الصفحة رقم 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 133
  1. #1

    سلسلة حكايا الشقيقات: نُزل المحيط





    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    وبعد..

    احم، ألف وأرجع وما أشعر بالولاء "الغريب!" إلا لهذا المنتدى وهذا القسم
    em_1f605..



    ~~~



    من أنا لمن لا يعرفني من المرتادين للقسم: ..

    فاطمة بنت طـ................. "أستهبل" .

    شابة تحب الكتابة، الحرية، و اللغة العربية .. بدون نفاق أسعى كي أكون روائية على أرض الواقع ولتحقيق هذا الهدف علي البذل مطولاً، ورواياتي المصغرة المطروحة بعشوائية هنا وهناك في الشبكة والغير لائقة بمستوى كتاب مطبوع بوضعها الحالي، هي سبيلي الى معرفة مواطن العيب في مقدرتي وخيالي ولغتي، لذلك أنا أثمنها بعقلانية واحترام، وأجد فيها سلوتي عن اشتياقي لتحقيق حلم الروايات الناجحة المطبوعة .

    غالباً لدي الكثير من الفداحات الإملائية ( بكل صراحة وخجل واجهت خطر الرسوب في المادة أثناء انتظامي في مقاعد الدراسة الإعدادية سابقاً.. مادة الإملاء!!!..)، و قواعد اللغة العربية هي أكثر المواد التي ذرفت الدموع في سبيلها قُبيل الإمتحانات ( حسبي الله على الإعراب، لا أتقنه حتى اليوم!) .. ومع ذلك لا أبالي حقاً!، الظاهر أني من التطبقين أكثر من النظرين في هذه الحالة، و المهم هو أنني أستمتع حد الإنغماس والخروج من حواجز الأزمان أثناء الكتابة، وهذا هو المحرك الأقوى لي بعيداً عن المنطقية و غيرها من مثبطات الخيال والإبداع.
    ~~~



    سلسلة حكايا الشقيقات هي سلسلة ستتكون من ٣ روايات بإذن الله، ولكل رواية لون ونهكة وأسلوب مميز عن سابقيه، إلا أن الثلاثة تتمحور حول مفهوم جوهري واحد وهو "الشقيقات".

    الهدف الأبرز لهذه السلسلة هو الإستمتاع و الإسترخاء النفسي والعاطفي والوجداني، وأحسب أن أفضل تصنيف لها من وجهة نظري هي شرائح من الحياة الواقعية ولا خيال فيها "ولكنها بالتأكيد من اختلاقي "..

    راعية في كتابة هذه الرواية جوانب كثيرة لست بالعادة ألقي لها بالاً "وليس المرء يولد عالماً" ومع ذلك لا يزال هنالك فسحة للخطاء وللتحسن، أعينوني عليه بآراءكم يا رعاكم الله في سبيل روايات أجمل ونكهات ألذ وأعذب.


    حتي الوقت الحالي أن لم أنتهى من كتابة أي جزء من أجزاء السلسلة، إلا أن ما أنوى عرضه هنا - نُزل المُحيط - شارف على الإنتهاء "صدقاً"، وأظن أن أحد أسباب رغبتي في عرضها هي تحفيزي على إنهاءها وإتمام باقي أجزاء السلسلة.. وليس لدي تنسيق مسبق لأوقات النشر حتى اللحظة، علي الإعتماد على نوع التفاعل في هذه الحالة والله أعلم.


    سيجد القارئ أن الأحداث تقع في بلدان مختلفة من العالم، و المثير في الأمر "على الأقل بالنسبة لي ككاتبه" أن معظم الأماكن الموصوفة في أجواء الروايات الثلاثة قد قمت بزيارتها شخصياً بالفعل، ولدي احساس فعلي بالهواء والطبيعة والأرض والبشر فيها، وأتمنى أن أكون قد وفقت في منحكم الوصف الأقرب لها أو على الأقل مشاعري واحاسيسي حيالها، لأنها في الغالب مشاعر انبساط و بهجة.. ويا ويح سعادتي إذا ما أبهجت قلوبكم أيها الأعزاء>>>> (خاصة بعد تاريخي الأسود بالمنتدي، احم )
    وفي جميع الأحوال .. أضع الرواية الأولى من السلسلة لتشفع لي أو لتنطمر بين صفحات القسم وكل الإحتمالين واردين



    ملاحظات بسيطات أختم بهن:
    * الرواية ليست حكر للمنتدى ولكن راعوا مشاعري فيها ولا تسلبوني إياها بدون نقل مُذيل و أنا حية أرزق.
    * أجزائي طويلة ومن سبق له معرفتي على دراية بذلك، فإذا حصل الملل "لا سمح الله" أقطعوا القراءة، وعودوا لاحقاً إذا وجدتم أنها تُبهجكم و تستحق أوقاتكم
    * مع الأسف الشديد الطريقة الوحيدة التي أعرف بها أوضاع المتابعين المستمرين للقصة هي عن طريق الردود، و بالي طويل عليها بإيجابيتها أو سلبيتها





    والأن الى الرواية يا أحبه
    قراءة ممتعة للجميع



    " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "


  2. ...

  3. #2

    -١-





    سلسلة حكايا الشقيقات: نُزل المحيط




    -١-





    صوفيا ..


    ها أنا ذا أقضي طريقي الريفي الوعر بتأمل خاشع لطبيعة الجبال الخضراء الخلابة من حولي رغم تقافز عجلات الحافلة القديمة بصورة مستمرة مزعجة، أذت ظهري و مؤخرته الضئيلة لمايقارب الأربع ساعات حتى الأن، ناهيك عن ضيق المقاعد و حبسها لسقاي النحيلين في نطاق ضيق خانق!..

    الأجواء تزداد حرارة وليس من الممكن فتح النوافذ التى لا وجود لها أساساً ضمن تركيب الحافلة الهارمة ولكن مالعمل؟، إنها الوسيلة الوحيدة التى تأخذنا الى حيث أريد أنا وشقيقتي الجامحة، في منطقة تندر فيها السيارات والعربات البترولية.. بالحديث عنها فهي هادئة جداً على ما كانت عليه من تذمر شديد بشأن كل شيء تقريباً خلال رحلة القطار السابقة والتى أستمرت لمدة ثلاثة أيام، لقد كرِهت حجم المقطورات الصغيرة نسبياً ومن ثم سرير النوم وغطائه القديم الذي لم يناسب ذوقها الرفيع وموظف الخدمة المتملق والطعام وكل شيء!..

    التفتت عيناي نحوها و أبتسمت مشفقة على حالها و هيئتها المتضجرة رغم نومها أو تصنعها ذلك من يدري ؟.. المسكينة حملت نفسها على القدوم معي الى حيث قرية جدتي النائية بموقعها وسط الطبيعة والتلال في معزِلً تام عن ضخب المدن، ولم يتسنى لها الإستمتاع مع صديقاتها بأجواء الإجازة الصيفية بعد قضاء سنة حافلة بالدراسة الشاقة والفروض المجهدة.

    عاودت النظر الى عذارية الأرض خلف زجاج الحافلة الأغبش حتى أمنع تسلل الشفقة الى قلبي من رؤيتها في تلك الهيئة الرثة وهي من اعتادت على الأناقة والدلال منذ نعومة أظافرها، لم يجبرها أحد على المجئ وهي التي قدِمت بملء إرادتها! .. لقد منحها أبواي خيار البقاء مع خالتي العازبة في الشق الأخر من مدينتنا الضخمة، أو مرافقتي لزيارة جدتنا ريثما يعودون من رحلتهم الطويلة الى إيطاليا لحضور مراسم دفن العم بيتر هناك, فختارت جانب خالتي فوراً ولم أعترض قرارها البته .. لمفاجئتي وجدتها ترسل حقائبها مع حامل الحقائب في فندقنا صباح ميعاد سفري ليأخذ بها الى السيارة التى ستقلني الى محطة القطارات، ومن ثم احتلت بذاتها الموقرة المقعد المجاور لي وهي ترتدي ثياباً تلائم جولة متألقة في شارع الأناقة وسط المدينة!..


    ….

    - ما بال هذه النظرات البلهاء؟ كل مافي الأمر هو أنني عزفت عن رأيي في أخر لحظة .. الشكر لكِ فلن أستطيع الإستمتاع بالإجازةِ وأنا أعلم جيداً أنك لن تكفين عن الوقوع في المتاعب بعيداً عن عيناي!..

    هذه ألكسا، تصف شخصيتها بكامل ابعادها في جملة واحدة بسطر واحد!، ولا حاجة لي بالإشارة الى لسانها السليط وشخصيتها الفولاذية التى تُسير بها من تشاء طوع ارادتها، عجباً كيف أكسر هذه القاعدة دائماً! .. ضحكت تعليقها المتسلط وغرورها الساحق آنها، بالتاكيد لا يمكنها الإعتراف من أنها تريد قضاء الوقت معي و ستعد شعر رأسها ممللاً بدوني، انها تصغرني بعامين ومع ذلك تشعر دائماً من أنها في موضوع الأخت الكبرى ولا تكف عن التصرف على هذا النحو، أما أنا فأشرى راحة بالي وأتركها تفعل ما يحلو لها في الغالب.





    توقفت الحافلة بصورة مفاجئة مما جعلني وأختي نندفع الى الأمام ونصطدم بظهر المقعد المقابل لنا في آن واحدة، صرخت شقيقتي بغضب وقد فغرت عيناها بروع من طبيعة التوقف:
    - سحقاً ألا ترى أمامك يا رجل؟ كدت أن أفقد رقبتي بسببك..

    وظلت تلتقط أنفاسها بعنف بينما أجابها المسن وهو يستدير بوجهه الكريه اتجاهنا ضاحكاً ليظهر لنا ما تبقى من أسنانه الصفراء البشعة ويثير مظهره ذاك القشعريرة في أبداننا :
    -المعذرة يا آنسة لكن خرافاً صغيرة تعبر الطريق فتوجب على كبح الفرامل بهذه الطريقة، لا يرضى على ازهاق أرواح هذه الحيوانات الأليفة الطاهرة سوى الرجل الجبان

    أجابته بحقد وهي تُعيد رأسها الى الخلف لتكمل نومها:
    -سنرى إن كان بوسعك الإحتفاظ بشهامتك هذه أمام طبق لحم ساخن لدى حلول موعد وجبة العشاء!

    قهقه بطريقة مثيرة للإشمئزاز رغم فظاظتها معه، بينما أثرت مراقبة الخراف الجميلة بصمت وأنا أدعوا أن نصل قريباً فظهري يكاد يقتلني بما فيه الكفاية وأتى هذا ليضيف صدري الى القائمة المتوجعة، وبالنظر الى ردوده المفرطة في السلمية فبالتأكيد لن يشعره جوابها بالإهانة بعد أن أزاغت عينيه بإعطاءه ذلك المبلغ الطائل قُبيل ركوب الحافلة حتى لا يسمح لقروي أخر بالركوب معانا.. وكيف ترضى أن تلتصق رائحة عرقهم بجلدها الناعم!، إنها أفعالها التقلدية وتبذيرها المبرر في نظرها .. ثم ليتها أراحتني بعد ذلك وتركت لي فسحة لأمد قدماي بها، بل جاورتني المقعد و فردت قدمها أمامها حتى لا يتسنى لي تغيير مكاني حين تغط في النوم، هذه الفتاة حقاً لا أفهم عقلها أو أسلوبها في التعبير عن المحبة غالباً!، لكن حبي لها يمنعي من القسوة عليها رغم تماديها في كثير من الأحيان مع غيري من البشر ..

    انتظرنا لبعض الوقت حتى تنهى الخراف عبورها بسلام الى الضفة الأخرى ومن ثم تابع الرجل طريقه وهو يصفر بإنسجام مع ذاته، توقف بلطافة أكثر هذه المرة ثم أنتصب واقفاً رغم ضيق المكان فحجمه الضئيل لم يكن ليمنعه وقال:
    -أرجوا أن تكونوا قد استمتعتن آنساتي، لقد وصلنا أخيراً الى وجهتكما، جنة الله في الأرض .. "مدينة الملكات" .. انها لا تزال على بعد ساعتين من هنا ولكن النُزل الذي تقصدنه على بعد ١٠ دقائق سيراً من هذه النقطة وهذا أفضل ما بوسعي فعله لكما وإلا غُرمت على تلويث البيئة من البلدية بسبب قِدم الحافلة.

    تقدمتني ألكسا شقيقتي لتنفذ بجلدها القمحي الجذاب من لهيب الأجواء المجرثمة بالغبار وهي تتمتم:
    -هذا ما كان ينقصني، "مدينة الملكات" .. ماهذا المسمى السخيف بحق الرب!.

    وضعت قدماي من بعدها على الأرض الصلبة أخيراً وسرعان ما أطلقت تنهيدة طويلة رافقتها استطالة لذراعي وتقويم لظهري الذي أصدر صوت طقطقات متتالية وصرخت بسعادة:..
    -"رباه .. إنه هواء طبيعي نظيف "

    كدت أن أبكى من فرط سعادتي فالأجواء خارج الحافلة لطيفة وجميلة عكس ما تصورت، أصوات غناء الطيور والطبيعة تنبعثان من كل مكان، انها الجنة بحق!..

    أخرج العجوز حقائبنا من حافلته الصغيرة ومن ثم شكرنا على مرافقته اليوم، رددت شكره بإخلاص و أطلقت نظرة حادة إتجاه ألكسا الغارقة في ندمها على القدوم كما يبدو وهي تتأمل المساحات الخضراء الشاسعة والجبال الراسية من حولنا فردت نظرتي بنظرة حمقاء ولسان حالها يقول :
    -
    ماذا

    لوحتُ للرجل حتى اختفى عن ناظرينا ومن ثم استدرت نحو الكسا بغضب:
    -أقلها كان بوسعك شكره فقد كان حليماً بما فيه الكفاية ليبقينا على متن الحافلة رغم فظاظتك ووقاحتك معه!

    فغرت عينيها في مواجهتي وهي تجيبني بدفاع مستميت:
    - لست مذنبة إن لم يكن صادقاً مع نفسه ليعترف أنه كان يحاول الظهور بمظهر حسن أمامنا ويدعى رفقه بالحيوان !! ثم هل هو مجنون ليلقى بنا في قارعة الطريق بعد أن منحته خمسمائة دولار .. أتصور عليه أن يعمل جاهداً لشهر كامل حتى يأتي بمبلغ مماثل!

    هززت رأسي بنفاذ صبر وأنا التقط حقيبتي الجرارة لأقصد لوحة إرشاد قديمة ظريفة في مفترق الطريق لتدلنى الى حيث نُزل جدتي وأنا أقول ببرود:
    - افعلي ما تشائين ألكسا ولكن ثقي تماماً من أنك ستندمين على سوء أدبك هذا مع الكبار.

    سمعت تمتمتها ومحاولاتها لتبرير موقفها أمامي لكن الصوت بات يخبو مع استمراري في التقدم، وأصبحت الأجوء هادئة جداً عندما قطعت شوطاً لا بأس به، توقفت عن متابعة السير حين آلم طبلتي صوتها الرنان وهي تصرخ قائلة:
    -هل يمكنك إعارةِ إحدى يديك مع هذه الحقائب؟! لا أظن أن يداي كفيلتان بمهمة دفعهم مجتمعين!

    استدرت نحوها و عضضت على أضراسي بكل ما أوتيت من قوة حتى لا أنفجر ضاحكة من حالها المثير للشفقة، أين تعتقد أنها ذاهبة لتحضر هذا الكم الهائل من الحقائب الباهضة؟! وعدت أدراجي بطبيعة الحال لنتقاسم الحقائب وخلال تخطيطنا ذاك تخطتنا سيارة ريفية مخصصة لنقل علف البهائم يقودها رجل أربعيني توقف لدى رؤيته لنا ببضع أمتار ومن ثم تراجع بسيارته الى الوراء ..

    - طاب مسائكن آنساتي هل أستطيع مساعدتكن بشيء ما؟

    أرادت ألكسا الرد عليه بفضاضة وإرساله بعيداً عنا فهي لا تستلطف الغرباء ولا تثق بهم بتاتاً لكنني دست على قدمها سريعاً حتى لا تتجرأ على ما أجزم من أنها ستفعله وأجبته بتهذيب:
    -طاب مسائك سيدي.. نحن نقصد نُزل "المحيط" بقرية الملكات هل تستطيع ارشادنا إليه رجاءاً؟!

    ابتسم لي برحابة صدر وهو يشير بيده الى صندوق السيارة المكشوف من خلفه:
    -ضعوا الحقائب وسأوصلكم إليه، إنه في طريقي على أية حال

    ابتسمت بسعادة وأنا لا أكاد أصدق حظي:
    -شكراً سيدي ستكون هذه خدمة عظيمة بحق..

    أسرعت بعدها بحمل الحقائب ووضعها وساعدتني ألسكا رغم ضيقها من الأمر لكن إجهاد السفر منعها من الإعتراض.


    ~~~


    لاحقاً في سيارته..

    -اذا مالذي دفع بصبيتين يافعتين مثلكما للقدوم الى قرية العجزة هذه!، آسف لتخيب آمالكما ولكن لا يوجود الكثير لفعله بالجوار والمتعتة كلها في المدينة وهي على بعد ساعتين من هنا.

    ضحكتُ وأجبته بدماثة:
    -تستطيع القول من أنني مللت اكتظاظ المدينة و صخبها الدائم ليل نهار.

    تنهد وهو يشعل الأضوء الأمامية للسيارة فقد جن الليل سريعاً ولا وجود للكثير من أعمدة الإنارة على جوانب الطريق الضيق:
    - هذا صحيح، أتعجب من ادراكك لهذه المشاعر رغم صغر سنك!

    أجابته ألكسا بسخرية ورأسها يتكأ على راحة يديها قرب بوابة السيارة بملل :
    -صدقني عندما أقول لك بأنها عجوزٌ في مظهر طفلة

    قاطعتها بحنق وأنا أشعر بالحرج:
    - وأنتِ صبي في جسد فتاة هل لا توقفنا الأن رجاءاً!! ..

    ضحك الرجل و أردف :
    - على العموم.. أتمنى لكما إقامة سعيدة مع السيدة صوفيانا.. نصيحة من صديق، لا تحدثوا كثيراً من الشغب في نُزلها فهي نوعاً ما.. صعبة المراس!

    ابتسمت أنا وألكسا تلقائياً من وصفه لجدتي التى لم يسبق وأن رأيناها من قبل، فقد كانت غاضبة على والدتي وخالتي ورفضت زيارتهما لها بتاتاً، حتى أنها لم توافق على زيارتي سوى بعد اصراري و إلحاحي الشديدين و بعد التعهد بقبول جميع شروطها مهما بلغت صرامتها في نظري..
    رغبتي في لقائها هو أمر رافقني منذ الطفولة، فلطالما تمنيت أن أقضى الأمسيات معها حيث تحكى لي القصص والأساطير و تخبز لي الكعك المحلا وفطائر الفراولة والتفاح، لقد أسمتنى أمي تيمناً بها وبشخصيتها القوية ومنذ أن علمت بهذه الحقيقة وأنا في الخامسة و رغبتي في رؤيتها لم تخبو أبداً..

    توقفت السيارة أخيراً بعد الإنعطاف حول نافورة لم تكن مضاءة مما صعب علينا تميز هندستها، و أطلقت تنهداً خفيضاً وعيناي تبصران أضواء النُزل الصفراء وهي تنبعث من النوافذ الواسعة بشاعرية جميلة راقت لي كثيراً، فهي تحمل سكينة عجيبة أجتاحتني وأنستني آلم جسدي خلال لحظات، إلا أنني تمنيت لو أبكرت في المجيء حتى يتنسى لي رؤية النُزل الأسطوري مع انعكاس أشعة الشمس على نوافذه و زروعه المتسلقة بعد أن تعددت الروايات حول أوصافه وأتفقت على مديحه.

    كان هذا النزل محوراً هاماً لحديث أمي و خالتي في العديد من المناسبات، والذي عادة ما يصل الى مرحلة من الصراع حين يتم التطرق الى تفاصيل وراثته من جدتي التى لا تزال على قيد الحياة !.. ولربما أتمكن من تبرير رغبتهما الملحة في امتلاكه إذا ما كانت العلة هي الإحتفاظ بذكرى جدتي، ولكن الحقيقة أبشع من ذلك بكثير!، فأمي وخالتي هما الأشهر على صعيد الفنادق العالمية وليس هنالك أمل في فوز أي منافس يقف في طريقهما، لقد أبصرت كلتيهما الضوء في نُزل جدتي وترعرعتا فيه حتى اليوم الذي انتقلتا فيه الى المدينة، وكانتا قد أتقنتا خلال نشأتهما فنون الضيافة و ابدعتا في شؤون الإدارة الفندقية حتى أسست كل واحدة منهما عملها الفندقي الخاص تدريجياً ولم يطل الأمر قبل أن يحتلوا الريادة في هذا السوق، ببساطة مقيتة .. كلتيهما تريدان توسيع رقعة امبراطوريتهما بإنتهاش النُزل الصغير و منحه شعار سلسلة الفنادق الخاصة لحظة مفارقة جدتي هذه الحياة.

    ساعدنا الرجل الكريك في إنزال الحقائب وودعنا بروح طيبة وأمنيات سعيدة، فمكثنا برهة أمام بوابة النُزل المزينة بطوق من أزهار الخزامي البنفسجية ذات الرائحة الزكية في صمت وقلوبنا يتوجسها مزيج من القلق والترقب، مالذي يجب علينا قوله أو القيام به ونحن نعلم جيداً أن كُلاً من والدتي وخالتي لم تكونا على علاقة جيدة معها؟!

    سحبت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب بإستسلام فلن يفيد وقفنا هكذا شيئاَ ولا مجال للتراجع.. انتظرنا قليلاً ومن ثم تشابكت أيدينا سوية مع صوت وحركة ادارة المقبض، انفراج الباب على مهل قاتل أمامنا وكأنه لا ينوى الإنفراج أبداً!..

    -" رباه .. إنها جميلة وتنبعث منها رائحة الزهور"
    كان هذا أول انطباع أخذناه عن المرأة الثلاثينية الجذابة أمامنا.. جسد ممشوق بثوب جميل محتشم و بشرة صافية نظرة لا تشكى شيئاً، ناهيك عن شعر كثيف لامع أخجلنا من مظاهرنا المشعثه.

    ابتسمت السيدة بلطف ورحابة بعد أن جحظت عينيها لثوان معدودة:
    -لا بد وأنكما صوفيا و ألكسا، تفضلا رجاءاً كنت بإنتظاركما طيلة ساعات النهار.

    ولجنا الى الداخل والخجل يتملكنا من لطفها ولباقتها، ثم تركنا حقائبنا في الردهة عندما طلبت منا اللحاق بها الى صالة الإستقبال الرئيسية، حيث سُرعان ما ذُبنا عشقاً و أطلقنا العنان لإنبهارنا من رائحة المكان العطرة وأجواءه الحميمة التى تعجز عن وصفها الأحروف والكلمات، تنسيق الأثاث المختار بعناية فائقة و توافقه مع ألوان الطلاء الهادئة ثم توزيع المزروعات و مزهريات الورود المتفتح .. جميعها لفحتنا براحة عجيبة لامست القلب و أفرطت في تدليله حتى النخاع.

    -إذاً .. كيف كانت رحلتكما الى هنا؟ أرجوا من أنها لم تكن بتلك الصعوبة ؟

    قالتها وهي تضع أمامنا كوبين لمشروب عطري دافء ناسب كلتينا بلا استثناء رغم تضارب أذواقنا في العادة، أجبتها بخجل:
    - لقد كانت متعبة بعض الشيء ولكن الطريق الوعر الى هنا كان الأسوء دون شك!

    ابتسمت بلطف:
    -لا عجب من نفور السائحين إذاً.. لطالما طالبت البلدية بالشروع في تعبيد ذلك الطريق حتى تنتعش القرية ولكن لا حياة لمن تنادى، جُل الإهتمام ينصب على المدينة وحدها!.

    تبادلتُ مع وألكسا نظرة سريعة أثارت تعجب السيدة فأردفت متسائلة بلطف:
    - مالخطب؟ أهنالك شيء ما عالق بين أسناني؟

    ضحكنا لتعليقها وشاركتنا الضحك، عندها شعرت بأريحية لأسألها أخيراً:
    -عذراً سيدتي ولكن أين أجد جدتي؟ أشعر أنه من غير اللائق أن نرتاح قبل أن نلقى عليها التحية!، هل يمكن بأنها خلدت الى النوم بعد تأخرنا في الوصول؟

    أجفلت السيدة قليلاً وأراهن من أن نظرة عميقة حزينة اجتاحت عينيها الزرقاويين وهي تجيب:
    -لا داعي للقلق بشأن ذلك .. إنها أنا صغيرتي صوفي


    يتبع ..
    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 14-03-2015 عند الساعة » 00:03

  4. #3

    -١-




    تلعثمت وبلعت ريقي بصعوبة من شدة اندهاشي، إنها ليست كما تصورت البته! .. بل و تميزنا أيضاً قبل أن نُعرفها على أنفسنا!! أردفت بخجل:
    - آسفة .. جــ..ــدتي أنا ..

    ابتسمت وقالت وهي تشير بيدها بسلام:
    - هون عليكِ صغيرتي، من يلومك ولم يسبق لكِ رؤيتي من قبل

    وكدت أن أصاب بسكتة قلبية حين أردفت ألسكا المصعوقة هي الأخرى بلا اكتراث:
    -ولكن لا يزال، لا يمكن أن تكون "جـ ـدتـ ـي" بهذا الشكل، المفترض أنك عجورة من نوع ما !!

    نهرتها بخجل وغضب:
    - ألكسا..!!

    ضحكت جدتي حتى كُشف عن أضراسها البيضاء المتراصة:
    -أتصور أن هذه هي أحد فوائد العيش في بيئة طبيعية بعيدة عن التلوث، كما أنني أنجبت والدتكما وأنا في الرابعة عشر ربيعاً ومن ثم خالتكما في السنة التي تلتها ..
    -"اذاً كم تبلغين من العمر الأن تحديداً؟!"

    حتماً سأنتزع شعرات هذه الفتاة المجنونة عندما أختلى بها، كافحت هذه الرغبة بصعوبة وأنا أصك أسناني غضباً من حديثها البعيد عن اللباقة.. كيف تتجرأ وتسأل عن عمر شخص تقابله للمرة الأولى إنها لا تصدق!.. لربما كان يتوجب علي تركها عند خالتي حتى أتجنب الوقوع في احراجات كهذه، فمن الذي يتورطنا في المتاعب منذ الأن ياترى؟

    - إذا كنت محظوظة كفاية فسأحتفل بعيد مولدي الخمسين بصحبتكما مع مطلع الشهر القادم، ويبدوا وأن صغيرتنا ألكسا بحاجة الى دورس في التهذيب واللباقة أليس كذلك

    حاولت كتمان ضحكتي عن النفاذ ولكنني لم أنجح في ذلك بينما أستشاطت ألكسا غضباً وطلبت من جدتي إرشادها الى غرفتها حتى تغتسل وتريح جسدها من وعثاء السفر.

    استجابت المرأة اللطيفة لها فحملنا حقائبناً مجدداً وصعدنا معها سلالم الدرج مروراً بطابقين جميلين تكثر عن أيمانه وشمائله حجرات موصدة الأبواب، تراء لنا من أننا سنمكث في وحدة منها حيث أن منزل جدتي هو النُزل ذاته، لكنها تابعت الصعود حتى انتهى بنا المطاف الى باب منعنا عن الإرتقاء أكثر، في ذلك الوقت أخرجت جدتي من جيبها حمالة مفاتيح ضخمة وأختارت مفتاحاً عليه عقدة حمراء لطيفة.. أدخلته في فُتحت الباب فستجاب لها وولجنا الى الداخل من ورائها.

    أُضيئت الغرفة بعد أن أشعلت جدتي المصباح الوحيد بها وعندها كانت المفاجأه ..

    تحدثت ألكسا بفضاضه وهي لا تكاد تصدق عينيها:
    -أنتِ تمزحين بكل تأكيد.. إنها العلوية!!

    اجابتها أعين جدتي وقد تبنت نظرة صرامة مخيفة لتزيد من اندهاشنا وقالت بهدوء ونبرة تخلوا من العواطف:
    -وهل تظُنين من أنني سأخسر فرصة تأجير غرفة حتى أمنحها لحفيدتي المدللة التى لم تدفع لإستحقاقها بنساً واحداً! بهذه العقلية سأنتهى مفلسة أفترش قارعة الطريق عزيزتي.

    أجفلت ألكسا من أسلوب جدتي المغاير للطفها البالغ في إستقبالنا قبل قليل، ولأكون صادقة فقد فاجئتني بفعلها أيضاً و أوجست منها خيفه فقد انقلبت مئة وثمانين درجة، وقالت ألكسا بإندفاع :
    -حباً في الرب لا يوجد مخلوق صحيح العقل يرغب في أن تطأ قدمه هذه البقعة المنفية من العالم، بالتأكيد لن يضرك منحي غرفة واحدة لحين عودتي بدل تركها خاوية يسكنها الجن والمردهـ .

    مدت جدتي يدها الطويلة نحو ألكسا وهي تُناظرها ببرود في مشهد حُفر في ذاكرتي الى الأبد وقالت برزانة:
    -إذا لم تعجبك العلوية فخيار استئجار غرفة في نُزلي متوفر دائماً،الليلة بمئة دولار، عشرون باوند اضافية اذا أردتي إضافة وجبة الإفطار معها..

    صمتت ألكسا لوهلة قبل أن تحتد نظراتها وتجيبها بثقة تعكس عن قبولها تحدي جدتي وقالت:
    -حسناٌ إذاً .. اذا كان المال بُغيتك فهو ليس مشكلتي أبداً، سأكون سخية وأمنحك علاوة ١٠٪ لكونك جدتي فمارأيك؟.

    تجاهلتها جدتي بكل برود و وجهت نظرتها الباردة نحوي فسرت القشعريرة في بدني دفعة واحدة، ثم قالت:
    - وأنتِ صوفيا هل ترغبين في استئجار غرفة خاصة؟

    نفيت برأسي سريعاً ونظراتها الحادة تخترقني، لقد وعدتها سلفاً ضمن كتاباتي لها من أنني سأقبل بأي من شروطها وهذا ما يجب على الإلتزام به، وقلت بنبرة سريعة:
    - كلا أشكرك على سؤالك لكنني سعيدة بالعلية ولا مانع لدي من المكوث بها. -جيد إذاً .. أراك في تمام الخامسة صباحاً، سأجعلها السادسة للغد فقط كونك مجهدة من السفر ولن أقبل بدقيقة من التأخر،
    ستساعديني في التنظيف واعداد وجبة الإفطار ثم حرث المزرعة كثمن لبقائك ولربما أمنحك علاوة أخر الشهر إذا ما أُعجبت بأدائك.

    رمقتها ألكسا بذهول ومن ثم حولت نظرها نحوي بسرعة وعينيها تنظُران عن إذا ما كنت سأقبل بهذه الإهانة الصريحة على حد فهمها، أشرت لها بالصمت وشكرت لها امتثالها قلبياً وأنا أعلم مدى صعوبة تقبلها لرؤيتي أُعامل بهذه الطريقة دون اختناق الفاعل، انها جدتي ولن أجعلها في موقع العدو مهما حدث..
    حولت جدتي نظرها نحو ألكسا أخيراً مما منحني بعض الأرتياح و حادثتها بهدوء:
    -رجاءاً رافقيني الى مكتب الإستقبال حتى نكمل أوراق مكوثك لدي

    تبعتها ألكسا وهي تنقل بصرها بين الطريق أمامها وبيني بأسى فلم يكن من السهل عليها تركِ أبيت في العلية وحدي، وبالوقت ذاته لا تستطيع التدخل في شؤوني الخاصة كما سبق وأن أتفقنا منذ زمن طويل.. و بعد خلو المكان تلفت حولي لأتفقده فوجدت سريراً مزدوجاً وبقربه منضدتين صغيرتين وضع على كل واحدة منهما اضاءة آثرية جميلة، كما توجد خزانة ثياب خشبية نظيفة على الجانب المقابل للسرير، تحركت في المكان بسلاسة ووسع وألقيت نظرة على الحمام المتصل بالغرفة من الخارج وكان جزءاً مبنياً من العلية أيضاً.. وبعد تبادل نظرة عقلانية سريعة أجدني مجبرة على الإعتراف من أن المكان لا ينقصه شيء لكنه بالتأكيد لا يقارن مع جناحي الخاص في الطابق الثلاثين بأول فندق امتلكته والدتي واطلالات نوافذي التى اُحسد عليها من قِبل جميع صديقاتي ومن سبق وزارني بها بلا استثناء.

    أثار سروري وجود نافذة بيضاوية بالمكان أتضح أنها تفتح على سطح النُزل حين تفقدتها، ولم أتمالك سوى التبسم برضا لطريقة سير الأمور في عقلي، إنها طريقتي الفعالة في رؤية الأمور من منظور إيجابي حتى اتخطى ما أرغب من الصدمات بأقل أضرار داخلية ممكنة وفي هذه المرة تحديداً صدمتي من أفعال جدتي المتناقضة في غصون جزء بسيط من الساعة، أيا ترى لهذا السبب تركتها كلاٌ من أمي وخالتي معاً وهربتا من القرية فيما مضى؟.

    أبعدت هذه الأفكار الخاطئة عن رأسي وأنا أحاول الإحتفاظ بالإنطباع الحميم الأول الذي تركته جدتي في نفسي لحظة لقائها، فقد كانت لطيفة مشرقة وتفوح منها رائحة الزهر.


    يتبع...
    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 14-03-2015 عند الساعة » 00:05

  5. #4

    -١-



    ألكسا ..


    زفرت بإرتياح حين أختليت بذاتي داخل أحد مخادع النزل بعد أن سلمتني تلك المتسلطة المفاتيح وحملتني على انهاء الكُتيب الممل العجيب، حباً في الرب كيف تسير الأمور داخل عقلها الضيق فالمرء يريد استئجار غرفة مفردة لا قصرً يصاحبه فيه اللاعب دايفيد بيكهام!، ومن ثم من أين لها الإتيان بكل تلك الشروط؟ لقد توقفت عن القراءة منذ السطر الثاني وصدقاً لا أعلم مالذي أمضيت عليه!…على الأقل الغرفة جميلة عكس تصوراتي الدرامية ولا تفوح منها رائحة الحضائر والبهائم.


    لم أكترث لحقائبي المبعثرة هنا وهناك وجل ما قمت به هو خلع حذائي الباهظ الذي سيلقى في مكب للنفايات مع أقرب فرصة سانحة بعد أن أضحى عشاً حميماً للأوبئة والمكروبات، صدرت مني تنهيدة عريضة عندما فردت جسدي المنهك على السرير وابتسمت لملائمته ذوقي المعقد بالنسبة الى درجة ليونته .. هذا يقودني الى التفكير بشأن شقيقتي، المسكينة صوفي أرجوا أنها لا تشعر بالبرد في العلية حتى لا تصاب بالرشح، كيف أمكنها السكوت عن أفعال هذه المرأة المجنونة بهذه السلمية! لن أسمح لها قطعياً بقضاء وقت أطول معها فهي ليست أهل للثقة على الإطلاق، وجُل ما أحتاجه الأن هو اتصال فعال مع الشبكة العنكبوتيه بالغد حتى أغير مواعيد رحلة العودة الى أقرب فرصة ممكنة وعندها سأحملها على العودة معي مهما تطلب الأمر.


    في صباح اليوم التالي، فتحت عيناي بتكاسل حين توالى صوت رنين الهاتف الموضوع على المنضدة المقابلة بلا انقطاع، رباه لقد أعتقدت أنه قطعة أثرية بالأمس مع شكله القديم و ولونه العتيق!، رفعت السماعة المضحكة ووضعتها على أذني بإهمال فيداي لا تزالان مخدرتان من حلاوة النوم فوق المرتبة وقلت بتثاقل:.
    -همم


    أتاني صوت صوفي البشوش من الطرف الأخر وهي تتحدث بصورة أرابتني حيث قالت:
    -صباح الخير آنسة أليكساندرا، يود النزل إعلامك من أن تقديم طعام الإفطار سينتهى بعد نصفِ ساعةٍ من الأن، هل تودين القيام بطلبية خاصة الى غرفتك عوضاً عن الإنضمام الى صالة الإفطار؟


    عقدت حاجبي بإنزعاج وأنا أعتدل في جلستي بتهكم:
    -صوفي مالذي جرى لعقلك هذا الصباح؟، لم يكن المزاح من أفضل صفاتك على حد علمي!


    ردت علي بذات البشاشة المغيظة وقالت:
    - نعتذر عن التسبب في إزعاجكِ آنسةِ، لدي ملاحظة تفيد برغبتك في التنبيه عن مواعيد الوجبات، هل ترغبين في إلغاء هذه الخدمة؟!


    حسناً، أصبح الأمر مزعجاً الى حد كبير.. لربما وقعت على هذه الخدمة بالأمس ولكنني لا أذكر الكثير حقاً مما ذُكر في ذلك المجلد، وهذا ليس مهماً الأن، أجبتها ببرود:
    - لا ضير في ذلك فلن يطول بي المكث هنا لأكثر من الليلة الفائتة
    - حسناً إذاً، طاب صباحك آنسة أليكساندرا، أرجوا أن تكوني قد استمتعتِ في إقامتك لدى نُزل المحيط.


    أبعدت الهاتف عن أذني حين أُغلق الخط وشفاهي مزمومة بتعجب، وسرعان ما دفنت رأسي في الوسادة بعد أن أعدته بإهمال، إلا أن عقلي ظل مشغولاً بأسلوب صوفي ومتسائلاً عما فعلته بها تلك العجوز؟

    أطلقت زفيراً ساخطاً وأنا أنهض وأبعد الفراش عن جسدي دفعة واحدة، حتى أهبط بنفسي وأرى مالذي جرى لتلك الفتاة ومزاجي متعكر من تركِ للسرير، وحين دنوت درجات السلالم المفروشة بسجاد بنفسجي فاتح اللون توقفت عن متابعة النُزل لبضع دقائق وأنا أتأمل بذهولٍ جمال المنظر الخلاب أمامي، فالواجهة الزجاجية للصالة المطلة على مساحات شاسعة من الحدائق الخضراء الغناء لم تتحصل على إنتباهي بالأمس من ظلام الليل وإجهاد السفر..

    لقد جبت مختلف بقاع العالم مع أمي منذ نعومة أظافري إلا أنه قل ما صافح بصري جمالٌ ممثال وعذارية فريدة بحيث ليس ليد الإنسان تدخلٌ فيها، تمازج اللون الأخضر اللامع بمختلف درجاته مع الأصفر ومن ثم لمسات الزهور المتفتحة و أشعة الشمس البراقة!.. لا أنكر من أنني أعتقدت لوهلة من أن ما أراه الأن هو محض لوحةٍ مرسومة بإتقانٍ متناه حتى أبصرت تمايل أوراق الشجر و ركض الأرانب الصغيرة بحرية و اطمئنان مما دب بروح الحياة في طيات ذلك المشهد الساحر.

    - صباح الخير آنسة أليكساندرا، إنه نهار جميل بالفعل أليس كذلك؟!
    أستدرت الى مصدر الصوت البشوش لأجد سيدة خمسينية لها قسمات لطيفة، ترتدي ثوباً مورداً كان ليكون أكثر أناقة مع بعض الإضافات البسيطة.. لم أجب ولا أدري لماذا أتأخر عن الإجابة دائماً في مثل هذه المواقف، مما يثير ردود فعلٍ غير ودودة تستجلب ظهور جانبي الفظ رغماً عني.. تنبهت حين أنضمت صوفي لنا وهي تقول بمرح:
    -أوه سيدة لينا لقد تقابلتي مع شقيقتي ألكسا إذاً؟


    أجابتها السيدة بمودة:
    -ويالها من صبية فاتنة، ستأسر قلوب فتيان المدينة بكل تأكيد


    ناظرتني صوفي بأعين منذرة فستيقظت من شرودي وأجبت بشيء من البرود:
    -صباح الخير سيدتي.


    أبتسمت بدفء في وجهي وقالت وهي تربت على عضدي مما أزعجني كثيراً فأنا لا أحبذ أن يمسني الغرباء بتاتاً وكنت سأطلب منها التوقف لولا وجود صوفي في الجوار، ثم قالت:
    - أوه صغيرتي الهزيلة تبدين مجهدة حقاً، ألحقي بي سأصنع لك أطيب عجة تذوقينها في حياتك كلها..


    وهاهي تضيف سيئة أخرى الى رصيدها معي، أنا فقط لا أطيق من يمجد صنيعه الى هذه الدرجة.. وهل حياتي بهذه البساطة حتى أتعلق بمذاق عجة امرأة عجوز لم أرها قط من قبل؟!، أبتسمت بشيء من اللامبالاة وأردفت بعد أن فاض بي الكيل من مسار هذه المحادثة الودودة الى درجة السخافة:
    -شكراً لك على عرضك إلا أنني في عجلة من أمري لذا أرجوا أن تعذرينا.


    ثم سحبت صوفي سريعاً دون الإنتظار لسماع جوابها فصدقاً لم أكن لأكترث له، وتوقفت حين أستردت صوفي معصمها بشيء من الإنفعال، فأيقنت بأنها ستبدأ مواعظها المعتادة وعليه تلبست التبلد في استدارتي نحوها بتضجر، إلا أنني تفاجأت حتى النخاع لدي رؤية إبتسامتها المصطنعة وهي تفتعلها بصعوبة كونها تطبق على شفاهها بقوة حتى تتمكن من كبح ما تريد قولها في الحقيقة:
    -آنسة أليكساندار في ماذا أستطيع خدمتك الأن؟!


    في تلك اللحظة أردت الصراخ بها لتتوقف عن التصرف معي على هذا النحو المقيت، إنها أشبه بالدمى وهذا يثير سخطي فوق المعقول، أجبتها بجدية:
    - لا توجد شبكة في الفندق وعلى الذهاب الى القرية المجاورة لتغيير موعد حجوزات العودة الى الليلة، سأذهب الأن بوسعك التوقف عن إطاعة تلك المرأة وتجهيز حقائبك ريثما أعود صوفي


    و شعرت بتغير الأجواء حين تقدمت جدتي الى مسرح الأحداث وهي تبدو أكثر صرامة مما بدت عليه بالأمس، فشعرها الأشقر الفاتح مشدود الى الخلف ومعقودٌ في عقدة واحدة، و أما ثيابها فلم تتضمن سوى مزيجاً قاتماً بين الأبيض والأسود لتبدو محترفة من الدرجة الأولي، وما أيقظ أستشعراتي بالكامل هو تلك اللهجة الأمرة التي أستخدمتها مع شقيقتي ولم أكن لأبالي بطبيعتها المهذبة:
    -أذهبي الأن و أتمِ أعمال المطبخ ومن ثم سأراك لاحقاً لمناقشة مستوى أدائك منذ صباح اليوم ..


    فتراجعت شقيقي وهمت بالذهاب قبل أن أستوقفها بحديثي المنفعل:
    - لا تتجرأي حتى على تنفيذ ما تطلبه هذه المتسطلة صوفي!، رباه ألا ترين كيف تعاملك كخادمة منذ أول نهار لك معها؟! لا تقلقي بشأن الحقائب الأن ولنذهب سوية لتبديل رحلة العودة


    هنا توجهت جدتي بحديثها الرزين المتسلط معي وكأنها تعلن الحرب ضدي:
    -الأنسة صوفي لن تذهب الى أي مكان للشهرين القادمين آنسة أليكساندرا، لقد أتمت توقيع عقد عملها لدي صباح اليوم وسيترتب على كسره عقوبات قانونية وخيمة، إنها تدرك ذلك جيداً


    المرأة المسكينة، إنها لا تعرف من أكون ولا تعلم مع من تتواجه، عقدت يداي أمام صدري وأنا أجيب بإندفاع:
    -المال مجدداً! .. سأدفع لك ضعف ما تريدين ولكنها لن تبقى لديك لساعة إضافية، أهذا كفيل بحل الخلاف هنا؟


    تجاهلت حديثي تماماً وكأن شيء لم يكن واستدارت تُحدث صوفي مجدداً فتراجعت شقيقتي وأختفت عن مجال نظري دون أن ترد عليها بحرف واحد!، ماهذا الجنون الذي يجرى هنا ومالذي دهى صوفي لتصاب بالخرس هكذا!، إنها طيبة جداً لكنها ليست من النوع الذي يقبل الإهانة هكذا دون اعتراض!


    تخطتني جدتي وعندها أصبحت وحيدة في تلك البقعة، كنت أغلي بما فيه الكفاية فسارعت بالبحث عن بوابة النزل لأنفذ بجلدي من تلك البيئة الخانقة على الرغم من جمال ما يحيط بها، وعلى هذا مشيت مبتعدة عن النُزل مسافة طويلة جداً بحثاً عن أثر للمدينة، وكان جل ما يحيط بي هو جبال وغابات كثيفة وزروع ولا غير حتى وصلت الى مفترقاً يؤدي الى ثلاث طرق متعرجة إحداها يكون طريق العودة من حيث أتيت وهذا مالن أسلكه حتى أحقق مطلبي!
    - سحقاً .. أين أنا الأن ؟


    تلفت برقبتي يمنة ويسره علي أفلح في تحديد أي الإتجاهين أسير ولم يكن هنالك أي دلائل أو إشارات مساعدة، رباه في أي العصور نعيش حتى لا تتوفر مثل هذه الخدمات الأساسية في الطرقات؟!


    وقررت الإنتظار بعضاً من الوقت تحسباً لمرور أحد ما فأسأله، وكان ذلك قبل أن أشاهد سيارة تسير في اتجاهي يصدر منها أصوات موسيقي صاخبة أصابتي بشيء من التخوف كلما تقلصت المسافة بيننا حتى أنتهت الي وتوقفت عن الحراك، عندها تلاشت رغبتي سريعاً في الذهاب الى أي مكان وأشحت بوجهي بعيداً حين أطل شابٌ من نافذة السيارة القديمة ليسألني بلكنة قروية مضحكة:
    - آنسة الى أين تذهبين؟


    ولم أشعر برغبة في الإجابة وأنا أشعر بالإشمئزاز الشديد من كل شيء حولي فتابعت المسير الصامت، وازداد الوضع سوءاً مع هبوب نفحات باردة متتالية مع استمرار تكدس الغيوم في السماء رغم اشراقة الشمس الجميلة صباح اليوم، فأخذت بالمسح على عضداي العاريين في محاولة يائسة لتخفيف شعوري بالبرودة وأنا مبقية على تجاهلي له، وسرعان ما صرخت و قفزت الى الوراء حين حرك السيارة سريعاً وتوقف بها على محاذاتي ليصبح وجهه أمام وجهي مباشرة، ثم أطبقت بيداي فوق قلبي لتهدأت ضرباته التى أزدادت بعد تفحص عيناي لملامحه الفريدة و شعره الداكن الذي يكاد يلامس كتفيه.. تحدث بشيء من الجدية السخيفة وهو يحاول التأثير بي كما كان واضحاً:
    - لا يجب على صبية البقاء في نقطة خالية كهذه!، أركبي وسأوصلك الى حيث تشائين!


    ناظرته بزدراء لمحاولته تقمص دور الرجل النبيل، كل ما عليه فعله هو تحوير عينيه بإتجاه مراءة السيارة الجانبية ليدرك من أنه أبعد ما يكون عن ذلك بهيئته القذرة و مظهره الأشعث، وشعرت برغبة ملحة في تفجير سخطي عليه ففعلت دون إطالة في التفكير قائلة:
    -محاولة جيدة، والأن ما رأيك بأن تصبح أكثر ذكاءاً وتختصر على كلينا أساليبك المبتذلة في المغازلة! لست مهتمة بخدماتك ولن أكون كذلك أبد الأبدين فغادر رجاءاً..


    أجفل الشاب لثوانٍ معدودة قبل أن يغرق في نوبة ضحكٍ حاول كتمانها خلف قبضة يديه التي أطبقت على فاهه ومن ثم على جبينه مما أثار حنقي الذي أزداد بعد أن أردف وهو لا يزال على حاله الساخرة:
    - لا أكاد أصدق أن مثيلاتك لا تزلن على قيد الحياة، كفى عن الحماقة ودعيني أختصر عليك عناء المسافة
    - فلتعدها ما شاءت فقط أغرب عن وجهي رجاءاً


    تابع ضحكه فتجاهلته وتابعت المسير دون أن أعلم حقيقة الى أين سأنتهى، سوف لن أسمح لذاتي بالتجادل مع قروي مثله لأطول من ذلك حتى لا أصاب بعدوى السطحية والغباوة منه، صرخت بغضب حين أصابتني قطعة القماش التي ألقاها علي من النافذة وهو يتخطاني بسيارته العتيقة البشعة، وسرعان ما شعرت بالإهانة حين أتضح لي من أن ذلك القماش لم يكن سوى سترة صوفية رجالية.. أيظن حقاً من أنني أضعها على جسدي بهذه البساطة!.. وعلى ماذا الغضب فمالذي أتوقعه من شاب له عقلية مسطحة جراء تعرضه المستمر لموجات السخف المنتشرت في الأجواء!.


    كورت الكنزة بحقد وأردت أن ألقيها أرضاً وأن أمرغها بقدماي التي أعياهما طول المسير، إلا أن نفحة برد أخرى أتدثر بها سريعاً وأنا ألعن الساعة التى جعلتني أقدم على هذا القرار الغبي في القدوم الى هذا الجحيم.

    لم يمضى الكثير حتى مرت شاحنةُ ضخمة لحمل البهائم، وكان خيار مرافقة السائق العجوز حتى نصل الى القرية المخفية عن الأعين قهرياً بعد أن تورمت قدماي و أبت مواصلة المسير.


    يتبع ...
    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 14-03-2015 عند الساعة » 00:08

  6. #5

    -١-



    صوفي..



    إنها التاسعة مساءاً ولا أثر لألكسا حتى الأن، ترى مالذي يأخرها عن العودة الى هذه الساعة؟! سحقاً، وكأنه ينقصني التعامل مع مزيد من الهواجس الأن، لهذا لم يكن من الصحيح الإذعان الى رغبتها في القدوم معي فهاهي المتاعب تحل على رأسي منذ أول يوم وأنا التى أملت الإبتعاد عنها…

    بقيت متسمرة أمام بوابة النزل لما يقارب الساعة حتى لاح لي ضوء سيارة من بعيد، أصلحت الوشاح الذي ينزل على كتفي ويغطي معظم أجزاء جسدي دون ساقي وكلي أمل من أن أنتظاري الطويل بهذه الليلة الباردة سينتهي مع وصول السيارة، وكنا لي ذلك فهاهي الشقية تترجل منها و تتقدم مني بهدوء عكس لي مقدار إجهادها. وكعادتي لم أضيع وقتاً للتعبير ما ما يخالج صدري بكل صراحة وسخط:
    - آنسة ألكسا مالذي كنت تفعليه خارجاً منذ الصباح الباكر وحتى هذه الساعة!

    ناظرتني بحقد و أجابت:
    -رائع والأن أصبحت أمي أيضاً!.. أهنالك مزيد من الشخصيات المزدوجة التي يجب علي توقع ظهورها في الأيام التالية؟

    قاطعتها بحدة:
    - مرحى لك فلن تكوني هنا طويلاً لتحظي بشرف رؤيتها جميعاً والأن أجيبيني ألكسا، هل لديك أدنى فكرة عن مقدار القلق الذي فرضته علي طوال النهار!

    تخطتني الى البوابة وهي تطلب مني مرافقتها فتبعتها حتى أنتهينا الى غرفتها في الطابق الأول للنُزل .. أغلقت الباب بهدوء خلفنا فقد سكنت حركة النزل منذ الثامنة مساءاً وهنالك تنبهت الى تلك الكنزة البنية الثقيلة حين خلعتها وألقت بها على كرسي في أحد أركان الغرفة، حملتها بإستنكارٍ و بادرت بسؤالها عنه:
    - ومن أين لك هذا الذوق الفريد ألسكا!

    ألقت بجسدها على السرير وهي تتمتم:
    - أصنعي بي معروفاً و تخلصي منها في أقرب مكب للنفايات

    تملكتني الشفقة رغماً عن اراداتي فقد بدت متعبة جداً من ملامح وجهها العابسة كما أنها لم تملك الكثير من الطاقة للإجابة على تساؤلاتي، فأقتربت من السرير وجلست على أحد أطرافه ثم قلت برزانة ووضوح:
    -أظن أنه من الصواب أن تعودي الى خالتي ألكسا، أشكر لك لطفك وقيامك بمرافقتي والإبقاء على صحبتي طيلة المسافة الى هنا ولكن ليست لدي أدنى فكرة للعودة قبل انتهاء اللإجازة الصيفية مهما تعددت حججك، فلا تتكبدي عناء حمل ذاتك على البقاء في مكان لا يناسبك عزيزتي

    تمتمت بعد أن أخرجت رأسها من بين الوسادة وقالت:
    - لماذا تتمسكين بالبقاء هنا وهي تعاملك بهذه الطريقة السيئة؟

    ابتسمت وأجبت بأريحية:
    - لن أخفيك ألكسا، أنا لا أزال قلقة من تبعات قراري هذا ومن أفعال جدتي المتناقضة، إلا أن القدوم الى هنا كان حُلمي منذ الطفولة، كما أن المكان ساحر والطعام شهي ولذيذ و اتضح لي أن العمل ليس سيئاً جداً هو الأخر

    أردفت وهي تتحشى النظر في عينياي:
    - إنها ليست كما تتصورين في مخيلتك الجامحة صوفي، لما لا نذهب في نزهة الى سويسرا سوية إن كان ما تطمحين إليه هو الإستجمام بالإسترخاء بعيداً عن صخب المدن، لا أظن أن كُلاً من أمي وخالتي قد هجرتا تلك المراءة دون اصابتها بمشاكل نفسية حقيقة يمكن أن تضر بك!

    نظرت إليها بمودة:
    -كفى ألكسا تعلمين جيداً أنها ليست بذلك السوء، لقد شعرتِ بذلك مثلي لحظة أستقبالها لنا بالأمس أليس كذلك؟، نحن فقط لم نحصل على الوقت الكافي لفهمها كما يجب، وكما تعلمين جيداً فأنا أفضل أن أثق فأندم على أن أشك فأندم وهذا ما أنا عازمة على تنفيذه فيما يتعلق بجدتي

    ابتسمت وقالت وهي تنظر الى بنصف عين:
    -أنت مجنونة أتعلمين؟

    ضحكت:
    - هذا اللسان الذي لا يُريد بك خيراً، بالمناسبة هل تمكنت من تغير موعد الرحلة أم أن مغامرتك اليوم لم تتكلل بالنجاح؟

    أجابت بآسى و حقد:
    - لا مقاعد شاغرة مع الآسف الشديد وسأُبقى على صحبتك لأسبوع أخر قبل أن أعاود انضمامي الى موكب الحضارة في الديار!، إن كل ما أرجوه هو أن تنقضى هذه المدة سريعاً وبسلام


    تفقدت عيناي ساعة الحائط الأنيقة و أجفلت بفزع فلم أدرك تأخر الوقت الى هذه الساعة، هذا سيء فساعات عملي تبدأ باكراً صباح الغد، أستقمت من فوري وتمنيت لها ليلة سعيدة قبل أن أخرج وأقصد الطابق الأخير بحثاً عن السرير، لقد كان يوماً طويلاً ولا أصدق كيف أشتاق الى النوم بهذه المشاعر القوية الصادقة ..








    نهاية الجزء ..
    قراءة ممتعة للجميع

    اخر تعديل كان بواسطة » moon child في يوم » 14-03-2015 عند الساعة » 00:13

  7. #6
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كيف حالك مون؟ أرجو أنك بخير

    كنت أعرف أني سأحب ما تكتبين وهذا ما حدث، أحببت جو الشقيقات.
    أحببت تناقضهما واستقلاليتهما وحبهما لبعضهما البعض، بحق أسرتني تمامًا
    بالخلفية الخضراء والبيئة الجبلية، بالوصف الآسر وبالأحداث الملغمة.

    فما كان مني إلا أن أحجز على إستحياء مقعد متابعة embarrassed
    أهلًا بعودتك embarrassed سعدت صدقًا برؤيتك مرة أخرى يا جميلة embarrassed

    أرجو لك التوفيق
    في أمان الله

  8. #7
    حجز } ~
    attachment attachment
    سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
    | قناعٌ قابلٌ للكسر |

  9. #8
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ديدا. مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته e106e106e106
    كيف حالك مون؟ أرجو أنك بخير

    اوه عزيزتي في أتم صحه وعافيه ولله الحمد، وأنتِ يالطيفة؟!


    كنت أعرف أني سأحب ما تكتبين وهذا ما حدث، أحببت جو الشقيقات.
    أحببت تناقضهما واستقلاليتهما وحبهما لبعضهما البعض، بحق أسرتني تمامًا
    بالخلفية الخضراء والبيئة الجبلية، بالوصف الآسر وبالأحداث الملغمة.

    e417 أنا فقط أحمر خجلاً من اطرائك اللطيف، حقيقة هذه أول مره أكتب بدا الأسلوب وأعرض ما أكتبه فما زلت غير متمكنه منه تماماً والحمدلله انه ما خيب كثير e407


    فما كان مني إلا أن أحجز على إستحياء مقعد متابعة embarrassed
    أهلًا بعودتك embarrassed سعدت صدقًا برؤيتك مرة أخرى يا جميلة embarrassed

    أوي السعادة عظيمة عندي أول مقعد محبب الى القلب e417e417e417

    أرجو لك التوفيق
    في أمان الله



    شكراً ديدا على تواجدك وإبرازك لمكانك الذي له في الخاطر معزة e418، وإن شاء الله تكون رحلة جميلة نقضيها سوية في أجواء من الونس والألفة ..

    بإذن الله سأضع الجزء القادم يوم السبت أو الأحد إذا الله أحيانا أي بكرا أو بعده حسب سرعة انتهائي من مشروع أعمل عليه والله الموفق

    ومع استمرارك في المتابعة أتمنى تخبريني عن احاسيسك وتطلعات وما أعجبك وما لم يروق لك .. ليس أمراً بل حباً وكرامة e415


    منورة يا ديدا وأراك قريباً جداً بإذن الله


    موون

  10. #9
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة مجوكـهـ مشاهدة المشاركة
    حجز } ~

    يا أهلا وسهلا فيكِ مجوكهـ.. يارب تستانسي معانا smile


    موونه

  11. #10

    -2-





    -٢-






    ألكسا




    إنه صباح اليوم السادس على تواجدي في هذا المكان المنعزل، وأنا لا أجد رغبة في داخلي لفعل أي شيء سوى الإستلقاء أو الجلوس على الشرفة لإستنشاق الهواء.. ولم أجد عزاءً في قنوات التلفاز المملة فلم أضيع وقتي أمامه على الإطلاق..

    كنت أراقب صوفي خفيه وهي تتحرك في الجوار من حين لأخر، المجنونة لم أراها تكد في حياتها كما فعلت في الأيام السابقة ومع ذلك تبدو سعيدة وراضية!..

    اختلافاتنا الجوهرية في أساليب الحياة جعلتني أفتكر مؤخراً عما إذا كانت كلتانا من ذات الأبوين! ورداً على هذه الأفكار الموحشة اجتاحتني رغبة مفاجئة في التبسم حين راودتني ذكريات من طفولتنا المليئة بالضحكات.. كنا نقوم بكل شيء سوية كما لو كنا توأمتين، أوه وحتى في اللباس.. فأنا لا أزال أذكر و بكل وضوح صورة الثوب الأزرق ذو الخطوط الحمراء والبيضاء العزيز .. كنا نردتيه كما لو لم يكن لدينا ثوب غيره!، وبه نألف الرقصات الإستعراضية لساعات طويلة خلال النهار، حتى إذا ما جاء المساء نستعرض بها أمام أبي وأمي اللتى لم تكن قط شاغرة.. فعلى عكس روتين الحياة في أغلب البيوت حيث يدرس الأطفال ويعمل الأبوين نهاراً لتهدأ الحركة في الليل .. الحياة في فندق هي على النقيض التام فعادة ما يكون النهار هادئاً ومن ثم ما يلبث أن يشتد نشاط قاطنيه بالليل ..



    تنبهت من فقاعة الذكريات الدافئة على وجه البستانيه صوفي وهي تلوح لي بقفازها الغليظ المتسخ بالسماد من حديقة النُزل، فختفت ابتسامتي وأسرعت الى الداخل والخجل يحرق وجنتاي من رؤيتها لي أضحك كالأغبياء بلا سبب! ..


    جاء الليل مسالماً وخيم على أرجاء الأرض الغناء وكنت مشغولة في مهمة تجهيز حقائبي للعودة الى أوكلاند العاصمة بالغد قبل أن استرعتني حركة قريبة من الباب، توجهت إليه وفتحته فوراً وتفاجأت من انحناء صوفي أمامه وكانت على وشك دس شيء من فتحته التحتيه البسيطة.. نظرت الى مبتسمة بسرور وقالت وهي تستقيم بنشاط:
    - وددت أن أمنحك شعور المغامرة إلا أنك متيقظة أكثر من اللازم!، لقد جهزت عشاء وداع لكِ فما رأيك بالإنضمام الي خلال نصف ساعة يا آنسة


    رمقتها بريبة ثم قلت:
    - وحدنا؟!


    ضحكت برحابة ثم أجابت:
    - بلى، كنت أخطط له من النهار فلا تتأخري وإلا خلدت الى النوم وتركتك وحيدة..


    قلت بإمتعاض وأنا أرفع حاجبي ساخرة:
    - وكيف سمحت لك العجوز بحمل الطعام الى غرفتك!.. أليس محظوراً في مُعجمها!


    أومأت برأسها إيجاباً وقالت:
    - هو كذلك لذلك سأراك في المطبخ ألكسا.. على الذهاب الأن لتفقد الطعام


    وأستدارت بغرض الذهاب فأسرعت بإلتقاط المظروف المبهرج من يديها المعقودة الى الخلف .. شهقت بفزعة بسيطة ثم قالت بملامة:
    - كل ما كان عليك هو طلبه يا آنسه فقد صنعته من أجلك في المقام الأول


    هززت أكتافي وأنا أستدير الى داخل الغرفة بعد أن قلت:
    - لن أكون ألكسا إذا فعلتها بطريقتك صوفي.. أهتمي بالطعام رجاءاً فأنا أتضور منذ الصباح



    تفحصت البطاقة المزينة ببعض من الورد المجفف ببراعة ومن ثم فتحتها وأنا أغلق الباب من جديد لتصبح خلال ثوانٍ بسيطة أعظم ما امتلكت ذلك الصيف، حيث أن قدر المشاعر التى عكستها أحرفها الصادقة جعلتني أدمع من فرط التأثر والإنبساط..

    لا حاجة لإنكار أن قرار مصاحبتي لها أتى بعد الكثير من التردد من جانبي، إلا أنني أثرت صحبتها طمعاً في استرجاع أيامنا الخوالي حيث كنا نتشارك أدق تفاصيل حياتنا بكل شغف وانبساط، ولأن هاجساً لم يبرحني من أنها تُسرق مني لسبب ما إذا لم أكن معها!..


    التفكير في اسباب قدومي معها جعلني أدرك كم أنا بعيدة عن ذلك القصد!، فبدلاً من التركيز على قضاء وقت ممتع جعلت أتذمر من كل شيء بلا استثناء ولم أسمح لذاتي الإنسجام مع مجريات الامور على الإطلاق..
    تنهدت بحنق وأنا أترك العمل على الحقيبة المرفوعة فوق السرير لما اجتاحني من تأنيب الضمير.. انها سيئة أخرى تضاف الى رصيد الإنفراد بالنفس بعيداً عجلة الحياة في العاصمة، حيث يصبح لدى المرء متسع من الوقت للتفكير والتأمل في حياته وخياراته، وسرعان ما تهاجمه التساؤولات المرهقة من كل حدب وصوب فتطالبه بالمزيد من التفكير والتأمل!.. إنه ليس وكأني لا أجد وقت فراغ في منزلنا بالعاصمة بل يكاد يكون الطابع الأدوم في حياتي هناك، إلا أنني وبطريقة ما أنجح دائماً في اغلاق الفرص بين أي تخاطر ممكن بين قلبي وعقلي ولا أراني أفلح في فعلها هنا!..



    أنقضى الوقت سريعاً وكعادتي المتأصله تأخرت عن موعد اللقاء لما يقارب العشرة دقائق، أستقبلتني صوفي أمام الباب وهي تشير باسمة الى ساعة يدها فكشرت بدلال وأنا أرد بدافع:
    - أنتِ من بين الجميع ممن يجب أن يلاحظ الإنجاز في قدومي مبكرة هكذا على غير عادتي


    ضحكت وهي تلج من باب المطبخ المقوس وأردفت:
    - أعترف أنتِ تتغلبين على نفسك ..


    ثم وجدت صعوبة في اخفاء تفاجئي من جمال اعدادها للمكان وتناسق الأطباق المزخرفة مع زهر اللافندر العبق المتوسط قلب الطاولة، حيث بدأ وكأنه مشهد مصور من إحدى كتب الطبخ لما كان يعكسه من بهجة واتقان، كما أنها المرة الأولى التى ألج فيها الى المطبخ الفسيح المنمق وقد نال على إعجابي هو الأخر.. رفعت عيناي في مجالها فوجدتها ترمقني باسمة ومن ثم أشارت لي بالجلوس فجلست كلتانا في الوقت ذاته، قالت بعدها بسرور:
    - إذا ما رأيك في شقيقتك ألكسا؟!.. لا أصدق كم تعلمتُ خلال هذه الأيام القليلة عزيزتي


    سرني سرورها وشغفها بالتجارب والحياة فأجبت برنة مشابهه لحلمها:
    - لطالما كنت فخورة بك صوفي، أنت مبدعة و شفافة الى الدرجة التى يغبطك عليها الجميع


    انفجرت ابتسامتها لحديثي وشعرت بالرضا لإدخال السرور عليها، ومالبثت أن كشفت عن الطبق الذي أعدته ففاحت رائحته عذبة تزامناً مع تأوهي من طيبها.. شرعنا بعد ذلك في الأكل ونحن نتجاذب الخوض في سلسلة الأشغال المتنوعة التى أدتها في النزل وحوله، جنباً الى حكاياتها مع العاملين والزوار العابرين التى لم يتخللها أو يعترضها سوى ضحكاتنا الصادقة.. تماماً كما لو عاد الزمن بنا الى الوراء حين كنا طفلتين .. ليتها لو طلبت مني البقاء ..




    ……
    يتبع

  12. #11

    -٢-






    أغلقتُ حقائبي كاملة بعناء صباح اليوم التالى وأنا متجهمة من فكرة افتراقنا لما تبقى من أشهر الصيف الطويل، ولم أبذل أي جهد لإخفاء الإستياء من على وجهي.. ألم يكفيها قضاء أسبوع كامل في هذا النزل البعيد عن أرجل البشر فنعود سوية!.. كتمت صوتي في داخلي احتراماً لرغبتها ووصلتُ بحقائبي الى ردهة النُزل، وهناك أنقبضت معدتي حين وجدت العجوز في انتظاري، رمقتها بقلة مبالاة كونها العلة في ربط صوفي في البقاء عندها بينما حيتني بدورها أولاً، فرددت التحية بتثاقل وأنا أكره الإنزعاج الذي ينتابني لدى تلاقينا، إلا أنه سيتوجب علي الإحتمال حتى أسجل خروجي من الفندق وأوقع على ما يلزم من المستندات الممله.. ومن بين البرود الذي تغشى الردهة إذا بصبي في حدود الثالثة عشر يقتحم المكان من جانب المطبخ على عجل وهو يصرخ منفعلاً :
    - الأنسة صوفي وقعت في الأصطبل يا سيدتي ..


    وبلا عقل أو دماثة صرخت بفزع ملء جوفي:
    - ماذا تقول؟!


    أرتعد الصبي من زمجرتي الشبيهه بأصوات الحيوانات الكاسرة فأشار الى الوراء وهو يرتعش، تجاهلت حقائبي ومحفظتي الموضوعة على طاولة الإستقبال مع باقي ممتلكاتي الشخصية وأنا أهرع الى حيث اشار وعلى ما يبدو بأن العجوز قد تبعتني فقد كانت أنفاسها الصاخبة ترافقني طوال الطريق الممتدد حتى وصلنا الى حيث تجمع البستاني والراعي و رجل أخر.. دفعتهم عن الطريق بلا اكتراث وأجفلت حين وجدت صوفي تحتضن جسدها وعروقها متشنجة وهي ترتعش في أحد أطراف الأصطبل، عندها أسرعت إليها وأنا أهذي بفزع:
    - صوفي حبيبتي حباً في الرب أجيبيني؟!


    احتضنتها بعنف وهي لا تتجاوب معي فبكيت من وطأة القلق وصرخت من جديد:
    - اللعنة فليتحرك أحدكم ويبعد هذا الخيل من عند الباب، هل أنتم أصنام؟!


    فأسرع الرجل بالإمتثال وأبتعد الجميع عن المكان بستثناء جدتي التى وقفت تراقب وهي مجفله تتنافض لما كان يدور بيننا، انقضى بعض الوقت وأنا أمسح على ظهر صوفي الهامدة وكان لِزاماً علي التصرف بحكمة حيال ما يجرى فقلت مخاطبة جدتي بهدوء:
    - نحتاج الى نقلها بعيداً عن هنا، إنها تعاني من فوبيا الأحصنة و..


    فأسرعت نحوي دون أن تنبس بحرف واحد وأخذنا نحاول رفعها عن الأرض إلا أنها بقيت تهبط متجمدة على وضعيتها والذعر يتلبس حواسها الساكنة.. همست جدتي بصوت أفزعني ضعفه وبانت رنة البكاء في حلقها وهي تقول:
    - دعينا نستعين بأحد الرجال ليحملوها..


    أومأت لها بالإيجاب وجسدي يقشعر من ما خلفه صوتها الضعيف في عقلي المبهوت، واختفت للحظات وراء الباب الخشبي الضخم ثم عادت برفقة الرجل الغير مؤلف، تأملته بتفحص وعدائية إلا أنه تجاهل فظاظتي وأومأ لي قبل أن ينحنى بجسده الممشوق القوي ليحمل صوفي .. ومن ثم لازمته طوال الطريق الى النُزل وتحديداً غرفة جدتي، حيث طلبت منه أن يضع صوفي على فراشها الأبيض ففعل ثم غادر بهدوء ووجهه مكبل بمشاعر مختلطة..




    ~~~




    صوفيا




    فتحت عيناي بإنزعاج وأنا أشعر بتصلب في عضلات وجهي وبالدفء في جسدي الى حد السخونة، وسرعان ما تشابكت حاجبي من غرابة المكان إلا أن الخدر الذي أحسسته في بدني منعني من الحركة بطلاقة وحرية، كانت رقبتي متيبسة بوجع ومع ذلك أرغمتها على التلفت يمنة ويسره لتتفقد عيناي أين أكون بسرعة وحذر.. وعلى عكس التشنج الذي أحاط جسدي بأكمله كانت الغرفة جميلة جداً وهادئة، تملأ جدرانها أرفف مصفوفة بشكل متداخل ومن فوقها وُزعت تحف زاهية الألوان وصور شتى، مما سرق ابتسمتي بإنشراح لجمال المكان ونظافته..


    تابعت عيناي تفحصها ببطئ حتى وقعت على إطار كبير يضم صورة لشابة بديعة تجلس في القلب وبقربها تقف فتاتين بعمر الزهور.. وعندها أصبح لدي دافع قوي لمغادرة الفراش واشباع فضولي ففعلت على مهل رغم الوهن الذي كنت أحس به في مفاصلي وأتجهت صوب الإطار لتأخذني البغته وأنا أقف أمامها، فإحدى الصبيتين تكاد تكون أنا والأخرى ليست بعيدة عن ملامح ألكسا على الرغم من بعض الفروقات!


    فُتح الباب الأبيض بهدوء من خلفي فستدرت لأجد ألكسا تقف وراءه وهي ترتدي إحدى منامتها القصيرة، أجفلت بسرور وكدت أن أحييها لولا أنها فاجئتني بإسراعها الى احضاني، تلقيتها بخجل أزداد حين تبعتها جدتي الى المكان..





    اخبرتني ألكسا بعد ذلك بما جرى خلال النهار بعد أن أعادتني كلتاهما الى السرير، وعن قدوم الطبيب وعن تفاصيل كثيرة غابت عني بالكلية!، كنت في أوجه حالة انزعاجي لغيابي عن الواقع طيلة ذلك الوقت إلا أنه تحتم علي اظهار أمارات الإنبساط لكي لا أقلقهما أكثر مما فعلت، ولفتتني الأريحية في وجه ألكسا على الرغم من كونها في حضرة جدتي التى لا تحب فقلت:
    - هذا يعني من أنك فوتِ موعد الرحلة ألكسا، سأتكفل بالإهتمام بحجوزاتك في أقرب فرصة


    أجابت وهي وتكشر عن حاجبيها وتزم على شفاهها بطفولية:
    - وتظنين أتركك دون رعاية!، كنت على وشك المغادرة فحصل ما حصل، الله أعلم كيف تدبرين أمورك في غيابي وأكره أن أجيء الى هذه البقعة مجدداً لحضور مراسم دفنك؟


    ضحكت بينما نهرتها جدتي بغضب تقبلته ألسكا دون اعتراض ومالبثت أن غادت جدتي للإهتمام بأمور النُزل التى أجلتها بسببي فبقينا وحدنا .. ولم أضيع الفرصة فقلت:
    - إذاً مالذي غيرك على جدتي ؟!


    قلتها وأنا أرمقها بمكر فضحكت بغرور وأجابت:
    - إنما قررت إعطائها فرصة أخرى من أجلك صوفي، كما أننا تحدثنا مطولاً خلال نومك بشأن ما جرى لك سابقاً وشعرت بأنها يمكن أن تكن أهلاً للثقة


    حذفتها بإحدى الوسائد الصغيرة وأنا أبتسم بإنشراح:
    - سعيدة ببقاءك على أيت حال يا رأس البصلة


    رفعت حاجبيها بإستخفاف وقالت بشفاه ممدودة ورنة ثقيلة بطيئة:
    - أين ذهبت صراحة صوفي بالأمس، أما كان عليك قول ذلك سلفاً أم أن غرورك يمنعك من طلبي البقاء الى جانبك !!


    ابتسمت ثم قلت مازحة:
    - وأتحملك تقولين “ما بقيت هنا الى من أجلك” لما تبقى من الصيف، ياللهول أنت تحلمين دون شك.


    ردت الوسادة في اتجاهي فستدرت لتلافيها وقالت وهي تقوم من على طرف السرير:
    - يستحن أن تستثمري يوم راحتك هذا جيداً، كنت طيبة بما فيه الكفاية وتطوعت للإهتمام ببعض أعمالك صوفي


    فلم أجد وقتاً لإخفاء ذهولي وقلت والعجب ينطق بلساني:
    - ألكسا تعمل!!


    رمقتني بإزدارء وهي تتنهد بإبتسامة هزء:
    - تعلمين أنه يمكن أن يتم التخلى عن خدامتك نظير خدماتي فحذاري من الإستهزاء ..


    أجبتها مبتسمة:
    - معك كل الحق، أستطيع أن أرى جودة خدماتك في الإهتمام بي..


    تلعثمت بخجل وخرجت على عجل وهي لا تنظر الى الوراء .. واجتاحني سرور عظيم وحماس طفولي من بقاءها في الجوار لنتمكن من تشكيل ثنائي الإستطلاع كما في الأيام الخوالي، ونخوض غمار التجارب والاحاسيس الجديدة معاً، فقد سرقتنا حياة المدينة المكتظة عن بعضنا البعض ولم تترك لنا سوى بضع دقائق نقضيها سوية على سفرة المائدة حيث تكون منزوية على محمولها وأكون محلقة مع كتابي..


    ومع هدوء الحجرة أرحت رأسي الثقيل على الوسادة وأنا أضجع على جانبي الأيمن، وأحاول تذكر تفاصيل البارحة على تردد وخوف من أن ترسلني الذكريات الى حالة التجمد أو الشلل، ومن حيث لا أعلم وجدت الذكريات تجذبني بعنف الى الوراء والى أرضية مضمار سباق الخيل السنوي الشهير في ملبورن، كنت في العاشرة آنها وأذكر أن الخيل التى راهن عليها والدي بمبلغ ضخم فازت في السباق النهائي، فأخذنا للإلتقاط صورة مع الخيل الفائزة ووضعني على ظهرها بعد الحاحي الشديد من أجل التقاط صورة لا تنسى، وفجأه تعالت الصيحات حين هاج الحصان وأنطلق بعنف نحو مضمار السباق، تمسكت به لسويعات من الوقت قبل أن تخذلني يداي الصغيرتين فطار جسدي النحيل وارتطم بالأرض ثم تدحرج مطولاً قبل أن يستقر هامداً، والحقيقة المرعبة هي كوني لم أفقد الوعي طوال الوقت على الرغم من انكسار بضع فقرات في ظهري وخلع كتفي الأيمن، مما جعلني طريحة الفراش بضعت اشهر و حبيسة العلاج الطبيعي بضعة سنين اخرى..



    انكمشت على ذاتي بجزع، و تذكر الألام التى شبت في جسدي كالنيران ارسلني الى رعشة حقيقة، وصرت أكافح جاهدة لتهدأت عقلي وعيناي الدامعتين مطبقتان فوق بعضهما البعض بإحكام لتذكر خطوات العلاج النفسي الذي خضعت له بصورة مكثفة للتخلص من نوبات الفزع تلك .. ولم يمضي زمن طويل قبل أن أستغرق في النوم لينتهي الصراع!..



    ..........
    يتبع





  13. #12

    -٢-





    قضيت نهار اليوم التالي في التجول هنا وهناك دون أن يسمح لي أحدٌ بمد يد العون في شيء، بل كان الجميع حريصون على راحتي وما كان مني إلا تقبل رغباتهم والإمتثال لها دون اعتراض ..
    وفيالليل، أصرت ألكسا على الذهاب الى المدينة البعيدة لنتناول العشاء هناك، فأذعنت جدتي لرغبتها وأخذتنا في سيارتها الحمراء الكهربائية خلال طريق ينشق بين الجبال وعليها.. وانقضى الوقت وأغلب الحكايا أقولها أنا وألكسا بتدافع وحماسة كما الأطفال بينما ظلت جدتي تستمع باسمة، وتشاركنا تعليقاتها المختصرة بين الفينة والأخرى، وهكذا الى أنا وصلنا الى مطعم للمأكولات البحرية يقع في قلب المدينة المتحجبة برداء الغسق الأحمر الجميل..

    ترجلت من المقعد الأمامي متمهلة وتأثرت شديد التأثر برقة جدتي وعطفها حين جاءتني الى حدي وأصلحت الوشاح الحريري الملون حول كتفاي، كان قلقها علي مفضوحاً في أماراتها والرأفة تكحل عينيها الجميلتين، بينما حدقت بي ألكسا المتأنقة بثوبها الصيفي الأصفر وحذائها العالي ثم قالت:

    - قليل من الجهد وتصبحين ممتازة لمقام شقيقتي


    ضحِكت وأنا أتمسك بعضد جدتي:
    - سأكون أكثر سعادة إذا ما أصبحت لائقة بمقام حفيدتها صدقيني


    وتفاجأت كلتينا حين قالت جدتي متأثرة وصوتها يرتجف كالأوتار:
    - أنت بالتأكيد كذلك صوفي، وألكسا أيضاً.. لم أكن لأكون أكثر سعادة وسروراً بحفيدين طيبتين مثلكما


    ولم أنبس بحرف واحد من شدة وقع حديثها على قلبي، وشعرت بالإمتنان الشديد لقيام ألكسا بتغيير الأجواء حين قالت بمرح ساخر:
    - هيا يا جدتي لا داعي للمجاملة، سألامس القمر من فرط سعادتي بحفيدة كصوفي، ولكن نسخة أخرى مني على هذه الحياة كفيلة بدفع البشرية الى حافة الإنقراض!




    فهش وجهها بمودة وقالت بسكينة:
    - ألست تشعرين كثيراً وتعرفين قليلاً يا ألكسا؟!


    وأشرت لألكسا بالصمت لكي لا ترد بحماقة فلا أظنها أدركت المغزى من تلك المقولة العميقة، ثم لحقنا جدتي الى باب المطعم وأعيننا تتفحص ما أتيح لنا رؤيته من معالم المدينة بذلك الوقت حتى لحظة ولوجنا الى الردهة الراقية..


    ولم يطل إنتظارنا طويلاً حيث أجلسنا الجرسون المهذب الى الطاولة التى تم حجزها لثلاثتنا بعد اتصال جدتي بالمكان في وقت سابق، واستحال على ألكسا أن تكف عن الضحك من لكنة الجرسون القوية، حتى رمقتها جدتي بصرامة فعضت على شفاهها وهي تجاهد للحفاظ على صورتها العامة..


    تقدمنا نادل أخر ليضع أمامنا لوائح الطعام، فتلقت ألكسا اللائحة بلا اكتراث وسرعان ما نهش العجب تقاسيمها القمحية الجذابة وهي تتفحص الشاب بإهتمام مما دفعني لتقليدها وتقليب عيناي بينهما وأنا متفاجئه من تصرفها، فلامبالاتها تتضاعف بصورة فاضحة مع الجنس الأخر وليس من المعتاد أن تحدق في أحدهم طيلة هذا الوقت أو بهذا الشكل العلني!، وسرعان ما لمست تبدلاً في ملامحها الجادة الى الهزء والمكر وهي تعقد يديها أمام صدرها لتخاطب النادل الوسيم بترفع ساخر يخطأه من لا يعرفها بالكبر، وقالت:
    - الفتى القروي من قبل أليس كذلك؟! لم أتعرف عليك كونك تبدو أكثر نظافة اليوم!


    رمقها النادل المهذب لأجزاء من الثانية ولم يزد، ثم أشاح بنظره بعيداً عنها ليولى اهتمامه جدتي المحفوفة بنظرات التقدير منذ أن دخلنا، وقال:
    - طاب مساءك سيدة صوفيانا، طاب مسائكن آنساتي.. سأكون في خدمة الطاولة اليوم فأرجوا الإعتماد علي، مع تمنياتي لكن بقضاء أمسية ممتعة


    أجابته جدتي بجديتها ووقارها ولم يظهر أثر لمشاعرها المرهفة قبل لحظات في رنة حديثها المستقرة:
    - طاب مساءك جورج، أراك تعمل هنا الليلة؟!، تمتلك العديد من المواهب دون شك


    فنمت عن النادل ابتسامة خجولة جعلت لوسامته المفرطة شأن أخر، وأجاب بدماثة وأدب:
    - ليس لوقت طويل مع الأسف الشديد سيدتي، إنما تطوعت للعمل الليلة نيابة عن صديقي، أستيقظ بوعكة صحية صباح اليوم وسيكون على ما يرام بعد نيل قسط من الراحة لذا لاداعي للقلق.


    فأومأت جدتي برضا وأنفعالاتها المدروسة برقي تجعلني أزداد انبهاراً من هالتها الجذابة، ثم قالت بجدية مهذبة:
    - تمنياتي له بالشفاء العاجل.. وأنت أحسنت صنعاً بني، فالحقيقة لقد قامت حفيدتي بالشيء ذاته اتجاه شقيقتها العاملة الحديثة بالنزل، وأظنني أود ضمها الى قائمة العاملين نظراً لبلائها الحسن فما رأيك؟!


    وبان التطلع على وجه ألكسا لسماع رده إلا أنه تحصل على ذهولي حين لم يخطأ ولو لثانية وينظر في اتجاهها، بل أجاب بأريحية:
    - قرار سديد سيدتي، خاصة وموسم الأفراح قادم وسيستفيد النزل من اضافة الأيدي العاملة دون شك..


    ثم تراجع بإنحناءة بسيطة بكتفيه ليترك لنا المجال في اختيار الطعام، ولم يصعب علي رؤية الحرج يلون وجه ألكسا التى تلقت صفعة التجاهل الأقوى في حياتها اللحظة، أما عني فقد أشغلتني انفعالات ألكسا الساكنة عن التركيز في طلب الطعام وأقترحت أن تتولى جدتي الطلب عنا جميعاً كونها الأدري بأطباق المطعم المميزة، ففعلت برحابة صدر..
    وبينما نحن بالإنتظار أتانا الوسيم جورج من جديد وفي يديه باقة ورود ضخمة بديعة التنسيق جذبت أنظار الجميع على كافة طاولة المطعم الممتلئه بلا استثناء، فتبادلت عيناي مع عيني ألكسا نظرة طرحت ذات التساؤل وأخذتني البغته حين قصدني بها، وامتلأت عيناي الداكنتين بالحيرة حين دنا وهو يقول بلطف:

    - وصلتك يا آنسة قبل لحظات


    ترددت في تناولها وتبادلت نظرة سريعة مع جدتي التى قالت بإهتمام:
    - ومن المرسل جورج؟ لا يعقل أن تقبل حفيدتي الزهور من غريب!


    فأجابها برزانة:
    - أوصلها السيد فيليب سيدتي، وقال أنه سيقوم بالزيارة قريباً للإطمئنان على صحة الأنسه.


    و ازداد التشابك في عقلي من هوية المدعو فيليب، إلا أن جدتي أومأت لي بالموافقة، فتناولتها بخجل توردت له وجنتاي، وتأملتها برهة قبل أن تلامس أصابعي أزهار اللافندر البارزة وسط الباقة المنوعة .. إنها زهرتي المفضلة ورائحتها المنعشة تجذبني ولو كنت على بعد اميال برابطة عجيبة هي أشبه برابطة الطفل برائحة امه .. أخرجني من شرودي حديث جدتي الذي قصدتني به:
    - لفته مهذبة من السيد فيليب، إنه الرجل الذي حضر بالخيل الى الإصطبل بذلك اليوم عزيزتي.. كان قد طلب استئجاره لفترة الصيف فقد ابتاع حصاناً جامحاً يحتاج أن يكون منعزلاً لفترة عن باقي الأحصنة

    تسائلت ألسكا وفاجئتني حين قالت:

    - أهو الرجل الذي حمل صوفي الى النُزل؟!.. عجيب لماذا يبتاع الحصان إذا لم يكن لديه مكان يبقيه فيه!

    واستمعت الى رد جدتي بإنصات كامل:
    - على العكس ألسكا لديه اصطبلات عديدة ومميزة، إنما رفض الحصان الإنسجام مع البقية ولهذا طلب إبقاءه بعيداً لدينا، ولكنه سحب رغبته بعد الذي جرى وهذا للأفضل.


    لم يبدو على ألكسا الإقتناع فتابعت الخوض في الحديث:
    - ولماذا ذهبتي الى هنالك صوفي؟! إنه أشبه بالخرابة المهجورة


    أراحتني جدتي حين أجابت عني وقالت:
    - حيث أننا لا نربي الأحصنة منذ زمن فالإصطبل يستخدم لتربية الدجاج.. كانت صوفي تأتي بالبيض من هناك كل صباح ومنذ الأن تصبح مهمتك ألكسا أهذا مفهموم؟!


    ابتسمت بالكاد وأنا أراقب انفعالات ألكسا الطفولية ورفضها الحاد لأول مهمة في عملها، وتابعت الإنصات الى ردود جدتي الصارمة عليها بإنسجام.. لوهلة شعرت من أن عائلتنا التم شملها من جديد بجدتي في موضع امي المشغولة على الدوام ..





    ...............
    يتبع







  14. #13

    -٢-

    غادرنا المكان لاحقاً بعد وجبة لطيفة متعددة الأصناف، وقضينا طريق العودة ونحن نستمع الى الأغاني الريفية الهادئة ونوافذ السيارة المفتوحة تجود علينا بالنسيم العليل البارد، فلم نشعر بطول الساعتين على الإطلاق ..

    وحين وصلنا الى النُزل كان الوقت قد تأخر بالفعل، فقبلتنا جدتي قبل أن نودعها الى العلية التى انضمت إليها ألكسا رغماً عنها في نهاية المطاف، وهنالك أستلقينا جنباً لجنب فستجمعت شجاعتي أخيراً للبوح بما خالج صدري خلال الأمسية الدافئة، بيد أن ألكسا سبقتني القول فقالت:

    - لربما انطلت ابتسامتك على جدتي خلال العشاء ولكن ليس علي صوفي.. مالذي جرى لك؟!

    أجبتها بأريحية وأنا أستدير بجسدي ناحية الجدار:

    - صدقت جدتي حين قالت أنك تشعرين كثيراً وتعرفين قليلاً


    تجاهلت مزاحي وأصرت على المعرفة فأجبتها بهدوء:
    - أنا لم أشعر بشيء نهار الحادثة، وجل ما أتذكره هو دخول الحصان علي من الوراء فأجفلت وحاولت الهرب ومن ثم لا يحضرني شيء أخر البته وهذا يخيفني ..


    أجابت وبدا من صوتها وكأنها تراقب سقف العلية:
    - لم يحدث شيء يستحق الذكر صوفي، لقد أغشى عليكِ وهذا كل مافي الأمر.. أنت بخير الأن ولا داعي للقلق


    استدرت إليها وأنا أعتدل جالسة وقلت بحنق:
    - ومن ثم لماذا لم تخبريني بأن رجلاً قد حملني طوال الطريق الى الحجرة!!


    رمقتني بمكر وقالت وهي تعض على شفاهها:
    - وأهٍ من رجل وسيم .. كنت مشغولة بالقيام بدوري الأخوي اتجاهك وإلا لكان لي حبيبٌ الأن


    لكزتها ضاحكة بخجل وقلت ساخرة:
    - دائماً ما تثرثرين بشأن الأحبة ولم يكن لك واحد من قبل سوى ابن صديق ابي حين كنتِ في الثامنة ربيعاً


    تأوهت بخجل وهي تعتصر جبينها:
    - اللعنة لماذا يجب أن تذكريه الأن ياللإحراج ، لا أنسى كيف رشقته بالحجارة في الحديقة حين أخبرني أنه عائد الى ايطاليا وسيستقر فيها مع أبويه


    فنطلقت مني ضحكة عريضه وأنا أسترجع شريط تلك النزهة الكارثية وتنمرها على الفتى الإيطالي المسكين ليصبح زوجها عنوة .. الحقيقة هي أن ألكسا الطفلة لمتتغير كثيراً عنألكساالبالغة، والذي تغير هو اعتبارات المجتمع لأسلوبها، ففي طفولتها كانت شخصيتها الحادة تؤخذ على محمل المُزاح والظرافة، ومع بلوغها أصبحت توصف بالفظاظة وقلة الدماثة وإن كان الشيء الوحيد الذي تغير في حالتها هو نمو جسدها مع جمالها على النحو الذي عزز من اساءة فهم الآخرين لشخصيتها الأصلية بالكِبر والغرور.. ونظرة المجتمع هذه تجعلني أكثرتساهلاًمعهارغماًعنارادتي كوني أفهم حقيقتها أكثر من الجميع .. كما أنهالاتزالبمثابةالرضيعةالتىأهدتنيإياهاأميلتمحوسماتالوحدةعنعالمي،ويصبحلصرخاتهاوانفعالاتهانكهةخاصةلاغنىليعنهارغملذاعتهافيبعضالمرات ..








    نهاية الجزء الثاني
    قراءة ممتعة للجميع






  15. #14
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وأنتِ يالطيفة؟!
    بخير حال ولله الحمد، أرجو أنك كذلك embarrassed


    وختمت المساء بروايتك الجميلة ما شاء الله والحمد لله كان ختامه مسك embarrassed
    أكثر شيء حبيته في الفصل دفئه، بالفعل كان دافئ وبراق، خاصة وإني كنت أدور على قصة بعيدة شويات عن الحب اللي غزى كتبي مؤخرًا hurt
    وهذا اللي لقيته هنا، وبرد قلبي.

    اندمجت مع ألكسا هذه المره، وبين البنتين أظن إني أفضل ألكسا على صوفي، مع العلم إني أحب صوفي كمان، بس ألكسا كانت جذابة أكثر بالنسبة ليه لأنها مختلفة. عارفة كقارئ مُطلع ع داخل الشخصية غير المتعامل الخارجي، وهذا خلاني ما أشوف ألكسا فظاظة فقط، بالعكس أشوفها مرح وعلى إنها نظرة شاذة شوية، بس كمان أشوفها لطيفه وشاعرية وقوية.

    هذا الخليط خلاني أركز عليها، لأنك ما عملتي الطفلة، عملتي الناضجة وهذا الجانب نادر رغم استهلاك الشخصية الفظة وهذا ينحسب لك نقطة ككاتبة إنك تسوي من المستهلك غير مستهلك فأحسنتِ، وهذا كمان أسرني وخلى تأثير ألكسا يطغى على صوفي والجدة.

    وعلى طاري الجدة، مغرمة بالجدات من طراز صوفيانا كبيرة وراكزة ومحتفظة بنظارتها ولسات فيها مرح ورقة.
    أعتب عليك فقط في الأخطاء الإملائية والنحوية، يبغالي أقتلك عليها laugh أمزح embarrassed

    عندي نصيحة أظن رح تكون مريحة لتخطي الأخطاء الإملائية والنحوية، لا تحاولي تدرسي النحو من أول وجديد، ولا تركزي عليه وقت الكتابة بس إقرأي كثير. لا تتجهي للكتب الحديثه هتلقي النحو ضايع في أغلبها روحي ع الكتب القديمة، ورح تضبط معاك بإذن الله.

    الفكرة إنها سبحان الله زي الانجليزية، لما تسمعيها من قناة cnn لفترة طويلة تتقنيها، نفس الشيء هنا، لما تقرأي نحو صحيح وإملاء صحيح عقلك رح يلقطهم وتلقائيًا هتطلع معاك صح، لا تركزي على إنك تتعلمي النحو والإملاء ولا على مشكلتك، بس استمتعي بالقراءة ومن حالها هتنحل بإذن الله.
    موفقة يا رب embarrassed


    وردًا على ما سبق

    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة moon child مشاهدة المشاركة


    شكراً ديدا على تواجدك وإبرازك لمكانك الذي له في الخاطر معزة
    e418
    ، وإن شاء الله تكون رحلة جميلة نقضيها سوية في أجواء من الونس والألفة ..

    بإذن الله سأضع الجزء القادم يوم السبت أو الأحد إذا الله أحيانا أي بكرا أو بعده حسب سرعة انتهائي من مشروع أعمل عليه والله الموفق

    ومع استمرارك في المتابعة أتمنى تخبريني عن احاسيسك وتطلعات وما أعجبك وما لم يروق لك .. ليس أمراً بل حباً وكرامة
    e415



    منورة يا ديدا وأراك قريباً جداً بإذن الله


    موون


    embarrassed لم أفعل شيء روايتك تستحق عزيزتي embarrassed

    موفقة يا رب 3>

    أبشري، فقط لأننا في البداية ستجدين ملاحظاتي وتحليلاتي هينة وستختفي التوقعات، لكن وحين نغوص ونتعمق أكثر بإذن الله ما رح أخيبك، أبشري


    أنتظر القادم بشوق
    في أمان الله
    اخر تعديل كان بواسطة » ديدا. في يوم » 23-03-2015 عند الساعة » 21:10

  16. #15
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة ديدا. مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    بخير حال ولله الحمد، أرجو أنك كذلك embarrassed

    الحمدلله e106

    وختمت المساء بروايتك الجميلة ما شاء الله والحمد لله كان ختامه مسك embarrassed

    الحمدلله .. يروق لي سماع ذلك

    أكثر شيء حبيته في الفصل دفئه، بالفعل كان دافئ وبراق، خاصة وإني كنت أدور على قصة بعيدة شويات عن الحب اللي غزى كتبي مؤخرًا hurt

    لول جيك الخير بس كما اشرتي، لن يكون هو المحور الأساسي في القصه وإنما شخصية الشقيقتين في التعاطي معاه وما الى ذلك، سعيدة أن الدفء وصلك، مطلبي الأول والأخير هو أن ترسم الأجزاء البسمة على الوجوه عند قراءتها smile

    وهذا اللي لقيته هنا، وبرد قلبي.

    e418

    اندمجت مع ألكسا هذه المره، وبين البنتين أظن إني أفضل ألكسا على صوفي، مع العلم إني أحب صوفي كمان، بس ألكسا كانت جذابة أكثر بالنسبة ليه لأنها مختلفة. عارفة كقارئ مُطلع ع داخل الشخصية غير المتعامل الخارجي، وهذا خلاني ما أشوف ألكسا فظاظة فقط، بالعكس أشوفها مرح وعلى إنها نظرة شاذة شوية، بس كمان أشوفها لطيفه وشاعرية وقوية.

    بالفعل شخصية ألكسا شخصية جذابة وتلفت الأنظار أين ما راحت، وفي المقابل صوفي شخصية مثالية ومنغلقة نوعاً ما .. لأن الحرص الشديد على اظهار أفضل مافي المرء من صفات يخليها في حالة تيقظ دائمه إلا ما توصل لحد وتنهكها وتخليها تنزوي عشان تاخذ نفس..

    ألكسا مافي راسها كلام الناس، وماشيه بمبدأ نفسي ثم من أحب .. em_1f61b


    هذا الخليط خلاني أركز عليها، لأنك ما عملتي الطفلة، عملتي الناضجة وهذا الجانب نادر رغم استهلاك الشخصية الفظة وهذا ينحسب لك نقطة ككاتبة إنك تسوي من المستهلك غير مستهلك فأحسنتِ، وهذا كمان أسرني وخلى تأثير ألكسا يطغى على صوفي والجدة.

    اوه .. وأثق انك راح تتعلقي فيها أكثر مع مرور الأجزاء e414


    وعلى طاري الجدة، مغرمة بالجدات من طراز صوفيانا كبيرة وراكزة ومحتفظة بنظارتها ولسات فيها مرح ورقة.
    أعتب عليك فقط في الأخطاء الإملائية والنحوية، يبغالي أقتلك عليها laugh أمزح embarrassed

    e411e411e411 ديدا وربي شيء مو طبيعي، رجعت اقرأ الجزء بعد النشر وأنا انصدمت من بداهية بعض الأخطاء .. أقتلني عادي بس بعد ما أكمل تنزيل لووول


    عندي نصيحة أظن رح تكون مريحة لتخطي الأخطاء الإملائية والنحوية، لا تحاولي تدرسي النحو من أول وجديد، ولا تركزي عليه وقت الكتابة بس إقرأي كثير. لا تتجهي للكتب الحديثه هتلقي النحو ضايع في أغلبها روحي ع الكتب القديمة، ورح تضبط معاك بإذن الله.


    نصيحتك على العين والرأس إلا أنها تجمل لفتره معينه فقط، الدراسة واجبه لأنه اذا فهمت القاعدة مش ممكن أرجع اغلط فيها تاني، مشكلتي اني مرات أكتب الإملاء صح في جزء ونفس الكلمة في جزء تاني غلط .. وغالباً في القراءة العين الى تصور أشكال الكلمات لكني أحس ان التصوير غير كافي والإدراك الكامل أهم << يارب ما أكون لفيت دماغك لول

    الفكرة إنها سبحان الله زي الانجليزية، لما تسمعيها من قناة cnn لفترة طويلة تتقنيها، نفس الشيء هنا، لما تقرأي نحو صحيح وإملاء صحيح عقلك رح يلقطهم وتلقائيًا هتطلع معاك صح، لا تركزي على إنك تتعلمي النحو والإملاء ولا على مشكلتك، بس استمتعي بالقراءة ومن حالها هتنحل بإذن الله.

    سأفعل يا عزيزه <<< ودا ما يمنع تشيري للكلمات الخاطئة عشان اعدلها em_1f61b

    موفقة يا رب embarrassed


    وردًا على ما سبق





    embarrassed لم أفعل شيء روايتك تستحق عزيزتي embarrassed

    موفقة يا رب 3>

    أبشري، فقط لأننا في البداية ستجدين ملاحظاتي وتحليلاتي هينة وستختفي التوقعات، لكن وحين نغوص ونتعمق أكثر بإذن الله ما رح أخيبك، أبشري


    أنتظر القادم بشوق
    في أمان الله


    أوه ديدا نقاش لطيف معك، وحقيقي يكفيني وجودك لأكمل للنهاية ..

    بإذن الله أضع الجزء الثالث اليوم أو غداً مع اني ححاول اليوم بعد ما ياخذ نصيبه من التدقيق والتعديل ..

    الجزء القادم طووويل ودسم وأتمني يكون بدفء الى قبله وزيادة ..

    خذي وقتك في الرد وأنا أيضاً سأكون بإنتظار بشوق ..

    الله يحفظك

    موون

  17. #16

    -٣-







    -٣-






    ألكسا..




    -جدتي لماذا لا نبني عريشة تطل على جانب البحيرة.. ألن يكون ذلك عظيماً؟!


    قلتها وأنا ألج عليها في المكتب الموصل بالحديقة الخلفية بباب زجاجي، ضمن واجهة تطل على البحيرة المقابلة، وبعد أن انتهيت من أخذ جولة تفحصية حول النزل..
    حدرجتني بنظرة استنكار وهي ترفع عينيها عن المستندات المنظمة فوق مكتبها الزجاجي فتنهدت وعدت أدراجي لأقرع على الباب، ولا داعي للإستفسار عن كيف أو متى نشأت قوى التخاطر بيننا لأفهم مغزاها من محض نظرات.. نادتني من بعدها فدخلت وأكملت بحماس:
    - وحبذا لو نستطيع توسيع رقعة الحدائق حول النُزل، سيكون بمثابة نزهة رائعة للعشاق ألا تظنين؟!


    قالت برزانة:
    - أظن بأنك تهملين مهامك وتتسكعين في الجوار يا آنسة ولم يمر على عملك بضعة أيام!، استمري في اهمالك وسأعمد على الخصم من مرتبك بطريقة موجعة


    رمقتها بحدة وأسرعت نحو الطاولة لأسترعى انباهها فنجحت، ثم قلت بحرارة:
    - جدتي لا يجب أن تهملي احاسيسي وأفكاري من أجل بث الحياة بهذا النُزل الميت


    فحتدت نظراتها تجاهي وشعرت من أن لساني الطويل قد أوقعني في مأزق معها، وأنقذني منها ولوج صوفي مسؤولة الحجوزات لليوم فقلت وأنا أحتمي وراء ظهرها:
    - قولي لها أنك تدعمين أفكاري في تحسين المكان صوفي؟! ألم نتناقش في الأمر مسبقاً؟


    عندها أصبحت الأجواء غريبة بعض الشيء، وأمتثلنا حين أشارت لنا جدتي بالجلوس على المقعدين أمامها، وظننت لوهلها أنها تنوي وعظنا إلا أنها قالت بإهتمام بالغ:
    - إذا ماهي أفكاركما لإنعاش المكان الميت! ظننت أني أقوم بعمل جيد في الإعتناء به قبل وصولكما ولكن لا يبدو عليكما الرضا بمجهوداتي؟!


    فهمت صوفي كعادتها في محاولة لتطيب الخواطر إلا أنني قاطعتها وقلت بصراحة:
    - بالتأكيد جدتي.. المكان كالجنة إن صح التعبير ولكنه أيضاً كالعروس الميتة بثياب زفافها وكامل زينتها.. إن أغلب مرتادي الفندق هم من زبائنه الكبار في السن، وإن لم نعمل على إحياءه من جديد يموت زبائننا الحاليون ويفلس المكان


    وزفرت برتياح حين تقبلت جدتي حديثِ اللاذع حيث قالت بهدوء:
    - وماذا تقترحين ألكساندرا؟


    ابتسمت بثقة وبدأت أسرد على مسمعها المقترحات التى عملنا عليها أنا وصوفي خلال محادثاتنا البعيدة عن الجدية من قبل، وزادت علي صوفي بأفكار مثيرة أخرى فأصبح لدينا قائمة مليئة بالمقترحات التى تنتظر الموافقة والتنفيذ، ولم تقاطعنا جدتي حتى أنتهينا ثم قالت وهي تُعارض ابتسامتها عن الظهور:
    - حفيدات من تقولن لي؟!.. سعيدة بالمقترحات الثمينة وأرى فرصاً عظيمة في تحقيقها، إلا أن العائق أمامنا هو المدة الزمنية للتنفيذ والتمويل الذي لن تتحمله حسابات النُزل حالياً


    كشرت عن حاجبي وقلت بإنقباض:
    - ولكن كيف؟!..


    جاءتني الإجابة سريعة وواضحة:
    - الأشهر الثلاثة القادمة هي أشهر مواسم الزفاف وعادة ما يكون النُزل محجوزاً بالكامل لمثل هذا النوع من المناسبات الضخمة، القيام بهذا القدر من الإصلاحات والإضافات يتطلب وقتاً وأدوات وأيدي عاملة لا نستطيع توفير تكلفتها حالياً، وإن أستطعنا توفير جزء يسير منها فقط فالمجمل يبدو بعيد المنال ..


    واعترتنا لحظة خيبة وسكوت، حتى قالت صوفي بعفوية:
    - إذا لماذا لا يكون للنزل شريك مالي يخولنا تغطية التكاليف ومن ثم نسترد الأفضلية خلال الموسم !


    وراق لي مقترحها فستدارت كلتينا الى جدتي التى بقيت صامته، وبدا من أماراتها عدم الرضا فعتصرت وجهي برجاء حتى قالت على مضض:
    - ليكن إذاً شريك مالي فقط، وشراكة مؤقته تنتهي مع انتهاءنا من سداد تكاليف الصيانة والتحديثات وقيمة الأرباح التي نتفق عليها


    فأجتاحتني طاقة جرارة وحماس عظيم لرؤية تصوراتي تنفذ على أرض الواقع، حتى أخمدتني صوفي مجدداً وهي تقول:
    - ولكن ايجاد شريك معتمد يوافق على شروطنا الصارمة يكاد يكون مستحيلاً خلال وقتنا الضيق هذا؟


    ردت جدتي برزانة:
    - هذا أتكفل به أنا، أما أنتما فمهمتكما الكبيرة تبدأ منذ اللحظة، أريد تخطيطات مفصلة لجميع مواضع الإصلاح والزيادات ولن أقبل بجودة رديئة يا آنسات..كما أريد أن تصلني تقارير مفصلة عن الفواتير والعمال بصورة يومية أهذا واضح؟!


    تبادلت مع صوفي النظرات المطعمه بالبسمات ومن ثم أجبتها بالموافقة بثقة والحرارة تلون وجنتاي، وحين خرجنا من الغرفة شددت على يداي وقلت لصوفي والرهبة تعتريني:
    - إنها مسؤولية ضخمة، أعظم من أي شيء سبق وقمنا به من قبل .. أخاف أن نخيب ظنونها!


    أجابتني باسمة:
    - الشعور وحده لن يكفيك هذه المرة ألسكاندرا، ولا ضير من المحاولة!


    أومأت لها بالإيجاب ومن ثم أنطلقنا الى أقرب بقعة هادئة لنبدأ مشوار العمل الدؤوب..




    ~~~




  18. #17

    -٣-






    صوفي




    أشعر بالإجهاد في كل عضلة بجسدي.. إنه اليوم الرابع بعد اعلاننا عن أفكارنا الثورية ضد وداعة النُزل اللطيف، ولم يكن النوم رفيقاً لنا منذ إذ.. غير أن إعجابي بهمة ألكسا الخاملة في العادة يزداد وأنا أرها تجد في العمل بكل إخلاص وتفان، فكانت الإتصالات لا تتوقف ليل نهار وهي إما تتحدث مع صديقها المهندس ليرسم لها تفاصيل العريشة والحديقة كما تمليها عليه، أو مع مخطط الإعلانات أو أحد أصدقاءها المصورين ..


    وبالطبع كانت مساهمتي تنصب في البحث عن البضائع التى خططننا لشرائها، و ما يلي ذلك من التواصل مع الموردين ومناقشة الكميات والأسعار وأوقات التسليم، كما كان علي مراجعة صيانة المكان ككل، والركض وراء العمال للقيام بالإصلاحات البسيطة اللازمة، والمهمة الأكبر تمثلت في جلب الشبكة العنكبوتيه الى النُزل حتى لا نضطر الى قطع ساعة كاملة للوصول الى أقرب قرية بها توصيلات للشبكة في كل مرة نحتاج إليها..





    انهيت مشواري خارج النُزل مبكراً هذا اليوم، وتوقفت بالقرب من أحد لوح الإرشاد في القرية الصغيرة المجاورة والإعياء يمنعني من متابعة السير.. حمداً للرب أن جدتي خرجت في مشور يتقاطع مع هذا الطريق، فها أنا ذا أنتظرها لتقلني معها وتريحني من عناء السير أو احراج تسول توصيلة من المارة!


    وخلال مدة الإنتظار دارت عيناي حول المكان الساكن بأريحية، وتنقلت بين الأعشاب والأشجار والبيوت المشيدة من القرميد الداكن والأخشاب المصقولة بأبهة واحتراف.. إنها منازلٌ ومحلات بسيطة بالفعل، وعلى قدر بساطتها فإنها تبعث بالراحة في نفس أشر المخلوقات الى حدٍ تعجز عن وصفه الألسنة!.. وهذا الإختلاف يشمل قاطنيها في أصواتهم وطبائعهم ونظرات أعينهم الهانئة، إن كل شيء يبدو مثالياً في نظري، ومع ذلك لا أفهم السببية وراء قرار أمي وخالتي في الإبتعاد عن المكان وهجره هكذا بلا نية في العودة!..


    أخرجني من تأملاتي وصول السيارة الحمراء الصديقة للبيئة فركبتها والسرور يزين مقلتي لرؤية جدتي بوقارها الفريد، ليتها تدرك كم أنا مأخوذة بها وبشخصيتها، إلا أنها كانت تناظر الطريق أمامها فلم ترى قدر الإعجاب الذي أنعكس في عيناي ويكنه قلبي لها.. وقالت تستعلم بقصد الإطمئنان:
    - كيف كان يومك حتي الأن؟!


    أجبت برضا:
    - مثمر كما أمل.. أنتهيت من صفقة المراكب للبحيرة وأظنها تصل في تمام الموعد خلال الأسبوعين القادمين


    ومن ثم تذكرت ألكسا وكيف كانت أعصابها تالفة صباح اليوم فأردفت مستفسره:
    - ماهي أحوال ألكسا.. بدت غاضبة هذا الصباح قبل أن تغادر الى المدينة مع العم راين ؟!
    - تلك الصبية المضحكة.. لا تكاد ترد على أحد دون أن تصرخ وتسخط، لعل عقبة ظهرت في طريقها ولكنها تأبى أن ترمى بحملها على أحد وهذه صفة جيدة الى درجة ما


    شعرت بالخجل وقلت باسمة:
    - لم أرها بهذا الحماس من قبل، اصبحت لا تتحدث عن شيء لا يخص النزل على الإطلاق مؤخراً.. أظنها أصيبت بالهوس!


    فبتسمت جدتي ومضت لحظة صمت ونحن نتوغل في منحنيات الطريق الجبلي صعوداً الى الأعلى قبل أن تقول:
    - في الحقيقة لست أعلم إذا ما كان من الحكمة اصطحابك معي في هذا المشوار


    أجبت بسرعة :
    - على العكس جدتي أحب قضاء المشاوير معك كما أنه ليس لدي الكثير للإهتمام به لما تبقى من اليوم، ولكن الى أين نتجه؟!


    قالت:
    - اتذكرين صاحب الباقة في يوم المطعم؟!


    أومأت بالإيجاب ولا أدري لماذا راودني الخجل تزامناً مع ذكره، وانصت حين أردفت:
    - إنه ابن الشريك المالي الجديد للنزل، نقصد املاكه الأن للتوقيع على بعض الأوراق القانونية اللازمة


    فأظهرت انبساطي للفكرة وأنا أجيبها بأريحية تناقض معها قلبي بخجل:
    - هذا رائع.. لم يتسنى لي شكره من قبل وأظنها فرصة مناسبة ما قولك؟


    قالت وهي تأخذ احدى المنعطفات:
    - انهم عائلة انجليزية من سلالة نبيلة بالأصل، كان أجدادهم القدماء على متن السفن المكتشفة لجزيرة نيوزيلندا مع القبطان جيمس كوك في أواخر عام 1769، حيث استقروا بها لأجيال وساهموا في نمائها على ماهي عليه الأن، ولا يزال معظم أفراد هذه العائلة يشغلون مناصب محترمة في البرلمان لكفائتهم العالية حتى يومنا هذا..


    تأوهت بإعجاب وقلت مستأنسة بالمعرفة الجديدة:
    - هذا رائع، صدقيني لم أكن لأفوت هذه الزيارة لأي شيء أخر!


    نظرت الي متفحصة وقالت قبل أن تنعطف مرة أخرى وهي تتبطأ في سرعتها لتلج من بين بوابة حديدة ضخمة، تكشف من وراءها عن طريق طويل تحده الأشجار الشاهقة يمنةً ويسره:
    - سعيدة بتشوقك عزيزتي، إلا أن المعضلة تكمن في ولع جميع أفراد العائلة بالخيول، وأخشى أن يصادفنا عدد منها خلال زيارتنا هنا والتى سأحرص على جعلها قصيرة قدر الإمكان فهل تكونين بخير؟


    اجتاحت ابتسامتي رجفة بسيطة سرعان ما أخفيتها وراء قناع من التجلد المتقن، ولم أدري لماذا تملكني الحزن لإطلاع جدتي على نقطة ضعفي هذه! إلا أنه ليس باليد حيلة، و من غير الممكن ارجاع الزمن الى الوراء، أجبتها بوقار:
    - لا بأس جدتي فبالتأكيد لن تلج الخيل الى البيت كما آمل؟!


    ربتت على يدي المشدودة فوق حجري وقالت مطمئنه:
    - بالتأكيد حبيبتي وسأحرص على حمايتك في أسوء الأحوال ..


    رددت لها الإبتسامة وأنا أزداد انقباضاً بجوفي دون أن يكون للمكان سبب فيها أو احتمالية رؤيتي لأحد الخيول هنا أو هناك، وإنما كان مبعث القرصة المعوية من شعور جدتي بالشفقة علي.. لكم أكره هذا الإحساس!..


    وصلنا أخيراً الى حيث العمران الطوبي الخلاب وشهقت بذهول وإعجاب من مساحة البناء الشاهق وجمال نوافذه العريضة الممتدة على طول طابقين وبعرض سخي بالغ الإتقان، ثم أتبعت شهقتي بتبادل النظرات بين المكان وجدتي الضاحكة و أنا أقول:
    - إنه قصر دون شك..


    أجابتني ببريق أرى انعكاسه للمرة الأولى على عينيها:
    - ما أشبه انبهارك بإنبهاري فيما مضى!، وإن لم يسرقني جدك ويتزوجني في ظرف أيام قلائل لكنت سيدة هذا القصر الأثري العتيق..


    فأخدتني الدهشة وودت بكل إلحاح سماع المزيد عن ماضي جدتي إلا أنه وجب علينا الترجل، فقد كان في انتظارنا كهل وقور الهيئة والهندام قرب درجات عريضة، حيانا بكل أدب ثم ارتقينا من وراءه لنلج الى داخل المكان الساحر..




    ~~~

  19. #18

    -٣-






    ألكسا





    تراءى لي بعد قضاء الطريق الى المدينة بصحبة العم براين أنه أقل طولاً ومملاً مما خشيت، فقد ظل يلقى النكات الساخرة ويقص الحكايا عن هذا وذاك في قالب من الفكاهة التي أنستني قليلاً استيائي هذا الصباح من اعتذار عمال العريشة عن اداء العمل لبعد المسافة والموقع..
    تملكني غضب عامر لحظتها وفقدت اعصابي على الهاتف حتى أغلق المسؤول في وجهي، و أشعرني الرفض بالإحباط الشديد ذلك أن الإنهاك تملك اعصابي من حجم الضغوطات وضيق الوقت وقلة سلاسة مجريات الأمور عكس حساباتي المغرورة.. كنت اظن بكل حماقة ان العالم ينتظر اتصالاتي لتحقيق ما اصبو إليه مباشرة، وتعلمت خلال الأسبوع الفائت ان لكلٍ ظروفه وحياته، والقليل من المرونة لن يضر أحداً ..


    المعضلة الأن تكمن في حاجتي المُلحة لإيجاد عمال يقبلون القيام ببناء مخططات العريشة ضمن الإطار الزمني المطلوب، ولا أكاد أطيق صبراً على الإنتظار لرؤيته مشيداً بإجلال قرب البحيرة ..





    وصلنا الى المدينة وقت الظهيرة فأنزلني العم راين بالقرب من مكاتب المقاولات ووعدني بإلتقاطي حين يقضي عازته هو الأخر، أصلحت قميصي الأنيق وبدأت رحلة الزيارات المحبطة لمكتب تلوى الأخرى والنتيجة واحدة، الكل مشغول حتى النخاع بهذا الوقت من العام والمدة الزمنية التى أطمح إليها تبدو مدعاة للسخرية! .. حتى قال أحدهم بعد اشفاقه على حالي:
    - آسف يا آنسة ليس بوسعي خدمتك أي وقتٍ خلال هذا الشهر.. ولكن جربي سؤال الفتى “جورج” فهو ماهر في تنفيذ هكذا أعمال..


    امتعض قلبي من مجرد سماع الإسم وأنا أتذكر النادل القروي الوقح، ولكن سرعان ما شعرت بسخف الإرتباط فالمدينة لابد وأن يكون فيها مئات من المدعوين بجورج!.. شكرته وطلبت الدلالة الى موقع المعني فساعدني بما أريد ووقف يراقبني أبتعد عن مكتبه من عند الباب وأنا أرجوا من أن بنطالي الرشيق لم يكن السبب في اهتمامه البالغ ..


    المسافة الى وجهتي الجديدة لم تكن هينة ولا سهلة وأجزم من أن رجلاي ظلت تلعنانني طوال الطريق المُحير نحو الهضبة المتفردة، وذلك لإصراري على تعذيبها بإرتداء كعبٍ عال عوضاً عن خيار أكثر إراحة وذكاءاً .. وصلت أخيراً وأنا ألتقط أنفاسي من صعود الطريق الصاعد محملة بقراطيس الرسومات وحقيبتي اليدوية، وتفاجأت من انفراد الهضبة الهادئة ببيت لا يزال في طور البناء ولا يحيطه معلم أخر على الإطلاق!.. تفقدت العنوان المدخل على خريطة الجوال وتلفت حول المكان مرة أخرى.. إنه هو دون شك ولكن كيف!


    اجتاحتني رغبة بالبكاء وأنا أشعر من أن يومي قد ضاع سداً، إلا أنني تشجعت وواصلت السير بعيداً عن الطريق المُعبد الى ناحية البيت وحذائي يحدث أخراماً في الأرض الترابية ويجعلني أمشي كالعرجاء .. أستأنست وتهللت أساريري حين تبادر لي صوت مطرقة صادر من الداخل فعجلت في السير وأنا أرفع صوتي ليسمعني الطارق:
    - المعذرة هل من أحد هنا؟!


    ومكثت انتظر برهة بعد توقف صوت المطرقة الى أن لاح لي ظل رجل يتحرك من بين الأخشاب، فتملكني الذعر ووجدت أني أحتضنت حاجياتي الى صدري قبل أن تبهتني هوية الرجل الخفي، حيث لم يكن سوى النادل القروي من ذي قبل! ..


    انعقدت يديه أمام صدره المفتول ورفع حاجبيه يرمقني بعجب واستنكار، وكنت أذكى بكثير عن ذي قبل من حيث تقديري لموقفي وموقفه وقد صفعتني حقيقة كونه “جورج” المعني من صاحب المكتب والموصوف بالمهارة .. تلعثمت قليلاً وقلت وأنا أسترجع نبراتي القوية بتحفظ:
    - المعذرة لقد قيل بأني أجد المعلم “جورج” هنا ألا يزال متواجداً في الموقع؟


    وشعرت بالغضب حين استدار القروي الفظ من حولي على نحو دائري ليقول بعدها بغرور:
    - من يطلبه وفي أي شيء ؟!


    و أراح غروري بمجاراته لي في الحديث عن ذاته بصيغة الغائب فقلت:
    - إنه بشأن فرصة عمل في نزل المحيط لبناء عريشة في ….


    قاطعني بكل فظاظة وهو يدير ظهره لي:
    - أنسى ذلك.. المعلم مشغول وليس لديه وقت لبناء بيوت الشجر للعب الأطفال الصغار


    كتمت حنقي وقلت وأنا أحاول مجاراته في السير من وراءه قدر المستطاع:
    - إنها مجرد عريشة ولن يعجزه بناءها خلال أسبوعين كما أمل


    فأطلق ضحكة ساخرة وقال مشفقاً:
    - أحلام وردية يا آنسة، إذا لم يكن لديك شيء أخر فرحلي رجاءاً إنه موقع بناء كما ترين وليس ساحة للعب الأطفال


    ولم أتمالك غروره وسخريته فتوقفت عن السير وقلت بإنفعال:
    - توقف عن تكرار ذلك فأنا لست طفلة يا سيد، إذا لم يكن بوسعك انجاز العمل فقل ذلك ببساطة دون الحاجة الى اللف والدوران!


    لم يكلف نفسه عناء النظر الى الوراء بل أشارت لي يده بالجنون وتابع السير الى قلب البناء، و ظللت واقفة في ذات البقعة برهة من الوقت وانا اعلن الخسارة امام ذاتي المبهوته من قلة دماثته!، فقوتي مهدرة ولا طاقة لي بالحركة، وزادت علي دموعي الساخنة حين أخذت بالجريان على خداي الملتهبين، كففتها بسرعة وانحنيت جاهدة لأخلع الحذاء أخيراً، سرت بعدها نحو كومة من الأخشاب المتراصة بعضها فوق بعض، ثم جلست عليها وأنا أتأوه من التعب، وبدا واضحاً تورم قدماي بشكل سيء فعاودت البكاء بصمت من جديد ..



    أخذت الشمس بالغروب أمامي عيناي في مشهد من العظمة والجمال، وشاهدت انارة شوارع المدينة الراقية المعبدة بالحجارة وأنا أجلس في ذات البقعة منتظرة وصول العم براين لإلتقاطي في طريق عودته، ومن حيث لا أعلم ظهر جورج أمامي وأنتشلت يداه ملف التصاميم قربي.. شهقت بفزع ولم يبدو عليه الإكتراث بل استدار بعيداً وراح يتفحص الصفحات والصور بهدوء وأنا أجاهد لتهدأت ضربات قلبي الفزع .. قال بعدها بهدوء:
    - كنت في مصنع الخشب المحلي بالأمس ولم يكن هنالك نوعية الخشب المطلوبة لإنجاز هذا التصميم، سأضطر الى الذهاب الى المصنع المُصدر في المدينة المجاورة ونشرع في العمل مع باقي العمال بعد الغد هل أتفقنا؟!


    أومأت له بالإيجاب والذهول يتصدر قائمة انفعالاتي، ومن ثم قلت ولا يزال أثر البغته قوي على صوتي:
    - بإمكاني الذهاب شخصياً لإحضار الخشب ..


    رمقني ساخراً ثم أشارت عينيه الى قدماي المتورمتين:
    - انه سفر يوم كامل وبالتأكيد ليس مكان يليق بآنسه!



    وشدد على جملته الأخيرة ليتلاعب بأعصابي، إلا أن وصول العم براين خفف من حدة الأجواء وهو يزمر ببوقه العتيق ويلوح لي..
    جمعت حاجياتي على عجل وتنبهت الى أنني لا أقوى على الحراك مهما بذلت من الأسباب وكأن الجزء السفلي من جسدي قد شُل بالتمام، حاولت الضغط على عقلي مراراً ولكن أوامره لم تجدي نفعاً، وما زاد الأمر سوءاً بقاء جورج للفرجة على حالتي المزرية.. أطل العم براين من نافذة سيارته مستعلماً فقلت من بين أسناني وأن ألعن الحالة التى كنت عليها:
    - عم براين هل لك بمساعدتي رجاءاً؟؟!


    فأنفلتت ضحكة قوية من فم القروي البغيض حتى كاد أن يتلوي أمامي من شدة الضحك، كنت مصعوقة من وقاحته والحرارة تلون وجهي وتزيد من ضربات قلبي المتسارعة استياءاً من قلة مرؤته! .. ترجل العم براين وهو يجاهد ضحكته وحملني بحرص أولاً الى مقعد السيارة، وحين أغلق الباب كان جورج يقف من وراءه ليلقى بحقيبتي في المقعد قربي وقال باسماً وهو يلوح بالملف:
    - سأبقى عليه حتى نهاية العمل… وربما يفيدك تجنب ارتداء هذا النوع من البناطيل يا آنسة.. خاصة أمام عمال المعلم جورج فهو محافظ بعض الشيء ولن يسره تنقلك حولهم هكذا.. ليس من الحكيم اثارة استياء المعلم جورج أليس كذلك؟!



    ولم أقدر على التفوه بكلمة واحدة من شدة الأذى الذي أحدثه هذا الشاب في كبريائي وكرامتي، و حتى بعد ركوب العم براين وتسأله بفضول عما كنا نتحدث بشأنه خلال استدارته حول السيارة، فقط ابقيت على صمتي التام طيلة الطريق وأنا لا أرى أي شيء امامي من شدة القهر ..



    ~~~



  20. #19

    -٣-





    صوفي


    ولجنا الى ردهة القصر الواسعة و أنا ابلع ريقي من شدة الانبهار، فعراقة قوية تسكن جدران المكان الموردة وأرضياته الرخامية المزينة برداء من السجاجيد الفارسية الباهضة.. وعلى الأطراف تتوزع مقاعد عتيقة زينة المكان وبقربها مناضد عديدة تحمل باقات من الورد الفواح تتشابه في جمالها مع جمال الباقة التي أسرت لُبي قبل أسبوعين، والتي من أجلها تعلمت مهارة تجفيف الورد للحفاظ على بهجتها النفسية من الضياع.. وهناك قابلتنا سيدة خمسينية نحيلة ذات ابتسامة مشرقة، حيت جدتي بحفاوة عظيمة وهي تعانقها بحرارة، تجاوبت جدتي مع لطافتها بقدرٍ رزين لربما يخطأه البعض بالجفاف وقالت وهي تشير في اتجاهي:
    - ليزا أعرفك بحفيدتي صوفي.. أتت مع شقيقتها لقضاء الصيف في النُزل


    فلم تخفي البشوشة تفاجأها وقالت وهي تمسك بكتفاي وتتأملاني بإعجاب:
    - نتاج آخاذ دون شك.. إلا أنك مخلطه؟!

    ضحكت بخجل وأجبت بأدب:
    - أبي إيطالي وأمي تعرفينها على ما يبدو.. سعيدة برؤيتك سيدة ليزا

    تبادلت نظرات الإعجاب مع جدتي وهي تهز رأسها برضا وقالت:
    - ومهذبة حاذقة.. أين كنت تخفين الصبية يا صوفيا!

    ثم استدارت لي وقالت متسائلة:
    - كيف تجدين المكان أيتها الأنسة الساحرة؟

    ابتسمت لمديحها وقلت بسرور:
    - إنه يخطف الأنفس وأتمنى أن ارى باقي مرافقه!

    أومأت برأسها بضعة مرات بالإيجاب وقالت وهي تشبك يديها بمعصمي:
    - ولا يجوز لي رفض أمنية شابة يافعة مثلك، صوفيا ألك حاجة بها أم ننطلق في رحلتنا ونتركك لأعمالك؟!

    وامتعض وجه جدتي بقلق ففهمت مخاوفها وقلت بإلحاح:
    - سأكون على مايرام جدتي.. أرجوك هل تسمحين؟

    استجابة لرغبتي و أومأت لي بالإيجاب، ولم تبدد السيدة ليزا لحظة واحدة، حيث أسرعت بإجتراري لرؤية باقي معالم القصر بالطابق السفلي دون أن نرقى الى الأعلى وهي لا تتوقف عن الحديث وذكر التاريخ المفصل لكل قطعه البارزة، الى أن وصلنا الى المطبخ الفسيح المشيد على الطراز العتيق بطاولة خشبية طويلة تتوسط القلب ومن فوقه تتدلى الأواني الناصعة..
    وكانت هنالك سيدتان تعملان فيه فألقينا التحية وطلبت منهما ليزا إعداد الشاي لنا وللمكتب، ثم أخذتني للجلوس في حديقة داخلية بحيث تطل جميع نوافذ القصر الداخلية على بهجتها وبراعة تنسيقها..
    أحببت المقاعد اللامعة المركبة من قطع الفسيفساء الملونة وقلت وأنا أتأمل الرسومات على الطاولة المستديرة أمامناً:
    - لا أكد أصدق وجودي هاهنا سيدة ليزا.. القصر في حالة ممتازة رغم عراقة الأعوام التي مرت عليه منذ بناءه

    أومأت ليزا بتفاخر ليس فيه كبر وقالت بثقة:
    - إننا طاقم الموظفين نشعر بأهمية ما نقوم به من عناية بالمكان كونه مسجل كأحد المعالم الأثرية في منظمة اليونسكو، وكما استمعتي لي للتو بكل تهذيب فإن كثيراً من السياح والمهتمين بالأثار يقومون بزيارة سياحية منظمة لها أوقاتها المحددة بصورة شبه أسبوعية، فأقوم بمنحهم ذات الجولة ولكن جراء أجر رمزي بسيط

    ثم ألقيت نظرة حول الجدار الرمادي ونوافذ الطابع العلوي وبادرت بالسؤال وأنا ارجع اليها ببصري:
    - وماذا عن الطابق العلوي سيدة ليزا؟!

    قالت وهي تشير بيدها:
    - انه يخص أفراد العائلة والزوار المقربين، فعلى الرغم من أن العائلة لم تعد تسكن في هذا القصر بصورة دائمة نظراً لإنتقال غالبيتهم الى حياة المدينة، إلا أنهم بالعادة ما يقضون بضعة أشهر من كل عام في هذا المكان لأنه يعود لأجدادهم النبلاء من قبل وله معزته .. شيء من هذا القبيل إذا فهمتي قصدي..

    أومأت بالفهم ووصل الشاي مصحوباً ببسكوت طازج معد في مطبخ القصر، أصررت عندها على سكبه لليزا وخدمتها كرد لجميل الجولة.. وريثما تعتدل حرارة الشاي في الكوبين رمقتني السيدة ليزا بعمق وقال ممتنة وهي تريح كفها على يدي:
    - أحسنت صنعاً بالعودة الى جدتك ايتها الصبية المباركة، المسكينة لقد مرت بأوقات عصيبة سوداء.. خاصة حين رحلت أمك وخالتك عنها في وقت واحد..

    ثم تأوهت وعيناها تدمعان وأردفت بصوت به رنة بكاء:
    - أووه العاقتين كيف أمكنهما!.. كادت المسكينة أن تفقد صوابها حين وجدت أسرتهما وخزائنهما فارغة ذات صباح وكيف لا تفعل وهما أغلى ما ملكت يوماً.. لقد خرجت تجوب الشوارع على قدميها العاريتين وهي تصرخ بإسمهما حتى تقطع صوتها، و مشت طويلاً حتى أدمت قدميها ولم تتوقف حتى أشلها القنوط، في تلك الأيام لم يتبقى أحدٌ في المدينة ولا في القرى التى حولها دون ان يصله نبأ نكبتها الجارفة..

    هزتني كلماتها حتى النخاع ووقف شعري من شناعة وصفها لحال جدتي الوقورة الطيبة .. لطالما أحسست بمشاعر البغض تغلف نبرة أمي في المرات القلائل التي حدثتنا فيها عنها، وعن كونها متحجرة متسلطة لم تشاء رؤيتنا ولو في الأعياد!، شعرت بالحماقة والجهل كوني لم أتسأل مرة عن الأسباب التى دفعتها الى هذا الرفض، وشعرت بمشاركتي في الذنب كوني صدقت مايقل عنها الى درجة ما وأنها المتسببه في فقد بناتها لا العكس..
    كما تفاقم شعور الذنب في قلبي والسيدة ليزا تتابع حديثها عن تفاصيل موجعة لم أكن على قيد الحياة حين وقعت، وبدا من المستحيل أن تصدر من بين شفاه جدتي العصامية الطباع، وحين بدأت دموعي تنهمر بغزارة توقفت السيدة ليزا عن الحديث وخفت لعناقي وتهدأتي، ورأت أن نعود الى الداخل حتى لا تفزع جدتي من اختفائي كل هذا الوقت..

    وافقتها وتمالكت اعصابي وأنا أجوب الممرات الملكية مجدداً، كما شد انتباهي كثرة التماثيل التى تصور الخيل في مختلف وضعياته تقريباً في كل مكان حتى وصلنا الى الردهة الرئيسية، حيث صادفنا بستاني أراد مشاورة السيدة ليزا في أمر ما فطلبت مني الإنتظار في صالة الزوار أمام الردهة ريثما تعود جدتي أدراجها.. أمتثلت بلا كراهية ووجدت راحة في الإختلاء بذاتي بعيداً عن أعين كائن من كان ليتسنى لي التعامل مع ما حكته لي قبل قليل ..

    كانت الصالة ذات طابع أثري متجدد كباقي أجزء القصر، وجذبتني حركة سريعة وراء النوافذ وفي الأراضي الخضراء الشاسعة حول المكان فقتربت من النافذة العملاقة وصرت أراقب الخيل السوداء التي كانت تعدو دون راكب على بعد أميال من مكان وقوفي .. انها تعدو على ذلك البعد ومع ذلك بدأ جسدي بالتنافض تدريجياً، أو على الأقل حتى أخرجني من دوامة الرعب صوت رجولي عميق قال لي وهو ينضم الى الصالة:
    - إنها خيل اسبانية هجينة.. من أجمل المخلوقات على ظهر الأرض فما رأيك؟!

    استدرت الى مصدر الصوت لحظة أن ابتدأ في الكلام, وشعرت بِأن عيناي المرتعشة تقع على أوسم رجل عاش يوماً على قيد هذه الحياة!.. انجذاب لطيف وقوي تملكني بكل حماقة الى درجة أهابتني فلم يسبق وأن أختبرت شعوراً مماثلاً مع رجل آخر من قبل!.. أطلت الصمت فزعاً من انفعالاتي الداخلية وتنبهت لشرودي فقلت وأنا أبعد عيناي عن مجاله الى النافذة بحرج:
    - مع الأسف الشديد لا يملك عقلي رفاهية التفريق بين أنواع الخيول وأشكالها كم تفعل سيد..

    أقترب مني بصورة مقلقة وأردف معرفاً عن نفسه وهو يمد يده العريضة لمصافحتي وأنا أصلي قلبياً بأن لا يشعر بما يخالج صدري بشأنه وأنا الف باتجاهه مجدداً لإستقبال يده:
    - فيليب بيرك .. وأظنك الأنسة صوفي ؟!

    أومأت بالإيجاب والخجل الشديد يحل محل الانجذاب، فهاهو سيد الباقة يكشف عنه نفسه أخيراً ولن أحاول إنكار تطلعي الى رؤيته قلبياً، أردف بلباقة وأدب:
    - أعتذر عن عدم زيارتي للإطمئنان عليك منذ ذلك اليوم وأشعر بالخجل الشديد لقيامك بزيارتي أولاً، لنقل أن الأعمال لم تطلق سراحي حتى الأن

    نفيت برأسي وأنا أقول ببساطة:
    - لا عليك سيد فيليب، وأسمح لي بشكرك على الباقة الخلابة.. أحببتها بحق

    وأجتاحت عينيه الحادتين نظرة غامضة تفحصني بها للحظات قبل أن يبعدها عن مجالي لينشغل بمراقبة شغفه تعدو برشاقة وجمال في باحات القصر الخلفية، بينما انشغلت بتأمل قسمات وجهه الصارخه من الجانب وقلبي يتأوه فتنته:
    - أجدني شديد الأسف على اخافتك بذلك اليوم، وجب علي التنبيه على وجودي قبل اقتحام المكان بتلك الطريقة المروعة!

    كان آسفه صادقاً وشعرت بقدر استياءه من نفسه، فقلت في محاولة للتخفيف عنه وعيناي تهبطان بعيداً عن مجاله:
    - لم يكن دخولك هو السبب سيد فيليب، أعتذر عن جعلك تشعر بالذنب طيلة الوقت إنما هي حادثة منذ الطفولة جعلتني أخشى المخلوقات التى تُحب وهذا كل مافي الأمر- هل تكرهينها إن كان لي سؤالك؟

    أجبت وأنا أتصنع الشجاعة في حين تقبض يداي بقوة على الستار الثقيل قربي، بينما أرغمت عيناي على مراقبة ذلك الحصان لأظهر له جلادة غير صادقة:
    - كلا.. ولكنني أكره الحالة التي تصبني عند الإقتراب منها.. أظنك تفهم ما أعنيه فقد رأيتني بأم عينيك

    وشعرت بسخف حديثي وصراحتي المبالغ فيها فأردفت سريعاً في محاولة لتغير كفة الحديث:
    - وأسمح لي بذكر أن الورد حول قصرك سيد فيليب ذات جمال آخذ، أرجوا أنك لا تمانع سرقتي لواحدة منها.. من الصعب على المرء اخفاء اندهاشه من روعتها

    أجاب بنبرة مستقرة متوازنة:
    - فيليب تكفي وإلا أثقلت الرسمية كاهلي.. كما انه ليس قصري بعد ولن أخفيك طموحي في امتلاكه، وسيكون من دواعي سروري أخذك في جولة حوله متى تشائين آنسة صوفي..

    انقبض قلبي من حديثه الجاد عن رغبته في امتلاك القصر، فقد هيج ذاكرتي برغبة كُلٍ من أمي وخالتي في امتلاك النُزل الحميم، وأنا أعلم بوضوح نواياهما الحقيقة بشأنه، إلا أنني أجبته متلطفة:
    - هذا لطف منك إلا أن السيدة ليزا كانت لطيفة بما فيه الكفاية لتأخذني في جولة حوله قبل قليل فقط..

    فضحك بقوة و جمال وأردف:
    - إنها مثابرة دون شك..

    ثم قاطع حديثنا ولوج جدتي الى الصالة وعينيها تبحثان عني فقد استقرت حركتها لحظة أن وقعت علي، ابتسمت لها وسرت أقصد جانبها حتى تقابلنا عند منتصف الطريق فقالت متجهة بحديثها لصاحب الباقة الوسيم:
    - أرى أنك التقيت بحفيدتي سيد فيليب


  21. #20

    -٣-


    وشعرت بالخجل من فظاظة جدتي التى لم أجد لها مبرراً حتى أردفت:
    - لربما تستطيع الشابة اقناعك بالإستثمار في أفكارها التى كافحت من أجل تحقيقها بصورة أفضل من سيدة عجوز مثلي وإلا فما قولك؟!

    نظرت إليه متسائلة عما يجري فقال وهو يبتسم بخجل:
    - أخشى أنك اسأت فهمي سيدة صوفيا، أو ليس من المنصف أن يرغب الشريك في تفقد ما يستثمر فيه أمواله؟، أنت لا تتوقعين أن نتعاقد على الورق عقوداً بهذه المبالغ الضخمة دون مراجعة الخطط والأفكار على أرض الواقع من قبل؟!..

    فردت جدتي بإنزعاج:
    - وكنت واضحة حين ذكرت على سماعة الهاتف من قبل أن لا أحد يحق له سلطة القرار على نُزلي غيري حتى أموت سيد فيليب!

    وكأنني فهمت أبعاد المشكلة فقلت بنية طيبة:
    - إذا كان السيد فيليب يود أن نطلعه على مخططاتنا جدتي فلا أرى المانع على الأطلاق.. أنا واثقة أن أفكرنا جيدة بما فيه الكفاية ليرغب أحدهم في الإستثمار بها

    وجف الريق في حلقي لدى أن حدرجتني جدتي بنظرة غليظة، ثم استطردت بغضب وقالت بصيغة أمره:
    - يكفينا هذا القدر من النقاش لليوم، ونعود الى السيارة في الحال يا آنسة

    أومأت لها بالطاعة وشققت طريقي متحرجة والدموع تتجمع في عيناي دون أن انظر الى الوراء… ثم ركبنا في السيارة وعدنا أدراجناً دون أن تتحدث إحدانا بحرف واحد..


    ...




    خيم الليل بسكونه الموحش على حجرات النُزل الهادئة و وحشتي مضاعفة لعدم عودة ألكسا من المدينة بعد .. كانت دموعي الصامتة لاتزال على حالها منذ عودتنا الباردة من مشوار الصباح رغم محاولاتي اخفاءها لدى توالي طرقات على الباب اعقبها دخول جدتي الى العلية.. وما إن رأت أثر البكاء علي حتى أسرعت الى لتخفف استيائي بعناق طويل دافء، بكيت فيه كثيراً ولا أدري من أين جاتني كل تلك الطاقة على البكاء وقلت متلعثمة من بين شهقاتي:
    - آسفة جدتي لم أشاء احراجك عصر اليوم صدقيني


    فأخذت تهدأ علي وهي تمسح على رأسي ثم قالت بصوت يرنو عليه الحزن:
    - الذنبي ذنبي صوفي الحلوة، أنت قلت الحق بيد أنه عز علي قبوله فتصرفت على ذلك النحو المشين.. إن جدتك شديدة الحماقة في بعض الأحيان وخشيت خسارتك فوجب علي الإعتذار


    أبعدت رأسي عنها ووجهي مكفهر من شدة البكاء وقلت بشفاه مشدودة:
    - رجاءاً لا تقولي ذلك جدتي فأنت لن تخسريني قطعاً وأنا لن أتحمل خسارتك على أية حال..


    وصارت تهدأني من جديد حتى هدأت وأنا منحنية على حجرها من شدة الطنين في رأسي لإفراطي في البكاء، ثم سمعتها تفضي الى بوهن بعد تنهيدة عميقة:
    - ان هذا النُزل هو جل ما أملكه وبدونه أن لا أنتمى الى أي مكان، لذلك لم أتخذ شريكاً في ادارته من قبل ولا طاقة لي بتحمل أراء دخيلة وإن كانت تصب في مصلحة المكان في المقام الأول ..


    فقلت بسرعة:
    - لا تفعلي جدتي ان كان الأمر يزعجك الى هذه الدرجة.. سنتريث في التحديثات والإصلاحات حتى يكون التمويل داخلياً فلا نعتمد على أحد


    رأيتها تهز رأسها بالنفي ثم قالت وهي تمسك بوجهي بين يديها الناعمتين:
    - إذاً يأخذنا انجاز افكاركما الرائعة سنوات وأنتما لن تبقيان هنا سوى لهذا الصيف.. أريد أن تتمتعا بكافة ما يمكن أن يقدمه لكما النزل من تطلعات وآمال قبل أي غريب أخر


    أجبت:
    - لكنني حتماً سأعود.. لا فكرة لديك عن مدى تعلقي بالحياة هنا وأنا واثقة من أنني سأعود في الأعياد والإجازات بلا استثناء .. ولن تقف أمي في طريقي أنا واثقة


    مالت علي وطبعت قبلة على جبيني ثم قالت بوقار:
    - أشعر بصدق مشاعرك صوفي إلا أن الحياة لها أحكامها وهي لن تجعل رغبتك ممكنة كما اخشى.. أنت في عمر الزهور وقريباً جداً يتخافت الرجال من حولك، ثم تبدأين حياة شيقة أخرى برفقة زوج وتحظين بسرعة بأطفال.. وتكبر عائلتك في لمح البصر


    فبتسمت رغم دموعي وهمست:
    - إذاً أصحبهم معي إليك جدتي.. المهم هو أن لا ترغمي نفسك على فعل شيء تكرهين القيام به


    تنهدت مجدداً وفي تهيداتها عمق جارف أشعرني بقنوط يقبع تحت هذه التنهيدات ثم قالت بصيغة أمِره:
    - بل تذهبين بالغد الى السيد فيليب وتقومين بإتمام العقد حسب ما يقول.. ففي بعض الأحيان لا يصح أن تسير الأمور على النحو الذي نُحب، وذلك ليتجلى لنا من وراءها التحولات الأكثر أهمية في حياتنا، لن أغرس فيك الخوف من المجهول صوفي كما كنت من قبل، بل يجب أن يعقد الفرد فينا عزمه وأمره بحزم بعد الأخذ بالأسباب وإلا ضاعت الحياة وضاعت معها الفرص..


    أومأت لها بالإيجاب وأطبقت عيناي الحارة لإستقبال قبلتها العطوف على جبيني وأنا أشعر بالفخر للحضو بقبلتين منها هذا المساء.. تمنت لي ليلة سعيدة ثم غادرت العلية بهدوء ..




    ~~~

الصفحة رقم 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter