كانت الشمس تنشر أشعتها على المدينة وهي في كبد السماء .. لا تمنع أشعتها سوى بعض السحب الخفيفة العابرة .. بينما ترتفع صرخات الألم من سامي .. والذي كان مضطجعاً على فراشه لا يرتدي سوى سروالاً قصيراً .. وعمته تلفه بالضمادات وتضع القطن المبلل بالدواء على جروحه الكثيرة والمنتشرة في وجهه وصدره ..
سامي يصرخ قائلاً وهو يتلوى في فراشه : عمتي عمتي أرجوك ترفقي بي قليلاً أنت تؤلمينني بهذا الدواء
تقول > العمة < وهي تحاول تثبيته في مكانه ومداواة جروحه : إبق هادئاً يا سامي حركاتك المتقلبة هذه تزعجني
يرد سامي : لكن الدواء مؤلم جداً يا عمتي لماذا لا تخففين المحلول قليلاً ؟!
العمة : لقد خففته لك يا سامي هيا يا رجل لم يبق إلا القليل تعال إلى هنا تعااااااااااااال
ثم تضغطه بإحدى يديها على الفراش وتمسك باليد الأخرى عودين يحملان كرة قطن مبللة .. وينظر سامي إليها نظرات مليئة بالرعب والخوف خاصة مع ملامحها التي بدت له ماكرة وشريرة جداً في تلك اللحظة ..
يصرخ قائلاً : عمتيييييييي لااااااا أرجوووووك
العمة : بقيت واحدة فقط تعال إلى هنا هيااا الآآآآآآآآآن
ثم ضغطت كرة القطن في أحد شروحه العميقة فصرخ سامي من الألم ( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآآآآآآآي )
يجلس سامي إلى طاولة الفطور وأمامه كأس حليب وبعض الكعك .. وكان قد ارتدى ملابسه وأصلح من شأن نفسه .. بينما العمة كرم تتنقل هنا وهناك تنظف من أرجاء البيت وتسأل سامي : هكذا إذن ! رغم أنك لاعب كاراتيه إلا أنهم اعتدوا عليك بكل سهولة !
يرد سامي : لقد كان عددهم كبيراً !! وكانوا مسلحين أيضاً .. إنهم مختصون في قطع الطريق والتعرض للآخرين !!
ترد العمة : الغريب في الأمر أنهم لم يسرقوا شيئاً من أغراضك ! حتى هاتفك النقال لا يزال في جيبك ! وهذا أمر غريب جداً !!!!
يرد سامي متضايقاً : هل تكذبينني يا عمتي ؟ أنا نفسي لا أعرف بالضبط من يكونون .. كل ما حدث أن بعض الأشرار اعترضوا طريقي في أحد الشوارع المظلمة .. وأوسعوني ضرباً لدرجة أنني فقدت وعيي
العمة : الشيء الوحيد المؤكد أن الحادثة التي وقعت لك غير عادية إطلاقاً .. .. وأنت ما كان عليك أن تتمشى وحيداً في شارع مظلم أثناء الليل .. الجميع يعلم بأمر الحوادث الكثيرة المشابهة التي باتت تحصل في الآونة الأخيرة .. والأهم من هذا كله أنك جعلتني أقلق عليك كثيراً
يحسر سامي رأسه وتظهر علامات الحزن على وجهه ويقول : معك حق يا عمتي .. أنا آسف
ترد العمة وقد ركزت نظرها على سامي : إذن .. وكإجراء طبيعي يجب أن تبلغ الشرطة بما حصل معك في ليلة الأمس .. لأن القبض على المجرمين من اختصاصهم ..... إذهب إلى السيد عزام بنفسه فقد كان صديقاً مقرباً لوالدك .. ^_^
يلتفت سامي ببطئ إلى منضدة قريبة محطوطة فوقها صورة لوالد سامي .. ينظر إليها بعينين حزينتين ويقول ببطء . : .............. السيد عزام ...........................
في مكان يبدو مهجوراً .. وداخل بيت مهترئ الجدران .. تبدو عليه علامات الإهمال والقدم .. أعقاب سجائر كثيرة ملقاة على الأرض .. زجاجات خمر كثيرة ملقاة هنا وهناك منها ما كانت محطمة تماماً .. يمر جرذ قذر بسرعة البرق متنقلاً من غرفة إلى أخرى .. وكانت هناك مجموعة من الرجال تبدو علامات الشر والانحراف في وجوههم .. وكلهم يحملون بين أصابعهم سيجارة ملتوية ..
يـُـسمع وقع خطوات قادم من بعيد من أحد الأفنية في البيت .. ويسمع أيضاً صوت فتاة تبدو صغيرة العمر .. وكانت تصرخ بلهجة طفولية ساخرة : لكن لكن يا سيد مختطف لماذا تأخذني إلى هذا المكان المقرف ؟ ....... وكم ستطلب فدية لي ؟ إسمععععععععع يجب أن تبعدني من هذا المكان فورااااااا .. والدي لن يتردد في أن يعطيك كل ما تطلبه من المال لكن لماذا لا تتكلمان أجيباني ؟ هل أكل القط لسانكما ؟
كانت فتاة في مقتبل العمر تمشى بخطوات مرغمة .. بينما رجلان يلبسان السواد يقودانها واحد عن يمينها والآخر عن شمالها .. وكانت ملامح الجدية والقسوة والشر تبدو واضحة في وجوههما .. وكانا يرتديان نظارة شمسية سوداء لا تظهر عينيهما ..
تواصل الفتاة صرخاتها العشوائية : ... لكن أخبرني يا سيد مختطف هل ظننت بأنني سأبكي وأصرخ لأنك اختطفتني ؟ .. بل أنا سعيدة جداااااااااااااا وأخيراً سأحصل على بعض الاهتمام من والدي لكن إلى أين تأخذني .. إذا لم تخبرني الآن فإنني سأهرب لكن الأمر يبدو مسلياً حقاً ستطلبون فدية من أبي .. وااااااااو الأمر يبدو كما في الأفلام رائع رائع رررراااائعععععع ...............
ويواصل الرجلان قيادة الفتاة في الممر الطويل دون أن يتكلما أبداً .. إلى أن وصلا بها إلى باب مقفل .. فقام أحدهما بفتحه .. وتكلم الآخر لأول مرة بصوته الخشن : أدخلي ..
دخلت الفتاة بخطوات سريعة نشيطة .. لكنها اندهشت اندهاشاً عظيماً مما رأت داخل الغرفة .. كانت الغرفة عبارة عن معرض فني فاخر .. جدرانها مليئة باللوحات الفنية الثمينة والضخمة .. رسومات مميزة جداً هنا وهناك .. مجموعات كبيرة من أدوات الرسم والأصبغة .. وكان قبالة الباب شخص عاكف على لوحة فنية يرسمها .. وكان موارياً الباب بظهره ..
عندها استدار ذلك الشخص ببطء على كرسيه المتحرك إلى أن استقرت عيناه في عيني الفتاة الصغيرة .. وكان يرتدي نظارات طبية ويلبس بذلة بيضاء متسخة بالأصباغ والألوان .. ويحمل في يده ريشة رسم ..
لم تتكلم الفتاة بأي شيء بسبب استغرابها الشديد مما رأيت .. لكن ذلك الرسام كسر حاجز الصمت قائلاً بصوت هادئ ولطيف وببطء شديد : الإحـساس بالـفن مـوهبة لا يمتلكها إلا القليل مـن الناس ....... الحياة عبارة عـن مشاهد ولقطات متتـابعة ..... ودائـماً هناك أشـخـاص يقفون مـوقـف المتأمل المعتبر ...... إلا أن التـافهين مـن الناس لا يقـدرون لـوحات الحياة الفنية ...... إنـهم لا يسمعون الصوت الذي يـهمس بـه تنـاغم الألوان والألحان ..... فـقط ،، عندما يجد الفنان شخصاً يستطيع قـراءة مـا يجول فـي خاطره .. عندها فـقط يكون قـد وجـد الصديق الـذي يستحق قـضاء بقية حياته معه .............
إندهشت الفتاة من كلام ذلك الشخص وأحست ببعض الرعب بسبب نظرته الهادئة والنافذة جداً .. بحيث أحست أنه يقرأ أعماق أعماق ما يجول في نفسها ..... فسألته بلهجة خائفة : لكن ... من ؟ من أنت ؟ .. ولماذا جئت بي إلى هنا ؟ وكيف قرأت أفكاري بهذه الدقة ؟ أجبني
يواصل ذلك الشاب كلامه قائلاً : لانا ... إسم جميل .. ... لكن كم هو محزن ألا يتم تقدير المواهب الفنية وقتلها بكل بساطة ...... لانا ..... إسمعي ما سأقول ..
تقاطعه قائلة : وكيف تعرف اسمي أيضاً ؟ أرجوك أخبرني من تكونون ؟
يبتسم الشاب ببطء ويواصل كلامه وهو يستدير إلى ما كان عليه موارياً الباب ظهره من جديد : ستذهبين الآن إلى مرسم خاص بك .. وسيشرحون لك ما الذي ينبغي عليك فعله هناك .. إلى أن ألتقي بك من جديد ..... إنتهت الزيارة ....
عندها أمسك أحد الرجلين بذراع > لانا < ثم سحبها خارج الغرفة وأقفل الرجل الآخر الباب وهي تصرخ : لكنك لم تجبني بعد كيف عرفت اسمي !!! إبتعد عني أنت إلى أين تذهب بي ؟؟؟؟؟
المفضلات