الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده .. أمّا بعد:
من عظم رحمة الله على عباده أن رزقهم بمواسم وأوقات للطاعات يتزوّدونَ فيها الزّادَ للآخرة،
يجبرونَ الكسرَ في عبادتهم ، يرمّمونَ ما نسَفوا ، ويبنون ويستمرّونَ بالبُنيان،
ومثلما قيلَ عن رسول الله-صلى اللهُ عليه وسلّم-أنّ السعيدَ من جُنِّبَ الفتن،
فالسعيدُ من تمسّكَ بهذه المواسم ، و أحسنَ العملَ فيها ، و سأل الله التوبة من كلّ ذنبٍ أذنبه !
فما أرحمَ الله بعبيدهِ وما ألطَفَهُ !
ومن هذه المواسم -أيها الإخوة- موسم الرحمات ، والغفران ، و العفو والصفح والأضحيات،
العشرُ من ذي الحجّة.
فما هي هذه العشر؟ وما الدليلُ؟
وما فضلُهǿ وكيف نستقبلهǿ
وما الدروس التربوية المستفادة من أحاديثهǿ
ومن أفضل ( العشر من ذي الحجة ) أم ( العشر الأواخر من رمضان ) ؟
* * * * *
يكفينا أن نعلَمَ أنّ الله -جلّ جلاله- قد أقسَمَ في هذه الأيّام العشر، وهذا إنْ دلّ .. دلّ على عظم هذه الأيام،
فالعظيمُ لا يُقسمُ إلّا بالعظيم.
واللهُ أعلمُ منّا بفضلِ هذه الأيّام ، و ما فيها ، وما يتنزّل وقتها، فنَقَلَ لنا بالوحيِ رسولهُ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-الخبرَ اليقينَ عنها،
وأخبرنا في كتابهِ الكريم كذلك.
* * * * *
جاء في تفسير ابن كثير:
قال -تعالى-:
"لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)"
وقوله: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ] ، عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ }
عن ابن عباس: الأيام المعلومات: أيام العشر، وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به .
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عَرْعَرَة، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن مسلم البَطِين، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما العمل في أيام أفضل منها في هذه" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".
ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه .
قال الترمذي:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العملُ فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد"
وروي من وجه آخر، عن مجاهد، عن ابن عمر، بنحوه .
وقال البخاري في صحيحه: وكان ابن عمر، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما .
وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا: أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله: { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [ الفجر: 1 ، 2 ] .
وقال بعض السلف: إنه المراد بقوله: { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [ الأعراف: 142 ].
وفي سنن أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذا العشر .
وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة، فقال: " أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية " .
1- التوبة الصادقة.
2- العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام.
3- البعد عن المعاصي.
4-تهيئة النفس لها، والفرح بقدومها لأنها من شعائر الله.
5-تذكير الناس بفضلها، وتعريف الجاهل بها.
1- أن الله تعالى أقسم بها:
وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى ( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) .
والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح.
2- أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) [الحج:28]
وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
3- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها افضل أيام الدنيا:
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟
قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب( [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني]
4- أن فيها يوم عرفة :
ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً،
وقد تكلمنا عن فضل يوم عرفة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه في رسالة (الحج عرفة).
5- أن فيها يوم النحر :
وهو أفضل أيام السنة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر) [رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني].
ويوم [ القر ] هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر.
6- اجتماع أمهات العبادة فيها :
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه،
وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).
1- العمل فيها أفضل من الجهاد إلا من جهاد ولم يرجع بشيء.
2- فضيلة الإكثار من الذكر.
لقوله تبارك و تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآية 28).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر.
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" رواه الطبراني في المعجم الكبير.
3- الاجتهاد فيها.
وكان سعيد بن جبير- رحمه الله- وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق: "إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه " رواه الدارمي بإسناد حسن .
4- تأكد القراءة والقيام فيها.
وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر" كناية عن القراءة والقيام.
5- أن فيها صيام يوم عرفة.
فقد سن النبي -صلى الله عليه وسلم-صيامه:
أ- لغير الحاج ، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك،لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً.
ب- وأما غير الحاج فالمستحب له ألا يترك صيام ذلك اليوم العظيم ، لقوله-صلى الله عليه وسلم-: " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلة .. "
[ رواه مسلم وأحمد والترمذي ] .
6- أداء الحج والعمرة.
وهو أفضل ما يعمل ، ويدل على فضله عدة أحاديث منها : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) .
7- الصيام .
المفضلات