حكايات مدرسية (1)
حكاية مدرس يحبه طلابه
في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية كان الأستاذ حمد يدرسنا جميع المواد
كان من أفضل المدرسين في المدرسة رغم أنه شاب حديث العهد بالتدريس
لكن كان له أسلوبا مميزاً في التدريس يجمع فيه ما بين التعليم واللعب
كان يجعلنا نقرأ قراءة جماعية وننشد وينشد معنا
وفي بعض الحصص كان يخرجنا إلى ساحة المدرسة لنأخذ الدرس هناك
وفي حصص العلوم كنا نجري التجارب في المختبر أحياناً أو في ساحة المدرسة
مازلت اذكر المنشور الزجاجي الذي نعرضه للشمس ليخرج منه ألوان قوس قزح
أو حين أشعلنا النار بواسطة عدسة مكبرة
أو المروحة ذات الأوان السبعة التي تصبح بيضاء
أو تلك البذور التي زرعناها في القطن وتركناها عند نافذة الصف
كان التدريس متعه لنا وله أيضاً
كثيراً ما اشعر أنه طفل مثلنا وتمنيت أن أصبح مدرساً مثله حين اكبر
في احد الأيام اتفق بعض الأولاد بالصف على عمل مقلب أنا ضحيته
كان الوقت ما بين الحصص ونحن بانتظار الأستاذ حمد
حين ناداني احد الأولاد من خارج الصف لأخرج إليه فخرجت ثم أغلق الطلاب الباب دوني وتركوني في الخارج
وكان الأستاذ قادماً فخجلت منه أن يراني خارج الصف لأنه عادة يوبخ الأولاد الذين يخرجون من صفوفهم
تقدم مني ووضع يده على كتفي ودخلنا الصف سويا وأنا مطرق الرأس ووجدته يوبخ الطلاب على هذا المقلب وطلب منهم عدم تكراره مع احد
كنت سعيداً أنه فهم مقلبهم ولم يوبخني أنا أو ينظر لي نظرة تأنيب
في احد الأيام غاب الأستاذ حمد ولم يحضر إلى المدرسة وبقينا طوال اليوم بانتظاره دون اخذ دروس
وتكرر ذلك أيضاً في اليوم التالي
وفي اليوم الذي يليه أيضاً لم يحضر لذا قرر وكيل المدرسة أن يضم طلاب فصلنا مع طلاب الفصل الثاني لأخذ الحصص هناك
حملنا كتبنا وذهبنا إلى الفصل الثاني وجلسنا في مؤخرة الصف دون كراسي
شعرنا حينها أننا مشردون
الأولاد الذين يجلسون على الكراسي لا يكفون عن الالتفات لنا كأن وجودنا يضايقهم
بعضهم كان يصعر خده لنا بكبر
مدرسهم كان عصبي الملامح بعينين خضراوين وعنق احمر
حين دخل وقف جميع الطلاب ونحن جالسون في الخلف لا ندري ما نفعل حتى أشار لنا طالب في الخلف أن نقف أيضاً
حتى قال المدرس: جلوس
بعد أن جلس الطلاب نظر لنا نظرة خاطفة ثم بدأ بإعطاء الدرس
كان درساً متقدماً بالنسبة لنا حيث فاتنا يومين دراسيين دون اخذ دروس لذا كنا مشوشين
طلب في البداية أن يرى واجب الأمس وطلب ممن لم يحضر الواجب أن يقف
وقف بضعة طلاب ضربهم جميعاً بالعصا وبيديه وهو ينهرهم ويوبخهم
التفت لزملاء فصلي فرأيتهم خائفين مندهشين من أسلوبه الفض وقسوته في الضرب
كان يطلب من أحد الطلاب القراءة ويمر بينهم ليرى من لا يتبع بأصبعه مع من يقرأ
ومن يكتشف أنه لا يتبع كان يضربه بقوة على مؤخرة رأسه
أدهشني ما يفعل فلم أتعود أن أرى مدرساً يفعل هذا مع طلابه
أو بالأحرى لم يفعلها الأستاذ حمد معنا سابقاً
طلب من احد زملاء فصلي أن يقرأ الدرس فبدأ يقرأ
كان يتهجى الدرس لأنه لم يمر علينا سابقاً فكان كلما أخطأ في كلمه التفت عليه ذاك المدرس وصحح له الكلمة والشرر في عينه
"يابهيم بتعرفش تقرا متل الأوادم"
تشجع أحد طلاب صفي ووضح له أننا لم يسبق لنا أخذ هذا الدرس
"هاذي مشكلتكو أنتو"
" بدكم تلّحقو زمايلكو وتعوضو الدروس اللي فاتتكم"
" الدروس اللي راحت منَي فاضي اعيدلكم اياها"
ثم أكمل الدرس مع طلابه
وتبادلنا نحن النظرات وكأننا نتساءل جميعنا "أين الأستاذ حمد؟"
لم تمض دقائق حتى فتح الباب وطل منه الأستاذ حمد
لم نصدق كلنا
ركضنا جميعنا إليه كالسيل نعانقه
كان يبتسم بحزن عرفنا فيما بعد أن والده كان قد توفي
قال لنا أن نجمع كتبنا ونلحقه للصف
جمعنا كتبنا على عجل وألقيت نظرة على طلاب ذلك الصف
شعرت أنهم يتساءلون عن سبب حبنا لذلك المدرس
صعرت لهم خدي وأنا احمل كتبي
أما مدرسهم هم فقد كان واقفاً ينتظر انتهاء فوضى خروجنا من صفه البائس
المفضلات