انا شاب ,لا يهم كم عمري , لا يهم ما أسمي ,لا يهم ماذا اقول ,ماذا افعل ولا يهم ماذا اتمنى !!
أعيش دور ثاني في صفوف رواياتي ,أفضل كومبارس في أيام حياتي , ليس لوجودي سبب في هذه الحياة
ليس في قاموسي وجود لكلمة الأمل أو حتى إحدى أقاربها وبالطبع لايوجد ما ينضر جيرانها
السيكارة هى صديقي الوحيد التي لا تفارق يدي البتة و الوحدة هى مسكني بل حياتي
أستمع فيها لأوتار الحزن العميق و تناثر عبقات الحرمان بين ثنايا أوقاتي
الضحكة تعتبر حلم أتمنى الوصول إليه ذات يوم و الذي أراه حلم أكبر بكثير من الحصول عليه
أما السعادة فتعتبر وهم لا وجود له بين ادراف ساعاتي وحتى بين دفاتر ذكرياتي
الكل يراني فاشل , محطم ,كئيب و البعض يشفق علي ويراني تافه ,ساذج ,هاوي
لا احد يستمع لي , لا أحد يهتم بي , لا أحد ...لا أحد يراني
أمشي بالساعات في الطرقات و أسير بين أضواء السيارات حتى يلحظني أحدهم
أوقات كثيرة كنت أذهب للشواطئ المزدحمة وأصرخ بكل قوة أحبالي الصوتية
ولكن بلا فائدة كالعديد من محاولاتي الكثيرة في سبيل النظر لوجهي أو حتى قليل من الأهتمام ولكن كل محاولة تنتهي بدون أن تقع عين أحدهم فوقي حتى ولو بالخطأ
بدأت أعتقد أني شبح لا يمكن رؤيته ولكن هل يعقل ذلك .؟. كانت تلك الفكرة الغريبة قد علُقت بداخل عقلي وتفكرت فيها كثيراً
نصف خلايا عقلي كانت مؤيدة لها و النصف الأخر ينفيها تماماً حتى ذلك المشهد العجيب الذي قلب الموازيين تماماً
كنت أتحرك تحت ضوء الشمس الهادئ في طريق ملئ بالسيارات و شديد الأزدحام وكُلي أمل ان أصطدم بأحد أو حتى بسيارة
لأعلم أني مازلت على قيد الحياة أم أني بالفعل شبح في جسد إنسان , وقفت فوق رصيف الفاصل بين الطريقين أتامل الوجود و الوجوه الكثيرة العابسة
فوقعت عيناي على إمراة عجوز تعبر الطريق وفي يدها عكازها الخشبي الضاحل ,ترتدي نظارة سوداء كبيرة ,ملامح الفقر تكسوا جسدها
كانت تتحرك ببطء يدها اليسرى فوق عكازها و اليد اليمنى تبحث في الفراغ عن طريق ,سألت نفسي على الفور ..ياإلهي هل هى عمياء .؟.. ولكن لماذا .؟.
لماذا لم يساعدها أحد .!!. فتحركت إليها مسرعاً ثم قدمتُ كلتا يداي إليها لتتسند عليهم ولكن يبدو أنها لم تشعر بوجودي فمددت يدي اليمنى لأمسك بيدها الفارغة
فلامس جلد يدي القاسي تجاعيد جلدها المرتهل ولكنها لم تتسند علي فتحدثت بهدوء ..دعيني أساعدكِ يا أمي..فلم تستمع لي وظلت يدها في الهواء تبحث عن مساعد
كنا قد وصلنا لمنتصف الطريق ,بدأت أتلفت حولي وجدت أن السيارات تتحرك بسرعة عالية ,يمرون بجانبنا بقوة أستشعرها في شدة الهواء و ضجيج الصوت
ولكن العجوز مازالت تتحرك حيث الأزدحام و الأختناق البشري المهول , وقفت بسكون أتامل الجمع الكبير وكيف يرون العجوز ولم يتحركوا ليساعدوها ,أين ذهبت قلوبهم
لم تمر لحظات حتى تقدم شاب في أوائل العقد الثاني من عمره يرتدي ملابسه على طريقة الراقصون الغربيون ,بنطال أزرق واسع و قميص أسود كذلك و قبعة كبيرة أطرافها موجهه لأذنه اليسرى
وحذاء فاقع الألوان الكثيرة ,ذو شارب خفيف و لحية مشذبة بطريقة الخطاف مرسومة بيد حلاق ماهر ,كان يعدو إلينا مسرعاً وكلما أقترب كلما أشتد ضوء من خلفه كبير ساطع
حتى أصبح بينه وبيننا خطوات معدوة كان الضوء حينها مثل النظر لضوء الشمس الواهج , شعرت أني سأصاب بالعمى إن ظلت عيني مفتوحة أكثر من ذلك ,وضعت كلتى يداي
لأمنع هذا الضوء الأبيض الشديد و أنتظرت لحظات ثم بدأت أفتح عيني ببطء ولكن سرعان ما جذب عقلي صوت السيارة القادم عن يميني فحركت رأسي بعجلٍ فلمحت عيني سيارة
سوداء تأتي بأتجاهي مسرعة بطريقة عصيبة ,علمت حينها أنها نهايتي فأغلقت عيني عندما تلامست أطرافها ثوبي ولكني لم أشعر بشئ فبدأت أفتح عيني ببطء فصعقت من مشهدٍ
تشيب منه الغلمانِ , رأيت السيارة تعبر من خلال جسدي وكان ليس لي وجود كالهواء غير مرئي أو ملحوظ حتى أصبحت رأسي أسفل سقفها العالي ورأيت من كان بداخلها
إمرأة حسناء تداعب طفلتها يديهم تمر من خلال رأسي و أكتافي ...يا للهول ..من أنا ومن أكون .؟. وما بال هؤلاء وهؤلاءِ
بعد ذلك اليوم بدأت التساؤلات تترصد عقلي في كل صباح ومساء أستيقظ و أسأل نفس ذات السؤال .. من أنا .؟.
ما قيمتي في هذه الحياة .؟. ما هى غايتي .؟. ماذا أكون .. وما هذا الألم وما هذا الحزن المقيت .. أهذه حياة ..
الحزن يحركني و الألم يوقظني و العبس يكسوا ملامح وجهي ..لماذا أشعر دائماً بالوحدة وانا بين البشر ..لماذا أبكي وهم يضحكون
لماذا أحترف النحيب وهم يقهقرون ..أسير في الطرقات هائم مكسور الوجدان أجلس في الظلام وحيد مذبوح العرفان
أنظر في المرآة فلا أراني ..لا أرى غير الحزن و الهّم و الألم و العبوس الضاحل وينتهي اليوم طريح على الفراش
أنحب و أصرخ وأبكي من هول ما أشعر به من النكران , الدموع كالنار أحرقت خدودي و الألم كالسيوف مزقت أوصال روحي
البشر لا يهتمون بي ولا يروني و الكون رافضني و الأرض تمقتني ,الهواء يغبرني و النسيم يهرب مني
الحزن يعرفني و الألم يعشقني و الوحدة تتلبسني , السعادة تجهلني , البهجة تكرهني
الحياة معدومة مني و الروح فرت من جسدي فلم يعد لوجودي دليل ولا سبب فلا يوجد غير الموت
الأنتحار هو السبيل ..مزقت عروقي فلم أموت ,ألقيت بنفسي من فوق ناطحات السحاب فلم أموت
أستلقيت فوق دراجتي النارية و اخذت أعدو بها بأقصى سرعتها على أمل أن اصطدم بمبنى أو بأي شئ فيتحطم جسدي فاموت
ولكن بلا جدوى , ذهبت للبحر العميق و ألقيت بنفسي كي اغرق فأموت ولكن لا أموت ..لماذا لا أموت.؟.
هل مازال لوجودي سبب .؟. هل مازال لكياني وجود .؟. ما الذي يحدث لي .؟. هل هناك شئ لا أستطيع أستيعابه
نظرت للسماء وصرخت وبكيت ونحبت بتهجم وبترجي وبأمل دعوت ناجيت أعتذرت ...أستغفرت
يا إله الكون ..أيها الرب الأوحد أنقذني ...ساعدني ...عرفني من أنا ومن اكون ..فهمني
سببي في الوجود ..أظهرني للوجود ..أيها الإله العظيم خالق الكون و عالم أسرار الروح
أسألك أن تشفي سقم روحي ..أخبرني ماذا أفعل كي أعود للحياة ..أن أضحك من جديد
أن أشعر بالهدوء وبكيان روحي و أن أستنشق الجمال بين خبايا النسمات الهادئة
أستلقيت دراجتي وأخذت أهيم في الشوارع و الطرقات الواسعة ويملأني الشعور بالندم ..
عبرت نسمة هادئة ملهمة أشعرتني بالراحة حينما صدر الصوت من شتى بقاع المدينة
الله أكبر ..الله أكبر
الله أكبر ..الله أكبر
غمرتني صاعقة شعور رهيب أقشعر منها جسدي وأربكت قيادتي الماهرة حتى سقطت بالدراجة في الطريق الخالي النظيف
ظللت منطرح أسفل منها أتأمل ماهية هذا الشعور العجيب أهذه هى السعادة ..هل هذا هو مذاقها الحلو
وفي وسط تفكيري البهيج المتحير لمحت الضوء ..الضوء الذي كاد أن يصيبني بالعمى ..أعتدلت بالدراجة
ثم أحكمت مقبضاي فوق أذرعها المستقيمة وأخذت أعدو بها خلف ذلك الضوء وعندما أقتربت لمحت الشاب
الذي ساعد العجوز في الطريق يدخل بيت عجيب تنبعث منه روائح طيبة كثيرة و يكسوه هائلة مريحة للعيون
تركت الدراجة ودخلت مسرعاً أراقب ماذا يفعلون ..ما الذي يتواجد في ذلك البيت العجيب
وما سر الضوء المنبعث من ذلك الشاب .. عبرت الباب رأيت أناس يسجدون ويركعون
واناس يقرؤن كتاب ينبعث من الضوء الأبيض الشديد والذين يمسكون به محاطون بهالته البيضاء الهادئة
وأخرون بالداخل يسكبون المياه فوق أعضاء أجسادهم فرأيت الشاب واحد من بينهم فذهبت ووقفت بجانبه
وفعلت كما يفعل ..غسلت يداي ثم فمي ثم أنفي ثلاثاً و أتبعت وجهي ثم ساعدي ثلاثاً و بعد ذلك رأسي
من الأمام للخلف مرة ثم أذني من الداخل و الخارج ثم بعد ذلك قدماي ثلاثاً ثم تحرك للصنبور الأخر ملئ الكوب وشرب على ثلاث مرات
ثم تمتم بكلمات وهو يخرج للجمع الكبير في الخارج ,ذهبت وفعلت مثله شربت المياه على ثلاث مرات ثم بحثت بعيني بجانب الصنبور
عن الكلمات التي قالها حتى وجدتها مكتوبة ومعلقة على لوحة صغيرة ..دعاء بعد الوضوء .. لا أعلم ما هو الوضوء ولكني قرأتها
فتحركت ولكن بينما أتحرك للخارج لمحت شيئاً في المرآه الكبيرة التي تقع أول هذه الغرفة فنظرت إليها ..لا أستطيع الرؤية بوضوح
فأقتربت منها حتى كدت ألتصق بها فلمحت شخص ما خلف المرآة وقفت بذهول و أصرخ بداخلي ..يإلهي هل هذا هو أنا .؟..
رفعت يدي فأرتفعت في المرآة ولكن الصورة في المرآة لم تكن واضحة ..فتحركت للخارج ويلمني الأستغراب وعدم الإدراك لما يحدث
فسمعت النداء مرة أخرى ولكن على عجلة ثم رأيت الناس يصطفون بأستقامة فوقفت معهم وفعلت مثلهم ولكني كنت أراقبهم بعيني
أبحث عن ملامح وجوههم الهادئة ..ماهذا المكان .؟. أرى هالة بيضاء هادئة تملئة من أوله لأخره الأمر جّد غريب
الهالة تبدو كأنها الهواء تملئ المكان عن بكرة أبيه ونحن واقفون بثبات نغوص فيها براحة لامثيل لها ,كان وضع الهالة مستقر
حتى تقدمنا رجل ووقف خلف المذياع المتقدم ناحيه فاهه وبدء يتلو ويدندن بكلمات هادئة ,غمرني شعور غريب ولم أتمالك
نفسي حتى تساقطت دموع عيني من غير تحكم ولا إدراك و أصبحت الهالة تعلوا وتعلوا وتتزايد بياضاً ناصعاً كلما تلى تلك الكلمات
وددت لو أصرخ من هول الشعور الذي يتحرك بداخلي في هذه اللحظات ولكني أحرجت من هذا الصمت الكبير و الخشوع النظيف
انتهى الجمع وسلموا ثم أخذوا يسبحون ويكبرون ويحمدون ربهم ثم أخذوا يلقون التحية على بعضهم البعض بأبتسامات تشرق كالشمس
أشعر كأني مستلقِ على ظهري فوق مياه بحر دافئة أستجم و أستمتع بالحياة وبالهواء و بالوجود
تحرك الشاب وكانه يقصدني توقف امامي مباشرِ ثم مد يدة اليمنى باتجاهي ثم قال بهدوء وأبتسامة خلابة
.. السلام عليكم أخي .. نظرت حولي مستغرباً الوضع ولكني لم أجد غيري في تلك الزاوية ..ياإلهي هل يرأني .؟..
تحدثت ساخرً ..مهلاً مهلاً ..هل تحدثني أنا .؟.
تبسم بخجل ..وهل يوجد احد غيرك هنا .؟..
علت ملامحي نظرات الجّد و الحيرة و انا اتلفت حولي مرة اخرى للبحث عن أحد اخر يقف بجانبا أو حتى خلفي ولكن لا يوجد غيري امامه
..هل تراني .؟.. تسألت بحيرة شديدة
تقهقر من الضحك وهو يقول ..ما هذا التساءول الغريب .؟. بالطبع أراك ثم جذب يدي من جانبي وهو يقول
وأستطيع ملامستك أيضاً ..شعرت بدفء يده وهو محكم قبضته فوق قبضتي اليمنى ..
شعرت بالأندهاش و الذهول الشديد ولم أتمالك نفسي غير أن أبكي و أصرخ ولكن البكاء هذه المرة ليس من الألم
أو الحزن ولا حتى الوحدة و العزلة بل من السعادة الشديدة التي غمرتني عندما ألتفت الجميع لضجة صراخي
أنا حي ...أنا على قيد الحياة ..أنا سعيد ..أنا ...أنا ....أنا
أنا مسلم ....أنا مسلم ....أنا مسلم وأفتخر ...
منذ أن نطقت الشهادة ولم يعرف الحزن لي طريق
لا أستطيع غير قول
الحمد لله على نعمة الإسلام
........
المفضلات