الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
له الحمد على ما أعطى و له الحمد على ما منع
فما أعطى إلا فضلا منه و كرماً و ما منع إلا لحكمة
فله الحمد دائما و أبدا
و الصلاة و السلام على من جعله الله سبباً لكل خير نحن فيه
اللهم صلى على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
و بارك على محمد و على آل محمدكما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
منزلة الصدق منزلة عظيمة ليس في دين الإسلام فقط بل في جميع الأديان، لا لأنه خُلق من الأخلاق
الحميدة فحسب، بل لأنــــه أصـل الإيمان المقبول عند الله عز وجل، وهو أساس النجاة من عذاب الله عز
وجل ، وبه يتميز أهل الإيمان الحق من المنافقين الكاذبين .
»وهو منزل القوم الأعظم الذي مـنـه تنشأ جميع منازل السالكين،والطريق الأقوم،الذي من لم يسر عليه
فهو من المنقطعين الهالكين«... إلى أن يقول: »فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل
على اقتحام الأهـوال، والباب الذي دخــل منه الواصــلون إلى حضرة ذي الجلال،وهو أساس بناء الدين،
وعمود فسطاط اليقين ، ودرجته تالية لدرجة (النبوة) التي هي أرفع درجات العالمين«.
ولقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وآثار السـلــف في فضل الصدق وخطورة أمره وعلو شأنه.
ولقد اخترت هذه الوقفات التربوية لخلق الصدق في ضوء القرآن الكريم لمعالجة هذا الموضوع الذي يهم
كل مسلم بصفة عامة ، ويهم الدعاة إلى الله عــز وجل بصفة خاصة ، لاسيما في واقعنا المعاصر ،
وتتجلى أهميته في الأمور التالية:
لأنه أساس الإيمان ، وركنه الركين ، وأساس قبول الطاعات والقربات عند الله عز وجل، وعليه يترتب
الأجر والثواب يوم القيامة،قال تعالى:{ ليجزي الله الصادقين بصدقهم} وقال تعالى:{هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جناتِ تجري من تحتها الأنهار...}
ولأنه أساس الطاعات وجماعها ، فقد
أصبح الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها ، ويظهر ذلك من وجوه منها:
*أن الصدق هو المميز بين المؤمن والمنافق ، ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
:
« آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان »
، وفي حديث آخر:
« على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة»
وقد وصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع عدة
ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة ،
وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل منها.
*أن الصدق هو أصل البر، والكذب هو أصل الفجور،
كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:
« عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر...».
*أن الصادق تنزل عليه الملائكة،والكاذب تنزل عليه الشياطين كما قال تعالى: {هل أنبئكم على من
تنزل الشياطين تنزل على كل أفَّاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} .
أن الصدق في كل الأمور يوصل صاحبه إلى مرتبة الصديقية ، التي هي المرتبة التالية لمرتبة النبوة ،
وعندما أقول في كل الأمــور أريد من ذلك عدم حصر الصدق في اللسان فقط، وإنما الصدق في النيات
والأقوال والأعمال والأصل تحري الصدق في ذلك كله.
إن مجاهدة النفس على تحري الصــــدق في جميع الأمور يوصلها إلى هذه المرتبة العظيمة مرتبة
الصديقية كما جاء في الحديث الـســـابق الذكر:
« ... ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقا».وهنيئاً لمن وصل إلى هذه المرتبة ، فيا لها من رتــبـة ، وما أشـرف قدرها وأعظم فضلها ،
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في وصــــف أهل هذه الطبقة:
الطبقة الرابعة ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم ، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً ودعوة للخلق
إلى الله على طريقهم ومنهاجهم ، وهذه أفضل مراتب الخلــق بعد الرسالة والنبوة ، وهي مرتبة الصديقية ،
ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فـقـــال تعالى:
{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاْ}.
ثمرات الصدق العظيمة التي تحصل منه في الدنيا والآخرة من البركة والقبول والإصلاح في الدنيا ،
والأجر العظيم والثواب الجزيل في الآخرة وسيأتي تفصيل كل ذلك إن شاء الله تعالى في (ثمرات
الصدق).
خطورة الكذب والنفاق وأثرهما على الفرد والمجتمع والأمة وبخاصة في مجتمعاتنا اليوم التي كثر فيها
الكذب والدجل والمداهنة ، وقل الصدق فيها والصادقون ، ولا أعلم والعلم عند الله عصراً ظهر فيه الكذب
والنفاق بوسائله الماكرة المتطورة كما ظهر في عصرنا اليوم، حتى أصبح الكذب له مدارسه وأساليبه التي
تعلم الناس كيف يكذبون ، وكيف ينافقون وكيف يدلسون... الخ ،
ولا أبالغ إذا قلت إن وسائل الإعلام اليوم المقروءة منها والمسموعة والمنظورة قد قامت في أغلب برامجها
على الكذب ، وقـلـب الحقائق وتسمية الأمور بغير أسمائها، وقد تجاوز الأمر حده حتى أصبح المعروف
منكراً والمنكر معروفاً، وظهر الحق في صورة الباطل ، والباطل في صورة الحق ، وأصبحنا نسمع من
يقول عن المسلم الصادق الذي يتحرى الصدق بأنه ساذج وبسيط وسطحي... الخ ، في الوقت الذي
يوصف الكاذب المنافق بأنه السياسي الحكيم المحنك ، إن مجتمعاً كهذا حري بالسقوط والدمار، ولا نجاة
ولا فلاح إلا بالصـدق، والأمـة الصـادقـة مع ربهــا سبحـانــه ومــع رسولها-صلى الله عليه وسلم-لا
تهزم أبداً.
ظهور بعض علامات ضعف الصدق في صفوفنا معشر الدعاة إلى الله عز وجل، وذلك بوجود بعض
التصرفات والممارسات التي تتنافى مع الصدق في الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد في سبيله، فقلّ
الصادقون الربانيون الذين يصدقون في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم، ويضحون في سبيل الله عز وجل بكل ما
يملكون لنيل مرضاته وحـبه، نعم إنه بمحاسبة عجلى لنفوسنا يتبين لنا هذا الضعف، وأننا في أمس الحاجة
إلى تقوية هـــذا الخُلق، ونبذ كل ما يتنافى معه من صور الكذب والنفاق ووهن العزيمة، وضعف الهمة،
وإلا فـمـا مـعـنـى وجود هذه الجهود الضخمة المبذولة اليوم في طرق الدعوة إلى الله عز وجل ، ثم لا نرى
لـهـا إلا أثراً ضعيفاً لا يكافئ تلك الجهود المبذولة؟!
إن الـصــراع الذي نشاهده اليوم بين الحق والباطل ، بين دعاة الشر والكفر ودعاة الخير والإصلاح ،
ليحتم على أهل الخير حرصهم الشديد على الصدق مع الله سبحانه واليقين بنصره وثوابـــه ، حتى لا تزل
الأقدام ، وتضعف العزائم إزاء هذا البلاء العظيم والمعركة الشرسة بين الحـــق والباطل ، وهذه المواطن
هي التي يتميز فيها الصادقون عمن سواهم ، قال تعالى: {الـم (1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ (3)} .
وكذلك أيام الفتن لا يثبت فيها إلا الصادقون العالمون العاملون ، وهم الذين يشرفهم الله عز وجل بنصره ،
ويمكن لهم في الأرض ، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــع....
المفضلات