إنّما نحنُ أمّةُ محظوظة!
ما شاء الله ، قد خرجنا قبلَ أيّام قلائلَ من موسمِ الحج العظيم، ومن شهرِ ذي الحجّة الذي أقسمَ اللهُ بأيّامِهِ
وهوَ أحدُ الأشهرِ الحُرُم، وكانَ أحدُ أيّامِهِ العظيمة يومُ عرفة الذي أكمَلَ اللهُ فيهِ الملّة وأتمَّ بهِ النِّعمة،
ويُكفِّرُ اللهُ لصائمِهِ السنَةَ الماضية والقادمة.
أنظروا رعاكم الله لعظيمِ امتنان الله علينا نحنُ أمّةَ محمّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- في كل عام تُعادُ علينا مثل هذه
المنن والمواسِمِ الجليلةِ قدرُها وجليلٌ ما فيها.
المواسمُ التي ما أحوجنا إليها نحنُ المقرّون بذنوبنا والمقصِّرونَ في عبادتنا.. الرّاجونَ رحمةَ ربّنا وغفرانه.
أرأيتُم أمّةً تمرُّ سنونُهم وبها منحٌ عظيمة كيومِ عرفة وأجرِهِ ؟
ومن فاتَهُ " عرفة " فـها هو ذا " يومُ عاشوراء " الذي كان رسول الله-صلى اللهُ عليهِ وسلّم- يتحرّى صيامَهُ قد أقبل .. !
لا يخفى عليكم قدرَ أمّتنا وحظّها ونصيبَها بين الأمم ببعثةِ سيّدها محمّد وحتى يومِ القيامةِ يومَ يأذنُ الله له بالشفاعة.
ولا يخفى عليكم أيضاً كم أعطانا ربّنا من وسائلَ شرعيّة وعبادات متنوّعة يُكفّرُ فيها خطايانا فاللهُ يُحبُّ عبادهُ
التوّابينَ الرّجّاعينَ له بالتوبة باستمرار.
لذلك كان فضلُ الله علينا عظيماً، فصيامُ يومٍ واحدٍ يُكفّرُ سنةً كاملة!
إنني أكتُبُ هنا على سبيلِ التذكيرِ بصيامِ عاشوراء وفضلِهِ من بابِ أنّ الذكرى تنفعُ المؤمنين.
لما أنجى الله موسى وأغرق فرعونَ صام موسى عليه السلام يومَ العاشر من محرم شكراً لله على نعمته وفضله عليه
بإنجائه وقومه وإغراق فرعونَ وقومه، صامه موسى-عليه السلام-، وتلقته الجاهلية من أهل الكتاب،
فكانت قريشٌ تصومه في جاهليتها، وكان النبي يصومه معهم.
قالت عائشة-رضي الله عنها-: {كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه،
فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه}. متفق عليه.
ما رواه البخاري (1865) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ
عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى
مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ "
1) صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم-:
"صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ
أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " [رواه مسلم 1162].
2) صام النبي-صلى الله عليه وسلم- عاشوراء تسعَ سنين، وفي العام الأخير قال: "لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ"،
يعني مع العاشر، وتوفي النبي-صلى الله عليه وسلم-قبل أن يصومه.
3) ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا: " صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود ، صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده "
وقال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر ألا يتشبه باليهود في إفراد العاشر.
1) أدناها أن يصام وحده.
2) وفوقه أن يصام التاسع معه.
3) وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر ، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - :
"فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر".
قال النووي رحمه الله- في المجموع شرح المهذّب ج6:
يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ .
ثم قال-رحمه الله-: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ،
وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ..
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِفَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ،
وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ.
وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ .
سبحانكَ اللهم بحمدك أشهد ألّا إله إلّا أنت، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك
المفضلات