بسم الله الرحمان الرحيم ،،
الحمد لله هادي العباد، الرقيب على خلقه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه حمد عبدٍ خافه ورجاه، و الشكرٌ واجبٌ على العبد لمولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ له في جلاله وكماله وعلاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صفوة الخلق وأفضل الهداة إلى صراط الله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقه واتبع هداه ،،
أما بعــد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
عيدكم مُبارك و تقبل الله منا و منكم الطاعات ،، و أعاده الله علينا باليُمن و البركات و المسرات ،،
رمضان قد ودعناه بالأسى والدموع بعد أن انتظرناه بالفرح والخشوع ، و الطاعات عند البعض قد تنتهي برحيل هذا الضيف الكريم ، فيا نفسُ اعلمي أنه إذا فات رمضان ، فإن رب الشهور الأخرى حي لا يموت ،، فأصابنا داء عُضال يفتِك بالإنسان إذا لم يُوجد له دواء ،، يجعل المرء ينتقل من حالٍ إلى حال كتقلب لون الحرباء ، ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ و كسل ، ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به ، وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله من أعلاه إلى أدناه ، و تُصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة ،،
هناك العديد من الأسئلة التي نحتاج فيها إلى مُجيب : هل الفتور هو السبب يا ترى في ترك العبادات ؟ لماذا نمشي في طريق حياتنا ثم يصيبنا الفتور في منتصف الطريق ؟ ولماذا أحيانًا عندما نصل إلى المحطة التي قادتنا إليها الظروف نشعر أنها ليست المحطة التي كنا نتمناها ؟
وقبل أن تجيب لابد من معرفة الأسباب بغية إيجاد الحلول و هناك عدة من الأسباب التي تُؤِدي للإصابة بهذا الداء ، من أهمها وأجلاها :
عليكم ما تُطيقون أيها العابدون ،،
قد يصيب البعض الخمول و الكسل لأنهم قد حملوا أنفسهم ما لا تُطيق ، وهذا حال البعض و نحن منهم - نسأل الله العافية - بعد رحيل شهر الطاعات و العبادات ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة و عندها امرأة فقال : " من هذه ؟" ، فقالت : فُلانة – تذكر صلاتها – فقال : " مه ، عليكم ما تطيقون ، فو الله لا يمَلٌُ الله حتى تملٌوا "- أخرجه البخاري- ، قال ابن رجب رحمه الله : ( إن المراد بهذا الحديث : الاقتصاد بالعمل و الأخذ منه ما يتمكن صاحبه من المداومة عليه ، و أن أحب العمل إلى الله ما دام صاحبه عليه و إن قلٌ ) ،، و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن قطع العمل وتركه ، كما قال لعبد الله بن عمرو : " لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الله " - رواه مسلم - ،، فالملل و السآمة للعمل تتولد عنها قطعه وتركه ، فيحصل قطع ثواب ذلك العمل و أجره إن كان لغير عُذر كمرض أو سفر .. و قال الحسن البصري : ( إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر ، فإذا فتر العبد انقطع الملَك عن البناء ، فتقول له الملائكة : ما شأنك يا فلان ؟ فيقول : إن صاحبي فتر ) ،، وفي هذا الباب ينبغي الإشارة إلى خطا انتشر بين الناس ألا وهو ترك الدعاء إذا لم يُجًَبِ العبد ، و يحصل ما يطلبه فقد كان الإنسان عجولا، فليعلم هؤلاء المساكين أن العبد يُستجاب له ما لم يُعجٌِل فيقول : قد دعوت فلم يُستجب لي ، فيقطعه ويكف عنه ، قال بعض السلف : ( سُمي هذا المنع من الله مللا و سآمة ) و حق فيه قول الله تعالى : { نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ } ،، و ليعلموا قول النبي صلوات الله و سلامه عليه : ( إن الله لا يمل حتى تملوا من العمل ) ،،
إن ديننا يُسر وليس عسر ،،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين يُسر ، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا و أبشروا ، و استعينوا بالغُدوة و الروحة و الدٌلجة ) -رواه البخاري- ،، ذكر ابن رجب رحمه الله في معنى هذا الحديث أن المقصود بـ : ( التسديد هو التوسط في الطاعات و المندوبات ، أما المقاربة فهي الاقتصار على فعل الواجبات ، و معنى أبشروا : أي من قصد المراد فليُبشر ،، وقوله عليه الصلاة والسلام : ( و استعينوا بالغُدوة و الروحة و الدٌلجة) : أي أن هذه الأوقات الثلاثة هي أوقات العمل و السير إلى الله ، فالغُدوة : أول النهار ، و الروحة : آخر النهار ، و الدٌُلجة : آخر الليل ) ،، أي من دام على سيره إلى الله في هذه الأوقات الثلاثة مع الاقتصاد بلغ ، من لم يقتصد ، بل بالغ و اجتهد فربما انقطع في الطريق ولم يصل إلى ما يسمو إليه ،، بينما كان الصحابة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم وصلى ، و بعد انتهائه منها أخذ الناس يسألونه : علينا حرج في كذا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " إن دين الله يُسر ، إن دين الله يُسر ، إن دين الله يُسر " - رواه احمد - ،، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الدين متين ، فأوغِل فيه برفق ولا تُبغَض إلى نفسك عبادة الله ، فإن المُنبَتٌ لا سفرا قطع و لا ظهرا أبقى " - رواه البيهقي - ، و كما قال الحسن : ( نفوسكم مطاياكم ، فأصلحوا مطاياكم تُبلغكم إلى ربكم عز وجل ) ،،
يُتبع ،،
المفضلات