بسم الله الرحمن الرحيم
طبق آخر من أسرار الرسم القرآني في أسماء الأنبياء وغيرهم
بعد تقديم الطبق الأول، والذي ذكرنا فيه؛ أسماء الله تعالى وصفاته في أقسامها الثلاثة؛ التي نال الألف فيها الحذف، أو الإثبات، أو الحذف والإثبات ...
نقدم طبقًا ثانيًا من أسماء الأنبياء عليهم السلام وأسماء غيرهم.
والقاعدة في حذف الألف في أسماء الأنبياء وغيرهم؛ أنها إذا كانت أسماء خاصة بهم لا يشاركهم فيها أحد تحذف الألف لأنها علم عليهم وحدهم؛
وإذا كانت تفيد صفة سلب لا امتداد وزيادة.
أو تدل على الوقوف عند حد لا يخرج منه ولا يعداه،
في هذه الأحوال تحذف الألف من الاسم.
وإذا أفاد الاسم صفة امتداد وزيادة، وتميز لصاحبه فيها عن غيره، تثبت فيه الألف.
ومعظم هذه الأسماء لرجال من أقوام أعاجم، إلا أن هذه الأسماء لها جذور في العربية، ومنها تعرف سبب تسميتهم بها، والواقع يدل على توافق التسمية مع حياة وسيرة المسمى بها.
1- إبراهيم : 69
قال تعالى : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) النجم
جاء اسم إبراهيم عليه السلام من مادة "برهم" وهي في المعنى " البرعم"؛ وقد ساد الظن بأن "تارح" والد إبراهيم عليه السلام قد مات، ولم يترك من خلفه ذرية له، فكان كالشجرة الميتة؛ فإذا بهذه الشجرة يخرج لها برعمة وتحيا من جديد؛ هو إبراهيم عليه السلام، الذي رباه عمه "آزر" والعم يسمى أبًا وخاصة إذا ربى ابن أخيه، كما سمي إسماعيل أبًا ليعقوب عليهما السلام، ثم ليكون بعد ذلك برعمة تمتد عبر الزمان، ليكون إمامًا للناس، وفي ذريته انحصرت النبوة والكتاب.
2- إسحاق : 16
قال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـاـهَا بِإِسْحَـاـقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـاـقَ يَعْقُوبَ (71) هود
إسحاق عليه السلام جاء اسمه من مادة "سحق" وهي في البعد الشديد؛ يقال أسحقت المرأة إذا بلغت من الكبر عتيًا؛ فكانت أبعد ما تكون عن الحمل والولادة؛ فلما أسحقت أم إسحاق ولدت إسحاق؛ فكان آية خاصة من آيات الله تعالى، وأصبح هذا الوصف له اسمًا علمًا عليه لا يشاركه أحد فيه؛ فأسقطت لذلك الألف من اسمه.
3- إسرائيل : 43
قال تعالى : (إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل.
إسرائيل هو اسم آخر ليعقوب عليه السلام، واسمه جاء من السرء وهو بيض الجراد، ومعلوم أن بيض الجراد عدده في كل وضع للجرادة ما بين (400) إلى (500) بيضة، وتضعه الجرادة بيضها في خفاء في داخل الرمل. ولذلك سمي بهذا الاسم.
والستر والخفاء مشترك في استعمال كل الجذور التي فيها حرفان صحيحان؛ السين والراء، وكانت السين متقدمة على الراء، ومعهما أحد حروف العلة أو الهمزة؛
1. أسر: الأسير يظل بعيدًا عن أهله ويحصر في مكان يستره.
2. سأر: السؤر ما بقي من الشراب الذي ذهب وخفي، وسائر الناس؛ بقيتهم التي غابت ولم تحضر، أو لم تذكر.
3. سرأ: السرء بيض الجراد المدفون في الرمل ومستور فيه.
4. وسر: جذر مهمل لم يستعمل.
5. سور: السور يستر ما خلفه ويحفظه.
6. سرو: شجر يختفي الساق بين أغصانه الملتفة عليه، وسراة القوم رؤساؤهم الذين لا يصل إليهم ويخالطهم إلا الخاصة من الناس.
7. يسر: اليسر يغني عن الخروج على الناس ومزاحمتهم في طلب الرزق.
8. سير: السير التواصل في المشي على الطريق يجعل السائر يختفي فيه.
9. سري: السري المشي متسلحًا بستر الليل له.
10. سرر: السر كلام خفي يستر عن الناس ولا يعلمه إلا عدد قليل.
11. سرسر: السُّرْسُور الفطن العالم الدخَّال في الأمور؛ أي أنه يكشف الغامض منها والمستور.
12. سسر: مهمل
هذه شجرة من اثني عشر فرعًا ؛ تجتمع على معنى واحد، ويخصص الحرف الثالث والترتيب فيها؛ ما يميز كل جذر منها عن البقية.
ومن أراد معرفة سبب التسمية في الجذور التي فيها حروف العلة؛ عليه مراجعة كل الجذور التي فيها نفس الحرفين الصحيحين مع أحد حروف العلة، أو التي ضوعف فيها أحد الحرفين أو كلاهما.
وقيام هذه الجذور على معنى التفلت للسين والالتزام للراء؛ فالتفلت يغيب الشيء، وقد ينشره ويبعثره، لكن الالتزام يجعله متماسًا مع بعضه.
وعيش بني إسرائيل في كل زمان ومكان؛ قلة بين كثرة، لكنهم يظلون مجتمعين ولا يذوبون في المجتمعات التي يعيشون فيها.
ولذلك؛ فالمواضع التي ذكر فيها إسرائيل هي مواضع المنة على بني إسرائيل بما أنعم الله عليهم وأبقاهم على شدة ما يقع عليهم.
فكان هذا الأمر خاصًا لم يكن إلا لبني إسرائيل لذلك سقطت الألف من الاسم .. بالإضافة إلى ما فيه من السلبية عليهم.
4- إسماعيل : 12
قال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَـاـبِ إِسْمَـاـعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) مريم.
إسماعيل عليه السلام اسمه من مادة "سمع" والسمع هو الاستجابة لما يصله من علم وأمر، فاستجاب لوالده (إبراهيم عليه السلام)؛ الذي أخبره أن رأى في المنام أنه يذبحه، من غير ذنب اقترفه؛ ولم تكن هذه الرؤيا اختبار لإبراهيم عليه السلام بقدر ما كانت بداية عهد لأمة في أعلى درجات الاستماع لأمر الله عز وجل، لتكون محل فخر واقتداء لذريتهما؛ ففي ذرية إسماعيل عليه السلام ستكون الأمة التي تحمل آخر الرسالات للبشرية جمعاء، وستتحمل هذا الأمة طواعية تنفيذ أمر ربها، وستقدم أبناءها طواعية للذبح في ميادين الجهاد في سبيل الله، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، وكما فعلت الخنساء رحمها الله تعالى، وكما فعل رجال هذه الأمة في المواقع الكثيرة في تاريخها الذي امتد عصورًا طويلة، وسيستجيب الأبناء لهذا الأمر طواعية ورغبة في تنفيذ أمر الله تعالى، ويتسابقون فيه... غير عابئين بتحقيق مكاسب الدنيا ... فكان لا بد من أن يكون أبوهم أول المضحين فيه من غير تردد. فحملت ذريته هذه الأمانة من بعده وعملت بها، واستحق أبو عبيدة بن الجراح لقب أمين هذه الأمة؛ لقتله أباه المشرك الذي وقف في سبيل نشر دعوة الله.
فكان اسم إسماعيل عليه السلام من حدث لم يفتن فيه غيره، وبلاء استمر على مدى السنين؛ فسقطت لذلك الألف من اسمه.
المفضلات