مشاهدة النتائج 1 الى 2 من 2
  1. #1

    بين الحياة والموت .. دمعةٌ قُصمت لشطرين



    attachment

    attachment

    attachment

    بين الحياة والموت دمعةٌ قُصمت لشطرين
    الشطر الأيمن يسعدنا ويعلمنا بمغبة الموت والشطر الأيسر يشعرنا بقيمة الحياة .
    وبين النقيضين خلقت تلك الوصلة التي تجمع بينهما ( إغماضة عينٍ فقط )
    إغماضةٌ تسبق الشروع في البكاء قبل زفير الأرحام ، وإغماضةٌ تدرك غيابة الموت
    الموت يذيب أهازيج الفرح التي تحركت بها الألسن ، والحياة تسكب الغيث على القِفار النائمة
    ذكرٌ وأنثى يتقاتلان من أجل الحصول على السيادة الإنسانية إلى يوم القيامة
    وكأن الحياة كبصيصِ نورٍ ينسلُّ من ثقب بؤبؤٍ طُمر بدجنة الفناء
    كم تفطّرت الألباب من وشاح الموت الأسود ، وكم تقوست الشفاه من هبَات الحياة النقية
    إنهما يا سادة البيداء التي ولجنا فيها دونما دراية ؛ لنُسعِر فيها قناديل الأبدية ، ثم ننزاح عنها دونما علم .


    ما هو الموت والحياة..؟
    هما حدثين الأول يعلن بداية الشيء ، والثاني يشرِّع أعلام الحداد السوداء .
    هما مرتبطان بالفيسيولوجية الجارية للنظام الكوني في المقام الأول ثم يتشبثان بالسيكولوجية الخاصة بالكائنات الحية عمومًا .
    وهما الحقيقة النافذة على سائر المخلوقات .


    لم خلق الله الموت والحياة في هذا العالم..؟
    بالتبصر إلى حكمة الله خلق الموت والحياة لابتلاء بنو آدم الذي من خلاله يُحدَد القويم من السقيم
    لقوله تعالى ( هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا ) .
    فالكون عمومًا مبنيٌ على الحصيلة الواجبة التي أوجدها الله ليصادفها كل شيءٍ فطره سبحانه.

    وبصورةٍ نظرية وفلسفية فالجميع يسلِّم بهذا الأمر ، وما اُختلف عليه هي العقبى لهذا الجسد بعد الموت والفناء
    حيث يصر بعضهم على أن الإنسان قد كُّون عن طريق عملية طبيعية ، ثم يعود للطبيعة نابذين وجود قوةٍ عظمى
    تضبط الكون ، ومبلجين ارتيابهم من حقيقة البعث والحساب ، وهؤلاء هم فئة المتزندقين ( الملحدين ) .

    ومن الضفَّة المقابلة تحدث بعض الفلاسفة عن الحياة أنها مصدرٌ للعمل الدؤوب ، حيث أوصوا عموم الناس
    بأن يعيشوا حياتهم بحذافيرها بسرور ، والبحث عن سبل النجاح بالجد والاجتهاد ، والابتعاد عن مواطن الغُمَّة
    أينما أُلفيَت ، وأن الموت هو باكورة الحياة المقبلة السعيدة في نظرهم .

    وبعيدًا عن هذه الحَيثيات جميعها ، جاء تنوير الإسلام متحدثًا عن الموت والحياة ومرتكزًا على الدلائل الجليَّة
    المنبثقة من سَنا القرآن الكريم ، ومن هدي السنة النبوية الشريفة .
    حيث تناول القضية من جانبين أساسيين لا ثالث لهما ...

    الجانب الأول :

    جانب كوني فطري وهي الفطرة التي تلازم هذا الكون بأكمله من الحياة التي تعني الحركة والانتشار في أرض
    الله الواسعة ، ثم الموت ويعني الشخوص والإحتضار الذي يتم عن طريق ملك الموت ، والذي أوكله الله بقبض
    أرواح الأحياء بأكملهم ، ثم الانتقال إلى البرزخ الذي يكون الفيصل بين الدنيا والأخرة .
    لذلك حتى تكون الجنة مستقر الأرواح الطيبة والنار مستقر الأرواح الخبيثة لابد من عمل نقلةٍ نوعية لهذه الأرواح
    من عالم الفناء إلى عالم الخلود والبقاء ، وعمل حاجز برزخي لا يعلمه إلا هو سبحانه ويفصل الجسد من العودة
    للدنيا ويوصد أبواب الأخرة انتظارًا لوقتها الذي اختاره الله .
    إلا أن الروح والجسد يظلان في حالة عملٍ مستمر ؛ وذلك لأن الإنسان يُسأل في لحده ثم يبقى ناظرًا
    لمقعده في الأخرة إن كان في جنةٍ أو نار إلى يوم القيامة .
    لذلك نستطيع أن نقول بأن العالم البرزخي هو الرادع من العودة للدنيا والمقدم لنبذة تعريفية عن مصير الجسد والروح في الأخرة .
    لقول الله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا
    فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
    ) سورة المؤمنون

    فالحياة هي مستهلُّ الحركة الكونية والموت ختامها والمُتمم لها ، فلا موت بلا حياةٍ سابقة ولا حياة بلا موتٍ آت .

    وبلا شك فإن بين الموت والحياة صغائرٌ منهما ومؤدية لأحدهما ، فكما أن النوم هو سبيلٌ للراحة والحياة فقد
    يكون أيضًا طريقًا لملاقاة الموت فهو يسمى أيضًا ب ( الموتة الصغرى )

    وحياة الإنسان منذ أن يخلقه الله إلى أن يموت عبارة عن تنقلات جليّة سواءً كانت في الأعمار ، أو الأجساد وحتى بعد
    الموت والولوج في دياجير الألحاد ، فإنَّ هذه التنقلات لا تتوقف بتاتًا ويبقى الجسد والروح في حالة تنقلٍ مستمر

    والحياة الكونية لا تنقضي دون دلالاتٍ تعلم الأحياء بأنَّ موتهم بات على مقربةٍ منهم ، فلابد أن يكون لما قبل الموت
    سكراتٌ تدل على دنوِ الأجل وانقضاءه ؛ فيعرف بها الإنسان بأنه مفارقٌ لهذه الدنيا لا محالة .

    روى البخاري (6510) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا
    مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ) ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ
    فَجَعَلَ يَقُولُ: ( فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ) حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ "
    .

    ومؤخرًا فلا تشكيك في الحقائق التي أوجدها الله ، فما أهلك السابقين من قبلنا إلا تشكيكهم في أمر الموت والبعث
    حيث تسائلوا عن كيفية إعادة الله للأجساد وقد بُليت وفُنيت ولم يتبقى من باقيها شيء
    فما أثبته الإسلام وما أثبتته الدراسات العلمية أن الجسد لا يُبلى بالكامل وما يبقى منه سوى عظمةٍ تسمى ب ( العصعص أو عجب الذنب )
    التي من خلالها يعيد الله الأجساد كما كانت يوم القيامة .
    فلمَّا أدركت الكثير من الديانات الأخرى هذه الحقيقة اعتقدوا بأنهم يستطيعون الضرب في الأرض وإخراج أنفسهم وأهليهم
    وصحبهم وجميع من هم مثلهم من دائرة البعث والحساب ؛ فقاموا بحرق الجثث وإلقاء أرمدتهم في النهر ؛ حتى يصعب
    على الله سبحانه إحياءهم من جديد ، وهذا من وجهة نظرهم .

    والله تعالى يقول ( وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) (مريم/66- 67)
    وهذه هي الأدلة الدامغة على أن الإنسان لم يكن خلقًا عصيبًا على الله وكذلك أمر إعادته لهو أهون عليه سبحانه
    جعلنا الله وإياكم من أهل الفردوس بعد مجابهة الممات .

    الجانب الثاني :

    جانبٌ أخلاقي تربوي وهي الأحداث التي تمر على الإنسان أو التي يفتعلها بنفسه ، فالإسلام كذلك لم يغفل من تشبيه الكثير
    من الأمور الدنيوية بالحياة والموت ، فالحياة تعني الإعلاء من قيمة الإنسان الخُلُقيّة والموت يعني نقصان هذه القيمة
    مثال من القرآن على الحياة قول الله تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سورة البقرة ( 179 )

    جميعنا يعلم بأن القصاص شرعًا هو إيقاع حد السيف على الجاني بأحد الجرائم التي تستوجب القصاص منه ، وقتله جزاءً بما صنعه .
    وهنا تتجلّى الرسالة التربوية ، فالقصاص كما أنه موتٌ للجاني فهو أيضًا مُمسكُ للشاهد من السير لهذه المسالك ؛ حتى لا تقع
    عليه العقوبة ذاتها ، فيرتدع ويصبح أكثر حِرصًا فيما يصنعه أو سيصنعه مستقبلًا .
    فشبّه الله القصاص بالحياة لهؤلاء الشهود ؛ لأنه بلا شك سيكون حديث الألباب والأذهان ، وعندها يعصم نفسه عن الإذعان
    لوساوس الشيطان ؛ حمايةً لنفسه في الدنيا والأخرة .

    كما ذكر صلى الله عليه وسلم الموت في تصرفٍ هو أساس الحياة حيث قال
    حيث قال صلى الله عليه وسلم ( لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ) رواه الترمذي ( 2305 )

    فالضحك في الحقيقة ليس مضرًا ولا يؤثر على الوظائف القلبية بل على العكس فله فوائدٌ جمَّة للنفسية وللجسد عمومًا
    ولكن شبهه صلوات الله عليه بأنه يميت القلب ، ومن هنا نستقي الحكمة التربوية من كنف هذا الحديث ، فالضحك
    الكثير كالمزاح وترويع الأخرين والقهقهة المتعالية تميت هيبة و وقار هذا الشخص ، وتجعله غير مباليٍ بما يصنعه
    إن كان ضارًا أو نافعًا ، وتريق ماء وجهه فيصبح كما السفهاء يضحك على كل شيءٍ خيرًا كان أم شرًا ، ويكون هو
    والشيطان سواء كما وتميت القلب خُلُقَّيًا ثم تتضاءل الأخلاق من ظاهر الشخص تدريجيًا .
    وأخيرًا لنا في رسول الله وصحابته أٌسوةٌ حسنة فقد كان أكثر ضحكه عليه الصلاة والسلام التبسم دون أن يفرط في
    الضحك ، وكان وجهه كبدرٍ يتهلل في كبد السماء ، فلو اتخذنا من سلوك رسول الله مرجعًا لنا ولأخلاقنا ؛ لبتنا ننعم
    بالهيئة الإسلامية الصحيحة دون مناقضتها بتصرفاتنا وسلوكياتنا .


    ( ولدتُ لكي أحيا لا لكي أفنى )
    ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن الموت والحياة لا يقتصران على نفث الروح في الجسد ، وانعتاقها عنه ثم العروج
    للسموات العلى .. ففي عالمنا أحياءٌ بأكفان الأموات ، وأمواتٌ بجثمان الأحياء
    لأنني أريد أن أبقى حيًا لابد أن أذرَّ من خلفي ذكرى طيبة يحييها الناس كل حينٍ بعدما أنتقل لدار البرزخ ، ولأنني لا أبغيَ
    الموت حيًا فلا أريد أن ألتفت للغياب الحياتي الذي استحدثه البشر مخلَّفًا الكثير من الأموات في دهاليز الحياة .


    وختام الكلام فالإنسان أشبه بمرحلةٍ مقدرَّةٍ بشفيريِّ المقدمة والخاتمة ، وليس هنالك ديمومة وخلود في هذا الكون .
    وبالطبع هذا ليس ضربًا من الفلسفة والتبصر ، ولكن نتيجةً لمعاشرة هذه الحياة ومجابهة جميع تقلباتها المتمثلة بأفراحها وأتراحها .


    attachment

    أتمنى أن يكون أخر مقالٍ لي هو مسك الختام لجميع مقالاتي السابقة ، سعدتُ حقًا بالمشاركة في المسابقة وأشكر مراقبي
    ومشرفي القسم على إفساح المجال لمداد حبري ليُعتق أفكاري من بوتقة العقل والخفاء إلى رحاب القراءة والجلاء .

    للمعلومية جميع ما بَذَّ من كتابة هو من مجهودي الشخصي وما كتبته في نهاية المقال يعبر عن وجهة نظري الخاصة
    فإن أصبت فمن الله وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان .


    والشكر موصول للغالية لوبيليا على تصميمها لطقم موضوعي ، والتي أضافت له جمالاً بلمستها

    والسلام ختام

    attachment
    اخر تعديل كان بواسطة » The Lord of Dark في يوم » 31-12-2015 عند الساعة » 18:47 السبب: إضافة وسام موضوع مميز.
    a58d3244ce84d06bb46035adaec6a804
    يسعدك ربي غلاتي L u k a. على الإهداء الخورافي 031

    Broken Hearts


  2. ...

  3. #2
    جزاك الله خير، وددت لو أضفت المصادر لمقالتك حتى يتسنى لي التثبت لإنها بالنهاية ليست محض أراء ووجود المصادر أمر مطلوب.

    كل الشكر لك.
    اسألني : Ask me
    Keep learning..

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter