يتفرقوا بعيداً عنها، حيث عادت أدراجها الى النُزل بصحبة فيليب، فهدأت سريرتي بالتمام وما طال هدوئي لأكثر من بضع دقائق قصيرة عندما أفزعني اقتحام صوفي للحجرة، وتعجبت حين أخذت تدور فيها ذهاباً وإياباً وجسدها المحمر يرتعش غضباً، حتى جلست أخيراً على طرف السرير وأنفللت منها دموع القهر، ألقيت كراستي على الأرض وهرعت إليها لأكون على مقربة منها وأنا أحاول أن لا أستبق أي هاجس سيء حتى لا تثور شياطيني، فقالت أخيراً من بين أضراسها:

    - كيف يجرأ على أمري ألكسا أنا لم أرى في حياتي رجل أشد وقاحة منه!


    عقدت حاجباي وقلت بعجب:

    - تقصدين فيليب؟!




    رفعت رأسها وبان وجهها الظريف الباكي وهي تقول بحنق:

    - ومن غيره ألسكا، لقد همس في أذني بأن لا أقترب من منطقة العمل مرة ثانية وأنه وجب علي تسليمه المشروبات عوضاً عن التصرف من تلقاء نفسي والذهاب اليهم كما فعلت!




    لم يسعني استنكار استياء فيليب فقد اقلقني تهورها انا ايضاً.. ولو أنني لم أتطرق الى الحديث معها عن هذا النوع من الأمور من قبل إلا أن طبيعة صوفي المحافظة جعلتها أقل خبرة بطبائع الرجال شاءت أم أبت، فهي لا تخالطهم ولا تصاحبهم بالعادة، وحتى وإن كانت دوفعها في خدمتهم بالمشروبات تنم عن نبلها واحسانها البحت، إلا أنني أخشى أن يصدمها أحدهم بنظرة أو تعليق فاجر سخيف لا يرى فيه الرجال عيباً مع الأسف الشديد، وخاصة تلك الفئة التى لم تكمل تعليمها في المعتاد!.. أمسكت بيدها المتنافضتين وتساءلت بلطف:

    - وهل كان فظاً حين قالها؟!




    رمقتني بذهول وكأنها لا تصدق موقفي المنحاز الى صفه ثم قالت بانفعال:

    - ظننت أنه من الفظاظة قولها في المقام الأول ولا علاقة للأسلوب في القضية!




    فأشرت لها بأن تهدأ وقلت:

    - بغض النظر عن ما إذ كان تصرفه سليماً أم خاطئاً، إلا أنه تصرف على سجيته كأي رجل أخر، كما أن قلبي كاد أن يقع حين انهال القرويون عليك وكأنهم لم يروا فتاة من قبل في حياتهم، لذلك أطلبها منك شخصياً بأن لا تذهبي إليهم بعد الأن.. لا يجب أن نتساهل في التعاطي مع الغرباء ونثق بهم بكل طيبة منذ البداية كما تفعلين في بعض المرات




    سكتت لبعض الوقت ثم قالت وهي تمسح دموعها وتصلح شعرها:

    - وبالمناسبة تقول جدتي أن عليك تنظيف الحجرة وتلميعها قبل موعد العشاء وإلا خصمت من مرتبك سعر استئجار الغرفة




    جحظت عيناي وقلت وأنا ألتقط حاجياتي بسرعة لأنفذ من المكان:

    - أقسم من أن هذه المرأة توشك على أن تفقدني صوابي في القريب العاجل..







    ~~~




  12. #31

    -٤-



    صوفي







    زارتنا أرجل العمال كل يومٍ تقريباً منذ ذلك اليوم، وطيلة ساعات النهار حتى الساعة الخامسة عصراً، حين توشك الشمس على المغيب..
    كنت أراقب سير العمل من مسافة وأنا أعمل في مكتب جدتي تارة، وخلال إهتمامي ببعض اعمال التحديثات تارة أخرى، إلا أنني لم أبرح الباحة الداخلية قط، وخلال أيام أصبح النُزل يعج برجال الحرف في كل مكان، فجماعة البناء تشغل الباحة والبستانيون يشغلون مشروع توسعة الحدائق المحيطة، وعلى سطح النُزل ينهمك عامل التوصيلات الكهربائية ليصلح خطوط الإتصالات بالشبكة ..


    وكان السيد فيليب الذي حاولت تجاهله بكل تفان يأتي مبكراً كل صباح ولا يعود إلا بعد خروج أخر عامل، وأظنه سيحل ضيفاً على أحد الغرف قريباً فقد رأيته يقف أمام ردهة الإستقبال بهذا اليوم وهو يتجاذب أطراف الحديث مع جدتي وبجانبه حقيبة رحلات صغيرة..
    أما ألكسا فكانت مشغولة حتى النخاع في الإهتمام بالتفاصيل التى تكون بعد انتهاء مرحلة العمل وابتداء مرحلة جديدة من التنسيق والتنظيم، ولم يكن هنالك طائل من مشاركتها فقد انهت رسم تصوراتها المثالية للمكان منذ زمن وشعرت بميلي للوثوق في إختياراتها هذه المرة دون طرح التساؤولات..



    ...



    أكتمل بناء العريشة الواسعة خلال أسبوع وتوجه البناؤون بعدها بالعمل على الجسر الخشبي للبحيرة، فنتهزت فرصة ابتعاد العمال عنها أنا وثوماس وانطلقنا لطلاء الخشب باللون الأبيض، وكانت المهمة أصعب مما تصورت في اليوم الأول خاصة وأن أعين فيليب بقية تحوم حولنا معظم الوقت على الرغم من أن عامل واحداً لم يتجرأ على الإقتراب من حيث كنا..




    استيقظنا صباح اليوم التالي كالمعتاد وأنتهى قسط الإفطار لنتفاجئ بطرقات على الباب كشفت عن بادرة ظريفة من اهالي القرى المجاورة، فقد انتشرت آنباء أعمال التجديد من كثرة توافد العمال على النُزل، فحضرت الشابات من القرية للمساعدة وكانت فرصة ثمينة لتكوين صداقات جديدة لم تكن ألكسا شديدة الولع بها، إلا أنها تقبلتها بحدة أقل عن المعتاد..
    وخلال ليلة وضحاها أصبح هنالك عشر شابات يعملن على طلاء العريشة معي، والعجيب أن معظمهن كن متزوجات على الرغم من كونهن لم يتجاوزن الخامسة والعشرين، إلا واحدة تدعى سوزان كانت لا تزال مخطوبة وقد أغرتها التحديثات في النزل على الإحتفال بزفافها فيه.. سرتنا الأنباء دون شك وأصبح الحجز أكيداً بعد انتظامها على الحضور لبضع أيام وخاصة لدى وصول شحنة القوارب اليدوية المصممة على هيئة بجعات بيضاء ساحرة جعلت الشابات يتأوهن من ظرفها لحظة أن أنزلها الشباب على سطح الماء ..




    بدأت معالم النُزل الجديدة في الإكتمال وأصبح المكان آية في الجمال والروعة زيادة على ما كان، فالعريشة زُينة أحد زواياها بستائر من الحجارة الخضراء البراقة، و أضيف لقلبها الأراءك الزاهية والوسائد المريحة، وعلى خط امتداد البحيرة أنتشرت مقاعد حديدة مزخرفة وأعمدت انارة تجمع الطاقة الشمسية خلال النهار وتبثها بتألق وجمال منذ لحظات الغروب.. وفي منتصف الطريق يمتد جسر خشبي ينتهى أخره عائماً فوق الماء وحوله تصطف البجعات الساكنات وهي تلقى بإنعكاسها الأبيض على الماء الداكن النظيف، وكانت ازهار الحديقة الموسعة تنمو على استحياء فلم تُظهر كامل زينتها بعد والرفيق بيل يعتنى بها بكل محبة واخلاص ليشجعها على الإزهار في وقت قريب..

    وصلتنا تصاميم متنوعة لبطاقات الدعوة لحفل الإفتتاح من صديقتنا في العاصمة، وتقريباً في الوقت ذاته وقع اختياري أنا وألكسا على إحدى النماذج فعتمدناه ونحن نضحك بسخف من المصادفة، إن أجمل ما جرى لنا وحتى أكثر من ما حققناه في النزل هو الوقت الثمين الذي قضته كل واحدة منا مع الأخرى بدون أي عوائق أو مسافات..

    كنا نعمل في النهار بإنسجام ونتحدث مطولاً طيلة ساعات الليل حتى ينهكنا الحديث فننام متشوقتين للغد، وأصبحت أقدر ألكسا أكثر وأرى جوانب قوتها في الإدارة والتصميم وجديتها في العمل، وقد كنت من قبل أشفق عليها كونها لم تكن تعمل أي شيء لأسابيع غير التذمر من سوء حياتها وفراغها من الاهتمامات..
    ومع أنه تم تفعيل الإتصال بالشبكة بنجاح إلا أنها لم تعد الى عاداتها القديمة في قضاء الساعات أمام شاشة الجوال لقتل الوقت في محدثات فارغة القيمة مع أصدقائها..




    رجتني ألكسا الذهاب الى المدينة لطباعة الدعوات فقد آن أوان إرسالها والإحتفال يقام في عطلة نهاية الأسبوع الوشيكة فلم يكن بوسعها غسل شعرها من شدة الإنشغال، وافقت على مضض من كراهية طول الطريق وشكرت الله أن احدى الشابات جاءت لإبتياع عدد من برطمانات المربى لتقدمها كهدية لجدتها المتوعكة في المشفى المركزي بالمدينة، لأنها عرضت علي مرافقتها خلال طريقها و أنقذتني من عناء تسول المواصلات، بيد انه لم يكن لدي فكرة عن كيف سأعود لاحقاً الى النزل ..
    كانت المحادثات شيقة طيلة الطريق وغرقت في نوبة ضحك طويلة حين صارحتني عن أسباب قدوم الفتيات مسافة ساعتين الى ثلاث ساعات كاملة لتقديم يد المساعدة، وذلك لمحض خوفهن على أزواجهن من خطري المحدق أنا وألكسا كوننا لا نزال عازبات!، تمنيت سماع ألكسا لذلك وأراهن من أنها تموت من الضحك هي الأخرى..




    وحدث أن جاءت المشفى في طريقنا أولاً وكانت المطبعة تبعد حوالي نصف ساعة أخرى، فأشارت علي جينين أن أزور جدتها معها ثم تأخذني الى حيث أريد، أشعرني عرضها بالخجل الشديد وحاولت أن أقنعها بمقدرتي على الإهتمام بنفسي منذ هذه النقطة فصاعداً، إلا أنها أبت وبشدة فضعفت أمام اصرارها ودخلت الى المبنى الطبي الحديث الذي نال على استحساني بجودته و حسن تقسيم وحداته.. وما ألطف الجدة من كائن، فعلى الرغم من أوجاعها إلا أنها أبدت سروراً عظيماً لزيارتنا وراحت تقص علينا تفاصيل وكعتها حتى أسكتتها جينين بصعوبة وهي تشعر بالحرج، ومن ثم تساءلت الجدة بفضول ينم عن طيبة وقالت:

    - وماذا تعملين يا صوفي؟!




    أجبتها بسعادة ورضا:

    - سنة أخرى ومن ثم أنال رخصة و شهادة التمريض




    شهقت العجوز بسرور وقالت وهي تضرب على صدرها دلالة على دهشتها:

    - وهل تعملين هنا حينما تنتهين؟!




    فقلت بحرج ولم يسبق لي التفكير في مكان عملي المستقبلي:

    - هذا سابق لأوانه ولكن من يدري




    ومن ثم دخلت علينا الطبيبة المسؤولة لتفقد الجدة فحكت لها الأخرى ما قلت، فقالت وهي تتوجه بجسدها اتجاهي:

    - أهذا صحيح يا آنسة، في أي جامعة تدرسين!؟




    أجبت:

    - جامعة أوكلاند سيدتي




    وتزاحمت الأصوات بالثناء بينما أردفت الطبيبة بإهتمام:

    - ما رأيك فالعمل لدينا بضعة أسابيع نيابة عن إحدى الممرضات، وسأكتب عن أداءك تقريراً وأوثقه من مجلس الإدارة ثم أبعثه الى رئيس قسمك في الجامعة ليحتسبه لك من ساعات التدريب المطلوبة




    فأشرقت عيناي بسرور وأنا لا أكاد أصدق اذناي.. ان اغلب الطلاب يتقاتلون من أجل فرصة كهذه وأنا تأتيني في أكثر الظروف غرابة وبسبب ثرثرة سيدة عجوز!..

    أومأت لها بالموافقة فطلبت مني اللاحاق بها وأخبرتني عن احتياج قسم الولادة للممرضات بصورة ملحة بعد أن غادت ثلاث ممرضات لأسباب قصرية لا تحتمل التأجيل، ثم سألتني مطولاً عن المواد التي أخذتها وساعات التدريب التي انتهيت منها من قبل، وطلبت مني احضار بعض المستندات الشخصية وأوراق التعريف الثبوتيه وأشارت من أنها ستراسل الجامعة على أية حال لترى إذا ما كنت ملائمة لحجم المسؤولية أم لا قبل أن تساهم في منحي الوظيفة المؤقتة ..





    عدت بعد ذلك ادراجي الى جينين التى أخذت تسألني متشوقه عما جرى فأخبرتها والسعادة لا تسعني.. وبينما نحن نترجل سلالم المخرج الجانبي لنكمل السير باغتني ترجل فيليب من الصيدلية الملاصقة للمشفى وبان على أماراته العجب هو الأخر.. بيد أنه تمالك دهشته أسرع مني وابتسامة صافية تعلوا شفاهه وهو يقصد اتجاهنا ثم قال:

    - ورب صدفة خيرٌ من ألف ميعاد آنسة صوفي.


    ............



  13. #32

    -٤-




    ألقيت بسؤالي مباشرة وبدون مقدمات لأدرك لاحقاً فظاظة فعلي:

    - مالذي أتى بك الى هنا سيد فيليب، ظننتك تشرف على العاملين في النزل!




    فأجاب برحابة صدر وكأن اهانتي لم تصبه في موضع:

    - ذاك بالكاد تبقى منهم أحد غير جورج وهو أهل للثقة، كما أن فرسي تلد الليلة أو بالغد فأتيت لها ببعض المسكنات و ماذا عنك؟




    قالت جينين لتشارك في الحديث وتخفف من رتابته:

    - كنا نقصد المطبعة لقضاء مصلحة للنُزل..




    اردف بتحاذق:

    - ولكنها على حسب علمي في عكس اتجاه منزلك سيدة جينين




    صدرت منها ضحكة بسيطة قالت بعدها:

    - لا ضير في ذلك، إن صوفي رفيقة منعشة ولا أكره قضاء الوقت معها على الإطلاق، كما أن علي الإهتمام بإعداد العشاء ريثما أصل ولست متشوقة لهذه المهمة بالذات




    ووجدت أنني مجبرة على إطلاق سراح جينين بعد ما سمعت، وقد علمت أنه أوقعني بذكاء في مخططه:

    - لا عليك سيدة جينين لقد تأخرت على صغارك بما فيه الكفاية، السيد فيليب ينزل لدينا ولا أظنه يمانع أصطحابي معه أليس كذلك؟!




    فأضاف مدعماً كلامي بسرعة:

    - على الأطلاق آنسة صوفي.. لدي بعض الأعمال أنجزها في المدينة على أية حال قبل أن أشق طريق العودة وبالتأكيد ستسعدني الصحبة




    نظرت الى السيدة جينين بأعين مشككه وقالت بإلحاح:

    - هل أنت متأكده؟! أخبرتك أنه لا مانع لدي من أخذك الى المكان والأطفال برفقة زوجي فلا تقلقي بشأنهم




    أومأت بالإيجاب وقلت وأنا أتخذ جانب فيليب:

    - سأراكِ قريباً في الإحتفال، لا تتأخري رجاءاً




    ابتسمت جينين وعانقتني وهي تأكد على حضورها ثم غادرتنا الى سيارتها فرافقته الى سيارته السوداء الثمينة.. بيد اني لم انطق بحرف واحد حتى ابتدأ الحديث قائلاً وقد قطعنا مسافة لا بأس بها:

    -هل لي أن أعرف متى تتوقفين عن تجاهلي؟!




    انعقدت حاجباي تلقائياً وأنا لا أزال أراقب الطريق:

    - أستسمحك عذراً؟!..




    أردف:

    - وإذا كانت العلة تخص طلبي منك بعدم الذهاب الى منطقة العمل بذلك اليوم فلا تنتظري اعتذاري على الإطلاق




    وتفاجأت من الحدة في صوته فرددت بنبرة دفاعية بحته:

    - المعذرة إذا أوحت لك تصرفاتي قديماً من أن بيننا أي نوع من المودة أو الصداقة سيد فيليب، وبالتأكيد لم أكن أتوقع الى سماع أي اعتذار منك فلا تخلط بين الأمور رجاءاً




    فشد على مقبض المقود أمامه وقال بحنق وهو يصر على أسنانه:

    - وأنا الذي ظننت أني أتعامل مع امرأة ناضجة!!




    شهقت بفزع وقلت بأقصى ما اتاحته اعصابي من تجلد:

    - أوقف السيارة سيد فيليب أنا لن أبقى بجوارك دقيقة اضافية




    فتأوه متشمتاً في حاله وقال ساخراً:

    - في حال تستطيعين الإدراك من أنه خط سير واحد ولا يخضع لأوامر الأنسة صوفي الموقرة




    تلفت حولي لأتفقد الطريق والغضب يتملكني من أسلوبه اللاذع في الكلام، كما أن قلبي لم يرحمني من شدة الخفقان بفزع، وأيقنت أنه حبس اجباري ريثما نبلغ منعطفاً تستطيع السيارة التوقف فيه.. انقضت بضع دقائق قبل أن يتمتم فيليب بهدوء:

    - المعذرة، فقدت أعصابي بطريقة مشينة قبل قليل وأسحب ما قلته




    تأخرت إجابتي ثم قلت بتعقل:

    - وأنا أيضاً.. ماكان يجب علي الإنفعال




    وأصابني في لحظة ضعف حين قال بنبرة مستقرة:

    - هل بوسعنا البدأ مجدداً؟!




    أجبته بعد تنهيدة عميقة:

    - لا بأس.. إلا أنني أحذرك من نفسي، فأنا لا انسى




    ابتسم بأريحية وقال بصراحة:

    - اختبرت ذلك جيداً آنسة صوفي وتعلمت الدرس قاسياً.. ما رأيك بالمصارحة منذ الأن فصاعداً؟!




    هذا ممتاز بالنسبة لي، فالمصارحة لا تشكل لي حرجاً على الإطلاق وإنما لا أتعامل بها من باب الحذر مع الجميع، عضضت على شفاهي وأنا أقول له برتياح:

    - المصارحة تعجبني.. متى نبدأ ؟!




    وابتسمت بخجل لضحكته الساحرة وأنا لا أقوى على النظر في اتجاهه، ثم قال بمرح:

    - منذ أن ألتقينا أول مرة




    رمقته ساخرة وقلت:

    - هذا ليس عدلاً .. أنت رأيتني أولاً وفي أسوء حالاتي على الإطلاق




    فأجاب بعمق أرتعش له قلبي:

    - على العكس تماماً..




    كشرت باسمة والفضول يقتلني رغم الرعشة الخفيفة في شفاهي:

    - مالذي تعنيه؟!




    أجاب بسكون:

    - لم تقع عيناي قط على شابة بجمالك.. هذا ما تبادر الى ذهني حين حملتك الى النُزل بذلك اليوم




    ما بال الأجواء تزداد حرارة في هذه السيارة.. ألم نصل بعد، بالتأكيد سلك طريقاً أخر متعنياً.. ماهي نواياهـ.. هذه الأفكار المتدافعة وغيرها الكثير مما تزاحم في عقلي كي تبعدني عن التفكير في جملته الأخيرة وما يمكن أن ترمي إليه، إلا أن وجنتاي بقيت تحترق حتى وصلنا الى المطبعة.. أوقف فيليب السيارة في احدى المواقف ثم استدار بتجاهي وقال:

    - سأنتظرك ريثما تنتهين، ومن ثم نحتفل بصداقتنا في مطعم مجاور ما رأيك؟




    وتجلدت أيما تجلد لأنظر إليه في العينين برزانة ووقار، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً فقلت وأنا أشغل نفسي بإيجاد غرض وهمي في حقيبتي:

    - جميل.. لن أتأخر على أية حال فقد ارسلنا القالب للمطبعة منذ الأمس وانا هنا فقط للإستلام والدفع!




    أطفاء محرك السيارة وقال وهو يترجل بحيوية:

    - إذاً أحملها عنك..






    ~~~





  14. #33

    -٤-


    ألكسا






    ترجلت من سيارة العم براين وأنا أحمل أكياساً قماشية تحوي الزي الرسمي الجديد للموظفين في النُزل بعد ذهابي لإستلامه مبكراً هذا الصباح من عند السيدة نتالي، على الإعتراف من أنها قد قامت بعمل رائع في اخراج تصاميمي بكل اتقان خلال بضعة أيام فقط.

    ولم يصعب على ملاحظة الشاب المسيطر على تفكيري مؤخراً بتفانيه وأمانته في العمل وهو يثبت اللافته الجديدة فوق باب النُزل، ولكن لحظة واحدة .. هنالك خطأ ما في الحسابات.. اللافته يجب أن تكون أعلى من الإرتفاع الذي ينوى تثبيتها عليه! أسرعت بتلقائية وأنا أعلن اعتراضي بدون روية:

    - كلا كلا من المفترض أن تثبتها حيث العلامة المحددة بالقلم هناك..



    توقف عن ما كان يقوم به بالخرامة الكهربائية واستدار نحوي ثم قال بجدية:

    - اللافته أثقل من أن تصمد حيث العلامة وبإرخائها قليلاً تكتسب دعامة اضافية من اطار الباب



    وما كان المبرر كافياً ليمنعني من تحقيق التصور المثالي عن مدخل النُزل في عقلي فقلت مستنكره:

    - إذا ثبتها بمزيد من المسامير!



    فحك مؤخرة رأسه بيده المتسخه بغبار الخشب، ومن ثم قال وهو يترجل عن السلالم الصغيرة من تحته:

    - أعتذر عن القيام بالمهمة إذاً!



    رمقته بذهول وقلت وأنا لا أصدق طفوليته:

    - أنت تمزح دون شك!.. أهذا ما تفعله حين تقوم ببناء منزل أحدهم فإما أن يتماشى البناء مع أهواءك أو ترفض العمل!



    أومأ وهو يهز رأسه بسذاجة:

    - تماماً كما تقولين، لا يمكن أن أرفع قواعد بناء لا يتماشى مع حساباتي مئة بالمئة



    فقلت وأنا لا أكاد أصدق أذناي:

    - أنت مثير للشفقة !



    وحدجني بنظرة غليظة ثم قال بغضب:

    - وأنت سليطة اللسان كما لم أرى من قبل في حياتي وهذا يبعث في النفس الإشمئزاز.. قالب مبهر وقلب مدقع، ويالها من مفارقة عجيبة بينك وبين شقيقتك



    فصرخت به بقهر:

    - وكأن رأي قروي نتن يهمني .. انتم جميعاً سواسية، تحبون المرأة التى تتجاوب مع تودداتكم الرخيصة و إن اعرضت أصبحت سليطة و فظة! .. هل تتوقع مني التساهل في الحديث معي اي رجل يمر بجانبي على الطريق في مكان لا ألفه!

    تنهد بعمق ثم قال بإمتعاض بارد:

    - وأهانتك لي في المطعم! ماهو تبريرك لها الأن؟!



    امتقع لوني و أنفرد وجهي من فعل البغته وتلعثمت ولم أجد مخرجاً حتى قال وهو يلتقط سلالمه وعدته:

    - طاب يومك ألكسا..



    فترنحت في مكاني وتثاقلت نبضاتي من شدة التأثر، لقد نطق باسمي وأنا لست واهمة!.. مالذي يجرى الأن وكيف .. خرجت جدتي من الباب والفزع يلون وجهها:

    - حباً في الرب ألكسا مالذي جرى ومع من تشجارتي قبل قليل؟ لقد وصل صوتك للطابق الثاني!



    أطبقت عيناي بوجع وقلت هامسة:

    - اختلفت مع البناء حول مكان تعليق اللافته فرحل غاضباً قبل لحظات..



    رمقتني جدتي بخيبة أمل وقالت معاتبه:

    - ما كان يجب عليك ألكسا، لقد شاورني في أمرها مبكراً هذا الصباح وأقريته على العمل بما يراه مناسباً.. كما أنه رفض تناول الفطور حتى يتم عمله ولم يطالبني ببنس واحد ريثما ينتهى من جميع الأعمال مجتمعه!




    وسكتت جدتي حين رأت دموعي تتحرر بغزارة وأرادت ضمي إليها إلا أنني ناولتها الحاجيات من يدي وأسرعت بعدها نحو العلية لأختلى بذاتي..







    ولجت صوفي الى الحجرة بعد أن أسدل الليل بستاره على الأرجاء، كنت مستلقية بهدوء على السرير مما جعلها تعتقد أني أغط في النوم، فأولت تحركاتها اهتماماً بالغاً لتحد من الضجيج وأطبقت على عيناي بسرعة حين مالت نحوي لتقبل رأسي .. سرعان ما ضحكتُ بعدها حين قالت ساخرة:

    - سأصاب بالقلق الشديد ان كانت انفاسك بهذا التسارع و الصخب حين تنامين في العادة.. كفى عن التظاهر ألكسا



    قلت وأنا أنقلب على ظهري لأتابع تحركاتها في المكان:

    - هذا لأنك لئيمة ولا تغدقيني بالحنان إلا عندما تنام الأجفان


    أجابت ضاحكة:

    - أغدقتك بما فيه الكفاية خلال أعوام طفولتك وصباك



    فتذكرت ومضات من ماضينا أمام المرأة وفي غرفة اللعب وفي النزهات ثم قلت بإنشراح:

    - كانت أياماً جميلة بحق



    استدارت الى وقالت وهي تخلع حقيبتها وأقراطها:

    - وماتزال كذلك ألكسا، أظنه أجمل صيف قضيناه معاً ولا ينقصه سوى وجود أبي وأمي


    وكأنها ذكرتني بشأنهما فقلت بخجل:

    - بالمناسبة هل تحدثتي معهما مؤخراً.. بالكاد أجد الوقت لمراسلتهما عبر الرسائل النصية ولا أكثر


    أومأت برنة صوتها وقالت:

    - بلى بالأمس، أمي لا تزال غاضبة وتريد عودتنا وأبي يريد قضاء مزيد من الوقت مع عائلته في إيطاليا وهي ترفض الإنضمام إليه لأن جدتي هناك لا تحبها



    فضحكت وأنا سعيدة من أن كل شيء على مايرام:

    - جدتي لا تحبنا ونحن أولى بالمحبة.. أتفهم شعور أمي ولن أذهب إذا كنت في مكانها


    وفاجأتني صوفي حين جلست بالقرب من جانبي في السرير بدون مقدمات لتقول بإهتمام وهي تنظر في عيناي:

    - مالذي جرى بينك وبين جورج لتتشاجرا ظهر اليوم؟! .. جدتي قلقة ولا تستطيع النوم منذ أن حبستي نفسك في هذه السقيفة ألكسا، لا يصح جعلها بهذا القلق



    فتأوهت وقبلت يدها التي كانت تلامس وجهي ثم أردفت برجاء حقيقي:

    - ليت عندي معشار احساسك بمن حولك صوفي، وأظنني خسرت اليوم شاباً أنا معجبة به بحق

    جحظت بعنيها الحلوتين وقالت بإهتمام:


    - لماذا؟؟!



    ............

  15. #34

    -٤-




    حكيت لها شأني بالتفصيل وشعرت بالراحة لمجرد اشراكها في مشاعري المختلطة، قامت بعدها وفتحت أحد أدراج الخزانة وألتقطت منها شيئاً لم أتعرف عليها في الظلام ثم قصدت حقيبتها وأخرجت منها حاجة أخرى وهي تأمرني بفتح النور قرب السرير، وخنقتني العبرة مجدداً حين وضعت سترته أمامي ومن فوقها بطاقة الدعوة الأنيقة ثم قالت:


    - لدي ما أقوم به في المدينة بالغد كما أن عليك إيصال الدعوات لمكتب البريد، فلم يتسنى لي اللاحاق بالمكان قبل انتهاء ساعات العمل، ما رأيك بزيارته ايضاً وربما الإعتذار بكل صراحة




    وحين هممت بالإحتجاج أسكتتني وأردفت:

    - لربما يقبله أو لا يقبله وهذا شأنه بالكلية.. إنما تعتذرين لتتصالحي مع نفسك أولاً قبل أن تصححي الخطأ الذي اقترفته فيما مضي.. وأراهن من أنه لا يحرجك ألسكا فقد تحدثت معه بضع مرات وكان رجلاً مهذباً بكل ما تعنيه الكلمة ..



    نظرت إليها مترددة وقلت بحيرة:

    - أهكذا تظنين؟!



    هزت رأسها بالإقرار ومن ثم هبت واقفة وألتقطت حاسوبها المحمول فبادرت بالسؤال:

    - ألن تنامي بعد؟!



    أجابت:

    - علي القيام بتجهيز بعض الأوراق أولاً ومن ثم أنضم إليك عزيزتي.. تصبحين على خير

    - وأنت بخير



    أجبتها قبل أن تطبق على الباب إثر خروجها، ووضعت السترة على المنضدة الخشبية بالقرب من السرير ثم أستلقيت في اتجاهها وغرقت في تأملها حتى استسلمت للنوم






    ترجلت صباح اليوم التالى بعد أن أوليت مظهري عناية خاصة فوضعت ثوباً أنيقاً فضفاضاً له أكمام واسعة والتركيز كله على الحزام الجلدي الواسع على خصري، حملت السترة في حقيبة خاصة وأنا مصممة على كسب ذلك الجورج وقد تبادر لي بكل وضوح من أنني لم أُفتن بأحد قدر ما فُتنت به وبشخصيته الكادحة بغض النظر عن هندامه الشنيع وشعره المشعث طوال الوقت، ولم يبدو من الصواب تركه يضيع من بين يدي دون محاولة ..



    وحين وصلت الى طاولة الإفطار شهقت بسعادة وأنا أرى الجميع يرتدي الفساتين الصيفية الزاهية التى صممتها لهن من قبل ولكل واحدة اضافة خاصة بها، بينما تباهى كل من العم بيل و ماث بالسترات الرجالية الأنيقة وصرت أدور بينهم وأنا أتأمل كُلاً على حده، حتى وصلت الى الصبي ثوماس فتأوهت بدلال وعانقته، فلكزتني امه ضاحكة وهي تقول:

    - ستفسدين الفتى دون شك مع كل هذا الدلال



    رفعت كتفاي بقلة حيلة وقلت:

    - الذنب ذنبك إذ أنجبت غلاماً بهذا الظرف ريتا ..



    فقالت صوفي وهي تضع طبق البيض في قلب الطاولة:

    - هاهو النجم وصل، بالهناء والشفاء ..



    أستنشقت لينا الرائحة وهي تكشف عن المقلاة وقالت برضا:

    - تم شطب خانة الرائحة الزكية وبقي لنا اختبار الطعم



    ولاحظت نقصان العدد عن المعتاد فقلت:

    - لحظة واحدة أين ذهبت جدتي وهل لا يزال ضيفنا الوحيد السيد فيليب مقيماً عندنا؟!



    أجابتني صوفي بتلقائية:

    - كلا غادرنا فيليب بالأمس للإهتمام ببعض شؤونه قبل جلبة الإفتتاح، يبدو أن احدى خيوله تلد قريباً



    وقاطعنا دخول جدتي المتوترة رغماً عما تحاول اظهاره من سكينة ووقار وهي تقول:

    - كلا لن يكون هنالك أي جلبة لدى الإفتتاح صوفي.. رجاءاً لا تتحدثي عبثاً



    فتصديت لها:

    - أوووه هون عليك جدتي سيكون كل شيء على مايرام أنا واثقة



    وسرت القشعريرة في بدني حين قالت بحنق:

    - بالتأكيد ألكسا ألم أقل ذلك تواً؟! لماذا تعيدين حديثي علي وكأنني عجوز خرفة!




    التزمت السكوت حتى لا أثير استياءها ويبدو أن القلق يتملكها أكثر من أي فرد في المكان حيث لا يفصلنا عن الإفتتاح سوى أربعة أيام، حتى أنها ضلت تحوم حولنا وهي تتفقد مخزون المطبخ من كل شيء وتدون في عقلها كما بدى واضحاً للأعين بينما شرعنا في الأكل جميعاً، وتقافزت مع صوفي بفزع حين قالت بنفاذ صبر وهي تقصدنا بالحديث

    -حباً في الرب هل لا أكلتما بسرعة.. الدعوات لا تزال في النُزل أم أننا نفتتح وحدنا ؟؟!



    فدسست ما استطعت داخل فمي دفعة واحدة، و هرعنا خارج المكان وهي تراقبنا حتى خرجنا من باب النُزل، وهناك أنفجرنا في الضحك..

    أضحى الإحساس بطول الرحلة الى المدينة يضمحل مع ترددنا عليها مؤخراً وإن كنا في كل مرة نقصد مكان بعينه دون التجول بحرية في الشوارع الجميلة والمحلات المبهرجة..
    إنها مدينة سياحية عائلية من الدرجة الأولى وبالكاد يجد المرء فيها ما لا يسر النظر، فالبهاء حاضرٌ في اعمدة الإنارة والشوارع المتشعبة بذكاء، ثم البيوت النظيفة المبنية على سفوح الطبيعة الجبلية وغالبيتها يطل على النهر الواسع المتفرع الى بحيرات مترامية إحداها البحيرة المقابلة للنُزل، وكانت المدينة في سلميتها العجيبة تشعرني وكأن الزمن توقف عن الحراك بالناس، فلا يبالون ولا يتعجلون مهما تراوحت أعمارهم وأختلفت اصولهم وأهتماماتهم، الكل راض وسعيد وبالكاد سمعت أي شتم أو لمز كما هو متعارف عليه في أحاديث أهل العاصمة..




    توقفنا أمام مشفى كبير وتعجبت في بدأ الأمر إلا أن صوفي بررت برغبتها في مقابلة أحد ما لخمس دقائق وسرعان ما عادت الى السيارة، فأكملنا طريقنا الى قلب المدينة متجهين مباشرة الى مكتب البريد، وفيه قضينا بعض الوقت لنتأكد من أن كل دعوة تذهب الى المكان الصحيح في زمن لا يتجاوز الغد، ومن ثم أفترقت عن صوفي لتسليم الدعوة الخاصة به بينما تقضي حاجيات جدتي وتبتاع مؤنة العشاء الخاصة بحفل الإفتتاح من السوق المحلي..




    تمكنت بفضل ما اكتسبته من معارف في المكان من معرفة موقع المعلم جورج مجدداً، و ثار عجبي حين اظهرت الخريطة ذات العنوان على الهضبة حيث البناء الغير مكتمل، بيد أن الأمر يصب في صالحي فأنا أعرف طريقي الأن ولن يضيع الوقت في التوهان كما حدث في السابق،..
    استعنت بسيارة اجرة هذه المرة عوضاً عن استخدام قدماي، حتى لا يضيع المجهود الذي بذلته في اختيار الثوب و تسريحة الشعر سداً، إلا أنني لم أفرط كثيراً وحاولت الحفاظ على المظهر العام بأقل قدر ممكن من الأضرار..

    توقفت السيارة الصغيرة عند رأس الهضبة فترجلت بتخوف، وها أنا ذا أقف أمام موقع البناء وعيناي تبحثان عن ضالتها دون جدوى، توغلت في السير الى الداخل ولم أسمع أي أصوات تخص المعدات أو البشر بل انتابني شعور حاد بوحشة المكان وخلوه من دبيب الحياة ..

    وبينما أنا غارقة في قنوطي وقلة حيلتي وصلني صوته من ناحية المنحدر وهو يقف أمام بيت بلاستيكي متوسط الحجم وفي يده كوب مشروب ساخن:


    - أيا ترى هل ضللتي الطريق مجدداً يا آنسة ؟!

    ...........




  16. #35

    -٤-

    وكان الوصول اليه يتطلب الهبوط بحذر فالمكان منخفض عن باقي الهضبة، خلعت حذائي الأقل ارتفاعاً هذه المرة وشرعت بالهبوط دون انتظار دعوة منه وأسرع ممسكاً بمعصمي وهو يقول بفزع:
    - حاذري .. أنت مجنونة دون شك!

    أجبت وأنا أستعيد اتزاني أمام باب البيت المرتفع:
    - هووف وصلت قطعة واحدة والشكر لك

    ثم وقعت عيناي على ذراعه المبلله بالمشروب الحار ففزعت وأنا أتفقدها:
    - هل احترقت!


    رمقني وهو ينفضها عن يمينه ويمسحها في ظهر قميصه بلا اكتراث ثم قال بمكر:
    - القروي النتن بخير يا آنسة ولا يحتاج الى اهتمامك، مالذي جاء بك الى هنا أنت بالتأكيد لم تضلي الطريق فوق هضبة منعزلة!


    أجبته وأنا أبحث في حقيبتي لأخفي تأثري من فظاظته:
    - هاك دعوة الإفتتاح، أصرت جدتي أن أسلمك إياها شخصياً وهي تلح على حضورك


    فتناولها مني وقلبها بين يديه وهو يجلس على عتبة الباب:
    - شاكر لها ومقدر، سأرى ما بإمكاني فعله ذلك اليوم، إلا أنني لن أعطي وعوداً من أي قبيل


    وصفعني احتمال أن لا يكون متواجداً في الإحتفال فقلت بإلحاح:
    - الكل يتوقع حضورك ولا يجب عليك تخييب آمالهم، كما أنك لم تتقاضى اتعابك الشخصية حتى الأن


    وضع الكوب وبطاقة الدعوة جانباً وقال وهو يميل بجسده الى الأمام ليتكأ بكوعه على ركبتيه وذراعيه الممتدان يتقابلان في منتصف الطريق:
    - كفي عن ألاعيبك ألكسا.. مالذي جاء بك الي؟، أمثالك بالتأكيد لا يلقون بالاً بحضور القروين أمثالي الى حفل الإفتتاح الكبير


    تمالكت أعصابي جيداً فقد أعددت نفسي لمجابهته سابقاً، إلا أني بدأت أشكك في مقدرتي على تحمل ملامته ولذاعته تجاهي، وأخرجت الكنزة ثم ناولتها إياه، تأملها وهي لا تزال في يدي ثم قال مستنكراً:
    - ماهذه؟!

    أجبت بصوت مختنق:
    - كنزتك، ألا تذكر؟!

    فسكت لبرهة وهو يراجع شأنها في ذاكرته ثم قال ببرود:
    - اه تلك، لا أذكر أني طلبت استرجاعها، وليس بعد استعمالك لها دون شك!، ألا تظنين أنها تعدت مقامي المتواضع هذا فكما ترين لست سوى عامل بسيط يقطن في صندوق قذر ولا..


    قاطعته بإنكسار وأنا أتجرد من كبريائي أمامه بالكلية:
    - لماذا يجب أن تكون قاسياً الى هذه الدرجة!.. ألن تخفف من حدة غضبك قليلاً لتدرك أني أحاول الإعتذار دون أن تترك لي المجال


    أجابني ببرود وهو يحطم ما تبقى من آمالي:
    - تأخرتِ كثيراً، ولم أعد مهتماً بالإستماع


    ابتسمت وأنا أشد على قبضتي المعلقه في الهواء والتي لا تزال ممسكة بالقميص، ثم أسترديتها الي وقلت مازحة:
    - إذاً أظنني سأحتفظ به .. أعتذر عن ازعاجك وأرجوا أن تلبي الدعوة من أجل جدتي، انها حريصة على حضور الجميع وإلا تنغص عليها يومها


    واعطيته ظهري قاصدة الذهاب من حيث أتيت إلا أنه قال:
    - لحظة واحدة، لقد أنتهت حاجتي للملف انتظري وسأحضره لك في الحال


    فقلت من بين دموعي المسترسله دون أن أنظر الى الوراء وأنا لا أبالى أن يعلم عن بكائي:
    - لا عليك.. لا حاجة لي به أيضاً، الوداع جورج


    ثم رقيت المنحدر بحذر وظللت أمشي في خط واحد عائدة الى المدينة وأنا اشهق بالبكاء، ولم يكن سببه من ندمٍ على الإعتذار وإنما توجعاً من قساوة الرفض..


    ~~~



    صوفي


    التقيت بألكسا لاحقاً ذلك اليوم وأنا أتطلع لسماع أخبار مفرحه عن حياتها العاطفية، بيد أن الحالة التى وجدتها عليها كانت أبعد ما يكون عن ما توقعت، ولم أرهق كاهلها بالأسئلة التي لا طائل منها فعينيها الباكيتين حكت لي كل شيء، وقضت طريق العودة مستلقية على حجري في المقعد الخلفي للشاحنة التى كان يقودها بيل هذه المرة لإحضار مستلزمات المطبخ لزوجته لينا..

    وصلنا الى النُزل قبل حلول موعد العشاء، ورحمةً بألكسا قمت بالتغطية عنها أمام جدتي والبقية متحججة من أنها مرهقة من آثار الطريق وتكون بخير بعد الإضجاع والإرتياح، جلست بعد ذلك مع جدتي نتجاذب أطراف الحديث وأقداح من الشاي، وكانت أمسية لطيفة على الرغم من تمحور حديث جدتي حول النُزل وحجوزات ليلة الإفتتاح فأكثر المدعوين قرر بيات ليلته في النُزل لبعد المسافة ولقضاء الأمسية بإرتياح بعيداً عن قلق التفكير في العودة بعد انتهاءها..


    تأخر الوقت فتركتني للنوم وحثتني عليه إلا أني أثرت الخروج للسير في الباحة الداخلية المضاءة بأنور صفراء بديعة وعلى ضفاف البحيرة المظلمة، كانت النسائم بالخارج باردة نقية تبعث في النفس السكينة حتى النخاع، وأخيراً وجدت بعض من الوقت المباح لأبحث في شؤوني الخاصة دون أن يعترضها متطلبات العمل، وتذكرت ليلة ما قبل الأمس حين قمت بالمغامرة الصغيرة مع فيليب، فعشاءنا كان ساكناً وحميماً أكثر من عشاء محض أصدقاء، ومن ثم القليل الذي تكلمنا بشأنه خلال رحلة العودة جعلتها ذكرى لا تنسى، ففيها تحدثت مشاعري وألتقت مع مشاعره لأول مرة في تاريخ حياتي المستقره، الإضطرابات التي عمت فؤادي في وجوده وحين يعبر أفكاري جعلتني أتوجس خيفة من طبيعة ما انا مقبلة عليه، إلا ان جملة الخفقات في قلبي عندما كنا سوية جعلت مخاوفي من المجهول تتلاشى فيحل محلها رغبة قوية ملحة في التعرف واعتناق الغموض الذي يلتف بهذا النوع من المشاعر..

    لربما لم يكن لي اتصال قريب بنوع الرجال إلا أنني قابلت الألوف منهم لفترات تشابهت أو حتى تجاوزت المدة التي قضيتها بصحبة فيليب ومع ذلك لم يحدث أي منهم التأثير الذي أحدثه بي هذا الرجل..

    رن الجوال في جيب ثوبي فظننتها أمي تتصل كعادتها للإطمئنان على حالة عقلي الصحية، وعن أي تطورات يمكن أن تقنعني بالرجوع قبل انقضاء الشهرين المتبقيين، ولمفاجئتي كان اسمه الذي ظهر على الشاشة هو المسؤول الأوحد عن بث رعشة في أوصالي حيث ازدادت حين اجبته وسمعت صوته العميق يقول:..
    - لمم يصلني منك اتصال طوال اليوم فخشيت أن ثمة خطب ما

    .............




  17. #36

    -٤-




    ياله من مغرور واثق، ابتسمت وقلت مازحة بشقاوة:

    - عليك بالصدق وقل من أنك أشتقت الى سماع صوتي فقط، أو لم نتفق على المصارحة بالأمس!




    ضحك بحبور ثم قال مسروراً:

    - أنت ماكرة يا صوفي، تجعليني أعترف بكل شيء ولا تفصحي عن شيء بدورك، أنت حتى لم تخبريني عن انطباعك الأولي حين تقابلنا




    أجبته وأنا أجلس على أحد المقاعد أمام البحيرة لأتمالك سروري وتراقص قلبي:

    - خفت أن تغتر إذا ما صارحتك وتظن أنك ملكت قلبي ياصديقي




    تنهد بعمق:

    - قلبك هذا الذي لا يزال يراني كصديق رغم كل اعترافاتي بالمحبة




    ابتسمت وأردفت بمكر:

    - لا يوجد شيء كالصداقة بين الرجل والمرأة فيليب..




    فقال:

    - نحن نتفق إذاً.. لا أحاديث مطولة مع الرجال ليلة الإفتتاح




    قلت بإندهاش :

    - اهذا جل ما يهمك فيما قلته؟!




    سكت للحظات وكنت أسمع أنفاسه العميقة مما طمأنني على وجوده ثم قال:

    - نعم حتى اللحظة، وسأصارحك القول بأني رجل غيور صوفي، غيور كغيرة رجال القرية لا رجال المدينة




    اجبته بعفوية:

    - اظنني استطيع التعايش مع ذلك أكثر من التعايش مع هوايتك وشغفك ..

    قال:


    - وماقولك بأن أساعدك على التخلص من مخاوفك صوفي، هل تثقين بي لفعلها؟!




    أجبت بصدق:

    - حالياً لا، ولكني لا أتحدث بلسان المستقبل فيليب

    - لاضير اذاً، أنت تمنحينني سبباً أخر أتطلع إليه


    قلت بسرور:


    - فيليب..




    أجاب بهمهمه تجاوباً مع نبرتي الرقيقة فعلّقت ضاحكة:

    - سأغلق بعد أن أقولها لك ولن أجيبك بعدها فلا تحاول الإتصال..




    فقال بفضول:

    - ماذا!




    أجبت:

    - أتذكر حين أهديتني باقة الورد في المطعم!

    - أجل

    - تلك كانت بداية مشوارك الى قلبي..






    ..................................
    نهاية الجزء الرابع
    قراءة ممتعة للجميع






  18. #37



    معاناة أخرى مع التنزيل ... بدأت عملية النشر الساعة ١٢:٥٠ بتوقيت السعودية وأنتهيت الساعة ٣:١٦ .. em_1f629em_1f629


    وبعد الهلاك دا كله تطلع لي أخطاء من تحت الأرض >>> أروح أنتحر e412


    يالله الجزء دا مليان طعات وإن شاء الله يكون دسم بما فيه الكفاية للحبايب المتابعين

    سمعونا صوتكم

    في آمان الله

  19. #38
    -


    السلام عليكم والرحمة
    كيف حالكِ ؟ أرجو أنكِ بخير وصحة

    البارت طويل ورائع بمعنى الكلمة
    لقد اندمجت في قرائته ولم أشعر بطوله حقاً ، سلمتِ عزيزتي emoji169

    لقد كنت مُعجبة ب جورج وشخصيته لكن بعد تصرفه مع الكسا لقد غضبت وأنا لا شأن لي في الحادثة emoji109emoji28!

    لكن أرجو بأن يقبل اعتذارها المسكينة فقد تعنت للوصول إليه ؛ بالطبع فهذا ليس من صفاته emoji41


    أحببت تفاهم الثنائي صوفيا وفيليب رغم فرق السنين بينهم إلا أن علاقتهم جيدة emoji7



    بإنتظاركِ عزيزتي emoji169..
    في أمان الله.

  20. #39

  21. #40
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة emi79 مشاهدة المشاركة
    -


    السلام عليكم والرحمة
    كيف حالكِ ؟ أرجو أنكِ بخير وصحة


    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته عزيزتي إيمي، نقول الحمدلله على كل حال e414

    البارت طويل ورائع بمعنى الكلمة
    لقد اندمجت في قرائته ولم أشعر بطوله حقاً ، سلمتِ عزيزتي emoji169

    الحمدلله، البعض لا يستحسن طول البارتات ولكن بالنسبة لي عامل اساسي حجم البارت، إذا قصير جداً اتضايق لأنه يادوب اندمج وينقطع العطاء.. كم أن القصه لن تطول عن ١٢ جزء فأظن أن الحجم مناسب ان شاء الله


    لقد كنت مُعجبة ب جورج وشخصيته لكن بعد تصرفه مع الكسا لقد غضبت وأنا لا شأن لي في الحادثة emoji109emoji28!
    هههههههه، جورج الوسيم.. ألكسا تستحق e402


    لكن أرجو بأن يقبل اعتذارها المسكينة فقد تعنت للوصول إليه ؛ بالطبع فهذا ليس من صفاته emoji41
    من يدري؟!

    أحببت تفاهم الثنائي صوفيا وفيليب رغم فرق السنين بينهم إلا أن علاقتهم جيدة emoji7

    صوفي بطبعها أكبر من عمرها، لذلك فرق السنين بينها وبين فيليب كان مثالي ومناسب


    بإنتظاركِ عزيزتي emoji169..
    في أمان الله.

    الله يسعدك على الطلة الطيبة، وأعتذر عن الرد المتأخر كان الأسبوع عصيب وحافل ولله الحمد ولكن الحمدلله هدأت الأحوال من جديد e405


    الجزء الجديد أضعه خلال هذه اليومين وبكل تأكير أسعد بوجودك وردودك


    enjoy your life

    في آمان الله
    موون


الصفحة رقم 2 من 7 البدايةالبداية 1234 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter