الصفحة رقم 2 من 2 البدايةالبداية 12
مشاهدة النتائج 21 الى 31 من 31

المواضيع: Dead After Midnight

  1. #21
    الفصل الخامس
    ★★★



    كانت ثلاثة أيام من الحداد على القس ريكسا كافية جداً، هكذا عادت المتاجر للعمل بأريحية أكثر، لم يعد الناس يشعرون أنهم أوغاد لأنهم يذهبون ليشاهدوا التلفاز ويأكلوا الاسبجاتي بينما هناك قس ميت لم تجف تربته بعد.

    في سيارته كان چاري لا يزال يشرب قهوته الصباحية، عيناه منتفختان وأنسا في المقعد المجاور علقت على ذلك دون أن تلتفت إليه

      - لديك هالات بحجم قبضة يدي، وأجفانك على وشك أن تبلغ حاجبيك..ربما عليك فقط ترك القضية.

    كانت خاملة في مقعدها، تلف وشاحًا كبيراً حولها وتحدق خارج النافذة بمرارة، قرابة الأسبوع من الإجهاد الذي لم ينتج عنه أي شيء، فقط بعض المشتبه بهم وبعض الدوافع المحتملة، لا سلاح جريمة، لا مسرح جريمة..فقط لا شيء.

    ربما عليها تغير مهنتها وإفتتاح مقهى في بلدة صغيرة بعيدة جداً عن هنا.

    كانت السيارة متوقفة قريباً من الكنيسة، القس الجديد كان شخصاً صامتاً وغير تفاعلي، ولم يبد أن الكثير يريد زيارة الكنيسة حالياً.

      - لايساندرا إيرڤارتى تعرف شيئاً ما.

    طرفت أنسا مرة ولم تلتفت له، ربما بدت المرأة عصبية وقلقة قليلاً عندما ذهبا لزيارتها في شقتها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك شيئاً مخفيًا في الأمر.

      - إما أنها قتلته، أو أنها تعرف من فعل.

    لم تعلق أنسا، في الواقع..لقد فكرت منذ فترة الأن إن كان على هذه القضية أن تحل أصلاً، لقد كان الرجل مجرماً أيضاً، مع ذلك لا يبدو أن هناك دليلاً ليدينه سوى طفل قد لا يشهد ضده بسبب خوفه، ربما كان من الأفضل للجميع أنه رحل، للأطفال على الأقل.

    لكن إن لم تحل هذه القضية، فستظل هذه البلدة تعاني من حقيقة وجود قاتل بين سكانها، سيصبح الجميع مجانين بالشك، ثم مرة أخرى..قد لا يكون القاتل شخصاً صالحاً في الواقع، قد يكون وغدًا آخر أسوء مما كان القس، قد يكرر الأمر مجدداً.

      - لنذهب لتفقدها.

    أنهى چاري قهوته وشغل المحرك بينما يتجه للمنزل الذي إستأجرت فيه لايساندرا إيرڤارتى شقة صغيرة لن تعود لها بعد الآن.




    *************


    نيلو ڤيكتورنوس كان قد سهر طوال الليلة الماضية يحاول إنهاء تدربه العملي على النص البرمجي الذي طلب منه يوستس أن يحفظه.

    كان غير معتاد على السهر، وعندما يسهر شخص غير معتاد على السهر، يميل لرؤية أشياء غريبة.

    كان هذا ما أقنع نيلو نفسه به طول طريقه لمنزل معلمه المؤقت والمتطوع لتنمية مهاراته في البرمجة الشبكية.

    في الصالة في منزل يوستس وينفرد جلس نيلو مع حاسوبه فوق الطاولة مرتفعة الأقدام والتي إستخدمت كطاولة طعام أحياناً، على الجانب الآخر وقف يوستس مع سترة منزلية خفيفة تصل للأرض يتدلى حزامها حول خصره ويسكب له كوب قهوة.

      - لم أرى في حياتي شخصاً يبدو كجثة متحركة فقط لأنه سهر ليلة واحدة.

    دفع الكوب الكبير أمامه، ونيلو سحبه بيد مرتخية بينما يعالج عقله الكلام ببطء

      - أنا لست معتاداً على السهر، عقلي لا يحتمل الأمر..هل أنت معتاد على السهر؟ ما هي أطول فترة قضيتها مستيقظًا؟

    لم يكن نيلو يركز في ما يقوله فعلاً، يشعر بوعيه محتجزاً في زاوية ضيقة من عقله، كل شيء باهت وضبابي

      - مائة وخمسين ساعة.

    راقب يوستس الملامح البلهاء للفتى أمامه وسحب جرعة كبيرة من قهوته المثلجة عبر الماصة.

      - أنت في حاجة للنوم، الآن..عد للمنزل.

    مع بطء الإستيعاب هذا علم يوستس أن اليوم سيضيع على لا شيء، لذا من الأفضل أخذ راحة والمتابعة لاحقاً.

      - صحيح..يجب أن أنام، قلة النوم تجعلني أرى أشياء غريبة.. مثل الأمس..أظنني رأيت من نافذة الغرفة أمين المكتبة يرمي حقيبة كبيرة في البحيرة..هل تتخيل ذلك! لمَ سيرمي أمين المكتبة حقيبة في البحيرة!

    إنهار نيلو على الطاولة أمامه نصف فاقد للوعي، كان يتمتم بشيء ما غير مسموع، كان متعباً جداً ونعسًا جداً ولم يرى ملامح يوستس ليدرك أن هناك بعض الأشياء يجب ألا تقال.. مطلقاً.

    ظل يوستس واقفاً مع كوب قهوته البلاستيكي الكبير بلا حراك لوقت طويل.

    كان نيلو نائماً، وهو كان لا يزال يعالج القصة القصيرة غير الواعية التي أخبره بها.

    إفرايم نورتون رمى حقيبة كبيرة في البحيرة..لماذا؟

    لم يكن هذا أهم سؤال لديه حالياً، لقد كان 'كيف علم أنه إفرايم نورتون' هو السؤال الذي يزعجه الآن..هل كان من الممكن أن تقود تلك المعلومة له في النهاية؟

    سحب يوستس كوب القهوة الذي بدأ يبرد مع كوبه هو الذي لاتزال مكعبات الثلج تملئ نصفه وغادر للمطبخ.

    ترك الكوبين يسقطان في المغسلة وتمسك بحافتها الرخامية..يديه كانتا ترتجفان، عيناه شاردتان في مكعب ثلج على السطح المعدني للمغسلة، يذوب ببطء..

    النافذة الكبيرة في المطبخ سمحت لضوء شمس الظهيرة الذي كان أكثر سطوعًا من العادة بإنارة المطبخ الواسع، يسقط على مجموعة السكاكين التي عكسته بدورها على عينيه تعميه للحظة قصيرة.

    حدق يوستس لمجموعة السكاكين متفاوتة الأحجام لوقت طويل..كانت جديدة، وكانت حادة، حادة جداً في الواقع.




    *************


      - سيد نورتون، لقد أنهيت هذا الكتاب وأريد إستبداله بواحد جديد.

    الصوت الرفيع الكائن الذي كان رأسه بالكاد يبلغ حافة طاولة الإستقبال التي يعمل خلفها إفرايم نورتون جعله ينحني قليلاً فوق طاولته لينظر للطفلة ضعيفة النمو التي كانت في الصف الثاني الإبتدائي.

    كانت تمسك كتاباً عن الفلك أعد للأطفال مع الكثير من الصور وغلاف مبهر كاف ليلفت إنتباه أي شخص، كان إسمها لولا، كائن دقيق الحجم مع عينان بنيتان واسعتان ووجه دائري وذيلي حصان على جانبي رأسها الصغير.

    راقبت لولا الابتسامة اللطيفة التي منحها لها أمين المكتبة بينما يسحب منها الكتاب العريض، يتراجع قليلاً ليسجل بيانات الإستعارة ويوقع على البطاقة الصغيرة الخاصة ببيانات المستعير في الجهة الداخلية لغلاف الكتاب.

      - حسناً، ماذا تريدين أن تستعيري الآن؟

    كان صوته خافتًا ولطيفًا، لولا الصغيرة كانت تحب كيف يكون لطيفاً عندما يتعامل معها.

      - أريد شيئاً عن الأسماك هذه المرة، أريده أن يحتوي على الكثير من الصور كي أعرف نوع السمكة التي لدي في المنزل، تعلم..أنا لدي سمكة في المنزل داخل حوض دائري صغير، لونها أحمر ولديها ذيل كبير جداً، تقول والدتي أنها لا تعلم ما هو نوعها، تقول أيضاً أنه ليس من المهم معرفة ذلك ما دامت السمكة جميلة على كل حال.

    إتسعت ابتسامة إفرايم حتى بانت أسنانه، الطفلة الصغيرة لم تعرف لمَ كان يبتسم بالضبط لكنها ابتسمت بدورها لأجل ابتسامته، تنتظر بأدب مكانها بينما يبحث بين القوائم الكثيرة لكتب الأطفال عن شيء خاص بالحياة البحرية.

    تأرجحت لولا في وقفتها وغنت في عقلها أغنية ما بينما تنتظر، لم تكن منتبهة تماماً لما تفعله، لذا عندما إصطدمت أثناء تأرجحها بشيء طويل وصلب جفلت بينما ترفع عيناها للشخص الذي حدق لها من إرتفاعه بتعبير بارد وجفنان مرتخيان بكسل.

    ضمت لولا يديها معًا وتراجعت خطوتين بينما تحدق برهبة للإستشاري النفسي من مدرستها..السيد إيليان أودرت..إيليا للإختصار.

    رفع إفرايم عينيه عن الشاشة عندما أدرك وجود شخص آخر أمام طاولته، ولمفاجئته كان هناك شخص لم يره يدخل المكتبة أو أي مكان عام منذ أتى لهذه البلدة..مالذي كان إيليان أودرت يفعله في مكتبة عامة!

    عوضاً عن ذلك سأله سؤالاً أكثر مهنية

      - صباح الخير، كيف أستطيع أن أساعدك؟

    نظرة واحدة لوجه إيليا كانت كافية لتخبر أي شخص بكم كان منزعجًا وكسولًا ليكون هنا، يبدو كما لو كان في حاجة للتراخي فوق كرسي ما ومنح الجميع نظرة «إذهب للجحيم..من هذه الجهة»

      - حسناً..لدي قنديل بحر، أريد أن أعرف بعض الأشياء عن قناديل البحر، لذا كتاب موسوعي عن الرخويات البحرية سيكون جيداً.

      - ما اسمه؟

    نظر الاثنان للكائن الصغير قرب ساق إيليا والتي وضعت يدها على فمها بسرعة ما إن أفلت السؤال، تجعل إفرايم يرفع عينيه له بفضول هو الآخر.

    إيليا بادل نظرة ملولة بينهما ثم فكر للحظة قبل أن يهز كتفيه ويقول بلا إكتراث

      - چيلي.

    لم يحرك إفرايم عينيه عنه للحظة، كما لو كان ينتظر أن يضحك الآخر بسماجة ويقول كنت أمزح، لكن إيليا لم يكن يمزح، لقد سمى قنديله البحري چيلي!

    راقب إيليان كيف ضاقت عيني أمين المكتبة الخضراوان بينما تنفرج شفتيه عن ابتسامة تحولت لضحكة حاول منعها بكل قوته.

    في الأسفل بادلت لولا نظرة بين الرجلين البالغين الذي كان أحدهما هادئاً جداً والآخر يتذبذب بسبب ضحكه المكتوم، يغطي وجهه بيديه ويحاول تمالك نفسه.

    في موقف آخر، ربما كان إيليا ليصفق رأس الطرف الآخر بالطاولة حتى يكسر جمجمته، لكن هذا الشخص الآن لم يكن سوى أمين المكتبة اللطيف والهادئ، وإيليان لم يمانع منحه بعض الفكاهة.

    هدأ إفرايم بعد دقيقة، يسحب نفسًا عميقًا ويسمح لجلده الذي تحول لزهري فاتح مع عرق جبين بارز أن يعود لطبيعته الشاحبة، تمتم باعتذار لاتزال أثار الضحك عالقة به قبل أن ينحني مجدداً فوق طاولته ليخبر الطفلة برقم الرف الذي وضع فيه الكتاب الذي تبحث عنه.

      - أما بالنسبة لك، ستجد الكتب الموسوعية لعلم الأحياء في القسم s1، هناك واجهة رفوف كاملة، ستجد كتب الأحياء البحرية في القسم العلوي منها.

    ألقى إيليان نظرة حوله، لم يكن هناك الكثير من الزوار في هذه الساعة من اليوم، وبالنظر للبطاقات النحاسية التي حفر عليها أرقام الأقسام، شعر بالإرهاق مقدمًا.

    إنتظر إفرايم منه أن يبتعد للبحث عن كتابه، لكنه ظل مكانه يتأمل المكان بلا اهتمام ثم استدار إليه فجأة، يتقدم من الطاولة أكثر مع يديه في جيبي معطفه الأسود مفتوح الأزرار

      - ليس لديك زبائن كثر للوقت الحالي، لذا تعال أحضره لي.

    رفع إفرايم حاجبيه على الزبون غريب الأطوار والذي كان يتصرف كطفل مزعج، لم يكرهه مع ذلك..لسبب ما، تبقى ابتسامته الهادئة مكانها بينما يخرج من خلف الطاولة متجهاً لقسم الكتب الموسوعية حيث تبعه إيليان بصمت.




    *************


  2. ...

  3. #22
    عندما ذهب المحققان لزيارة لايساندرا في شقتها للمرة الثانية لم تفتح لهما، وعندما أكدت مالكة المنزل العجوز أنها لم تخرج منذ الأمس، كان عليهما أخذ المفتاح الإحتياطي والدخول..

    هناك كل أنواع الأشياء السيئة التي يمكن أن تحدث بعد جريمة قتل، على سبيل المثال..جريمة قتل أخرى.

      - لا أحد هنا.

    تفقدت أنسا الحمام، بينما فحص چاري غرفة النوم الوحيدة، لم يكن هناك أحد، ليس هناك لايساندرا حية أو ميتة.

      - على الأقل ليس هناك جثة أخرى..الآن، أين ذهبت؟

    سألت أنسا بينما تتجول في غرفة النوم الصغيرة، السرير كان مرتبًا ولا يبدو أن أحداً لمسه طوال الليلة الماضية، خزانة الملابس نصف فارغة وهناك عدة مستلزمات شخصية مفقودة من الحمام.

      - لقد رحلت، هربت..كانت تعرف شيئاً ما.

    چاري تمتم بينما يجلس على طرف السرير المرتفع، يشعر بالإكتئاب لأنها كانت هنا بين يديه لكنه ترك لها الفرصة لتفلت.

      - أو أنها القاتلة.

    أضافت أنسا بينما تتفحص كومة الجرائد فوق الطاولة قصيرة الأقدام الملتصقة بالسرير.

      - هذا وارد، لكنه ليس مؤكداً، قد تكون هربت لأن القاتل هددها.. أو لأنها هي القاتلة.

    فكر چاري في الإحتمال ولم يستطع إبتلاعه، كان لديه حدسه الذي أخبره أن الأمر لم يكن بتلك البساطة.

      - كانت تبحث عن وظيفة خارج البلدة، لقد إشترت العديد من الصحف من الخارج.

    إلتفت چاري لها، كانت تتفحص إحدى الجرائد حيث إرتفعت كومة صغيرة منها فوق الطاولة.

    سحب نفسه للجهة الأخرى من السرير وبدأ يفحص الجرائد معها، كانت كلها تعرض صفحات إعلانات وظائف في مختلف المجالات، وكان هناك العديد من العلامات حول بعضها بقلم حبر أحمر، بعضها شطب عليها والآخر لا.

      - كانت تخطط لترك البلدة منذ فترة كما يبدو، حتى قبل مقتل القس، لذا إما أنها بريئة فعلاً وقررت الرحيل لتبدأ حياة بعيدة عن الشبهة في مكان ما، أو أنها مذنبة والخوف جعلها تعجل خططها وترحل أسرع.

    همهم چاري لا يعلق على الإستنتاج المنطقي، قلب صفحات عدة جرائد حتى وصل لصفحة لم تحوي أي علامات، عوضاً عن ذلك كان هناك نقش رُسم بالقلم الأحمر لرمز ثلاثي فوق الكلام المطبوع..كان الرمز مألوفاً جداً، لكنه لم يكن واثقًا أين رأه بالضبط.

      - كورهونين، هل يبدو هذا الرمز مألوفاً؟

    ناولها الجريدة وراقب تعبيراتها تتغير بينما ارتفع حاجباها بدهشة

      - هذه عقدة الثالوث..لمَ قد ترسم إيرڤارتى شيئاً كهذا؟

      - ألا يبدو مألوفاً..باستثناء كونه عقدة الثالوث، ألم تريه في مكان ما مؤخرًا؟

    نظرت أنسا للرسم لفترة طويلة، كانت عقدة الثالوث رمزاً مشهوراً جداً، يمكن لأي شخص أن ينقشه بينما يشرد فوق صفحة ما.

      - لا أعلم، ربما مجرد خربشة لا معنى لها.

    تركت الجريدة فوق الكومة الآخرى وذهبت لتعيد تفتيش الشقة، لكن چاري لم يتبعها، لقد سحب الجريدة مجدداً وحدق لعقدة الثالوث لوقت طويل جداً، كان واثقًا أنه رأها في مكان ما في هذه البلدة.



    *************



    روسيا، سيبيريا، مقاطعة ڤولوتشانكا.




    المبنى الذي يقيم فيه توڤريتش كان مكونًا من أربع طوابق، كما لو كان فيلا مكررة مرتين، چيوڤاني كان لديه الحرية للتجول في كل الطوابق، باستثناء التواصل مع أي شخص خارج المبنى أو مغادرته، لم يبد أن تروڤيتش يحاول حرمانه من أي شيء.

    كان چيوڤاني يعرف أنه يفكر بتلك الطريقة كي لا يكتئب أكثر، الإحتجاز هو إحتجاز بغض النظر عن المميزات التي تأتي مع بعضه!

    لكنه كان يتأقلم، لم يكن هناك داع لحرق أعصابه وثباته الذهني لأن ذلك لم يكن ليغير شيئًا.

    كان يجلس فوق أريكته المفضلة، الأريكة التي تواجه النافذة الكبيرة ولوح الشطرنج ذو المجموعة الواحدة.

    بالأمس أخبره توڤريتش أنه يملك شيئًا ما قادرًا على الإطاحة بفينيكس..في حال لم يكن يكذب، فچيوڤاني لا يستطيع تخيل ماهية ذلك الشيء، معلومة ما؟ تحالف من نوع ما؟ هل كان يهدده بشيء ما؟ لم يعرف..

    الأهم من ذلك، لمَ يهتم رئيس مافيا وتاجر سلاح روسي بشيء كالإطاحة بفينيكس! أين كان الدافع؟

    عداء شخصي؟ كيف لأحد أن يتورط كفاية مع كلاوس فينيكس ليحصل على عداء شخصي معه!

    ترك نفساً عميقاً يخرج وألقى رأسه للخلف، السقف كان أبيض مع زخارف ذهبية وثرية كبيرة أضوائها مغلقة.

    كان ضوء النهار يتلاشى خلف النافذة الكبيرة، قدر أنها الخامسة أو السادسة، والطرقات على الباب جعلت جلده يقشعر لسحبه فجأة من غيبوبته الذهنية.

    في الخلف عند باب الغرفة الكبير وقف شخص بملابس عسكرية مموهة يديه خلف ظهره ونظر له بلا تعبير قبل أن يبلغه الرسالة التي أتى بها.

      - توڤريتش يريدك في خدمة إنسانية.

    لم يطرف الرجل الذي خمن چيوڤاني أنه في منتصف الثلاثينات ولا مرة، شعره البني قصير جداً وملامحه قاسية وبلا تعبير.

    عندما ظل واقفًا مكانه أدرك الكاهن أنه كان ينتظره، لذا نهض يرتدي معطفه الصوفي ويقترب من الرجل الذي دار على عقبيه وتقدمه يقود طريقه.

    تبعه بصمت، يتسآئل عن الخدمة الإنسانية التي قد يريدها الروسي منه.

    المبنى كان مأهولًا بعدد لا بأس به من الجنود، ربما بعضهم كان منشقًا من الجيش حتى، مع ذلك لم يكن هناك الكثير منهم، لذا ربما كان العدد الأكبر موزعين في الأماكن التي له مصالح فيها حول العالم.

    توقف الرجل أمام المصعد وضغط زر الصعود، لم يكن هناك لوحة تعرض رقم الطابق الذي كان فيه وذلك كان مريبًا أكثر.

    عندما دخل الإثنان المصعد، ضغط الرجل زر الطابق الثاني تحت الأرض، وچيوڤاني إنكمش في زاوية الصندوق الكبير، لمَ كان توڤريتش يرده في مكان كهذا؟ مالذي قد يفعله رئيس مافيا في قبو تحت الأرض..

    كانت معدته تتقلص وشعر بوعيه يخف قليلاً، هل كانت هذه هي؟

    اللحظة حيث قرر توڤريتش التخلص منه أخيراً..
    كان يشعر بقلبه ينبض بقوة ضد قفصه الصدري، كان يعاني من نوبة خفقان حادة وربما بدايات نوبة هلع.

    عندما فتح باب المصعد، كان بإمكانه إستشعار الإختلاف في الجو، الرائحة الكثيفة للرطوبة والقِدم والمعدن الصدئ.

    سحب أقدامه خارجاً يتبع الرجل الذي لم يستدر ولا مرة، يسير عبر الممر الطويل خافت الإضاءة إلى مكان ما.

    تأمل چيوڤاني المكان بينما يعقد ساعديه كسلوك دفاعي غير واعٍ، الجدران كانت أسمنتية بلا أي ألوان، الأرضية حجرية قاسية وباردة والسقف كان منخفضاً كثيراً عما هو في الطوابق العليا.

    توقف الرجل نهاية الممر ليفتح بابًا معدنيًا كان بإمكانه أن يرى البقع القرمزية الجافة التي تتداخل مع خطوط من الصدأ تشوه السطح الفضي له.

    تيبست قدما چيوڤاني للحظة، كانت الرائحة المعدنية تزداد حدة ولم يكن لديه فكرة عما إذا كان لأجل المعدن الصدأ أم بسبب البقع القرمزية الجافة.

    دفع جندي توڤريتش الباب وأمسكه مفتوحاً له، لكنه ظل يحدق بعينان متسعتان للفراغ في الداخل ولم يجروء على تحريك ساقيه إلا بعد وقت طويل..لم يستعجله الجندي مع ذلك.

    تجاوز چيوڤاني الرجل للداخل، يسمع صوت الصرير الحاد والقوي للباب يغلق خلفه لكنه لم يلتفت، لقد أصبح مفقوداً بالفعل.

    جعد أنفه لأجل الرائحة المثيرة للغثيان، يراقب الغرفة الواسعة التي حوت العديد من الصناديق الخشبية متفاوتة الأحجام محكمة الغلق، كان بإمكانه رؤية القطرات الدموية اللزجة التي تسربت من زوايا قواعد بعضها، ولم يرد أن يتخيل ما كانت تحويه تلك الصناديق.

    في الأمام كان هناك باب معدني آخر، أقوى وأكثر سماكة بلا أي فتحات، طرق الجندي الباب مرتين، النافذة الصغيرة أعلى الباب فتحت بينما طلت عينان حادتان لجندي آخر، يلقي نظرة على چيوڤاني ثم يغلقها ويفتح الباب.

    بحلول الوقت الذي دخل فيه الغرفة، كان حلقه قد جف بالفعل.

    الغرفة في الداخل كانت واسعة، هناك العديد من الطاولات المتحركة إرتصت فوقها مختلف أدوات الجراحة والخلع والتحطيم التي يمكن لأحد تخيلها، على الجدران كان هناك عدة مناشير كهربائية ومثاقيب، أكثر من نصف الغرفة كان قد تم حجبه بواسطة الستائر الشفافة السميكة المانعة للحرارة.

      - من هنا.

    تقدم الجندي وأزاح واحدة من الستائر جانباً، في الداخل كان بإمكانه رؤية ظهر توڤريتش يجلس على مقعد مرتفع بينما إنحسرت أطراف شعره الطويل بين ظهره وظهر الكرسي.

    تقدم چيوڤاني حتى أصبح داخل الحيز الذي تشكله الستارة مع حواجز جانبية وجدار بعيد، تركه الجندي ورحل، وهو ظل واقفًا خلف توڤريتش الذي لم يلتفت إليه، منشغل بالتحدث للرجل العاري من أي شيء سوى ملابسه الداخلية والذي كان مقيدًا لمقعد معدني قديم.

    لم يكن هناك شيء يستطيع چيوڤاني إستخدامه ليدعم جسده المرتجف، لذا ظل مسمرًا مكانه مع أكبر قدر من الصمت والثبات الذي يستطيع عقله توفيره له في هذا الوضع.

     
      - كان هذا خطأك، وبالحديث عن الأخطاء، يمكنك أن تبدأ بطلب المغفرة الآن، هذا الرجل كاهن من الفاتيكان مباشرة لهنا.

    يشير توڤريتش لچيوڤاني في الخلف دون أن يلتفت إليه.

    الرجل الذي كان في منتصف أربعينياته على الأكثر كان كتلة مترهلة ومرتجفة، شعره الرمادي كان مشعثًا وعيناه محتقنتان ومختمرتان بدموعه.

    لم يلق الرجل عليه نظرة واحدة، عوض ذلك بدأ في البكاء بينما يتمتم بأشياء غير مفهومة.

    ألقى چيوڤاني نظرة من طرف عينه على الروسي الذي كان مسترخٍ جداً في مقعده، ربما يشعر بالتسلية حتى بينما يراقب الفوضي المثيرة للشفقة في الرجل أمامه.

      - أنا آسف..أنا حقًا آسف، لقد كان مجرد عمل، لم يكن هذا خطأي، لقد كان هناك زبائن..نعم الزبائن، هم الذين يدفعون لي لأفعل ذلك، أرجوك إغفر لي ـــــ

    إنفجر الرجل في نوبة جديدة من البكاء.

    لم يكن لدى چيوڤاني أي فكرة عما يحدث، من كانه هذا الرجل ولمَ يستغل توڤريتش وضعه المثير للشفقة كي يرفه عن نفسه، لكنه أجفل قليلاً وربما تراجع خطوة للخلف عندما بدأ الروسي في الضحك..كانت ضحكة ساخرة قصيرة وقاسية، ولسبب ما جعل ذلك الرجل النائح في الكرسي المقابل ينوح أكثر.

      - أظنك أخطئت فهم شيء ما، الشخص الذي عليك طلب المغفرة منه ليس أنا بالتأكيد، لمَ لا تدع الرب يعلم خطاياك ويغفرها لك عن طريق الكاهن اللطيف هنا.

      - أنا لم أفعل شيئاً، لم أفعل أي شيء، كان هذا خطأهم، لمَ يجب أن يكون هناك زبائن مدمنون على أفلام الأطفال الإباحية؟ يجب أن تعاقبهم هم..لم يكن هذا أنا!

    صمت توڤريتش للحظة، وچيوڤاني وجد قدماه تقودانه خطوتين للأمام حيث أصبح قادراً على رؤية ملامحه، الابتسامة الباردة والعينان المموهتان بمزيج غير مفهوم من العاطفة.

    - لقد إختطفت أولئك الأطفال ثم حولتهم لمجموعة من المنتجات الإباحية وضاعفت أرباحك من الموقع الإلكتروني ومن الزبائن على أرض الواقع..كم كان عددهم مجدداً؟ ثلاث وثلاثين طفلاً؟

    عندما ترجم دماغ چيوڤاني كلام الروسي، بدأت معدته بالتقلص.

      - لقد قتلتهم، لقد قتلتهم جميعاً..إن كان هناك شخص ما يجب أن يعاقب فهو أنت، لقد قتلت الأطفال والكبار جميعًا.

    كان الرجل المقيد قد بدأ يفقد عقله، يصيح بعنف وجنون، والكاهن تراجع حتى إلتصق بالزاوية البعيدة يضع يدًا مرتجفة فوق فمه بينما يفهم الموقف أخيرًا.

      - أنت لست أقل شرًا من شيطان قبيح، أنت شيطان قبيح، لماذا تدعي أن لك الحق في تقيدي هنا بينما أنت قد فعلت ما هو أسوء مني ـــــــ

    إنتفض چيوڤاني إجفالاً عندما مد تروڤيتش يده لطاولة صغيرة قربه وقذف الرجل بشئ معدني أصدر صوت إصطدام عنيف عندما ضرب نصف وجهه الأيسر..لم يملك الرجل فرصة ليكمل كلامه، وصياحه الذي تلا ذلك كان صاخبًا لحد جعله يغطي أذنيه، هناك الكثير من الدماء تساقطت من وجه الرجل والشيء المعدني الذي إصطدم بالأرض بعد ذلك لم يكن سوى كماشة كبيرة.

      - لا تتفاضل علي..ربما ما فعلته لم يكن بذلك السوء لك، لنقل فقط أنه سوء حظك ما جعلك جالساً هنا الآن، أنا فقط أسدي خدمة لأحدهم، وبما أنك لم تستغل الفرصة بينما تملكها، أظننا لسنا في حاجة للكاهن بعد الآن.

    كان الرجل مشغولاً بالتلوي والتأوه ألمًا لحد ربما لم يدرك معه ما كانت كلمات توڤريتش تعنيه.

    إستدار إليه توڤريتش أخيراً، هناك ابتسامة مستمتعة على شفتيه وشيء متوحش في العينان اللتان تذكرانه بغابة مزدهرة قرب الغروب،  لم يكن چيوڤاني واثقًا كيف ومتى حصل على هذا الإنطباع عن العينان الممتزجتان بالأخضر العشبي والأرجواني الفاتح.

      - عليك أن ترحل، سيصبح الوضع قبيحًا خلال دقائق، أنت لا تريد أن ترى ذلك.

    .
    .

    قبل أن يبلغ جيوڤاني المصعد، كان الصراخ قد بدأ.




    **********

  4. #23
    ثيودور ڤيجو هو الطبيب الشرعي الوحيد في المشفى الصغير التابع للبلدة.

    رجل في نهاية عقده الرابع ذو طابع مظلم ودائرة إجتماعية محدودة جداً.

    كان جالساً في المشرحة مع فنجان قهوة بارد يتأمل المصباح الوحيد المعلق ويسترخي على مقعده الخشبي ذو القدم المعوجة.

    لم يكن هناك الكثير من الجثث، فقط إثنان من العجائز إنتهى من فحصهما بالفعل وكان أقاربهما يقومون بإستخراج تصاريح الدفن.

    كانت الغرفة الواسعة والباردة هادئة جداً، لا أحد يحب أن يمر قريباً من المشرحة..ذلك يجلب الفأل السيء.

    لكنه كان هنا، يشعر بالإرتياح كما لا يفعل في سريره.

    كان يسحب الرشفة الأخيرة من فنجانه عندما دُفع الباب المزدوج ودخل چاري ڤيرتانين المحقق المسؤول عن أكثر الوفيات إثارة في تاريخ هذه البلدة.

      - مرحباً هناك، أنا لا أقاطع شيئاً صحيح؟

    لم ينتظره چاري ليجيب، بدل ذلك سحب مقعدًا وجلس قبالته، تفصل بينهما طاولة فحص الجثث المعدنية.

      - أحتاج خدمة.

    مال چاري تجاهه وعقد يديه معًا، يبدو جادًا أكثر مما كان مزاج الطبيب الراكد يحتمل.

      - عندما فحصت جثة القس، هل كان هناك أي آثار للتبغ أو رماد سجارة ما؟

    حدق الطبيب فيه للحظة، ثم مد يده وسحب دفتر التقارير من الحامل قرب الطاولة وقلب فيه بكسل.

      - لا شيء..فقط الكثير من الدماء وبعض النبيذ الأحمر كان قد شربه قبل ساعة من موته، لا تبغ ولا آثار نيكوتين في أي مكان، لماذا؟

    صمت چاري للحظة، قدمه تهتز بعصبية أسفل الطاولة تصنع نمطاً معطوبًا آذى أذن الطبيب، ثم إنتصف فجأة في جلسته وحدق لهالاته الداكنة وأخرج له مغلفًا بلاستيكيًا يحوي سيجارة واحدة نصف مسهتلكة سوداء تماماً مع نقش ذهبي للعلامة التجارية الهولندية Black Devil.

    تناوله منه الطبيب وقلبه من الجهتين ثم منح چاري نظرة حمقاء

      - حسناً؟
     
      - أريد منك أن تضيفها لقائمة الأشياء التي وجدت مع القس، ثم ترسلها لمعمل التحليل الجنائي على أنك وجدتها مؤخراً بينما تفحص ملابس القس.. أي حجة، لا يهم، فقط أريدهم أن يستخرجوا بيانات الحمض النووي ومعرفة كل المعلومات المتوفرة عن صاحبها.

    يشير برأسه للسيجارة داخل الغلاف البلاستيكي.

      - إذاً؟ هل وجدت القاتل بالفعل؟

      - أجل.

      - لكن ينقصك الدليل!

      - هذا صحيح.

      - وهنا حيث يأتي دوري؟

      - بالضبط.

      - حسناً.
     
    تنهد چاري عندما فهم الرجل ما كان يحاول قوله أخيراً..كيف تمكن شخص بهذه الحماقة من دخول كلية الطب! لا عجب أنه لم يذهب إلى أي مكان أبعد من مشرحة الجثث.

      - حسناً أنا علي أن أذهب الآن، شريكتي ستشك في الأمر، تذكر..عندما ترسل لهم العينة تأكد من أن تخبرني، لا تخبر أحداً آخر.

    شعر چاري كما لو كان يحاول جعل طفل أبله يفهم بالضبط ما يريده أن يفعله، والطبيب هز رأسه بشرود ورفع له يدًا يودعه بينما عيناه عالقتان على السيجارة نصف المحروقة.

    عندما سمع الطبيب صوت إغلاق الباب، إنتقلت عيناه الباردتان من المغلف إليه ثم إلى هاتفه الذي أخرجه يتصل برقم غير مسجل بينما يرفع المغلف الشفاف في الضوء ويتأمله بلا هدف.

    أتى الصوت على الجانب الآخر بارداً ومختصرًا، والطبيب تمتم بالروسية التي لم يعلم أحد أنها كانت لغته الأم بينما يرمي المغلف على الطاولة أمامه

      - يبدو أنه يعتقد أنه إكتشف شيئاً ما، لقد أحضر عقب سيجارة من Black Devil يريد أن يحلل الحمض النووي لصاحبها.

    إستمع الطبيب نصف شارد للطرف الآخر ثم أغلق الخط وسحب المغلف ونهض، سلة المهملات المعدنية كان فيهما بعض المناديل الورقية وقفاز طبي وغلاف شطيرة أكلها سابقاً، ألقى المغلف مع باقي القمامة وأشعل عود ثقاب وسحب مقعده وجلس يدفئ يديه على النيران المشتعلة ينتظر حتى يتحول الدليل لرماد.





    *************


      - سيدتي..أؤكد لكِ أننا سنبحث في الأمر، أرجوكِ توقفي عن الصراخ.

    كانت أنسا تفقد أعصابها ببطء بينما تحاول جعل السيدة ڤيكتورنوس العصبية والخائفة لأجل إختفاء إبنها المفاجئ تهدأ.

      - لقد إختفى منذ أكثر من أربع وعشرين ساعة، ماذا لو كان الأمر له علاقة بجريمة قتل القس، مالذي ستفعلينه عندها؟

    قالت المرأة التي كانت أكبر منها بعقدين بهجومية كما لو كانت تحاول تعجيزها، وهذا كل ما إحتاجته أنسا لتفقد أعصابها وتصبح عيلها بدورها

      - إذن ربما إبنك هو القاتل، ماذا عن هذا! الآن هل تريدين أن تعرفي مالذي سأفعله به عندما أجده؟ سأعتقله بتهمة قتل القس، هل يبدو هذا جيداً لكِ؟

    أجفلت المرأة القصيرة والشاحبة من رد الفعل العنيف، كان إبنها نيلو قد إختفى منذ أكثر من يوم، لا شيء يدل على أين ذهب أو لماذا، والآن كانت تحاصر المحققة في زاوية الطريق بينما تنتظر شريكها ليعود من حمام الحانة القريبة تخبرها أن تجد لها إبنها المفقود.

    بدأ عدة أشخاص يظهرون في الطريق بسبب صوت الشجار المرتفع، چاري خرج متعجلًا ينفض معطفه ويقترب من المرأتين اللتان حدقتا في بعضهما على وشك أن تبدأ قتال شوارع هنا والآن.

    عندما أدرك چاري الموقف، حاول تهدأة المرأة بينما يدفع أنسا لداخل السيارة، يخبرها أنه بالتأكيد سيبحث عن إبنها المختفي..حتى لو لم يكن ينوي أن يفعل لأنه كان على وشك القبض على القاتل على أي حال..


    *************


    كانت الساعة الرابعة عصراً، السماء زرقاء داكنة وغائمة، لم يكن هناك ثلوج تتساقط لكن الجو كان بارداً جداً.

    كان إفرايم خلف طاولته يكمل قرآءة كتابه الصيني بينما كانت المكتبة شبه خالية، هناك خمس أشخاص على الأكثر أحدهم إيليان أودرت.

    كانت ساقه اليسرى تؤلمه، لم يرتدي الغلاف الحراري اليوم والبرد كان يجعل الألم يسوء أكثر؛ نفحة الهواء المثلج التي دخلت بسبب فتح الباب الكبير جعلته يصر على أسنانه بينما تسري القشعريرة على طول مؤخرة عنقه..كان يوستس وينفرد قد دخل المكتبة للتو.

    إنتظره إفرايم حتى بلغ الطاولة ثم نهض يبقي كل وزنه على ساقه اليمنى بينما ثنى ركبته اليسرى وإستند للطاولة بطريقة لا تبدو مريبة.

      - كيف أستطيع أن أساعدك؟

    ابتسم يوستس ابتسامة ملتوية قليلاً، غمازتيه واضحتان وعميقتان، يميل تجاهه كما لو كان سيفضي إليه بسر.

      - أحتاج أن ألقي نظرة على كتاب الأبراج اليونانية، النسخة الأصلية.

      - هذا مستحيل.

    قطب إفرايم في وجهه، الكتاب كان قديمًا ولا توجد منه سوى نسخة واحدة بالإنجليزية محفوظة في أرشيف المكتبة ولم تكن في حال جيدة كفاية ليطلع عليها أحد.

      - ماذا عن الآن؟

    أخرج يوستس من جيب معطفه مغلف شوكولاة بالبندق وضعها فوق الطاولة بينما يحدق له بجدية..
    ألقى إفرايم نظرة على المغلف ثم عليه، قبل أن يسحبه ببطء بينما لا يزال يعطيه نظرة ريبة مع جفنين ضيقين بشك.

    كان الموقف كله مضحكًا، لكن لا أحد كان قريباً كفاية ليضحك.

    فتح إفرايم المغلف وكسر مكعبًا ووضعه في فمه، ويوستس رفع له حاجبيه كما لو كان ينتظر رأيه في الصفقة!

    لم تكن الشكولاة سيئة..ليست مثالية، لكنها ليست سيئة، ولم يكن في حاجة ليقول ذلك لأن يوستس إنحنى فوق الطاولة ومد يده للجهة الداخلية يسحب مجموعة المفاتيح

      - جيد، إستمتع برشوتك، لن أتأخر.

    لم يعرف الإثنان متى أصبح إيليان متكأ على الطاولة قرب يوستس ويمد يده لإفرايم

      - شاركني رشوتك.

    كان هناك وشم عقدة ثالوث صغيرة على الناحية الداخلية لمفصل رسغه، ألوانه تدرجت من الذهبي الداكن للفضي الفاتح، صغير وغير ملفت للنظر مع ذلك.

    نظر إليه إفرايم للحظة، لاتزال ملامحه مرتابة بينما يوستس ينقل عينيه بينهما وينتظر ما سيحدث.

    جمع إفرايم أطراف المغلف وكسر عدة مكعبات ثم قلبها في يد  إيليان المفتوحة، كان هناك ثلاث قطع وبعض الفتافيت.

      - هذا كثير.

    علق يوستس ورفع عينيه لإفرايم كما لو كان طفلاً صغيراً يأخذ منه زملائه المتنمرين شطائر النوتيلا التي تعدها له والدته.

    نظر إفرايم للمكعبات الثلاث وسحب إثنين يضع واحداً في فمه والآخر يعيده للمغلف، ويوستس ركض بعيداً قبل أن تقتله النظرة المثيرة للهلع التي وجهها إيليان له لأنه تسبب في خسارته لمكعبي شكولاة سويسرية مسببة للإدمان.



    *************

  5. #24
    روسيا، سيبيريا، مقاطعة ڤولوتشانكا.



    بعد ساعتين وأربعين دقيقة كان توڤريتش قد إنتهى من التنظيف، المنصة المعدنية مغطاة بعدة لترات من الدماء التي بدأت في التخثر، ملابسه قد فسدت تماماً بسبب الدماء وهناك الكثير من الرزاز الذي لطخ وجهه وجزء من شعره الذي كان يجمعه بعشوائية خلف رأسه.

    مد له أحد رجاله منديلًا ليمسح وجهه بينما قام آخران بسحب الطاولة الدموية والمنشار الكهربائي الملوث بمزيج من شظايا العظام والنخاع وبعض اللحم العالق في الأسنان المعقوفة.

    عند قدميه كان هناك كومة من الأطراف الممزقة لما كان سابقاً الرجل صاحب الموقع البيدوفيلي الإباحي، كان قد تم التخلص من جلد الوجه والعينين وأطراف الأصابع، وكانوا على وشك نقل الباقي وتوزيعه عشوائياً في الصناديق التي تنتظر في الغرفة الآخرى.

    نزع توڤريتش قفازيه الجلديين ومد يده لأحد رجاله المشغولين بتنظيف الفوضى الدموية حوله

      - أحضر لي هاتفي.

    إلتقط صورة للجثة الممزقة عند قدميه، في الصورة كان هناك جزع مفصول الرأس، فوقه رأس بلا جلد وجه أو عينان، واجه عظمية مع بقايا العضلات فيها، ثم كتفان وساقان وفخذان، كل شيء مقطوع من المفصل، لتم تكديسه في شكل مربع ليبدو كدجاجة متفسخة، أو لوحة سيريالية وحشية التصميم..

    لم يفهم أحد من رجاله لمَ إلتقط صورة لشخص قام بـ"تنظيفه" حيًا قبل ساعتين، لكن جميعهم كانوا أذكى من أن يسألوا.

    أرسل توڤريتش رسالة لشخص ما في فنلندا، جملة واحدة لم يكن في حاجة لتوضيحها أكثر.

      «إجعل المحقق يتوقف»


    *************




    في الساعة السادسة مساءً، قرر چاري أنه وقت تنفيذ الخطة.

    قام بإجبار أنسا على العودة لمنزلها بحجة أنها لم تكن في وضع يسمح لها بالعمل بعد الشجار مع والدة نيلو ڤيكتورنوس، ثم توجه إلى منزل إيليان أودرت.

    في الشرفة الأمامية كانت منفضة السجائر فوق الطاولة الصغيرة والتي سرق منها واحدة أمس لاتزال مكانها، توجه للباب بينما يده على مقبض المسدس على جانب حزامه.

    طرق بقوة مرتين، لكن لا أحد أجابه..ليس وكأنه لم يتوقع ذلك.

    توجه للنافذة حيث كانت الستارة في الداخل مفتوحة مما جعله يرى الصالة المظلمة والخالية، المنزل يبدو مهجورًا، نوافذ الطابق الثاني مظلمة كذلك..ألم يكن إيليان أودرت في منزله؟

    إحتمال أنه هرب كما فعلت أنسا جعله يصاب بجنون مؤقت..ماذا لو كان قد فعل حقًا، هل كان بإمكانه أن يغادر البلدة دون أن يراه أحد؟

    ركض چاري للسيارة، يديرها بعنف ويقود في الطريق الفرعي متجهاً لنقطة المرور الوحيدة على أطراف البلدة.

    كان يقود محاذيًا للغابة الكثيفة على أطراف البلدة عندما رأى من بعيد هيئتين لشخصين يسيران متجاورين، أحدهما يضع قلنسوة فوق رأسه والآخر كان شعره الأشقر المموج واضح تحت الضوء الأرجواني لما بعد الغروب.

    لقد عرفه چاري، الهيئة النحيلة جداً والطريقة اللامبالية لسيره ثم ذلك الشعر..لقد كان إيليان أودورت يقود شخصاً ما لداخل الغابة المظلمة.

    ..............

    كان إيليان ويوستس قد غادرا المكتبة قبل نصف ساعة، ومنذ أن أحدهما لم يملك ما يفعله بالعودة إلى المنزل، قرر الإثنان فجأة ألا بأس ببعض التمشية البطيئة بمحاذاة الغابة التي لم تغطها الثلوج بعد.. يوستس هو من إقترح الأمر في الواقع.

      - لذا..أنت بخير مع حقيقة أن هناك قاتلاً في البلدة.

    عشر دقائق من الجدال مع إيليان جعلت يوستس يومئ باستنتاجه ويتوقف عن محاولة إقناعه أن الأمر كان سيئاً.

      - لقد كان القس بيدوفيليًا فاسداً حتى العظام، لذا ما المهم إن كان قاتله في البلدة، ليس وكأن كل شخص هو بيدوفيلي آخر.

      - ليست هذه النقطة.

    كان الإثنان قد توغلا في الغابة لحد ما، ألقى يوستس نظرة على الطريق البعيد خلفه ثم أعاد عينيه لحيث تخطو قدماه.

      - المشكلة هي أن لا أحد سيكون قادراً على النوم ليلاً بينما يعلم أن هناك قاتلاً طليقًا في مكان ما حولهم، قد يكون أي شخص، ولا يستطيعون سوى الشك في بعضهم البعض، حياة درامية جداً لا يستحقونها.

      - كيف تعلم؟ الجميع فاسد بطريقة ما، وليس وكأن القس كان الوحيد، لكنه كان سيء الحظ الذي تسبب بقتل نفسه.

    قطب يوستس بينما يتأمل الجملة الأخيرة..تسبب في قتل نفسه كيف؟

    كانت الغابة مساحة مستطيلة واسعة وكثيفة الأشجار تفصل بين طريقين رأيسيين أحدهما يقود لداخل البلدة والآخر لخارجها.

    عندما بدأ الاثنان رؤية أطراف الطريق الآخر توقف إيليان وأسند ظهره لجذع شجرة بلوط كبيرة.

    كان شاحبًا وتنفسه مضطرب لحد ما، أنفاسه تشكل بخارًا أمام فمه.

    إقترب منه يوستس، لاتزال العقدة بين حاجبيه بينما يمد يده بينهما لا يعرف ماذا عليه أن يفعل بالضبط.

      - هل أنت بخير؟

    لم يجب إيليان، عيناه غائمتان وبعيدتان، عرق جبينه بارز قليلاً ويوستس مد يده ليلمسه، لكنه لم يفعل لأن صوت تهشم غصن قريب ثم صياح المحقق ڤيرتانين عليهما بينما يرفع مسدسه جمده في مكانه.

      - إيليان أودرت، أنت رهن الإعتقال بتهمة قتل القس ڤالدير ريكسا، أي شيء تقول يمكن أن يستعمل ضدك في المحكمة، الآن لا تتحرك، سيد وينفرد إبتعد عنه.

    كان بإمكان چاري أن يرى أن يوستس كان في حالة صدمة، بينما يبادل نظرة بينه وبين إيليان الذي كان أبعد منه بمتر، قام هو بالتقدم بحذر بينما يصوب تجاه إيليان.

    على الجانب الآخر كان الإستشاري النفسي لايزال يستند للشجرة، يبدو مرهقاً وغير مبال، مع ذلك كان بإمكانه رؤية يد يوستس قربه بينما تنسل خلف معطفه حيث ظهرت قبضة مسدسه من خلف ظهره، لم يكن يملك سوى نصف ثانية ربما، لذا سحب نفسًا عميقًا جداً وتركه يخرج، ثم بخطوة واحدة دار حول يوستس وقبض على اليد خلف ظهره وسحب المسدس بينما ألصق نفسه بظهره وصوب المسدس لرأسه..

    حدث كل شيء بسرعة كبيرة لدرجة أن چاري من موقعه لم يرى سوى أن القاتل قد أخرج مسدسه واستخدم الشاب الآخر كرهينة.

      - لا تصعب الأمر أكثر أودورت، فقط سلم نفسك ويمكنني أن أكتب في التقرير أنك تعاونت، هذا سيساعدك.

      - لمَ لا تريني إذن إلقاء القبض عليّ؟ واثق أنه معك، أرني إياه.

    تحدث إيليان من خلف ظهر يوستس، كان كلاهما في نفس الطول لذا كان بإمكان چاري رؤية رأسه تجاور رأس يوستس بينما المسدس يفصل بينهما، لم يكن بإمكان چاري أن يطلق من هذا الموضع.

      - هناك قوة دعم في الطريق، مع وجود رهينة سيكون لدينا الحق بإطلاق النار عليك، أنت لا تريد ذلك.

    لم يكن هناك دعم، ولم يكن هناك تصريح بإلقاء القبض، ولم يكن هناك دليل، لا دليل سوى أنه يملك على معصمه وشم عقدة الثالوث التي تركتها لايساندرا مرسومة على أحد صفحات جرائدها الكثيرة، وحقيقة أنه كان الآن يصوب مسدساً لرأس شخص ما، كان هذا كل ما يحتاجه چاري لإغلاق القضية.

    إقترب چاري خطوة حاول جعلها غير مرئية، لايزال مسدسه مصوبًا للفراغ بين رأس يوستس والمسدس، لكنه لم يكن يجرؤ ليطلق، ليس بعد.

    سحب نفسه خطوة أقرب، ثم لاحظ شيئاً بدا غريباً مقارنة بالمشاهد المشابهة التي سبق وأن تعامل معها..كان هناك بالتأكيد الكثير من المجرمين الذين يأخذون رهائن عندما يفقدون الأمل في الهرب، والشيء المشترك في كل هؤلاء الرهائن هو حقيقة أن جميعهم يصابون بالهلع وربما يبدؤون في البكاء، أحياناً يتوسلون، لكن يوستس..

    تمعن چاري في ملامحه الساكنة جداً، كان هناك نظرة باردة وقاسية في عينيه، ويديه كانتا جوار جسده..يميل الأشخاص المهددون في كثير من الأحيان إلى إظهار أيديهم دلالة على الاستسلام أو أنهم لا ينون القيام بأي شيء، لكن يدي يوستس ظلتا جواره.

    إنخفض مسدسه قليلاً، بدأ القلق يزحف ببطء من معدته حتى صدره، كان الموقف غريباً جداً..كان كما لو أن يوستس يترك نفسه رهينة للقاتل بملئ إرادته.

      - ما اللعن ــــــــ

    شعر چاري بألم مريع في رأسه، رؤيته تميل بحدة لليسار، ورأى يوستس وينفرد يدفع إيليان أودرت خلفه بحدة كما لو كان يحيمه من شيء ما..ثم تلاشى كل شيء.

    .
    .

    حدق الإثنان للجثة المكومة للمحقق الذي تم قنصه للتو، دمائه تناثرت على الشجرة التي كان يقف قربها واتسعت بركة منها تحت رأسه المثقوب.

    كانت الرصاصة كبيرة كفاية لتمر عبر صدغه الأيمن لتخرج من الأيسر وتستقر في جذع الشجرة التي كان يقف قربها.

    خمن يوستس أنها قناصة أورسيس الروسية أو شيء قريب منها، وبالنظر لحقيقة ألا مكان ملائم للقنص في هذه الغابة، سيقول أن القناص على بعد ألف متر على الأقل.

      - لم تكن هذه هي الطريقة لإنهاء الأمر.

    أشار إيليان للجسد الميت بالمسدس الجلوك الذي لم يكن ينتمي إليه كما لو كان قد تم إفساد متعته للتو.

    سمع الاثنان صوت نغمة تنبيه الرسائل القادمة من هاتف يوستس بينما يسحب مسدسه من إيليان ويعيده لحامله خلف ظهره.

    كانت الرسالة من الرقم الذي يعرفه كلاهما جيداً تحوي كلمة واحدة فقط

    «إرحل»

    ألقى يوستس نظرة أخيرة على المحقق الميت ووضع يده خلف ظهر إيليان بينما يوجه خطواته للطريق ويرسل الأمر الصوتي لسيارته الذكية لتأتي له.

    أرسل رسالة لإفرايم يخبره بما حد باختصار ويطلب منه المجئ بسرعة، وقبل أن تبلغ السابعة كان الثلاثة في سيارة يوستس الكوينسينج جيميرا يغادرون حدود البلدة متسببين في ثلاث جرائم ستبقى مجهولة للأبد.







    *************

  6. #25



    مرحبا ^^

    بنهاية الأسبوع إن شاء الله راح اقرأ الفصول rolleyes
    attachment


  7. #26
    الفصل السادس

    ★★★

    في السيارة كان يوستس في واحد من المقعدين الخلفيين، كان قد خلع حذائه منذ فترة وثنى قدمًا تحته كما لو كان يجلس على أريكة بيته، حاسوبه المحمول فوق حجره يحاول الوصول للموقع المدفوع الذي كان يتعامل معه القس، لكن دون فائدة حتى الآن، كان قد تم محيه من الخادم الرئيسي في روسيا منذ أقل من أربع وعشرين ساعة.

    في المقعدين الأماميين كان إفرايم يقود بينما إستقر إيليان في المقعد المجاور يضع ساقًا فوق الأخرى يسند مرفقه للباب ويغلق عينيه..لم يكن نائماً، كان نومه خفيفاً لدرجة أن حركة خافتة قربه كافيه لإيقاظه، ومع صوت المحرك الذي لم يكن أكثر صوت خافت في الحياة، كان من المستحيل أن ينام في بيئة كهذه.

    بعد ست ساعات متواصلة من القيادة كانوا قد بلغوا أخيراً جسر كاريسوڤانتو الدولي، حيث يمر فوق نهر تورن حتى مقاطعة تورينو الفنلندية ثم يعبر الحدود مع السويد ملتقيًا بالطريق الأوربي الرابع.

      - هل أحضرنا جوازات السفر؟

    سأل إيليان بخفوت، لايزال يغلق عينيه ويحاول حجب صوت المحرك قدر الإمكان عن أذنيه.

    تجمد الآخران لحظة، إلتقت أعينهما في المرآة الأمامية وإحتمال أنهم لم يفعلوا بعد قطع كل هذه المسافة كان ليسبب ليوستس أزمة قلبية.

    أوقف إفرايم السيارة قبل صعود الجسر، أضاء المصباح الداخلي وإيليا ظلل على عينيه المغلقتان بالفعل وندم على ذكر المسألة أصلاً!

    فتح إفرايم مساحة الحفظ الصغيرة قرب شاشة الخرائط، كان فيها كل أنواع الأشياء التي قد يستخدمها يوستس في سيارة..والتي كانت الكثير من الأشياء، وصلات خارجية، شاحن للهاتف، ذاكرة خارجية، كيس قهوة!

    في الخلف كان يوستس يبحث في جيب معطفه، جيب معطفه الآخر، جيب بنطاله، أسفل المقاعد!

    ثم تذكر حقيبة الطوارئ في مؤخرة السيارة ومد يده للوحة التحكم الأمامية بين المقعدين وفتح الباب، إيليان لايزال يتظاهر أنه نائم وإفرايم توقف عن البحث واسترخى في مقعده بينما يأكل شكولاتة ستنتهي صلاحيتها خلال يومين وجدها مع الأسلاك الكثيرة.

    غادر يوستس السيارة لا يرتدي سوى جوربين سميكين، الحقيبة في الخلف كان فيها كل الأشياء التي قد يحتاجها عندما يقرر الهرب بعيداً، أدوات الإستحمام، زجاجتي عطر، حاسوب إضافي، هاتف إضافي، عدة جوارب وجوازي سفر مزورين لزوم التمويه.

    وجد أخيراً جوازات سفرهم، جوازين سويديين وواحد بريطاني.

    جوازات سفرهم الأصلية بأسمائهم الحقيقية.

    إيليان كڤاسير هيلستورم، إفرايم هيرنان زيتربيرج، ويوستس كلاوس أرمان..لقبه لم يكن شيئاً يمكن كتابته في الأوراق الرسمية، كان ليسبب الكثير من المتاعب..للآخرين.

    *************

    ليلة الأحد كان إيليان وحيداً في منزله، يجلس أمام باب الشرفة الزجاجي ويراقب قنديل البحر الأرجواني الصغير يتماوج في وعائه الدائري ويشرد في أفكاره عندما سمع الطرقات على باب منزله.

    كان وجه القس غير المألوف هو ما قابله أمام الباب المفتوح!

    رفع إيليان له حاجباً وأدار رأسه لينظر لساعة المكتب قرب المدخل..كانت الواحدة والربع بعد منتصف الليل!

      - هناك حديث علينا أن نخوضه، واثق أنك تعرف مالذي أتحدث عنه.

    لم يكن لديه فكرة..كان بإمكانه أن يطرده، كان يستطيع أن يجبره على إدارة رأسه المربع وسحب قدميه بعيداً..

    مالذي منعه من فعل ذلك؟ الملل!

    كان الملل يجعله يفعل أشياء غير ضرورية في كثير من الأحيان، وكانت هذه إحداها، لذا تركه يدخل.

    .
    .

      - لنبدأ بما أخبرك به تاڤي، عليك أن تنسى ذلك، تعرف ما حدث لإيرڤارتى بالفعل، يمكن للأسوء أن يحدث لك.

    القس ڤالدير ريكسا كان قوي البنية، يملك شعرًا بنيًا إبيض معظمه وذقن عريض، عيناه كانتا داكنتين  وهيئته العامة توحي بالوقار لأي شخص جاهل.

    لقد أتى بعد منتصف الليل، يهدده بشإن إخبار أي شخص عن تحرشه بالطفل الذي لم يكن قد بلغ السابعة بعد..من يفعل ذلك!

      - ماذا إن لم أنسى؟ ماذا لو أخبرت والده بما تفعله؟ ماذا لو قاطعت خطبة قِداسك في الصباح وأخبرتهم جميعاً عما تكونه حقاً؟

    كان التحدي يجعل عيناه تتسعان أكثر، بؤبؤه يضيق واللون الدخاني في عينيه يدفع الرجل الآخر لحافة ثباته.

    من قال أن المخطئ لا يخاف؟ لقد كان المخطئ دائماً هو الأكثر خوفاً، الأكثر هشاشة..وأكثر من يستمتع الإستشاري النفسي بتدميره.

    كان القس عصبياً، ورغم أنه حاول أن يبدو صاحب اليد العليا في هذا النقاش، إلا أنه كان الآن أبعد ما يكون عن ذلك، لذا في محاولة لاستعادة السيطرة، سحب مسدسه من جيب معطفه الداخلي وصوبه تجاه رأس إيليان الذي لم يطرف حتى، كما لو كان هناك من يقتله مرة كل يوم لذا لم تعد رؤية مسدس مصوب لرأسه تبهره ولو قليلاً!

      - لن تستطيع فعل ذلك عندما تكون ميتاً، يمكن للأمر أن ينتهي بمتاعب أقل..ألا تظن؟ فقط إبتعد عن تاڤي، ولا تفتح فمك.

    كانا جالسين في الصالة حيث نيران المدفأة الحجرية ترسل ظلالها على وجه الرجل المسن، إيليان متراخٍ جداً في مقعده، يبدو منفصلاً عن الواقع بدرجة ما بينما يراقب القس كما لو كان حالة يعمل على دراستها.

      - حتى لو أسكتني، هناك دائماً شخص ما سيعرف شيئاً ما..لن تكون آمناً أبداً.

    ضاقت عينا الرجل بحقد وتقلص فمه في خط رفيع، كان يتذكر بالفعل ما حدث مع يوستس قبل أيام..شخص آخر يعرف شيئاً ما وسيكون عليه إسكاته.

    أنزل المسدس يريح يده فوق الطاولة، لاتزال فوهته مصوبة تجاه إيليان الذي كان أكثر إنشغالاً من أن يراقب أين تتجه فوهة المسدس الذي يتم تهديده به.

      - إذًا سأسكته أيضاً..سأسكتك وأُسكت ذلك الداعر وينفرد، لن يبقى شخص واحد يعرف أي شيء.

    كان القس مندمجًا في نوبة حقده على الفضيلة لدرجة أنه لم يركز مع إيليان الذي نهض ليقلب الحطب في المدفأة، كان لايزال يمسك مسدسه، مع ذلك عندما ناداه إيليان لينظر إليه، كان الآوان قد فات بالفعل.

    غرز إيليان الطرف الدائري غير المدبب لعصى المدفأة في عينه واستخدم كل قوته لدفعه أعمق، لم يطلق القس سوى نصف صرخة تلاشت بين جدران المنزل الكبير بعد لحظة قصيرة.

    صوت تهشم العظم، الدماء التي تناثرت على وجهه، والجثة التي تكومت على الأرض أمام المدفأة تنفر الدماء خارج العين التي لم تعد عيناً..

    أخذ إيليان وقته في تأمل المشهد أمامه، كيف للموت أن يكون بسيطًا جداً وسريعاً جداً، حل فعال لكل شيء.

    جلس على مقعده مجدداً، يشعر بصدره منتفخ بقلبه المتضخم وأنفاسه العالقة..القتل كان مجهداً بعد كل شيء!

    سحب سيجارة وأشعلها..الآن كان هناك جثة مع قدر لا بأس به من الدماء تستلقي منتصف غرفة معيشته، لذا..مالذي عليه أن يفعله بشأن ذلك!

    لم يكن ينوي في الواقع أن يقتله، كان ليتركه يحظى بفرصته ثم يهشمه حتى يصبح غير قادر على التعرف على ذاته..كان ليدفعه لحافة جنونه حتى يقرر هو أنه لايستطيع الإحتمال أكثر.

    لكن ما قتل القس كان كلمة..كلمة واحدة لم يكن عليه قولها، كانت المسبة التي وجهها ليوستس هي ما سببت كل هذا.

    لو أنه لم يفعل، لكان كلاهما الآن يحظيان بحديث شيق حيث يدفعه إيليان للإنتحار قبل الشروق، كان ليراهن على أنه يستطيع إفقاده عقله خلال ثلاث ساعات على الأكثر..

    لكنه كان ميتًا الآن..بعض الأشياء فقط تحدث، لا تستطيع إيقافها أو منعها!

    واسى إيليان نفسه بسيجارته قبل أن يقرر الإتصال بإفرايم ويوستس في مكالمة جماعية.

      - قل أنك بخير!

    كان أول ما قاله إفرايم، ومع صوت الحفيف القادم من جهته كان بإمكان إيليان أن يعلم أنه كان يرتدي معطفه ليأتي له الآن في حال لم يكن كذلك.

      - أنا بخير.

      - لذا أنت تتصل في الثالثة فجراً لأنك بخير؟

    يوستس كان مشغولاً بالكثير من الأشياء في منزله، محاولة إختراق الموقع الإباحي الذي يتعامل معه القس كمثال، وكان يعرف أن إيليان بخير، لو أنه لم يكن كذلك سيكون أول من يعلم، كان ليشعر به.

      - إنها الثانية والنصف.

    أخبره إيليان رغم أن كلاهما يعلمان أن ذلك كان تفصيلاً غير مهم على الإطلاق.

      - ولا، أنا لا أتصل في الثالثة فجراً لأنني بخير.

    ألقى نظرة على الجسد عند قدميه وقلب عينيه على ما تجلبه أفعاله غير الضرورية له.

      - أنا ربما أكون ڨد قتلت القس بينما نحظى بنقاش مسلٍ في ساعات الفجر الأولى..كانت حادثة في الواقع.

    الصمت الذي قابله على الطرفين الآخرين منحه الفرصة ليتأمل أظافر يده، كانت في حاجة للتقصير قليلاً، فقط أقل من ميليمتر واحد.

    عندما طال الصمت رفع الهاتف عن أذنه، كان يوستس قد أغلق الخط في وجهه، إفرايم كان لايزال يعالج أبعاد المشكلة التي لم يكن أي منهم ينتظرها في الثالثة فجراً فعلاً.

      - فقط..لا تفعل أي شيء حتى نأتي.

    وافقه إيليان على هذه النقطة، كان قد قام بجزئه من العمل، الآن عليه أن يجلس جانباً ويترك لهما التنظيف، هو لا يملك الصحة ليفعل ذلك بنفسه على كل حال.

    *************

  8. #27
    بعد عبور الحدود السويدية كان على ثلاثتهم أخذ إستراحة قبل متابعة الطريق للمنزل الذي يملكه إيليان في سكالافتيا..ثمان ساعات من القيادة المستمرة جعلتهم كومة من العظام والعضلات الملتصقة بمقاعدهم.

    لذا في الثانية صباحاً، وعلى أطراف مقاطعة هابراندا توقف الثلاثة على جانب طريق فرعي يؤدي للشمال، يحده صف من الأشجار ثم النهر، وعلى الجانب الآخر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المغطاة بطبقة سميكة من الثلوج.

    متجر صغير يقع على طرف الطريق، هناك طاولتان مع عدة مقاعد للإستراحة وعدة إطارات في الخارج ولافتة تقول أن هناك بنزيناً متوفرًا في الداخل.

    إرتدى يوستس حذائه وسحب معطفه معه وخرج، كان الأقل تيبسًا بينهم، لكنه مع ذلك إحتاج خمس دقائق ليحرك عموده الفقري في كل إتجاه ممكن، كان بإمكان الآخران سماع صوت طقطقة فقراته كل ثلاث ثوان.

    عندما قرر إيليان أن يغادر السيارة أخيراً كان يوستس قد إنتهى من جلسة تفكيك المفاصل خاصته ومد يديه كلتاهما له.

    كانت نسبة السكر في دمه منخفضة، قلبه يخفق أسرع من المعدل كما كان طوال حياته، وأطرافه تبرد أكثر بمرور الوقت، لذا إحتاج لحظة يجمع فيها قوته قبل أن يمسك بيدي يوستس الممدوتين.

    سحبه يوستس ليقف، وتمسك به لدقيقة دون أن يفلته.

    عندما غادر إفرايم السيارة أغلق البابين ومد ذراعه تجاههما ليحثهما على الإقتراب، عندما بلغاه أحاط إيليان بتلك الذراع..

    حمائية يملكها كلاهما تجاهه منذ سنوات طويلة جداً.

    سحب له مقعداً من المقاعد البلاستيكية السوداء خارج المتجر وأجلسه عليها، إيليان لم يجادل لأنه لم يكن يملك الطاقة ليفعل، ولأنه لم يكن ليمانع مطلقًا.

    وقف الإثنان حوله، إفرايم يضع يدًا على صدره ويعد نبضاته، ضغط دمه كان مائة وسبعة، أعلى من المعتاد الخاص به بقليل.

      - هل أكلت أي شيء اليوم؟

    سأل يوستس حيث كان يقف فوق رأسه، ملتصقًا به يجبره على إسناد رأسه لبطنه ويخلل أصابعه في خصلاته الكثيفة.

      - الإفطار..بلا كاربهيدرات.

    تنهد كلاهما على الإهمال المتوقع، ثم اعتدل إفرايم وتوجه للمتجر حيث كان صاحبه يراقبهم بالفعل من خلف بابه الزجاجي.

    يوستس ظل واقفًا مكانه، رأس إيليان في حضنه ويده خلف ظهره..كان إيليان يركز مع وتيرة نبضه، ينغمها ويربت بسبابته على ظهر يوستس مع كل نبضة.

    لم يقل أي منهما شيئاً، كان بإمكان يوستس رؤية إفرايم وصاحب المتجر يتحدثان في الداخل، عندما أخفض عينيه للرأس الأشقر المجعد أدرك أنه لم يكن يرتدي وشاحًا..مجدداً.

    لوى يوستس شفتيه بملل على المحاضرة التي كان على وشك البدأ بها، ثم قرر أن ذلك بلا فائدة على كل حال لذا ركع أمام صاحب المركز الأول في اللامبالاة على مستوى العالم خاصته، سحب وشاحه القرمزي عن رقبته وبدأ بإحكامه حول رقبة إيليان الشاحبة.

      - إنه ملون.

    إعترض إيليا بكسل، كان كل شيء يرتديه في حياته أسوداً، كانت مسألة مبدأ، والآن يوستس يفسد ذلك بوشاحه الملون..يخنقه به ويرفعه حتى يغطي أنفه.

    تجاهله يوستس كليًا، سحب مقعدًا وجلس قربه في إنتظار خروج إفرايم.

    حدق كل منهما في عيني الآخر لفترة، عيني إيليان كانتا حادتين كدائمًا، البخار فيهما أقل لمعانًا من العادي، وبعد عدة دقائق أشار ليوستس أن يقترب، وعندما فعل، أسند رأسه لصدره، يشعر بالقلب الذي يستطيع أن يميز نبضه من بين مليون قلب آخر ضد جبينه وأطلق تنهيدة خرجت كسحابة بيضاء أسفل الوشاح القرمزي.

    .............

    كان صاحب المتجر الصغير رجلاً في الثالثة والستين من عمره، قصير القامة مع بنية قوية رغم سنه، لديه لحية رمادية عشوائية ورأس نصف أصلع يغطيه بقبعة صوفية ويحكم وشاحاً حول رقبته.

    كانت الساعة على وشك بلوغ الثالثة فجراً، التلفاز القديم يعرض فيلماً أمريكياً من بطولة Mr.E.

    كان Mr.E إسماً معروفاً في عالم الشاشة الكبيرة، ليس هناك شخص لم يسبق له وأن شاهد على الأقل فيلماً واحداً له، والشيء الذي يراه صاحب المتجر مثيراً للإهتمام جداً كان حقيقة أن ذلك الشخص كان في عالم صناعة السينما منذ كان في الرابعة من عمره وحتى الرابعة والعشرين..

    عشون عاماً من العمل، ومع ذلك لم يشارك سوى في عشرة أفلام فقط، آخرها كان فيلماً من تأليفه وإخراجه حصد به ستة عشر جائزة أوسكار، خمسة منها ذهبت إليه وحده.

    الشيء الثاني هو أن Mr.E كان مؤلف موسيقى فريد من نوعه، لم يؤلف لأي مغن قط، ورفض بيع أي من حقوق أعماله لأي وكالة إنتاج، ولم يدمج أي من مقطوعاته في ألبومات، لقد كان المؤلف الوحيد الذي ينتج أعماله فردياً، فقط مقطوعة واحدة كل فترة، ومع ذلك، فإن شهرته كموسيقي لم تكن أقل من شهرته كممثل، لقد كان له جمهوره من كلا الجانبين، وكانت مبيعاته تصل لأرقام قياسية، من لن يدمن موسيقى Mr.E بعد أن يستمع لمقطع واحد من إحدى معزوفاته!

    الشيء الثالث المثير للإهتمام هو أن Mr.E ذا الشعر الذهبي المجعد والعينان الدخانيتان القادرتان على النفاذ لروح أي شخص، كان يجلس الآن خارج متجره الصغير، لكنه لن يعرف ذلك قط.

    بالنسبة له لم يكن هناك سوى ثلاثة غرباء يقودون سيارة لم يرى مثلها من قبل، يتوقفون في إستراحته الصغيرة خارج متجره وأحدهم دخل له بالفعل.

    راقب الهيئة الشابة للشخص الذي دخل للتو، يلقي عليه تحية هادئة ويتفقد رفوف المنتجات القليلة التي كان يملكها هنا؛ قامة طويلة وبنية مصقولة، كان يغطي رأسه بقلنسوة معطفه الأسود الواسع، مع ذلك كان بإمكانه رؤية أطراف الشعر الفضي أسفلها..لقد كان إسكندناڤيًا بلا شك.

    .
    .

    جمع إفرايم عدة معلبات وحملها لطاولة المحاسبة التي وقف خلفها المالك العجوز، علبة قهوة مثلجة ليوستس، علبتين من الزبادي وشطيرة جبن مغلفة لإيليان، ومغلف شوكولاة له.

    عندما وضع زبونه الأشياء فوق الطاولة، كان بإمكان صاحب المتجر رؤية معصميه الشاحبين في المساحة المكشوفة بين أكمام معطفه وقفازيه القماشيين القصيرين..

    كان على معصمه الأيسر وشم لمفتاح السول الموسيقي، بسيط وصغير، أسود فاحم كما لو كان قد وشم للتو، على معصمه الأيمن كانت عقدة ثالوث بسيطة جداً، صغيرة ويتدرج لونها من الذهبي للفضي.

    ألقى صاحب المتجر نظرة أخيرة على الشاب الغريب الذي لم يهتم ليرفع عينيه له حتى عندما فتح محفظته ليخرج له حسابه.

    مجموعة من الغرباء غريبي الأطوار يسافرون في ساعات الفجر الأولى..لم يكن ذلك الشيء الأكثر إثارة الذي سيراه اليوم.

    ...........

    في الخارج كان الثلاثة يجلسون حول الطاولة الدائرية يشدون معاطفهم حولهم، إفرايم فتح غلاف الشطيرة ووضعها في يد إيليان يجبره على تناولها بينما دفع له مغلف شوكولاة خال من الكافيين.

    يوستس يشرب كوب قهوته الأول منذ قرابة العشر ساعات، كان ذلك رقماً قياسياً له، والخدر الذي شعر به في دماغه بينما يسري مفعول الكافيين المركز جعله يبتسم منتشيًا.

    لفحات الهواء البارد جعلته يلتفت لإفرايم، ينظر لساقه اليسرى ويلصق ساقه بها، الحركة جعلت إفرايم يرخي ساقه أكثر، يسندها له..

    كانت ساقه قد كسرت قبل سنوات طويلة، ورغم مرور كل تلك الفترة، إلا أن الألم كان لا يزال موجوداً، ومع درجات الحرارة المنخفضة جداً كان الألم يتضاعف لحد يجعله غير قادر على الضغط عليها، لذا كان عليه دائماً إرتداء ساق حرارية تحافظ على إبقاء الرطوبة والبرد بعيداً عن عظمه المجبور..

    وأي منهما لم ينسيا أبداً تلك الحقيقة، يتأكدان دائماً أنه يرتدي الساق الحرارية، ويحاولان قدر الإمكان تجنب البلاد شديدة البرودة عندما يقررون القيام بعطلة ينسون فيها أنفسهم والعالم، عطلة كهذه التي إنتهت بثلاث جثث إثنان منها لم يكن لأصحابها ذنب سوى أنهما عرفا أكثر من اللازم، وهارب واحد ربما لن يعود قط.

    وضع إفرايم مكعب شوكولاة في فمه وتركه يذوب، أسند جبينه لقبضته فوق الطاولة وأغلق عينيه وصمت لفترة، صوت الرياح الخافت يحيط بهم، الشيء الوحيد لسماعه هنا، يندمج في الخلفية ثم يصبح غير قابل للإدراك..

    كان يقف في مدخل المنزل الذي كان بيته منذ سبعة أشهر، يرى ظهر لايساندرا التي تعرف الكثير، كانت راحلة..يدها فوق المقبض بالفعل..

    مالذي مثلته لايساندرا إيرڤارتى في تلك اللحظة..

    نعم..عدو.. لايساندرا إيرڤارتى كانت عدوًا على وشك أن يفلت من قبضته، خطراً قادر على إفساد حياته بأسوء طريقة يمكن أن يفكر بها..إيذاء أحد أولئك الإثنين الجالسين حوله الآن.

    في حالتها كان ذلك إيليان..كانت تؤذي إيليان، كانت تملك المعرفة التي ستجلب المشاكل لإيليان.

    كان عليه إيقافها، محيها..إلغاء وجودها، مسدسه كان في الطابق العلوي، سكينه الصغير في درج مكتبه، ثم هناك سلك الشاحن..الشيء الوحيد الصالح للقيام بالمهمة في ثانية ونصف قبل أن تدير المقبض وترحل..

    إرتجف..يشعر بركلاتها العنيفة بينما تحاول التحرر، يسمع شهقاتها المتحشرجة تصم أذنيه حتى أصبح غير قادر على تميز أي صوت آخر..يده التي تشد سلك الشاحن، ثم ــــــ

    سحب نفسًا آلم جيوبه الأنفية لأجل حدته، يشعر كما لو كان نصل من التيار البارد قد إخترق جمجمته عندما شعر باللمسة المتجمدة فوق خصره.

    فتح عينيه وطرف عدة مرات قبل أن يحولهما لجانبه حيث كانت يد يوستس بلا قفاز تمسك جذعه وتضغط بقوة كافية لتجبره على الخروج من غيبوبة الذاكرة خاصته..

    المحفز الخارجي.

    تلوى إفرايم في محاولة لإبعاد اليد الباردة عن جسده، لكن يوستس تشبث به وضغط أكثر، يدفع كرسيه أقرب إليه ويسند مرفقه للطاولة بينما يراقب ملامحه بتسلية.

      - توقف!

      - لا أريد.

    منحه يوستس إبتسامة سمجة متعمدة، غامزتيه عميقتان كدائماً، تجعله يبدو ألطف مما كان ينوي أن يبدو.

    تركه إفرايم يفعل ما يريد، يحول إنتباهه إلى إيليان الذي أنهى نصف علبة زبادي ودفع الباقي لمنتصف الطاولة، يخرج علبة سجائره ويضع واحدة بين شفتيه ويشعل قداحته؛ صمتهما جعله يرفع عينيه إليهما، النظرة المظلمة في عيني يوستس جعلته يبادله التحديق بتحدي، بينما إفرايم لم يقم بأي رد فعل، فقط يمد يده ليسحب السيجارة من بين شفتيه ويلقيها خلفه..تصبح علامة سوداء في الفضاء الواسع المغطى بالثلوج.

    لم يكن التدخين شيئاً يجب على مريض قلب فعله..لكن ليس مريض القلب هذا!

    أغلق إيليان غطاء القداحة المعدنية منزعجًا، لكنه لم يقل أي شيء بينما يرميها أمامه على الطاولة ويرفع وشاح يوستس العالق حول رقبته حتى غطى أنفه..كانت رائحته عالقة به، عطره الخاص الذي لا يملك أحداً في العالم مثله.

    كان يوماً دافئاً في چينيڤا- فرنسا عندما عاد يوستس للمنزل مبكراً يخبرهم أنه وجد مصنع عطور عضوي صغير في مكان ما من ضواحي المدينة، المصنع الصغير الذي يصنع تركيبات خاصة وحسب الطلب، يوستس إستغرق أشهراً حتى حصل على تركيبة خاصة لكل واحد يمهمه أن تميزه رائحته، ذلك جعل إجتماعات العائلة مزيجاً من الروائح المتباينة جداً والملائمة جداً لأصحابها.

    كنز لأي باحث عن المتع الخفية التي يمكن للحياة أن تقدمها..رائحة ما، صوت ما، مشهد ما..

    ترك يوستس جذع إفرايم أخيراً، يحشر يده في قفازه القماشي أسود اللون ويحدق في الأفق، يتذكر شخصاً ما لا يعرف في أي جانب من العالم هو الآن.

    إفرايم رأى إيليان يحرك مقعده ليصبح أقرب له، ثم ينحني تجاهه ليضع يداً على صدره، يستشعر نبضه ويغلق عينيه ويتراخى في مكانه..

    كان ذلك شيئاً غير مفهوم لكثير من الناس، لكن إيليان كان في حاجة لسماع نبض ثلاثة أشخاص في هذه الحياة، إثنان منهم كانا هنا الآن.

    قلبه هو كان معطوبًا منذ ولد، عيب خلقي لايمكن إصلاحه إلا بعملية زرع، لكن سماع التسلسل السلس والمنتظم لنبض قلبيهما كان يساعده هو على الشعور بالثقل يسار صدره أخف قليلاً، أهدئ مما يمكنه أن يكون في أي وقت آخر.

    وكشخص يملك أذناً قادرة على تميز أكثر الأصوات غرابة وخفوتاً، فهو بالفعل كان يستطيع أن يتعرف على نبضهما بين عدة آلاف قلب آخر..كانا سيمفونيته الأبدية.

    الساعة تجاوزت الثالثة، لا شيء يمكن سماعه سوى موجات الرياح الباردة، السماء صافية جداً ومظلمة جداً، كان بإمكانهم الآن الرحيل للمنزل، لكنهم لم يفعلوا لأن سيارتين قادمتين من الجهة الأخرى للطريق الشمالي الذي كانوا يجلسون على طرفه بدتا مثيرتان للإهتمام أكثر من المنزل!

    سيارتي تيوتا لاندكروزر سوداوتين، عندما أدرك الثلاثة أنهما سيارتان مصفحتان توقفتا أمامها تقطعان طريقهم من الجهتين، كان الوقت قد تأخر لفعل أي شيء.

    فتحت الأبواب المدرعة للسيارتين، تدفق منهما مجموعتين من الجنود مموهي الملابس مع أقنعة وجه وأسلحة آلية أحاطوهم بشبه دائرة وصوبوا أسلحتهم لهم.

    الملابس المموهة مزيج ما بين الرمادي والأبيض، واقيات الرصاص وأقنعة الوجه..لقد كانوا باسيليسك، جيش توڤريتش الأبيض.

    **********

    روسيا، سيبيريا، مقاطعة ڤولوتشانكا.

      - هل أردتني أن أرى ذلك؟ أن أعرف ما أنت قادر على فعله، وأن أدرك ما ينتظرني هنا.

    في الغرفة الواسعة نفسها، كان الكاهن وتوڤريتش يجلسان متقابلين على الطاولة الصغيرة يشربان كوبي شاي لما بعد الغروب ويتحدثان عن أشياء عشوائية.

    لقد مضت عدة ساعات منذ الشيء الذي شهده في الأسفل، الرجل الذي يتاجر في الدعارة والذي لسبب ما أثار عداوة الروسي لحد أنه قبض عليه وقام بتنظيفه حياً..

    التنظيف كان لفظاً ملتويًا يستخدمه أفرد العصابات والمافيا وكل خارج على القانون يملك الكثير من الجثث ليتخلص منها.

    الأمر يبدأ بقتل الجثة، ثم التخلص مما قد يثبت هويتها، البصمات وأحياناً الوجه والوشوم في حال كان هناك بعضها، ثم تجزئة الجثة لأطراف جذع ورأس، ثم توزيعها عشوائياً في صناديق بحيث تنتمي الأجزاء في الصندوق الواحد لأربع أشخاص على الأقل..يعتمد على حجم الصندوق، ثم يتم التخلص من الصناديق إما في المحيط أو في مقابر جماعية في مناطق حارة لتسريع عملية التحلل.

    كان هذا هو التقليد المتبع في هذه العملية، لكن توڤريتش لم يقتل الرجل قبل أن يقوم بتنظيفه، لقد تركه حياً واعياً ومقيدًا بينما يستخدم منشاراً كهربائياً لتمزيق أطرافه..لماذا؟

    لأجل المتعة؟ الإنتقام؟ لمَ قد ينتقم رئيس مليشيات روسية من قواد ما؟

    هل كانت طريقة لإرهابه هو؟ لم يكن ليطلب منه الرحيل لو كان هذا هدفه!

      - ليس بالضبط، لقد أردتك أن تراه هو، أن تعرف ما فعله، ثم تخبرني..بصفتك كاهناً، لو أنه تاب، هل سيَغفر له؟

    رفع چيوڤاني عينيه للرجل الذي يبدو منشغلاً بتأمل فنجان الشاي الدافئ بين أنامله، شعره يتساقط على جانبي وجهه وفوق الطاولة بينما يده تغطي ذقنه كما لو كان يفكر في شيء ما..

    هل كان ليُغفر له؟..

    كان من الواضح أن الروسي لم يكن متديناً بأي شكل، ربما كان حتى ملحداً أو لادينياً، لكنه كان هنا الآن..بعد أن قتل شخصاً ما، يسأل إن كان ذلك الشخص سيحصل على المغفرة لأجل ما فعله.

      - يمكن للجميع أن يحصلوا على المغفرة، يعتمد على مدى صدق توبتهم.

    رفع له توڤريتش عينين جامدتين، قاسيتين ولامباليتين

      - كيف يكون ذلك عادلاً لأولئك الذين آذاهم؟ لقد إختطف ثلاث وثلاثين طفلاً، حولهم لعُهّر - بعد الكثير من عمليات الإغتصاب بالطبع- ثم قام بتصويرهم وعرضهم على من يدفع..بعد أن أفسد حياة كل هؤلاء الأطفال، كيف من الممكن أن يَغفر له؟ ماذا عن الأطفال الذين لم يكونوا سوى الضحايا؟ لا يمكن معاقبة الرجل لأنه تاب بعد ما فعله بهم، هل يمكنك أن تواجههم وتخبرهم أن يغفروا وينسوا لأنه تاب؟
     

    لم يجب الكاهن..لم يكن يعترض، لكنه لم يكن من وضع الدين، ولم يكن في الكنيسة لأنه أراد ذلك..لكنه لم يرد أن يترك الرجل يتفاضل أمامه، لقد كان أسوء بكثير من مجرد رجل واحد أفسد حياة ثلاث وثلاثين طفلاً.

      - لقد قتلتَ أولئك الأطفال، قتلت القائمين على الموقع الإباحي، والضحايا أنفسهم..ثلاث وثلاثين طفلاً.

    طرف توڤريتش مرة، لكنه لم يحرك عينيه عنه، لا عاطفة في العينين متباينتي اللون الجامدتين.

      - لقد فعلت، لمَ كان عليهم أن يعيشوا بعد كل هذا؟ ليسوا سوى بقايا معطوبة، سيكبرون..بعضهم سينتحر لأنه لا يستطيع التأقلم مع ماحدث، بعضهم سيصبح عاهراً، وبعضهم سيعلق في المصحات النفسية أو العقلية لما بقي من حياته..بعضهم سيصبح قواداً، ربما مغتصباً، لذا..لمَ عليهم أن يعيشوا؟

      - أنت تقتل المرض قبل أن يصير مرضاً!

    حسناً..كانت تلك طريقة مختلة لجعل العالم أفضل.

      - لا، في الواقع ليس هذا السبب، فقط حدث وأن كانوا مواداً جيدة، مفقودون منذ سنوات بالفعل وعلى وشك أن يتم حسابهم في عِداد الموتى، وذلك يسهل العمل بنسبة كبيرة.
     

    شعر الكاهن بشيء يلكم معدته، جلده يتخدر تدريجياً وأذنيه تطنان.

      - العمل..تلك الصناديق في القبو، كانت جثث الأطفال داخلها.

    لم يكن يسأل، وتوڤريتش رفع فنجانه وشرب الشاي المعطر بينما يراقب ملامحه جيدًا.

      - لقد أخذتَ أعضائهم.

    كان هناك شيء آخر يتاجر فيه الروسي بالإضافة للأسلحة، نعم..الأعضاء البشرية.

    كانت شحنة من ثلاث وثلاثين قلباَ، كبداً، وستة وستين كُلية في طريقها للبرازيل حيث سيتم تسليمها للمشترين.

      - نخبك.

    **********

  9. #28
    السويد، هابراندا.

    في المساحة المحصورة بين السيارتين المصفحتين وقفت مجموعة من إثنا عشر جندياً من جيش باسيليسك الروسي الخاص بتروڤيتش، تحاصر الثلاثة الذين علقوا في المنتصف وبعيداً عن سيارتهم..وسيلة هربهم الوحيدة.

    كان يوستس وإفرايم يقفان أمام الطاولة، إفرايم يحجب إيليان الذي لايزال جالساً في الخلف عن مرمى نيران الجنود، وإيليان إستغل إنشغالهما وأشعل لنفسه سيجارة يدخنها ببطء بينما يراقب قائد المجموعة الذي تقدم فريقه، سلاحه منخفض أمام صدره بينما يوجه كلامه ليوستس بإنجليزية ذات لكنة روسية ثقيلة.

      - توڤريتش يريدك، رافقنا.

    لم يكن إيليان في حاجة ليرى إلى أي مدى كانت ملامح يوستس مظلمة، كان يعرفه كفاية ليكون قادراً على رسم تعبيره الآن من ذاكرته وحدها.

    أوشك إفرايم أن يتقدم خطوة، يده على قبضة مسدسه لكنه لم يسحبه بعد، لكن يوستس إعترض طريقه بيده، يبقيه مكانه ويبادل العينان المحجوبتان خلف النظارة الواقية لقائد الفريق الروسي تحديقاً طويلاً وأجابه بروسية متقنة

      - لن أفعل، عُد وأخبره أن يتوقف عن كونه وغداً.

    الجملة القصيرة حفزت الجنود الآخرين بطريقة سيئة، يجعلهم يحكمون التصويب تجاهه بغضب، لاتزال أصابعهم بعيدة عن الزناد مع ذلك، لا أحد يريد أن يرتكب خطأ كإطلاق غير مقصود عندما يكون هناك يوستس فينيكس متورط في الأمر..

    حتى تروڤيتش خاصتهم لن يكون قادراً سوى على الوقوف ومشاهدة ما سيفعله كلاوس فينيكس بهم.

      - أخشى أنني سأضطر لأخذك إليه على كل حال.

    الروسي قال، ومسدس إفرايم كان الآن مصوبًا تجاه عنقه، يمكنه أن يرسل رصاصة لحبله الشوكي قبل أن يطرف.

    في الخلف سحب إيليان هاتف يوستس الموضوع على الطاولة، كلمة السر كانت مكونة من عشرين حرفاً ورقماً كان يعرفها، عندما فُتح الهاتف كان هناك رسالة من «الوغد الأكبر» الذي سُجل إسمه باليونانية.

    لم تكن الرسالة سوى صورة لجثة ممزقة الأطراف بلا وجه تم تكديسها في شكل مربع، مع تعليق صغير أسفلها

    «على الرحب!»

    عندما مرر المحادثة للأسفل، كان يوستس قد أرسل للطرف الآخر مكان بث الموقع الإباحي الروسي الذي كان القس البيدوفيلي يتعامل معه وطلب منه أن يتخلص من القائمين عليه.

    وهو ما فعله توڤريتش حرفياً..تخلص من كل شخص متورط في الموقع، المجرمين والضحايا على السواء.

    مسح الصورة وأغلق المحادثة، لم يكن يوستس في حاجة لرؤية شيء كهذا.

    فتح كاميرا الهاتف وإلتقط صورة تظهر يوستس وجنود باسيليسك ثم أرسلها للشخص الذي كان مسجلاً باسم «أب الكل» يقفل الهاتف بعد ذلك ويضعه على الطاولة ويسحب نفساً جديداً من سيجارته التي على وشك الإنتهاء.

    كان رئيس الفريق الصغير يعرف أنه سيقاتل هذان الإثنان بكل جنوده وسيخسر، لأنه لا يستطيع إطلاق النار تحت أي ظرف، أحد هؤلاء الإثنين كان ابن فينيكس والخامس في ترتيب العرش البريطاني، والآخر كان ابن الرجل الذي يعرف كل شيء، ملك المعلومات في هذا العالم، كان يعرف كل شيء تقريباً عن توڤريتش ونشاطاته، وكان قادراً على أذيتهم جميعاً بطرق لا يرد أن يبدأ في تخيلها.

    مع ذلك كانت أوامر توڤريتش مطلقة، وفي هذه اللحظة، كان عليه أن يحضر يوستس فينيكس إليه بأي شكل.

    في المتجر الصغير كانت رؤية الرجل محجوبة بالسيارة التي سدت طريق الباب، وهو كان أذكى من أن يخرج، مع ذلك لم يستطع منع فضوله الذي ألصقه بالباب الزجاجي ليحاول رؤية أي شيء مما يحدث في الخارج.

    لكن الوضع أصبح أكثر إثارة عندما سمع الهدير العنيف والمتزايد للمروحية العسكرية التي حلقت قريباً جداً من الأرض، ثم هبطت في المساحة الخالية بين السيارتين المصفحتين، شفراتها التي لاتزال تدور كادت تقطع بعض الرقاب الروسية الشاحبة.

    مروحية Mi-38 روسية الصنع لسخرية القدر.

    المروحية كانت سوداء تماماً، وشعار بارڤا الذهبي على هيكلها جعل الفريق الروسي يهلع للحظة قصيرة بينما أطلق يوستس سبة قبيحة باليونانية لم يفهم معناها سوى إفرايم الذي منحه نظرة جانبية تخبره أنه لايجب أن يقول ذلك!

    الآن كانت الحرب الحقيقة على وشك أن تبدأ، ويوستس لم يرد ذلك.

    فتح باب الروحية وتدفقت منه قوات بارڤا، ملابس عسكرية سوداء من ألياف الأراميد المضادة للرصاص، خوذات وجه كاملة وأسلحة أوتوماتيكية.

    إلتفت قوات بارڤا بتشكيل سريع حول يوستس وإفرايم لحجبهما خلف التشكيل الهرمي والتلاصق للجنود الذين وضعوا أصابعهم على زناد أسلحتهم بالفعل.

    إفرايم تراجع للطاولة، يعرف أنه لا داعي للقلق الآن، يجلس جوار إيليان الصامت منذ فترة، لاتزال عينيه عالقتان على ظهر يوستس الذي كان يفتعل شجاراً حاداً مع رئيس فريق بارڤا الذي منعه من تجاوز الثلاث صفوف من قوات جيش والده التي كانت هنا لحمايته.

      - توقف الآن، هم لا يستطيعون أذيتي، أنت تعرف ذلك، كلاوس يعرف ذلك، ما ستفعله هنا لن يكون سوى خسائر لا هدف منها.

    يوستس انفعل في وجه رئيس الفريق ذا العينان السوداوان..الشيء الوحيد الواضح من ملامحه خلف القناع الحامي للوجه.

      - الدوق لا يعرف بشأن ما يحدث.

    أجابه الرجل، عيناه باردتان جداً لسبب ما

      - ومن الأفضل ألا يفعل.

    بادله يوستس التحديق لوقت طويل، ثم أتى صوت رنين الهاتف الذي كسر الصمت الذي خيم على الجميع، كان هاتف قائد الفريق الروسي يرن.

    توڤريتش كان يتصل بقائده في الميدان قبل بداية المعركة، والجميع صمت بينما يصغي للمحادثة الروسية الخافتة التي تجري أمامهم، لم يكن لديهم مكان ليذهبوا إليه قبل الشروق على أي حال.

    كانت دقيقة قصيرة قبل أن يمد الروسي هاتفه لنظيره من الطرف الآخر.

    توڤريتش أراد التحدث مع قائد بارڤا لسبب ما، كان ذلك مثيراً للغرابة قليلاً، ليس كذلك ليوستس مع ذلك.

    وضع قائد بارڤا الهاتف على أذنه، رجاله متيقظون جداً وعلى إستعداد لإبادة الروس ما إن يعطيهم الإشارة.

      - تحدث.

    «ها أنت ذا، لمَ تفتعل المشاكل بارڤا؟»

      - أنت بدأت، لا يمكنك فقط أن ترسل مرتزقتك لتصويب أسلحتهم لسموه.

    «فعلاً..يبدو ذلك شيئاً وقحاً لفعله.»

      - إنه كذلك.

    همهم توڤريتش على الطرف الآخر كما لو كان يتفق معه فعلاً، ثم تحدث بمرح مفتعل، يجلب القشعريرة رغب لطفه الظاهر

    «لقد أردت فقط رؤيته.»

      - لقد منع الدوق ذلك تحت أي ظرف.

    «أي نوع من الناس يمنع أخوين من رؤية بعضهما!»

      - النوع الذي أنجبك.

    أجل..كان الشيء الذي يملكه توڤريتش والقادر على تدمير كلاوس فينيكس هو هذه الحقيقة البسيطة، أنه كان ابنه، وكلاوس كان عاجزاً للأبد عن إيذاء عائلته..مهما كان ما يفعلونه.

    طال الصمت على الطرف الآخر، ثم أتى صوت الروسي بارداً ومميتاً

      «أعد الهاتف.»

    عندما قذف قائد بارڤا الهاتف لصاحبه على الطرف الآخر، أعطى تروڤيتش أمراً واحداً بسيطاً

    «إقتل ذلك الرجل.»

    ثم أغلق الخط.

    الآن تحولت مهمة فرقة باسيليسك من إحضار يوستس فينيكس لتروڤيتس إلى قتل الرجل الذي ذكره بمن كان حقاً..وما يكونه كلاوس فينيكس له.

    كانت المذبحة على وشك أن تبدأ، كان بإمكان يوستس أن يستشعر العنف المتصاعد في الجو، وكان هو عالقاً خلف ثلاث صفوف من الحماية المسلحة.

    لذا أخرج مسدسه وصوبه لمؤخرة عنق الجندي أمامه، نقطة ضعف عليهم تعديلها في الزي، يجبره على التراجع ليفسح له طريقاً عبر الصفين الآخرين.

    قبل أن يمسك به قائد بارڤا كان قد تحاوزه بالفعل وصوب مسدسه له، يعطيه نظرة "لا تفعل" ليبقيه مكانه، بينما يقف بين الفريقين اللذين كانا على إستعداد لتمزيق بعضهما الآن، يصبح هو عامل الأمان الوحيد، لا يستطيع أي من الطرفين مجرد التفكير في إطلاق النار بينما هو عالق في المنتصف..

    مزايا أن تكون إبن كلاوس فينيكس، لا أحد يستطيع أن يفكر في أذيتك.

      - الآن لنقم بحل ذلك سليماً، أو نبقى عالقين هنا حتى تتدخل شرطة الحدود ربما..المزيد من الفضائح لكليكما.

    يوستس أخبرهما كما لو لم تكن مشكلته..هي لم تكن كذلك في الواقع، كل ما فعله هو أنه طلب من أخيه الأكبر نصف الشقيق الذي ينكر نسبه لوالدهما أن يتخلص من مجموعة من الخنازير القائمة على موقع إباحي، لذا كيف إنتهى الأمر بجيش أبيه وقوات أخيه في هذا الموقف على وشك سفك دماء بعضهما بلا هدف واضح!

      - إبتعد عن الطريق فينيكس الصغير، لم تعد الهدف الآن.

    أخبره رئيس باسيليسك، يصوب تجاه رئيس بارڤا في الجهة المقابلة، والذي لم يكن قد رفع سلاحه بعد، يتصرف كالقائد الواثق الذي هو عليه ويعلم أن رصاصات رجاله ستمزق الروسي قبل أن تغادر رصاصته الخزان.

    نظر يوستس إلى حيث كان يصوب الرجل وقلب عينيه على الغباء الذي يمكن لبعض الناس أن يحافظوا عليه بكفائة.

      - ذلك أسوء حتى، هل تعمل مالذي سيحدث لك عندما تطلق تلك الرصاصة؟ لن يبقى أحدكم حياً بعدها بدقيقة، وأنا لن أمانع في الواقع، تروڤيتش خاصتك كلفك بمهمة إنتحارية للتو.

      - توڤريتش.

    صحح له الرجل.

      - لا أهتم، لا يمكنك أن تقتل هذا الرجل، لأجلك ولأجل رفاقك، فقط إنسحب.

    لكن ذلك لم يكن خياراً مطروحاً، لم يكن ليستطيع العودة لتوڤريتش دون أن ينفذ أمره، سيضع رصاصة منتصف جبينه ثم يرسل شخصاً آخر ليتم المهمة تحت أي ظرف.

    كان يوستس فينيكس شخصاً لطيفاً، مهما كان مقدار الأشياء الصعبة التي تعامل معها، عدد الأشخاص الذين قتلهم، أو الآخرين الذين فقدهم، كان لايزال روحاً نقية، يبحث عن الخير في كل الأرواح الأخرى، ويعلم أين يجده.

    لكن ليس في هذا الموقف، لم يكن أمام الروسي أي خيار آخر، لم يكن الأمر يتعلق بالولاء أو الطاعة، لقد كان يتعلق بالبقاء..بالحياة ذاتها، لذا لم يكن بإمكانه أن يترك كلمات يوستس تشتت عزيمته..كان عليه أن يقتل ذاك الرجل.

    ........

    في الخلف كان إيليان يشعر بالنعاس وإفرايم متحفز لأي حركة مفاجئة، كان ذلك عندما لمح من زاوية عينه هاتف يوستس الموضوع فوق الطاولة..كان في وضع مختلف عما يذكر أنه كان عندما تركه يوستس، ونظرة واحدة لعيني إيليان جعلته يدرك ما حدث.

      - مالذي فعلته.

    والإجابة أتت أسرع مما توقع كلاهما عندما سمعا صوت السيارة القادمة من طرف الطريق تتوقف خلف الشاحنة التي حجبتها عن العبور وعن أنظارهم.

    حول الجميع إنتباههم للسيارة التي يقطعون طريقها الآن والتي على الأغلب قام سائقها بإبلاغ الشرطة بما يحدث، وإفرايم منح إيليان نظرة " لم يكن عليك فعله ذلك" وإيليان تظاهر أنه أعمى بينما يأكل قطعة الشكولاة الباقية في مغلف الآخر.

    ......

    يوستس على الجانب الآخر كان يعرف صوت ذلك المحرك..المرسيدس سيدان السوداء التي يعرفها جيداً..

    لمَ كان هنا؟

    ألقى نظرة خاطفة على إيليان الجالس في الخلف بصمت، يتجاهل نظراته ويشرب القليل الباقي في كوب قهوته المثلجة.

    لقد إتصل به إيليان بينما كان هو مشغولاً بالشجار مع رئيس بارڤا..

    سمع الجميع صوت باب السيارة يفتح، الكل صوب أسلحته جهة السيارة المصفحة في حركة لا إرادية ويوستس شعر بالخوف، يمسك فوهة سلاح رئيس بارڤا قربه ويجبره على خفضها، يشير بيده الأخرى لمجموعة الروس كي لا يطلقوا.

    تقدمت الخطوات الخافتة من السيارة المصفحة التي تقطع الطريق، يدور الشخص في الطرف الآخر حولها ثم يخطو حيث كان الجميع.

    عندما رآه الروسي، علم أن حياته قد إنتهت هنا والآن..ربما ليس هنا والآن، ربما لاحقاً، لكن المهم أنها إنتهت، لأن الرجل أمامه لم يكن سوى أرمان فينيكس، دوق أدنبرة السابق والرجل الذي يظنه العالم كله ميتاً لأنه أراد ذلك.

    العالم كله باستثناء عائلته وعدة أطراف جانبية.

    راقب يوستس الحركة المتوالية واللا إرادية التي أخفض بها الجميع أسلحتهم من الجانبين، وشعر بالفخر يتضخم في صدره حتى خنقه..

    لقد كان هذا الرجل جده، والد والده، أب الكل كما يسميه هو، وقد كان هنا الآن ليوقف المهزلة التي كانت قوات جيش إبنه وحفيده غارقين في منتصفها بالفعل.

    راقب رئيس بارڤا الرجل الذي كان من المفترض أن يكون رأس العائلة وسيدها لولا أنه كان إنعزالياً جداً ليكترث، لقد ذهب بعيداً جداً حد أنه زور موته لقرابة العقدين بلا سبب واضح.

    كان أرمان فينيكس في عقده السابع بالفعل، لكنه كان يملك مشكلة ما مع تقدم شكله في العمر، كان يبدو بالكاد كبيراً كفاية ليكون أب يوستس، وليس جده.

    ربما كانت متلازمة ما..فكر رئيس بارڤا بينما يتأمل الهيئة الطويلة والقوية للرجل الذي تقدم ببطء، يديه في جيبي معطفه الطويل بينما يرتدي ملابس رسمية تماماً، سترة داخلية وبذلة رسمية ووشاحاً لفه مرة واحدة حول رقبته..كانت الأناقة الفطرية التي تأتي مع كونه نبيلاً واضحة للأعمى.

    ألقى رئيس بارڤا نظرة على يوستس جواره ثم على أرمان فينيكس..لقد كان الشبه بينهما كبيراً جداً، أكثر مما كان بين يوستس ووالده، أو بين أرمان وابنه، لو أنه لا يعلم، لقال أن يوستس هو ابن أرمان فينيكس وليس حفيده.

    كانا يملكان الشعر الذهبي المموج ذاته، فقط درجة اللون عند أرمان كانت مختلطة مع خصلات فضية، العينان الأرجوانيتان ذاتهما، مع ذلك كانت ملامح أرمان فينيكس أكثر حدة وصلابة، يوستس كان يبدو طفلاً لطيفاً مقارنة به.

    توقف أرمان فينيكس منتصف الطريق بين الفريقين المتصارعين، عينيه إلتقتا بعيني يوستس للحظة قصيرة قبل أن يحولها للجهة حيث كان الروس علقين بين قوات بارڤا، ورئيس فينيكس السابق.

      - غادر.

    كان أمراً بسيطاً جداً وحتمياً جداً، لكن رئيس باسيليسك لم يستطع أن يخضع له..فقط لم يكن ذلك ممكناً.

    كان ميتاً على أي حال، لذا رفع سلاحه يوجهه لأرمان، يجعل يوستس يشهق رغماً عنه وينتزع مسدسه من خلف ظهره ليطلق، جنود بارڤا فتحوا صمامات الأمان في أسلحتهم وعلى وشك الإطلاق في أي لحظة، لكن ذلك لم يكن له داعٍ لأن أرمان فينيكس أخرج يداً واحدة من جيب معطفه وأمسك فك الرجل المغطى بقناع قماشي، يغرس سبابته ووسطاه في حلقه بقوة ويضغط..

    كان ذلك سريعاً جداً لدرجة أن الرجل لم يستطع القيام برد فعل مناسب، يقبض يده على المعصم القوي للرجل الذي كان على وشك إنتزاع حلقه يحاول إبعاده دون فائدة، رجاله لم يكونوا قادرين على التدخل، ليس عندما يكون خصمهم فينيكس، وليس أي فينيكس..لقد كان فينيكس الأب كان تلك التسمية جائزة!

      - لا تضيع المزيد من وقتي ووقتك، تعلم أنك خسرت بالفعل، لذا فقط غادر.

    صوت أرمان كان ساكناً جداً، حيادياً جداً حتى وهو يكاد يكسر له قصبته الهوائية، وكان ذلك عندما أدرك رئيس باسيليسك أنه لا يملك خيارًا فعلاً..

    ...........

    عندما غادرت الشاحنتين المصفحتين الطريق، كان الفجر قد انقضى بالفعل، الشروق بعد ساعة ونصف وهناك شاهد خلف الباب الزجاجي كان على رئيس بارڤا أن يقنعه أن هذه الليلة لم تمر عليه قط.

    راقب يوستس ظهر جده الذي غادر لسيارته دون كلمة، يظل واقفاً مكانه حتى ركب أرمان سيارته وأدارها عائداً لمنزله في ڤونو، ثم التفت لإيليان مع نظرة دموية ونية قتل واضحة

      - أنت ميت.

    وإيليان منحه ابتسامة ساخرة ثم تجاهله ونهض للسيارة قبل أن تتجمد عظامه أكثر.

    **********

    الكونغو الديمقراطية، ليكانا.

    في المعسكر الطبي المؤقت حيث كانت منظمة الصليب الأحمر تقيم حملة تطوعية لتقديم الرعاية الصحية لمرضى الإيدز في القرية، كان هناك خمسة عشر طبيباً وعشرة ممرضين والكثير من المواد الطبية.

    كانت المشفى البدائية المبنية بالطين والخشب صغيرة، الأَسرّة مصنوعة يدوياً وغير قابلة للإستخدام الآدمي، لكنها كانت كل ما لدى أولئك المرضى..

    كانت الفتاة التي لم تبلغ العشرين بعد والتي يتم فحصها الآن من قِبل أحد الأطباء المتطوعين حاملاً، في شهرها السادس وسيكون طفلها حاملاً للمرض بنسبة كبيرة.

    كانت تستلقي فوق السرير الذي تم حشوه بالقش وتغطيه ببطانية قديمة ومهترأة، استدارت إلى الطبيب قربها..

    كان أبيض البشرة، شعره أسود فاحم وأملس ذا خصل طويلة بلغت نهاية رقبته، وعيناه كانتا أروجوانيتين حادتين وعميقتين، لون غريب لا تظن أنها رأته في عيني أي من الأطباء الأجانب الذين قابلتهم من قبل.

    هناك شيئاً ما في تلك العينان، شيء مسبب للرهبة لكنه مدعاة للأمان أيضاً..كان شخصاً يمكن الوثوق به فقط من نظرة عينيه!

    كان وسيمًا بالتأكيد، وخمنت أنه في نهاية ثلاثيناته على الأكثر، طبيب شاب أتى ليشعر بالرضى عن نفسه عن طريق مساعدة العاجزين الفقراء والجاهلين أمثالها.

    لم تكن تعرف بالطبع من يكونه هذا الطبيب، أو إلى أي مدى كان يساعد العاجزين الفقراء والجاهلين أمثالها.

    من بين المشاريع الإنسانية اللانهائية التي يقيمها فينيكس في كل مكان على الكوكب، كانت خمس مستشفيات عامة يتم بنائها حالياً في الكونجو الديموقراطية، كل واحدة منها بسعة خمسة آلاف سرير، بالإضافة لتمويل الحملات التطوعية للمنظمات الصحية العالمية وتوفير الأدوية والدعم المالي للأفراد المتطوعين.

    وتلك المريضة الصغيرة والتي على وشك أن تصبح أماً لم تكن في حاجة لأن تعرف هوية الطبيب الذي كان يعطيها وصفتها العلاجية الآن، هي حتى قد لا تميز الاسم إن علمت أنه لم يكن سوى كلاوس فينيكس.

    **********

  10. #29
    الكونغو الديمقراطية،  ليمانسا.

    قرب الحدود مع الجابون كانت هناك واحدة من أكبر المليشيات المسلحة في إفريقيا الوسطى تتخذ البلدة كقاعدة لها.

    كان رئيسهم كودجو منشقًا من الجيش الوطني، قام بجمع رجاله من كل مكان يملك نفوذاً فيه، ثم بدأ يستخدم سلاحه في عقد كل صفقة غير شرعية يمكن تخيلها.

    بدأ بتهريب الأسلحة وانتهاء بتجارة البشر.

    كان واحداً من زبائن توڤريتش الدائمين، يعقد معه صفقات أسلحة خفيفة ثم يقوم ببيعها بضعف سعرها لزبائنه هو في الجنوب.

    لكن مؤخراً قرر توڤريتش أن يستولي على السوق في كل الدولة، يتخلى عنه كوسيط ويتواصل مع الزبائن مباشرة عن طريق رجاله في البلاد.

    كان كودجو قد أقام مذبحة صغيرة بين رجال توڤريتش، يرسل رسالة مع من تركه ليعيش ليبلغه أنه لن يسمح له بالاستيلاء على منطقته.

    وفقط قبل اسبوعين، تمكن الرجل ومليشياته من القبض على أحد الروس المندوبين عن توڤريتش، وبعد الكثير من التعذيب حصل كودجو على بعض المعلومات المهمة عنه، وصف شكله وأماكن إقامته المعتادة ومكان إقامته الحالي، وكان مستعداً لبيع هذه المعلومة لمن يدفع أكثر، لحسن حظه، كان هناك رجل أجنبي تواصل معه بشأن تلك المعلومات، وعرض عليه عشرة ملايين دولار مقابلها..كان ربحاً سهلاً جداً.

    الرجل الأجنبي أتى وحيداً للبلاد، متنكر كطبيب متطوع في حملة الصليب الأحمر الدورية، أو هذا ما أخبره به جواسيسه في المنطقة، وقد تم الإتفاق على أن يلتقيا في معسكر كودجو، يحصل هو على ماله، ويحصل الرجل على المعلومات التي أرادها.

    .........

    عندما وصل كلاوس فينيكس للقصر قبيح الشكل المبني بالحجارة والخشب ومطلي بلون لا شكل له مابين الأحمر والأرجواني شتم إبنه الذي يتعامل مع هذا النوع من البشر عديمي الذوق.

    كان عالقًا مع حقيبتي سفر قماشيتين مليئتن بالمال من فئة المائة دولار، لأن الرجل الذي كان على وشك أن يتعامل معه لم يكن متحضراً كفاية ليقبل بتحويل المال عن طريق أي بنك.

    في الغرفة الواسعة المبلطة بالحجارة المصقولة والتي طليت جدرانها بلون أحمر داكن مع واجهة واحدة بلون أبيض ملوث بفعل الزمن والقذارة جلس كودجو خلف مكتبه الكبير يدوي الصنع لأنه لم يكن يهتم حقاً بالجلوس خلف المكاتب..

    فقط أراد أن يبدو حضارياً كفاية أمام الرجل الأوربي.

    عندما أدخل رجاله الرجل، لم ينهض لاستقباله كما لو كان ذلك سيجعله يبدو أكثر سلطة، ولم يدعه للجلوس حتى.

      - هل أحضرت مالي؟

    سأل بالفرنسية التي كانت واحدة من لغات البلاد الرسمة، على إفتراض أن كل أوربي يتحدث الفرنسية!

    والرجل الأوربي الأنيق أشار بلا إهتمام حقيقي لحقيبتي الأموال التي حملها رجال كودجو وفتحوهما له ليرى الأوراق الخضراء التي كان واقعاً في حب رائحتها.

    بالنسبة للرجل الأوربي، كان كدوجو رجلاً في الخمسين، طول فارع وبنية قوية والكثير من الأسنان الصفراء.

    رجل اختار أن يبقى بدائياً ومتوحشاً، يبيع أي شيء لأجل المال، لا دليل على أي رادع أخلاقي، وربما القليل من جنون العظمة.

      - إذن؟ أين معلوماتي؟

    حدق كودجو في الرجل الذي لايزال واقفًا منتصف الغرفة، يشعر بقوة حضوره لكنه يكبح توتره ويشير لأحد رجاله إشارة فهمها دون كلام.

    تقدم شاب قوي من كلاوس ودفع إليه ملفاً رفيع الحجم، عدة أوراق دفع مقابلها عشرة ملايين دولار.

    عندما تفقد الكلمات، وجد المعلومة التي كانت على وشك انع تصبح سبب الكثير من المشاكل لو أنها وصلت لأي شخص آخر..

    كانت الأوراق تحوي تفاصيل صغيرة عن الكاهن الذي يحتجزه توڤريتش، چيوڤاني دي لوكا..تفصيل صغير مهمل لكنه كان كافياً ليقيم حرباً بين الفاتيكان وابنه المختل في النصف الآخر من الكوكب.

    لم يسأل عن إذا ما كان هناك نسخة أخرى، وهو شيء وجده كودجو غريباً، لكنه لم يعلق لأنه كان ينوي بالفعل بيع هذه المعلومات مرات أخرى كثيرة.

      - سيرافقك رجالي حتى أقرب طريق رئيسي، ثم يمكنك أن تتدبر أمرك من هناك.

    لم ينتظره كلاوس ليقول نصف جملته حتى، فقط غادر المكان برفقة اثنين من رجاله وعندما تركاه قرب الطريق المقفر وعادا أدراجمها، أرسل كلاوس رسالة قصيرة لجهة ما، وخلال ثلاث دقائق، كان معسكر كودجو ليس سوى حفرة كبيرة من الجحيم بعد أن قذفتة طائرة B2 Spirit بصاروخين بالستيين.

    **********

    في معسكر الصليب الأحمر كان المتطوعون يجتمعون حول حفرة أشعلوا فيها النيران ليحصلوا على إستراحة قصيرة قبل البدأ في النوبة المسائية.

    الليل كان مرتعاً للناموس والضفادع وبعض الأفاعي، لكنهم كانوا هنا، يتحملون كل شيء لكل الدافع الإنساني.

    في حفرة النيران كان الطبيب كلاوس أرمان قد رمى بعض الملفات التي بلا فائدة، يساعد على إبقاء النار حية، ويتخلص على مرأى ومسمع من الجميع من دليل كان كاف ليجلب حرب عصابات صغيرة في الجزء البعيد من روسيا.

    كان خبر القصف الذي وقع على ليمانسا حديثاً شيئاً لتسلية السهرة، أو لإثارة القلق، لكن كلاوس كان منشغلاً بهاتفه لحد أنه ربما لم يلحظ أنهم غيروا الموضوع بالفعل.

    كان يراسل شخصاً ما مسجلاً باسم «the little one»

    [أين أنت الآن؟]

    «افريقيا»

    [هذا بعيد.]

    «أين أنت الآن!»

    [السويد، منزل إيليان.]

    «متى ستعود؟»

    [يعتمد على متى ستفعل أنت!]

    ابتسم كلاوس وارخى رأسه لظهر مقعده الخشبي غير المريح

    «في غضون أيام، قبل نهاية هذا الأسبوع.»

    [بما أنك في إفريقيا..أحضر لي أول ثمرة جوز تسقط فوقك!]

    ليس مجدداً..ضغط كلاوس يده على جبينه لأجل المشكلة الجديدة التي كان عليه التعامل معها.

    عندما لم يرسل أي شيء، أرسل له الطرف الآخر رسالة أخيرة

    [بالتوفيق، إبذل جهدك! أحبك.]

    تنهد كلاوس بينما يعيد هاتفه لجيبه، كان ذلك شيئاً آخر خاصاً بيوستس، عندما يكون هو في أي مكان على الإطلاق، دائماً ما يطلب منه إحضار شيء ما..طلبات غريبة وأحياناً يكون تحقيقها مستحيلاً، لكنه لم يعترض ولا مرة.

    في مرة طلب منه إحضار أول زهرة تسقط في فنجان شايه!

    ذلك جعله يجلس لخمس ساعات أسفل شجرة منغوليا ويشرب سبع فنجاين شاي وهو أصلاً لا يحبه فقط لتسقط زهرة ما في فنجانه!

    لكن لأنه يتعلم من أخطائه جيداً جداً، فلن يقف تحت شجرة جوز لثلاث أشهر أخرى ينتظر أن تسقط إحداها فوقه.

    في الواقع كان قد فكر في خطة مثالية لإتمام هذه المهمة بسرعة وبلا جهد.

    في الصباح سيدفع لأحد شباب القرية ليتسلق شجرة جوز ناضج، يجعله ينزع واحدة ويلقيها إليه، يلتقطها هو، وبذلك يكون قد جلب للطفل الذي ليس طفلاً لكنه يتصرف معه كواحد أول جوزة سقطت فوقه..

    خطة عبقرية، كيف للعالم أن ينجو دونه!

    ****



    تمت







    *ملاحظات كتير 🙂

    1- يوستس لم يقتل نيلو، فقط قام بتهديده وتهريبه خارج البلاد ليتابع دراسة البرمجيات..المجرم الحنين رزق 🖤🙂

    2- القصة هذه ليست رواية أو قصة قصيرة، هي شيء مشابه لفانفيكش لرواية لم أكتبها بعد.

    3- هذه القصة بالإضافة لقصص أخرى موجودة على حسابي في واتباد، لينك الحساب لمن يريد المتابعة والتعليق هناك:

    https://www.wattpad.com/user/NOOR_DWIGHT

  11. #30
    الآن بعد أن اكتملت أخيرا سأقرأها biggrin

    لي عودة

  12. #31



    يا تااااه asian

    المعذرة على تأخري لكن سأعود إن شاء الله قريبا asian

الصفحة رقم 2 من 2 البدايةالبداية 12

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter