الصفحة رقم 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة
مشاهدة النتائج 1 الى 20 من 128
  1. #1

    وغابت ، تحت وقع المطر تلاشت ... في الذكرى.



    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    attachment

    أهلاً وسهلاً إخوتي و أخواتي , تمنياتي ان تكون بخير و بافضل الاحوال ..
    و كل عام و أنتم بألف خير بمناسبة العيد السعيد ,
    أعاده الله علينا و عليكم بالخير و السعادة ^^

    attachment

    و أخيراً استطعت الانتهاء من هذه القصة التى أخذت معي أكثر من 4 سنوات ~~
    و بحمد الله هذه المرة ستكون النهاية سعيدة biggrin
    شاكراً كل من قام بتشجيعي على ان تكون كذلك asian ,
    والا لكانت بنهاية محبطة جدا tongue

    سأعرض لكم مقاطع من القصة تعطيكم صورة عامة عنها لاني لاأستطيع عرضها كلها لبعض الأسباب ,
    متمنياً من الله أن تنال على اعجابكم ^^



    مقطع موسيقي من اعدادي

    مقطع موسيقي ملائم ^^


    قراءة ممتعة ^_^


    attachment



    اخر تعديل كان بواسطة » Aisha-Mizuhara في يوم » 14-03-2012 عند الساعة » 17:58 السبب: ازالة الزخرفة من العنوان


  2. ...

  3. #2


    attachment

    بدأ نيسان يُلقي بظلاله من بعد شتاءٍ حافل ، وأخذت الزهور بالتفتح يعبق شذاها في كل مكان ،
    يعبث بالقلوب فيطهّرها .. تبدأ معه قصص جديدة ، وتنتهى أخرى ربما ... تساءلتُ كثيراً .. ما حدّة الظروف
    التى تؤثر على الآخرين فتغيّرهم .. أتراني ، سأتغيّر يوماً لأجل ظروف قد تحل بي .. كيف سأكون .. ؟!

    هذا الطريق المزيّن بأشجار الليمون .. اعتدتُ عبوره دائماً لأصل الى مدرستي ، مازلتُ بالصف العاشر .
    - أحمد ..
    أحد أصدقائي ، اسمه سامر ، أسمر الوجه مرح الطباع ، أقابله دائماً بالطريق .
    - هل جهزت ماعليك ؟
    - أجل ..
    - وأنا كذلك .. أتساءل إن كانت بقية المجموعة قد فعلت .. !
    - سنرى ذلك ..
    خططنا للقيام بمظاهرة طلابية ، وكذلك نفعل كلما هبّت ريح غضب ، كنا قد اعتدنا على مشاهد القتل
    و الاضطهاد ، بحكم طبيعة الصراع الدائر بين أصحاب الأرض من جهة ، و الاحتلال الظالم من جهة أخرى .
    هذا اليوم ، كان مختلفاً .. أردتُ برفقة زملائي الانضمام لمنظمة كانت تهتم بتنشئة الشباب ليصبحوا مقاتلين
    أشدّاء ، وكانت تلك خطوتي الاولى لتحقيق حلمي .. تم قبولي , وكذلك رفاقي .. خضنا تدريبات كثيرة الى أن
    تم انتقاؤنا لنكون من جنود الدرجة الأولى المُنتخبة ، وكانت تلك خطوة جديدة متقدمة ، أخفيت الأمر عن عائلتي
    و اكتفيتُ بصهر أحرف اسمي وحياتي بذرات الأرض ، ذاك كل ما كنتُ أحتاج بنظري .
    مرّ عامين ، وطرأت أمور كثيرة .. أصبحتُ أكثر هدوءاً وصبراً ، و تعرفت على رفاق كُثر من أرجاء الوطن ،
    يجمعنا الشيء ذاته .. حُب الأرض .


    attachment

    كنتُ الشاب الثاني ، و الرابع بين اخوتي ، أخي رامي الذي يكبرني سافر ليكمل دراسته بالخارج فأصبحتُ
    منذ ذلك الحين الساعد الأيمن لأبويّ .. لم تكن علاقتي بهما جيدة تماماً ، اعتدتُ على الانزواء قليلاً عنهم ،
    لطالما رسما مستقبلاً علمياً لكلٍ منا ، ولم تكن الدرجات العلمية و الحياة الطبيعية تهمني كثيراً، لم أسعَ قط
    للتميز بين اخوتي لبعض الأسباب ، كل ما كان يشغلني هو أن أكون مقاتلاً يُعتمد عليه حتى أحرر و أحمي
    أرضي من ظلم الاحتلال .
    ذات يوم ، حضرت عمتي وأبناؤها لزيارتنا .. وكعادة الأقارب لدينا ، النزول لحديقة المنزل والجلوس فيها ،
    لعمتي ابنة تصغرني بعام ، اسمها " سلوى " ، كنا قد تربينا سوياً .. تلك الفتاة ، اعتدت ُابعاد الحزن عنها
    دوماً في الصغر ، نقاء قلبها وبراءتها كافيان بالنسبة لي لأحبها .. شُغلتُ بسقاية المزروعات وتلبية طلبات
    والدي ، وهي كانت برفقة أختي ، سمعتها تقول " انها جميلة جداً " _ كانت تقصد احدى شجيرات الأزهار .

    بعد ذلك بفترة ، عادت اختي و ابنة عمتي للمنزل ، أنهيتُ سقاية الأشجار ، ثم اقتربت من تلك الشجرة و قطفتُ
    إحدى زهراتها لأعطيها لسلوى ، عندما دخلت المنزل حدث مالم أتوقع ، كانوا يجهزون أنفسهم للمغادرة .
    توجهت لغرفتي ، و وضعتُ الزهرة مطرقاً .. لقد تأخرت ... أراهن بأنكِ ، ستذبلين هنا ..


    attachment

    أخذ الشتاء ينشر سحبه الكثيفة بالسماء مع انتصاف فصلي الجامعي الأول ، وكمثل أيّ يوم عادي ،
    كنت ورفاقي نمارس بعض التمارين وفجأة ، حدثت هزّة عنيفة زعزعت حركة الرياح ، بل الكون بأكمله ..
    كانت تلك قد أنهت على حياة قائد المنظمة ، المؤسس الأول الذي كنا نحتذي به .. ساد الغضب العارم البلاد ،
    ولم أجد الا بندقيتي لأنفّس بها غضبي .. كان المصاب جللاً ، ومرحلة تغيير كبرى .. رأيتُ الحياة تقف على
    منعطف كبير مجهول العواقب .
    احتدمت أوضاع البلاد واشتدت ثورتها ، بذلنا جهداً كبيراً .. رصد ، عمليات ، تصدي ، وغيرها ... اضطرني ذلك
    للمبيت غالب الأحيان خارج المنزل ، وهذا ما سبب قلق والديّ .. كنت أتذّرع بمبررات كاذبة وسخيفة أحياناً ،
    لم يدم السر طويلاً ، تعرضتُ للإصابة وانتهى الأمر باخبارهما أني جندي عادي بالمنظمة ، ورغم معارضتهما
    الفكرة كأيّ أبوين خوفاً على المستقبل الدراسي ، طمأنتهما .

    بدأت شعلة الثورة تهدأ شيئاً فشيئاً ، بالوقت نفسه ، بلغني نبأ خطبة ابنة عمتي ، وكأنها فكّرت بي يوماً .. !!
    لم تتح لي الظروف فرصة لأعطي نفسي أملاً ، بالرغم من أن الوقت مازال مبكراً على الاستسلام .. لم أبنِ نفسي
    بعد لأتقدم لخطبتها كما خططت ، ولستُ واثقاً بأني سأكون على قيد الحياة لأهب نفسي القليل من الأمل والغضب ..
    قد حسمتُ قراري مُسبقاً ، ستكون أرضي ذات الأولوية بالنسبة لي ...
    أخذت أحوال البلاد تتسارع منحدرة للأسوء ، كذلك حياتي ، أصبح ذاك الشعور الكئيب يجتاحني بعد ايقاني
    مؤخراً ، أن ابنة عمتي تعتبرني كأخٍ بعيدٍ لها ، أو لاشيء .
    . بتلك الابتسامة السطحية التى تقابلني بها في كل
    مرة أوصلها بها الى منزلها لتعذّر خطيبها "المشغول" الحضور، وهوسها بأمور الزواج لاسيما و أن أبويها
    كانا متشددين عليها كثيراً في السابق .
    تساءلتُ كثيراً .. هل كل ما كنت أكنّ لها مجرد شعور بالشفقة فقط ، لِمَ أبدوا غاضباً و متأثراً لخطبتها إذاً .


    attachment

    قارب الشتاء على الانتهاء .. و الأمور تسير على نحو أسوء ، حملت الأيام القليلة الماضية تصعيداً لأحداث جديدة ،
    نشب خلاف بين قائدي شطري المنظمة وكل منهما يرى أنه الأجدر بسيادتها ؛ لذلك تم فصل المقاطعات الى شطر شمالي ،
    و آخر جنوبي كنتُ فيه ، عند الاقتتال .. سيسود أحدهما وينتهي بذلك الآخر ، تلك كانت بنظري خطوة أولى نحو النهاية ،
    ومستحيلة .. كلاً من القائدين يسعى لترشيح نفسه لسيادة البلاد عبر المنظمة ، لكن مالم أفهمه هو لِمَ سيضطر كل واحدٍ
    منا لمقاتلة الآخر لانه من الشطر الثاني رغم تكافئنا بالقوة ! كنا نفخر بمنظمة واحدة ، هي قوتنا العسكرية للنيل من عدونا ،
    و الآن ... بات كلٌ منا يفخر بشطره في المنظمة .
    بدأ نيسان آخر ، احتدت المواجهات بين الشطرين .. في ظل تلك الأوضاع العصيبة ، لم يكن لدي ورفاقي غير التريث عن
    قتال الأعداء من جهة ، و عن قتال الإخوة من جهة أخرى .. بينما اقتصر أمر الاقتتال على الجنود العاديين ، أولئك .. حديثي
    الانضمام .. لم تكن لديّ حجة مقنعة أواجه بها والدي ، فحتى الأهالي تزعزعت ثقتهم بالمنظمة و ساد التوتر في كل بيت
    يحتوي أو لايحتوي جندي .



    attachment



  4. #3


    attachment

    شارف نيسان جديد على الانتهاء و الوضع كما هو عليه ، اقتصر عملي على الخروج من بكرة الصبح لرصد العدو
    و العودة عصراً ، زاد سخطي على ما أنا فيه بعد أن بلغني نبأ موت أحد أقاربي إثر اشتباك وقع بالقرب من بيتهم مؤخراً ..

    بعد ذلك بيومين ، قررتُ اعادة الأسلحة التى كانت بحوزتي للمنظمة عزوفاً و احتجاجاً كما اتفقتُ و رفاقي .. عندما
    وصلت المنزل صعدتُ العلّية حيث كنت أخبئ بعض المدّخرات .. سمعتُ ضجيجاً وصوت أمي تصرخ ، نظرتُ فوجدتُ
    أبي ينظر اليّ بغضب شديد وفي يده سكين .. كانت أمي تُهدئ من غضبه .. تشابكت كل الأمور لدي وصمتتُ من
    هول المفاجأة ... اقترب مني وقال : - أين كنت ؟
    فأجبته بدهشة : - كما ترى ..
    قال : - لديك خمس دقائق حتى تُرجع كل شيء للمنظمة و تعلن استقالتك .. الآن .. !
    صرخت أمي بتبتّل : - أسرع يا بنيّ ..
    لم أستطع تدارك الأمر ، لِمَ بيده سكين !! قلت بدهشة :- لِمَ ؟!
    - أنت تعرف السبب جيداً .. لا أريد لأحد من أبنائي أن يُلوّث يديه مع مجموعة الأيادي القذرة تلك !
    كلماته سببت لي الضيق .. والسكين التى بيده .. عقدّت الأمور لدي ، قلت :- أنا راضٍ بالقذارة ..
    - أخرج من منزلي إذاً !! أمثالك يحلّ قتلهم و يُتبرأ منهم ليحيوا كالكلاب بلا مأوى .. دمك رخيص كغيرك منهم !
    ازداد غيظي .. أمسكتُ يده ودفعت السكين نحوي ، قلت :- أعتذر عن قذارتي ..
    نزعتُ السكين بقوة و مددتها أمامه ، قلت : - إن كنت تظن بأنك ستضغط عليّ بهذه الوسيلة ... فاختر غيرها ..
    لم أشعر بأيّ ألم حينها ، كنت متبلداً تماماً .. قال أبي بانفعال :- مجنون !
    ألم تكن تريد ذلك من البداية .. ! تنحيّتُ بجانب الحائط ثم أرخيت يدي لتقع السكين على الأرض ، قلت وقئ الدم يملأ فمي عبارة قصدتها رمزية .. :
    - آسف لأني .. ألوّث علّية منزلك الآن .. لكني ... أعدك بأني .. سأنظفها ..
    بدأت أشعر بألم الجرح يشتدّ ، ولم يعد بمقدوري الوقوف فتسحّبتُ للأرض ولا أزال حانياً رأسي للحائط ..
    أتتني أمي من خلفي قائلة : - بنيّ .. أجبني ...
    كانت تبكي .. قلت :- .. أنا بخير ..
    وضعت يدها على كتفي قاصدة رؤية الجرح فقلت لها :- .. دعيني ..
    في تلك اللحظات .. ازداد مقتي لنفسي .. أردتُ النهوض علّي أتخلّص من نظراتهم .. بدا لي أني قد فقدتُ كل شيء ..
    ماذا لو متُ الآن ... لم أحقق شيئاً مما أردت .. كل شيء فيّ يتحطّم .. بالرغم من أني لم أقصد الانتحار ولا أريد ذلك ..
    لكني أيضاً ، لم أعد أستطيع احتضان الألم الذي يقتلني ببطء دون أن أراه .. اتجهتُ نحو السلّم لأنزله متجاهلاً ما إن
    قالوا شيئاً من خلفي .. شعرتُ بالدوار ولم أرَ نفسي الا في آخر السلّم .. عندها .. سيطرت هالة حمراء على عينيّ
    ولا أذكر ماحدث بعد ذلك .



    attachment


    مزيج من الكوابيس كان آخرها رؤية أحد ما جعلني أردد " لاأريد الموت الآن " .. ومن بعدها استيقظت ..
    وجدتُ أمي تجلس بجانبي وقد تركت الدموع أثراً على وجهها .. أتراها تشفق على فشلي هي أيضاً .. أنحتُ
    بوجهي للجهة الآخرى ، قالت :- .. بنيّ ..
    - .. أنا بخير ... لاتبكِ ثانية لأجلي ..
    لحظات طويلة مضت ببطء شديد و أنا وحيدٌ هنا .. طريح الفراش مضمّد الرأس و الجسد .. في صباح اليوم التالي ،
    طُرق باب الغرفة ، قلت :- ادخل ..
    كان قائدي المُشرف بالمنظمة .. تفاجأت لرؤيته ثم أخفضت رأسي .. تقدّم نحوي قائلاً :- كيف حالك يا بنيّ ؟
    فأجبته دون أن ألتفت اليه :- .. بخير .. سيدي ..
    جلس بمحاذاتي ، ساد الصمت قليلاً ، ثم قال بهدوء :- مالذي دفعك لفعل كل هذا ؟
    - .. لا أدرى ..
    - .. مانفع تلك التدريبات إن كنت ستنتهي بالانتحار .. لافائدة منها .. كما العهد تماماً ..
    قلت :- .. أنا ..
    ساد الصمت للحظات ، قلت :- .. لم يخطر ببالي الموت أو الانتحار .. مجرد شجار مع والدي .. رفع السكين علّي
    ظاناً أني ... من المشاركين بالاقتتالات ..

    - .. هكذا إذاً .. ألم تخبره بأنك من جنود الدرجة الأولى ؟
    - .. لا .. لا أريد أن أفتح على نفسي أبواباً حرصتُ على اغلاقها .. لكني ... مندهش ..
    - جرح عميق ..!
    - .. إن كان قد تبرأ مني و أحلّ سفك دمي .. لِمَ يجب عليّ أن أبقى ...
    أطرق قليلاً ، بعدها قال :- لا أحد يستطيع لوم والدك لضيقه بشأن مايحدث .. يريدك أن تكون الأفضل دائماً كمثل أيّ رجل ..
    - الأمر سيّان ..
    صمتتُ للحظات ثم قلت :- .. منذ فترة و أنا أحسُّ بأنه يلقي باللوم عليّ لكل مايحدث .. لا أدري .. كيف يمكن لي أن أحدد
    موقفاً و أنا .. ألاقي الضغوط من الجميع .. عائلتي وجميع من حولي .. بالمنظمة لا أجد إلا الأوامر التى عليّ تنفيذها
    شئتُ أم أبيت .. وأخيراً .. قتل شيء ما بداخلي .. حتى أكون مثالياً .. خردة مثيرة للشفقة ..

    شعرتُ بانسياب الدموع على وجهي .. كانت حارة جداً ، تذكرتُ بأني كنت أريد الاحتجاج على المنظمة يومها وكيف
    سارت الأمور ، أسندتُ جبيني المتثاقل على اصبعيّ .. ضحكتُ وقلت :
    - تباً .. كم أشعر بالتعب .. أيجب عليّ أن أتقيأ الدم حتى أكون قد قدمتُ شيئاً .. أنا بالفعل أحمق كبير ...

    وضع يده على كتفي قاصداً التهدئة من روعي ، قلت :- سأعيد كل شيء بعد أن أتماثل للشفاء .. أحتاج لإجازة ..
    - تستطيع أن تبدأ من جديد ..
    نظرتُ اليه فقال :- لا تضغط كثيراً على نفسك .. اعادة التعهد مجرد اجراء عقابيّ لا غير يابنيّ .. سأحفظ لك كل شيء
    لحين عودتك ..

    - شكراً جزيلاً لك ..
    بعد أن تماثلتُ للشفاء ، عدتُ للمنزل وأرجعتُ كل شيء كان بحوزتي للقيادة ، بما في ذلك التعهّد الذي قطعته على
    نفسي ذات مرة .. أتراني قد عدتُ الى الصفر الآن ... لاحظتُ مع مرور الوقت أن والدي يتجنّب مقابلتي أو حتى الحديث
    معي .. قد كنتُ وقحاً بما يكفي في ذلك اليوم لأستحق أن أكون جندياً مشاركاً بالاقتتالات بنظره ... أيّ حزنٍ و خذلان
    ذاك الذي يعتري المقاتل حين يرى بأنه منبوذ من قبل من يعتبرهم كنزه الحقيقي .. بدت علاقتي سطحية مع جميع
    أفراد الأسرة .. لا أريد الاقتراب منهم أكثر .. لعلّ رؤيتهم بحال جيدة تكفيني ، بتُّ أفقد الأمل بجميع ماحولي ..
    ولم تعد لي الرغبة في المحاربة لأجل أيّ شي .. شارفت نفسي على المغيب و أسدلت سفني أشرعتها المهترئة للنهاية .


    attachment




  5. #4


    attachment

    مرّت الأيام ولم يتغير الحال أبداً ، اقترب موعد زواج ابنة عمتي .. هذا اليوم الذي لطالما أنكرته على نفسي ولم
    أرغب بالتفكير فيه أبداً .. تذّرعتُ بمبرر كاذب .. مضت تلك الأوهام ، وحان وقت الاستسلام للحقيقة .. اليوم ، وفي هذه
    الليلة الربيعية الأخيرة .. ستُرسم آخر فصول المسرحية بانتهاء قصة حبّي البائس .

    كنتُ أجلس وحيداً في الغرفة محاولاً كبح المرض الذي أشعر به ، وبينما كنت كذلك ، أتت أمي وقالت :
    - مابك تجلس في الظلام هكذا ؟!
    اقتربت مني بعد أن أضاءت المصباح ، وجلست على السرير بمحاذاتي .. نظرت إليّ قليلاً ثم قالت :
    - بنيّ .. ماهذا الشحوب !
    وضعت يدها على وجنتي وقالت بدهشة :- وجهك مُتعرّق .. أتحسّ بالمرض ؟
    أسقطتُ أجفاني محاولاً الهروب من عينيها ، قلت :- أنا بخير .. الجو حارٌ فقط .. اطمئني ..
    ساد الصمت قليلاً ، قالت :- هل أجد عندك مُتّسع من الوقت لتوصلني الى قاعة زفاف ابنة عمتك ؟ لقد تأخرت قليلاً ..
    لم أجبها ، فربّتت على كتفي قائلة :- هيا بنا .. إنها فرصة جيدة لتُرفّه عن نفسك قليلاً ..
    .. أشبه بالسخرية .. لم تزد كلماتها من ألمي .. فطوال تلك الشهور الأربعة .. يتردد عليّ ضوء تلك الحقيقة
    العاني .. وببطء شديد .. أتجرّع الكؤوس المريرة ، وحيداً ..

    قالت :- هيّا ..
    نهضتُ وخرجتُ معها ، عندما وصلنا قلت :- من سيعيدكم للمنزل ؟
    - سيأتي والدك .. ابقَ قليلاً وبارك لها على الأقل ..
    - سأرى ..
    - حسناً .. اعتني بنفسك يا بنّي ..
    جلستُ في احدى الزوايا ، ساعة كاملة مضت لم أشعر بأيّ شيء فيها .. وكأن جسدي قابعٌ في ذلك المكان ،
    بينما روحي تتخبّط في وحشة الألم .. يُعييها المرض و الحُمّى .. تتجوّل تائهة انطلاقاً من ثنايا الخلاف الواقع
    بين شطرّي المنظمة .. متثاقلة بتلك الحواجز التى باتت تزداد غلاظة بيني وبين عائلتي .. متجرّعة الكأس المرير ،
    بزواج تلك الفتاة التى لا أدري إن أخطأتُ بإخفاء حبّي لها .. مرّت تلك الساعات لترسم آخر لقاء _ ربّما _ أراها فيه ..
    وسط تلك الضجّة العارمة ، أحسستُ بأنه ثمة شيء ما .. يُحتضر داخلي ...

    قابلتً أقاربي هناك ، حاولتُ تجاهل ما أمرّ به حتى لا يبحث أحد وراء السر الذي أخفيه في سكناتي .. وعندما حانت
    لحظة أخيرة للتهنئة .. ذهبتُ مع أقاربي الآخرين ، وفي تلك القاعة الكبيرة .. رأيتها .. لم تتغير .. تلك الرّقة
    بابتسامتها السطحية و نظراتها .. بل ازدادت جمالاً .. لكنها ؛ تقف بجانب ذلك الرجل .. "زوجها" ، اقتربتُ منها
    مُستغلاً انشغال الجميع .. نظرتُ اليها مجدداً وقد أعلنتُ استسلامي بتلك الابتسامة التى ارتسمت على شفتيّ ..
    :
    - تهانيّ يا ابنة عمتي .. مبارك لك .
    فابتسمت قائلة :- شكراً لك ..
    إنها النهاية إذاً ... شعرتُ باختناق شديد وزادت رغبتي بالتقيؤ .. أردتُ الخروج من ذلك المكان بسرعة دون أن ألفت
    الأنظار حولي .. تماسكْت .. وخرجتُ مبتعداً متسارع الخطوات .. كان لابد من مواجهة ذلك عاجلاً أم آجلاً ، ويجدر بي
    نسيانها الآن .. سرتُ طويلاً ، وبينما كنتُ على مقربة من المنطقة المشرفة على البحر ، فاجأني أحدهم منادياً :
    - هيه أنت ! قف في مكانك ..
    نظرتُ فوجدته أحد عناصر التنظيم الشمالي في المنظمة ، أسرعتُ في خطواتي بين الأشجار محاولاً الهرب حتى لا أقع
    بالأسر ، فتبعني قائلاً :- قلت لك توقف وإلا سأصيبك !
    لم أصغِ اليه و أسرعتُ أكثر فأطلق نيران بندقيته ليصيبني في قدمي .. فقدت توازني وهويت على الأرض .. لداعٍ ما ،
    لم أملك الارادة للنهوض .. استسلمتُ للاصابة و أرخيتُ نفسي ، اقترب مني جنديّين ، قال أحدهم :
    - يبدو لي أنه من جنود الجنوب .. عجباً ! اصابته ليست خطيرة ..
    فقال الآخر :- يبدو عليه المرض .. لا تستهن .. إنه من الفرقة الأولى .. احقنه بمخدر حتى لا يصدر أيّ مقاومة ..
    في تلك اللحظات .. لم أكن أشعر بشيء غير ألم حاد بقدمي ، وشيء لاسع آخر يتسلل لجسدي .


    attachment

    مضت عدة أيام ، كنتُ فيها أستيقظ فأحس بألم شديد ثم أفقد وعيي .. وبعد مرور فترة على احتجازي ،
    استيقظتُ بوقع المياه الباردة التى سُكبت عليّ .. كنتُ مثبتاً على كرسي في غرفة مظلمة تلفني الحبال ،
    نظرتُ حولي فوجدتُ أحد جنود المنظمة ، قال :- أراك استيقظت ..!
    قلت بهدوء :- ماذا تريد مني ؟
    - أنت من جنود الجنوب أليس كذلك ؟!
    - و مالغريب في الأمر ؟
    - لاشيء ، ماذا كنت تفعل في تلك الليلة ؟
    - لاشيء ..
    - أجب !
    - قلت لاشيء ..
    نظر إليّ بريبة ثم قال :- لا أصدقك ...
    - هذا شأنك !
    أمسك بشعري قاصداً رفع رأسي ، قال :- أجب وإلا سأعذبك ..
    اكتفيتُ بالصمت والنظر اليه بحدة ، ابتعد عنّي وأمسك عصا قائلاً :- ترفض الاجابة إذاً !!
    - ..
    استطرد قائلاً :- تباً لك !
    " دعه "
    - لديّ أمر من القيادة باستجوابه ..
    - أنا من سيفعل ذلك .. دعه لي ..
    بعد أن انصرف ذلك الجندي ، خاطبني :- كيف حالك ؟
    نظرتُ إليه ، لقد كان " مراد " أحد رفاقي الذين تعرّفت عليهم مُسبقاً ، قلت :- لا أدري ..
    تنهدّ ثم قال :- حسناً .. اسمعني .. قد أستطيع مساعدتك بالخروج من هنا لكن قل لي أولاً ماذا كنت تفعل
    مساء ذلك اليوم ؟ أعلم بأنك لست من ذاك النوع لكني أريد حجة مقنعة ..

    ذلك اليوم ، ماذا كنت أفعل ! .. أنحتُ بوجهي قائلاً بهدوء :- لا أملك شيئاً ..
    ساد الصمتُ قليلاً ، قال :- لاتبدو على مايرام .. اصابتك طفيفة بل وكنت تستطيع تفاديها ، لكنك لم تفعل
    و استسلمت .. لِمَ كنت تريد الوقوع بالأسر ؟

    - ..
    - كالصندوق المغلق تماماً .. ستمكث مدة من الوقت هنا .. و ستتعذب بسبب عنادك .. لاتقلق بشأن أسرتك ..
    - شكراً لك ..
    ساد الصمت قليلاً ، ثم قال مراد مطرقاً :
    - تباً لهذه الظروف .. نحن نعطى عدونا فرصة جيدة ليسخر منا وكأنه يعلن انتصاره ..
    - أجبروك على ما أنت فيه الآن ..
    - أجل .. صدرت أوامر من القيادة باجبار الجميع على الوقوف معها طوعاً أو كرهاً .. أنا هنا لأطمئن على الأسرى فقط .
    - .. الشيء ذاته قد حدث معي .. كنت أحتفظ بالتعهّد لنفسي أما عمّا تفعله القيادة .. فمنظر فقط .
    - ماذا عن سامر ، وبقية الرفاق ؟
    - حالهم كحالنا ..
    - تباً .. يتلاعبون بنا كالدُّمى تماماً ..
    - آمل أن ينتهي الأمر بسرعة ..
    كانت تلك أول مرة أرى فيها مراد يتحدث بحنق ، مكثتُ في ذلك المكان ما يقارب السبعين يوم ، تلك مدة كافية ليتغير
    وقع أنفاسي ، كانوا في بعض الأحيان يجلدوني إذاما سمعوا عن قتلى .. وبأحيانٍ أخرى يلتف حولي مجموعة
    ويباشرون ضربي بالهروات ، فمن أراد منهم الانتقام يأتي إليّ ويعذبني كحال بقية الأسرى .. تلك الأيام كانت كالكابوس
    المرعب .. أقول دائماً ، أريد الاستيقاظ لأتيقن بأني أرى كابوساً فالحقيقة ليست كما أراها ... خفف الأسر عني كثيراً
    وفضلّته على أن أبقى في ذلك المنزل ، كنتُ أخشى افتعال شجار آخر يفقدني أعصابي كما حدث لي مع والدي .. لا أريد
    أن أتسبب لهم بالأذى .. يجب عليّ الاعتذار ثم العودة لعملي مهما كانت العواقب .


    attachment



  6. #5


    بعد انقضاء شهر آخر ، أُفرج عني .. وقبل أن أخرج من السجن أتاني " مراد " ، فك قيودي ، ثم نظر اليّ وقال :
    - أتشكي من شيء ؟
    ساد الصمت لحظة ، قلت :- لا ..
    - عنيد ..
    - أنا بخير .. اطمئن ..
    - لا تبدو كذلك .. اسمعني .. خذ بدّل ملابسك .. سأوصلك الى بيتك ..
    - .. أريد رؤية البحر قليلاً ..
    ابتسم وقال :- كما تريد ..
    ذهبتُ واياه الى هناك ، كانت الشمس قد شارفت على المغيب ، وقفتُ أتأمل قليلاً ، وضع يده على كتفي وتنهدّ ، ثم قال :
    - ما بالك أصبحت شارد الذهن دائماً .. وكأنك تُحتضر ..؟
    ساد الصمت قليلاً ، قلت :- .. أنا ..
    تنهدت و أكملت :- سأكون بخير ..
    - مم تشكي .. اخبرني وأعدك بأني لن أخبر أحد ..
    نظرتُ اليه قليلاً ثم أخفضتُ رأسي ، قلت :- أشعر بالتعب الشديد فحسب ..
    جلستُ على الرمال وجلس بجانبي ، قال :- علمت بأنك تشاجرت مع والدك .. ألم تخبره بأنك لم تكن من المشاركين ؟
    - .. لم يدع لي فرصة للحديث ..
    - .. أفهمك .. هل حدث بينكما شيء في اليوم الذي وقعت فيه بالأسر ؟
    - لا .. قاطعني قبل ذلك بمدة .. أتراه قد عفى عني الآن ..!
    قلت مُطرقاً :- أم هي ملامحي تعطيه انطباعاً بجهلي وإجرامي ..
    ربتّ على كتفي ، قلت :- مابك تسأل ..؟
    - لا شيء سوى أني .. شعرتُ أن أمراً ما قد حصل لك .. وكأنك رأيت شيئاً أفزعك ..
    نظرتُ اليه وقلت :- أبدا ذلك واضحاً عليّ ؟
    - أجل .. كنت محموماً ..
    ساد الصمت قليلاً ، قلت :- أشعر الآن ببعض التحسن .. لربما خفف عني التعذيب قليلاً ..
    - .. في تلك الليلة أقيم زفاف شخصٍ ما ، يعني لك الكثير ؟!
    تفاجأت لما قال ، قلت :- كيف علمت بهذا ؟
    - من قبل أن أراك في الأسر .. شعرتُ ببعض القلق وحاولتُ معرفة ما حلّ بك .. لاتنسى بأنك كنت بمنطقتي ..
    - لا بأس .. لا داعِ للتفكير بالأمر .. فقد انتهى .
    - لاشك أن ذلك كان صعباً ..
    - ليس كثيراً ..
    نهضتُ ومددتُ يدي نحوه قائلاً :- لازلتُ أحلم بذلك الشيء ..
    أمسك يدي ونهض ، قلت :- عليّ العودة الآن للمنزل .. عدني بألا تخبر أحداً بما تعلم ..
    ابتسم مواسياً ، قال :- لاتقلق ..
    عدتُ للمنزل يعتريني شعور غريب متناقض .. أريد رؤيتهم ولكني أخشى من ردة فعل أبي ، أتراه قد سامحني الآن
    أم أن سخطه قد اشتّد عليّ .. بكل الأحوال يجب أن أعتذر .. قد بلغتُ أقصى درجات الفشل بنظره .

    عندما دخلتُ المنزل رأيت أمي تنظر إليّ بدهشة ، قلت بتردد :- لقد عدت ..
    عانقتني وهي تبكي " .. لقد قلقتُ عليك كثيراً .. "
    - آسف لأني .. سببتُ لكم القلق .
    نظرتُ حولي أتفقد المنزل وإذا بي أجد أبي ، كان يجلس على أريكه يشاهد التلفاز ، ترددتُ قليلاً ولكني اقتربتُ منه ، قلت :
    - .. أنا آسف .. أرجو أن تقبل اعتذاري ..
    ساد الصمت للحظة ، لم ينظر إليّ ... ربما ما أراه محظ أطياف وسأصحو من هذا قريباً ، أو أني ... تأخرت كثيراً ،
    أسوء شيء قد يتعرض له المرء هو ادراك أن من يحبهم لاينظرون اليه حتى ، ورغم ذلك يطلبون منه الكثير ..
    لم أكن مُذنباً لأعتذر .
    انصرفتُ لغرفتي ، تفقدتها .. ماتزال كما تركتها ، حتى تلك الزهرة التى قطفتها لابنة عمتي ذات يوم .. كنتُ أشعر بالنعاس
    و التعب ، رميتُ نفسي على سريري .. هاقد عدتُ من جديد ، ولربما .. لن أطيل البقاء ، سئمتُ من وضع المنظمة المفكك ..
    أتراهم سيلتفتون إن قمتُ بذلك ..؟ لم يعد هناك خيار آخر ... فجأة ، طرق أحدهم الباب ، كان والدي .. نهضتُ واستقمتُ
    من هول المفاجأة ، اقترب مني وقال :- كيف تشعر ؟
    - أنا بخير ..
    تنهدّ ثم قال :- هل عذبوك ؟
    - ليس كثيراً ..
    لداعٍ ما ، أمسك زندي الأيسر وضغط عليه ، شعر بإصابتي .. قال :
    - لست مضطراً للكذب .. الجروح تملأ جسدك ..
    أنحتُ بوجهي وتنهدت :- وماذا في ذلك ..
    - نصحتك بالابتعاد عن المنظمة في الوقت الراهن و أنت لم تقتنع !
    نظرتُ إليه بإمعان وقلت : - .. لستُ من ذلك النوع .. و لا أرى نفسي مؤهلاً لتمييز المخطئ من المصيب لمعاقبته ..
    - كلكم مخطئون !
    - أعلم هذا .. لكني انضممتُ للمنظة حتى أحارب عدوي لا لأن أمتشق سلاحاً وأقتل فيه أخي !
    نظر إليّ وقال :- سيجبرونك .. وإن كنت من جنود الدرجة الأولى !
    صمتت للحظة ثم قلت :- أخبرك القائد ..
    - بعد اعتقالك !
    - .. من الذي أخبرك بأني شاركتُ بالاقتتالات اذاً ؟
    - زميلك بالدراسة .. عليّ ..
    - .. هكذا إذاً ... لن أنصاع لأوامر كتلك ، اطمئن ..
    ربّت على كتفي قائلاً :- أثق بك يا بنيّ ..
    ثم خرج من الغرفة .. ليتك وثقت بي أكثر من ذلك .. كنت سأحارب قليلاً لأرضي قلبي بدلاً من خسارة كل شيء .
    مكثتُ عدة أيام أرصد مقر إحدى دوريات العدو الخاصة ثم ذهبتُ لمقابلة قائدي المشرف وقد عزمتُ النيّة على
    تنفيذ الهجوم و إن اضطرني ذلك لفقدان حياتي ...
    - سيدي .. أحتاج بعض الأسلحة لتنفيذ اقتحام مُركب ..
    قابلني بهدوء :- وحدك ؟
    هززتُ رأسي و قلت :- أستطيع فعل ذلك ..
    تنهّد بهدوء ، ثم قال :- اسمعني يابني .. حتى و إن كان هدفك نبيلاً .. لازالت البلاد بحاجتك .. سأبعث معك
    "سامر " و لتحافظا على سلامتكما ..

    - .. لكني ..
    - ماذا لو وقعت بالأسر ؟
    صمتُ للحظة ثم قلت : الأسر أهون عليّ من السعي لكسر وحدتنا وخراب المنظمة بكل الأحوال ...
    قال مطرقاً :- هو كذلك .. اسمعني .. تستطيعون التغلب على شق الشمال و الجنوب .. الأمر بأيديكم أنتم ..
    أطرقتُ بتلك الكلمات التى قالها .. قال :- بني .. حافظ على حياتك و حياة زملائك وتذكر بأن التطورات القادمة
    ربما تتيح لكم فرصة إنهاء هذا الخلاف .. سأهيء لكما خطة مناسبة واختر المعدات اللازمة أنت و زميلك ..
    توكلا على الله .

    - عُلم ..
    استدعى القائد "سامر" و أخبره بكل التفاصيل .. مضى أسبوع و قد أتممنا استعداداتنا لشن الهجوم ..
    انتصف الليل وحان وقت الذهاب لتنفيذ المهمة .. توجهت برفقة صديقي صوب إحدى النقاط .. بقعة خالية نوعاً ما
    مكشوفة ، تسبقها مساحة من الأشجار ، اقتربنا الى أن وصلنا المكان المناسب ، جهزنا كل شيء لحين وصول
    الدورية المُستهدفة ، وخرجت لتنفيذ المرحلة الأولى ، دارت معركة عنيفة بعدها .. ورغم كونها امتدت لأكثر من
    نصف ساعة لم أشعر بالوقت ، غطّت قوة المساندة انسحابي ورفيقي ، أوقعنا الاصابات في صفوف العدو ، لكن ما
    كنا نعنيه بذاك الهجوم لم يبلغ المقصودين .. اشتدت وتيرة الأحداث نحو الأسوء ، كنت ورفاقي قد اتفقنا على أن
    نكرّس جهودنا جميعها لتنفيذ المزيد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال وايقاف الاقتتالات حتى ندفع الناس لمقتها
    وقمعها فعلياً ، لكن ذلك لم يدم طويلاً .. بل تم اصدار قرار من القيادة العليا بادخال جنود الدرجة الأولى الاقتتالات
    حتى يتم الحسم ، وبالفعل ، خرجت ورفاقي الآخرين بالشطرين لنبين أن قيادتنا تسير دون مراعاة لجنودها أو
    لأخلاق المنظمة ، قمنا بالاعتراض بدل الاقتتال ورمينا أسلحتنا ، وكذلك فعلت غالبية الجنود .. أعلنّا الاضراب
    و العزوف علناً حتى تنتهي تلك المهزلة .


    attachment


  7. #6


    attachment


    إنه الشتاء .. هذه القطرات اللطيفة .. تنساب ببطء شديد ، وكأنها تجلي مامضى بهدوئها لتفتح صفحة جديدة ..
    غبتُ لأعود للمكان ذاته الذي شهد الكثير من الأحداث القاسية ، في تلك البقعة تماماً أصبتُ في قدمي .. من بعد
    أن أكملتُ تجرّع الكأس المرير ، بزواجها ...
    أراني قد تغيرتُ كثيراً فعلاً .. أصبحت ملامحي أبرد بكثير ، و هيئتي ... مضى الوقت بسرعة ، ترى .. كيف حالها الآن ..
    ليس من حقّي السؤال فقد انتهى كل شيء ، لكني .. أحسّ بأنها ، مازالت تحتفظ بشيء منّي .. لم أرها من بعد ذلك اليوم
    الذي شاطرتُ فيه الألم وحدتي ، لحظات .. وكأنها تُعلن بداية حبٍ جديد .. فوق أنقاظ آخر .. " تهانيّ .. يا ابنة عمتي .. "

    كنت في طريقي للمنزل ، لا أدري مالذي أعادني لتلك الأيام .. هذا القلب العليل .. تتسارع خفقاته كلما ذُكر اسمها أمامي ..
    متى ينتهي هذا العذاب .. كل شيء حولي يتألم ببطء .. يا إلهي ... وبينما كنت سائراً ، مرّ بجانبي طيف تلك الفتاة ، بل انها
    هي .. كان ذلك مفاجئاً حقاً ، وقفتُ صامتاً بلا حراك ، لكن كلمة " أحمد " من صوتها كسرت جدار الصمت .. التفتُ إليها ،
    إنها هي .. "سلوى" ، نظرتُ إليها فاقتربت مني ، قالت :- كيف حالك ؟
    اكتفيتُ بالنظر إليها ، كانت حبلى .. أخفضت رأسها فقلت :- .. بخير .. كيف حالكِ أنتِ ؟
    ابتسمت قائلة :- أنا بخير ..
    تابعتُ سيري وكانت تسير بمحاذاتي ، قالت :- أحمد الله على سلامتك من الأسر ..
    فأجبتها دون أن ألتفت اليها :- لطفٌ منكِ ..
    - عذبوك ؟
    - ليس كثيراً ..
    - لستُ أدري كيف يعذّب الأخ أخاه !
    ... تراكِ ماذا تقولين عن نفسكِ أنتِ أيضاً .. لِمَ تخليتِ عني ... الذنب ذنبي ..
    قلت :- كانوا مُجبرين على ذلك ..
    .. مرّت لحظات صمت طويلة .. يا إلهي .. مالذي أتى بها الآن .. كنت قد عزمتُ على نسيانها ، لِمَ هي هنا ..
    سألت :- كيف دراستك ؟
    - .. جيدة ..
    تنهدَّت فقلتُ بتردد :- كيف حالك ؟ أعني .. تحسين بالسعادة ..؟
    ابتسمت وقالت :- الحمد لله ..
    أخرجت سيجارة من جيبي و أشعلتها .. ساد الصمت للحظات ، من شدته .. كان فمي يأبى إخراج الدخان من رئتيّ ،
    قالت :- لم أرك تدخن من قبل ..
    - أصبحتُ ادخّن مؤخراً ..
    تنهدَّت مرة أخرى ، قالت :- كان عاماً صعباً ..
    - ..
    كان الصمت سيد الموقف ، الى أن وصلنا لمنزلها ، نظرت اليّ بابتسامة قائلة :- اعتني بنفسك جيداً ..
    وقفتُ أنظر اليها الى أن دخلت المنزل ، ثم تابعت سيري .. لم أتوقع أبداً بأني سأراها ثانية ..علّي أشعر ببعض الراحة
    الآن .. إنها بخير .. ربما كان عليّ أن أعرف حقيقة مشاعرها أولاً ... بأيّ حال ، يجب أن أكمل طريقي الذي بدأت ،
    ما من شيء يجعلني أتراجع لأجله .. وبلا وعيّ مني غيرتُ مساري صوب البحر .. ما الذي يُشعر المرء برغبة عارمة
    بالسباحة في مثل هذا الجو ! أتراني حقاً أشعر بالغضب .. ذلك الشعور الذي نسيتُ حقاً كيف يكون ، لِم أفعل بنفسي كل هذا .


    attachment

    عاد أخي الأكبر من الخارج ، خِلتُ أن ذلك سيخفف عني العبء قليلاً ، أبواي ابتهجا كثيراً لعودته فقد كان المفضّل لهما ،
    أما أنا فكنت أشعر ببعض المرض مؤخراً ، والتخبّط .. كنتُ أظن أن على المرء أن يضحيّ كثيراً حتى يلقى المحبة والثقة ،
    لكن مذّ عاد أخي .. شعرتُ بالفارق الكبير ، أنا مجرد لاشيء ..
    أشرقت الشمس لتعلن بداية يوم جديد .. هذا اليوم ، مختلف .. أشعر بأن قلبي يخفق بشكل غير مألوف ، وكأن القدر يخبئ
    لي أمراً ما ، أو أني .. شارفتُ على الرحيل ، من بعد المرض .. ذهبتُ للجامعة كالعادة ، أرى في يومي كدرة .. قابلتُ ذاك
    المدعو " عليّ " ، رغم محاولاتي تجاهل المرور به .. استوقفني بابتسامته الخبيثة تلك ، وتذكرتُ ... لم يدع ذلك لي
    الوقت لاتساءل ، لِمَ قال لأبي كذباً أني قد شاركتُ بالاقتتالات ، رأيت في عينيه كل اجوبة أسئلتي ، ذلك الصنف من
    الأشخاص .. يعتبرون تدمير حياة الآخرين انجازاً ؛ ليرسموا معالم الشفقة الميتة على ملامحهم بتلذذ .. لم تعطه ملامح
    البرودة في وجهي شيئاً مما أراد ، تغاضيتُ عن ذلك ، وسرت بدلاً من تحطيم وجهه وتذكر أشياء يجب عليّ نسيانها ... عبثاً .


    عدتُ للمنزل عصراً ، ولسوء حظي .. التقيتُ ابنة عمتي مجدداً ، بذات المشهد الذي خفق فيه قلبي لأول مرة لها ، لكني
    اليوم ، شعرتُ بشئ ما يحترق داخلي .. بل كنت أتعّرق كمن يحترق فعلاً ، تسحبتُ بهدوء و أسرعتُ نحو غرفتي دون
    مراعاة ما ان رآني أحد هذه المرة أم لا .. كل ما كنتُ أراه هو كابوس سلوى فقط ...
    تلك الحرارة التى اعترتني خرجت بهيئة قيء دموي ، أهملتُ نفسي كثيراً بالفترة الماضية .. و ها أنذا أدفع ثمن أخطائي ..
    لِمَ كذبتُ على نفسي و قلت بأني نسيتها فعلاً ولم أفعل ! أيّ خسّة تلك تجعلني لا أكفُّ عن حب امرأة متزوجة ! لِمَ أشعر بأني
    مازلتُ أحبها بقدر الحرقة التى تجتاح قلبي الآن ! لِمَ عادت لتحطّم كل شيء بنيته من بقايا الحُطام ، لِمَ تفعل كل ذلك .. وربما
    المشكلة فيّ من البداية .. تلك كانت القشة التى قسمت ظهر البعير ، و كأن قلبي يعلن تمردّه لأجل ثورة باطلة ! من بعد
    خوضه حرباً أفقدته كل شيء .. تلك الجِراح ، عليّ أن أتأكد من تطبيبها بشكل أفضل ..
    و على العكس من ذلك ، ازداد حالي
    سوءاً .. وكأني كل تلك المدة لم أكن بالحياة قط .. الآن ، أشعر حقاً بكل ما مررتُ به من قبل عام ، تحت قناع متبلد ..

    ذات يوم ، توجهت لمقر المنظمة و هناك ، جلستُ منزوياً ، أتاني سامر و جلس بجانبي ، نظر إليّ قليلاً ثم قال :- مابك ؟
    - .. لاشيء ..
    أطرق قليلاً ثم قال :- .. القيادة تريدك ..
    - حسناً ..
    وعندما نهضتُ أحسستُ بدوار شديد وكأن كل شيء أمامي أُبهمت معالمه ، بل تحوّل كل شيء الى اللون الرمادي
    ولم أرَ نفسي الا أقترب من الأرض ، شيئاً فشيئاً عاد لي وعيي .. كان سامر ممسكاً بيدي وينظر اليّ بدهشة ، قلت :
    - أشكرك ..
    - تبدو مريضاً و مرهقاً !
    استقمت ، بدا الكون يهتز في عينيّ مرة أخرى وتخدرت أطرافي ، لا أذكر الا أني قلت " أنا بخير " ..
    عندما استيقظت ، وجدتُ نفسي في غرفة ما .. أشبه بالمشفى ، نظرتُ من النافذة علّي أعرف أين أنا بالضبط ..
    شردتُ بذهني قليلاً فقاطعني صوت طرق الباب ، كان القائد .. جلس بمحاذاتي وقال :- كيف أصبحت الآن ؟
    - .. بخير ..
    قال مطرقاً :- فقر دم ، و قرحة بالمعدة .. لِمَ أخفيت هذا ؟
    - .. لم آبه لذلك ..
    - وماذا لو أرستلك بمهمة وأنت في ذلك الحال ؟ كنت ستفشل ، وقد تموت ..
    أخفضتُ رأسي وقلت :- .. الأمر سيّان ..
    ساد الصمت قليلاً ، قال :- ماذا هناك ؟.
    أجبته مطرقاً :- لاشيء سيدي ..
    - أنت لا تبدو على ما يُرام .. دع المنظمة الآن و أخبرني مابك ؟
    - سأكون بخير ...
    تنهّد و وضع يده على كتفي ، قال :- بنيّ .. لاتكن عنيداً ! تبدو المعاناة واضحة في عينيك ..
    قلتُ مطرقاً :- لاشيء غير أني أعاني بعض الضغوط .. لاأستطيع البوح بها .. الأمر غير متعلق
    بالمنظمة .. شيء ما في نفسي فقط أحاول انهاءه .

    أطرق قليلاً ثم قال :- قد يفيدك الحديث .. أنت أحب أبنائي إليّ و أفضل جنودي .. أريد أن أراك بخير دائماً ..

    ساد صمت ثقيل ، قلت :- اطمئن سيدي .. لاشيء سوى أني .. تراودني كثيراً ذكريات أردتُ نسيانها ولم أستطع ..
    حاولتُ إقفال قلبي علّي أشفى بعض القروح ، فوجدتُ بأنها أعمق من أن أقفل عليها ..
    قال وقد بدت عليه ملامح التفهم :- .. لايكون دواء قروح القلوب الا بتضميدها .. لذلك ، لاتعمد إقفال الجروح
    لانها لن تندمل هكذا .. عالجها بالطريقة التى تريح فيها قلبك .. عقلك العنيد هذا و مثاليتك تظلمان قلبك أحياناً ..

    تأملتُ قليلاً كلامه ، قال :- كما تصفعك الحياة بشيء ، يعوضك الله شيئاً آخر .. لديك رفاق و أهل يحبونك كثيراً
    و أرضك كذلك ...

    تماثلتُ للشفاء و عدتُ أكثر هدوءاً من بعد تلك المدة المجنونة التى قضيتها مؤخراً ، عليّ تقبّل الأمور كما هي ..
    سأعمل بجد حتى أنسى كل شيء يكون نقطة ضعفٍ لي .. لافائدة من البكاء على اللبن المسكوب بكل الأحوال ..
    لافائدة من الاحتفاظ ببقايا قلبٍ ميت ..
    تفرّغتُ للمزيد من العمليات السريّة ، وبانقضاء عام نفذتُ الكثير منها دون الشعور بذاتي .. وقعتُ بأسر العدو
    في تلك المدة ، عانيتُ كثيراً لأتخلص من بقايا ذكراه .. لوقتٍ طويل ، لم أتعب قط .. وما كنت سأجد الوقت لذلك ؛
    فتلك المدة شهدت تصعيداتٍ جديدة بدأت معها الخطة الشاملة نحو الخلاص التام ، أما عن أبويّ .. لاحظتُ قلقهم
    حديثاً لتغيبي المستمر عن المنزل وانشغالي قليلاً عن الدراسة .. يجدر بهم الاعتياد على ذلك لأني شبه راحل ..
    كل شيء سيهون من أجل الوطن .


    attachment


  8. #7


    attachment


    جنود الدرجة الأولى .. هم نخبة المنظمة وعمادها الأول و الأكبر .. البوصلة الحقيقية المتوقفة صوب الحرية ؛
    لأجل ذلك تم تدريبنا ليكون كلٌ منا هو الوطن بذاته .. الوطن الذي يكفل الجميع ويبذل ما بوسعه لحمايتهم ،
    الرجل الذي إذاما لجأ اليه أحد كان له وطناً ..
    حرية الفكر .. والظروف تكفل تعليمك كيف تصبح رجلاً صلباً حانياً بالوقت ذاته ، الأعياد في قلوبنا هي تلك التى نستشعر
    بها الحماسة من عفوية حركة الأشجار ، و الأعراس في فكرنا هي ما نراه فرحة حقيقية و نصراُ .
    لكل جنديّ قصة انتماء مختلفة ، تبدأ بحب الأرض .. و تنتهي بالرحيل الأبدي الى الوطن ، محظ الواقع المُميت ...
    يعطيك الدلائل و الاشارات ، و القناعة .

    جمعتني فترة الانشغال الأخيرة بمزيد من الجنود وجب على سريتي تدريبهم ليصبحوا مثلنا ، كذلك انضم حديثاً لنا شاب
    جديد اسمه " رامي " ، رأيتُ فيه ذاتي القديمة .. لابتسامته رونق مختلف ، ولبريق عينيه معنى خاص سهّل عليه
    الاندماج ببقية المجموعة وأكثرهم أنا .. كانت حماسته وحدها تمد متدربيه عزماً وإصراراً .. مضت أيام التدريب بسرعة ،
    وبعيداً عن معسكرنا كانت أجواء الترقب المشتعلة بصمت تعم البلاد .

    attachment

    أخذت أوراق الأشجار بالاصفرار و النحيل ، وبلغتُ عامي الجامعي الأخير .. مع ذلك ، لم استطع توفير نفسي للدراسة
    كما يجب او الجلوس مع عائلتي ، صعّد العدو من هجماته وصعّدنا من عملياتنا .. كنا نمثل ارادة الحق بوجه الظلم ؛ لذلك التف الشعب جميعه نحونا و أيدنا .
    ذات صباح ، اجتمعتُ ورفاقي بالمقر لأجل تعليمات تحركات جديدة لضرب اجتماع سرّي في احدى قواعد العدو وسرقة
    بعض المعلومات الهامة ، الأمر كان معقداً ، ونسبة النجاح ضئيلة جداً كما بدا ، أطلعنا القائد على الخطة .. وكعادة كل
    فردٍ منا .. وداع رفيقه بنظراتٍ عميقة يشقها الابتسام ، لا أحد يدري من سيُفقد هذه المرة .. مكان من سيصبح خالياً ..
    لأي بيتٍ سنتوجه ، و ربما أرادتنا الحياة جميعاً ، اختلجت قلبي نظرات رامي لي بعينيه المتسعتين .. مهمتنا هي الأصعب ..
    قد يكون اليوم لي ، أو له ، أو لكلينا ؛ لأختفي وذاتي القديمة للأبد .
    عدتُ للمنزل ، أطلتُ النظر لكل ما فيه .. حتى تلك الوردة الذابلة التى كنت سأعطيها لسلوى ذات يوم ..
    حلّ المساء بسرعة ، وقبل خروجي استوقفني أخي الأكبر .. لداعٍ ما ... اجتاحني الحزن ، وربما كنتُ أخفيه طيلة
    تلك الأوقات ... عانقني بهدوء قائلاً : " اعتني بنفسك و عد سالماً " .. قلت " سأبذل جهدي " ...
    .. تلك كانت أول مرة أشعر فيها بأني لستُ الأخ الأكبر .

    انطلقنا أربعة بلباس مدني و أقنعة ، لكلٍ منا هدف معين .. إضافة لذلك ، كان عليّ مهمة جلب بعض المعلومات
    المحوسبة ثم الانسحاب مع رامي الذي كان عليه تأمين الطريق لي .

    تلك المهام ، تتوجب عليك ابقاء جميع حواسك يقظة ، حتى عقلك اللاواعي .. كانت بضع دقائق اجتمعت فيها كل الأزمنة ...
    ليغرق المقر بالدماء هناك ، سرت حابساً أنفاسي عبر طريق ثانويّ مظلم أشبه بالأخدود لأصل مختبرات حواسيبهم ،
    أما رامي فتوجه لغرفة التحكم حتى يعطّل كاميرات المراقبة ، استطعتُ فك الشيفرات ثم خزّنت ما أوكل إليّ وحالة الاستنفار
    تعم المقر بأكمله ، كان صوت اطلاق النار كثيفاً .. علمتُ سلفاً أن قوات الدعم الاحتياطية للعدو قد وصلت المكان وسيبدأون
    بتفتيش المقر بحثاً عنا .. بينما كنت آخذ نسخة من تلك المعلومات صدر تشويش ما على الأجهزة فاستعدتُ القرص ، تلقيتُ
    اتصالاً مشوشاً من رامي عبر اللاسلكي " النقطة (1) أجب .. الهـ دف الذي اتفقـ نا الاجتمـ اع به وقـ ع تحـ ـ ت السيـ ـ طرة ،
    تـ وجه بسرعـ ـة نحـ و المدخـ ل الخلفي لغـ ـ رفة التحكم .. سأكون بانتظارك
    " .. جميع المداخل سُددت .. لم تكن تلك
    الرسالة من رامي بالأصل فذلك التشويش الذي حدث على الأجهزة كان من غرفة التحكم .. لاشك أنهم بطريقهم للمختبرات
    الآن ، سلكت الطريق ذاته لأنسحب ، وكما توقعت تماماً .. بان خمسة جنود من قوات الدعم .. سهل عليّ القضاء عليهم
    لكوني علمتُ بتواجدهم ، لاحظتُ حركة خفية لاحدى كاميرات المراقبة فأعطبتها جميعاً ثم تخفيتُ ببزة احد الجنود و خرجتُ
    بسرعة متوجهاً صوب نقطة الالتقاء الأصلية التى كنت قد اتفقت مع رامي على الالتقاء بها ، عندما وصلت سمعت الجنود
    يتحدثون عن شاب قُتل و الجثة المشار اليها تبين منها ثياب رامي ، لكن أحد الجنود هناك أيضاً أشعرتني نظراته لي بالريبة

    ، قال :- أحد الأوغاد قُتل ، اين بقية مجموعتك ؟
    قلت غير مكترث :- ستأتي بعد قليل ..
    بدا لي كقائدهم من أوسمة بزته ، أمسك ذراعي مشيراً لي بأن أتقدم معه نحو زمرة الجنود المجتمعة حول جثة رامي وضعت
    يديّ في جيبيّ .. ثمة قنبلتي غازٍ بهما .. ذلك الخيار الأخير حتى لا أقع بالأسر ثانية و تضيع المعلومات التى جمعتها إضافة
    لموت صديقي .. عليّ الهرب من ذاك المكان ، قال لهم مخاطباً :" تنكّر الهارب المتبقي بثياب أحد جنودنا .. انتبهوا جيداً لأيّ
    جندي مريب يأتيكم دون سريته
    " وصوّب مسدسه نحو رأسي قائلاً :- كهذا !
    من قبل أن يكمل ، أنحتُ رأسي بسرعة لأركله ركلة دورانية فتفاداها ، أردتُ أن أبعد نفسي قليلاً بقتالٍ فرديّ حتى أستطيع
    الانسحاب أو أقضي عليه معي بقنابل صغيرة كانت ببزة الجندي التى سرقتها ، لكنه كان سريعاً جداً ويضاهيني قوة ،
    فجأة خرج جندي بدا عليه التطرّف ، أطلق رشاشه صوبنا قاصداً قتلي فجذبتُ قائدهم على حين غرّة أمامي ، ذاك كان سبب نجاتي
    .. أصبت بطلقتين بصدري ويدي ، بينما القائد أصيب بمعظمها جعلته مُحتضر ، استغللتُ دهشة الجنود لأخرج قنابل الغاز
    ثم رميتها صوبهم أثناء تراجعي وما أزال أمسك قائدهم المرتخي بيدي اليسرى .. قال " أيّها اللعين" وأصاب قدمي بمسدسه
    ، وضعتُ السكين على رقبته و جذبتها بخفة ، قلت :- سأريحك ..
    حاولتُ الانسحاب بسرعة من قبل أن تتبعني قوات دعم جديدة أو احد أولئك الجنود ، الأمر صعب جداً بوجود تلك الاصابات
    و الكدمات التى لم أشعر بها في حينها ، سامر ومراد كانا قد انسحبا قبلنا ؛ يصعب عليّ التفكير بأن رامي قد قُتل هناك و لم
    أستطع حتى جلب جثته .. ربما لو كنت أسرعت أكثر لما حدث ما حدث .. كيف يمكن لي العودة الآن وحمل ذاك الخبر فوق
    جراحي .. لابد أنه قد تخفى بلباس جندي مثلهم وسأجده الآن بالمنظمة ! .. لا أستطيع التصديق حقاً بأنه قد قُتل ! لا يمكن لي
    الاقتناع بذلك .. !!
    كنت قد عطّلتُ جهازي اللاسلكي مؤقتاً حتى لا يُكتشف أمري .. مازال الطريق لمنطقتي طويل و قد تعثر كلاب حراستهم
    عليّ من انتشار رائحة الدم .. إضافة لأني بحاجة لاسعاف سريع قبل أن ينفذ دمي .
    اتصلتُ بمقر الحركة طالباً الدعم .. يتطلب حضورهم نصف ساعة أو أكثر .. تلك مدة طويلة قد تقضي علي حياتي تباً !
    حاولتُ اكمال المسير رغم صعوبة ذلك ، بانت أشعة الشمس من بعيد ، سمعتُ صوت دبيب محرك مصفحة قادم ..
    هُيء لي بأنها لاحدى دوريات العدو .. سأموت على كل حال .. أخرجت المسدس وتابعتُ المسير الى أن اقتربت المصفحة
    أكثر .. صوبتُ نحوها لكنها لم تصدر أيّ اجابة غير الاقتراب .. أخيراً بان من تلك المصفحة سامر فأرخيت يدي و جسدي
    بالكامل .. لا أذكر ماحدث بعد ذلك .

    attachment

  9. #8


    attachment

    من بين الظلام ، فتحتُ عينيّ ثانية .. اليوم الثاني و رامي لم يعد بعد ، أعلن العدو بأنه صاحب الجثة التى رأيتها بذاك المقر ..
    سيسلمونها اليوم ليُشيّع .. جسدي المملوء بالجراح جعلني أبدو كالمقيد ؛ لكني اردتُ الذهاب فعلاً ...

    خرجتُ من المشفى بصحبة أخي الأكبر متوجهين نحو بيت رامي .. هذه المرة ، لم يكن عليّ إخفاء مشاعر الحزن بلثام ..
    بل كنت كصديق فقد صديقه على غير علم .. بدا ركب المشيعين يقترب من منزله بسرعة حاملاً تابوتاً تعتليه راية مزينة
    بأطواق الورد .. وكنت أنتظر كبقية المودعين لعدم مقدرتي على السير .. بذاك الزخم القادم ، تشعر بأنك في عالم آخر
    يمر سريعاً و تعيشه بمهل .. تتوحد الأفكار ليكون كل واحدٍ منهم ككفنٍ متحرك نحو ذويه .. لحظات صمت تتحدث بمحظها ..
    لامكان لغربة في هذا الركب ، فكل من يعرفه أو لا يعرفه حاضر ، تتشابك الأكتاف و الأيادي لتحمل الكفن الذي تراه وكأنه
    يتحرك بمحظه .. وعند الوصول لذويه نعلم بأنه "الموت" .. و أن من فقدناه عزيز .. غيوم السماء تحنو لتودعه ..
    والأشجار والطيور تبكيه .. بل الكون بأكمله يفتقد رحيله .

    أكثر الأمور التى لم أستطع توقعها كزميليّ أن يصيب الموت أكثرنا عزيمة .. وشدة وقع الأمر ان يكون قد أصبح أشلاءً ،
    فلا أم تستطيع تقبيل وجهه و لا رفاقٌ يمسحون عطره من على جبينه .. لكنها الأقدار بكل حال .. اختارته الأرض كما هو ،
    و أرادتنا الحياة لنبقي وتبهت ملامحنا أكثر ..
    برزت امرأتين من بين الحضور .. أم رامي وأخته ، تعلو ملامحهما الدهشة وعدم التصديق .. تبكيان دون الشعور بنفسيهما
    ، وعلى الجانب الآخر .. كان أخوه الأصغر يداري دمعاته بالقرب من والده ، حقاً .. أيّ حزن سيحتمل ذويه بفقده .. بل أيّ
    فراغ سيجتاح جميع من يعرفه الآن ..
    أردتُ الانسحاب غير أن انهيار أخته المفاجئ جعلني أتسمّر كما البقية .. أيّ مرءٍ يحتمل رؤية أحد أحبائه يحزن عليه هكذا.؟
    .. ظلت تردد " لم يودعني " إلى ان فقدت وعيها .. شعرتُ بأني فقدتُ جزءاً عظيماً من نفسي هناك .. ذاتي القديمة الآن قد
    رحل للأبد ، ليتني وإياه أعطبنا كاميرات المراقبة ونجونا أو متنا معاً .. فقد الاعزاء أكثر ايلاماً من الموت ذاته ..
    نظراته العميقة في ذلك اليوم أصبحت مصدر لومٍ و ألمٍ لي الآن .


    attachment


    لازمتُ المنزل من بعد أيام عزاء رامي لإصابتي .. معطّل عن العمل و الحديث وأيّ شيء آخر ، بدا أخي الأكبر متعاطفاً معي
    طيلة تلك المدة .. لم أضعف قبل من إصابة .. فقط ، خالجتني الرغبة بالبكاء أكثر من مرة ولم أستطع ، وارتدّ بذلك الألم
    مضاعفاً بجراحي .. لداعٍ ما شعرتُ بأني ملام على موته .. أو ربما كان ذلك لشعوري العميق بفقدي صديقي و ذاتي القديمة
    التى لن اراها بعد الآن . مضى الوقت بطيئاً ، تمائلتُ للشفاء من بعد تلك الفترة الكئيبة .. وبداتُ عملي .. عدنا ثلاثة من
    جديد .. فقدنا ذاك الجو المرحي الذي كان يبعثه وجود رامي معنا .. رغم ذلك ، كان علينا الرضا بأنه الواجب ، و أن ما يراه
    الآن خير ... لكل واحدٍ منا يومه بالنهاية .

    مضت الأشهر و تخرجتُ من الجامعة .. كنت قد سمعتُ عن " نسرين" أخت رامي التى رأيتها في يوم جنازته ، أن عينيها
    قد ابيضتا مؤخراً من كثرة البكاء على أخيها .. كثيراً ما رأيتها تتوجه لقبره و تبكي هناك .. بدت ضعيفة جداً ..
    تقدمتُ لخطبتها علّي أزيح عنها ذاك الهم قليلاً .. لا أدري مالذي دفعني حقاً لذلك ؛ بدوت كمن يشفق فحسب .. ربما لأني
    أحمّل نفسي جزءاً من مسؤولية موت رامي و أردت التخفيف عنها .. لكني حقاً ، لم أرد رؤيتها تبكي مجدداً ..

    كانت لطيفة جداً ، ابتسامتها العذبة تجعل الكون أجمل .. عندما تقف بالقرب من الاشجار لا تعطّل صفوها ، بل تبدو كمن
    يمتزج معها بلوحة أصبحت مطبوعة في ذهني .. حاولتُ التخفيف عنها كلما عاودتها ذكرى أخيها .. وشيئاً فشيئاً أصبحت
    تبتسم و تضحك .. في ذلك الحين ، أشتاق العودة لطباعي القديمة .. رغم صعوبة الأمر الآن ... مرّت الأيام ، وبدوت أكثر
    تفاؤلاً بخطبتي .. هذا ما دعى نسرين للابتهاج أكثر و أعطانا الأمل بعودة بصرها من جديد ، كنتُ أشجعها دوماً على إحساس
    الأشياء الجميلة فتتحمس لرؤيتها بعينيها .
    ذات يوم صحبتها لمنزلي .. و بعد مضي وقت صحبتها للحديقة و قطفت لها إحدى الورود .. كانت بلونٍ وردي كوجنتيها ،
    سألتها قاصداً الزهرة :- كيف تبدو ..
    تحسستها .. قالت :- أوشكت على التفتح الكامل .. هل قمت بإزالة الأشواك عنها ؟
    - أجل ..
    عادت تتحسسها من جديد ، قالت :- تبدو جميلة ..
    ثم أردفت سائلة :- ما لونها ..
    - تستطيعين معرفة ذلك من رائحتها ..
    قربتها من أنفها و أطرقت قليلاً ، ابتسمت ببراءة وقالت :- إنها وردية ..
    اعترتني رغبة بالابتسام ، قالت :- أرغب برؤية وجهك .. كيف تبدو .. ؟
    ثم أردفت مازحة " طويل كثيراً وضخم .. و حاجباك يغلقان عينيك " ثم ضحكت فضحكتُ أنا ، قالت :
    - أترتدي نظارات ؟
    - الآن لا ..
    اقتربت أكثر ، و مدت كلتا يديها ، قالت بخجل :- أرني وجهك ..
    شعرتُ بالحرج ، ستتحسس وجهي أيضاً حتى تستطيع تخيله .. انحنيتُ قليلاً و وضعتُ كفيها أعلى جبيني ، لداعٍ ما ..
    بدا صوت دقات قلبي أعلى من ذي قبل ، وربما لم يكن ذاك صوت قلبي وحدي ... وكأن الكون أصبح بحالة سكون ،
    لم أسمع سوى خفقات قلبي و قلبها ، و أنفاسها .. بدا عليها الحزن مجدداً ، قالت بتردد :
    - .. رأيتك و أخي معاً .. في نومي ..
    دُهشتُ قليلاً .. وضعتُ يدي على كتفها ، قلت :- سيكون كل شيءٍ بخير .. لا تقلقي ..
    تحدرت الدموع على خديها ، قالت :- جميعكم كاذبون ..
    صمتت قليلاً ، ثم قلت :- لن تستطيعي استعادة بصرك إن بقيتِ تبكين هكذا ..
    - لستُ بحاجة للمزيد من النصائح ..
    بدأت تسير بتخبّط فتبعتها ، وفجأة انزلقت قدمها فامسكت يدها .. كان حاجباها معقودين و ترتجف ، أخفضتً يدي ، قلت :
    - اهدئي ..
    تحدرت دمعة أخيرة من عينها .. قلت بعد أن مسحتها :- لا أرغب بالرحيل بقدر ما تحزنني رؤية دموعكِ .. لاتبكي مجدداً ..

    attachment

    عادت نسرين لهدوئها ، أوصلتها لمنزلها ثم عدت .. كانت الشمس قد أوشكت على المغيب .. أتراني كاذب حقاً .. أم لأني
    لا أملك حرية حياتي أتخبط هكذا .. لا أحب حتى لا أفقد .. لا أكره حتى لا أدمّر .. مالذي افعله بحق إله السماء .. إني أستغلها
    لبراءتها .. رغم ذلك ، لا أحب رؤيتها تبكي صدقاً ... كانت الليلة حالكة جداً ، وقابضة بالنسبة لي ..
    باليوم التالي ، بلغني أن نسرين قد عاد اليها بصرها .. قالت لي أمها بأنها بكت كثيراً في تلك الليلة ، فذهبتُ لزيارتها ،
    بدت أجمل بكثير ، غير احمرار جفنيها من شدة البكاء .. كانت تنظر لي بحنق تارة ، و بخجل تارة أخرى ..
    قالت : تبدو كما اختلتك تماماً ..
    ابتسمتُ وقلت :- أنتِ أجمل هكذا ..
    فارتسمت على شفتيها ابتسامة شقت وجنتيها المتوردتين ، سألت :- بكيتِ كثيراً ليلة الأمس ؟
    صمتت قليلاً ، ثم قالت بابتسامة :- كنت أعود نفسي على رحيلك أنت الآخر .. سأعتاد أيضاً على رحيل أخي و أختي
    و أبويّ بعد ذلك ..

    ... تباً لي .. أتراها أحبتني ! أم رأت فيّ صوة أخيها ، رغبتُ بقول " كفى " ، لكني وضعتُ يدي على يدها و شددت عليها
    قائلاً :- هي سنة الحياة بكل الأحوال ..
    نظرت لي وكأنها تحاول قراءة مابعينيّ فأسقطتُ جفنيّ ، أردتُ رفع يدي فشدت عليها ، قالت :- حلمتُ بأخي مجدداً
    ليلة الأمس .. استسمحني لانه لم يودعني .. لكنه كان عاتباً و حزين ..

    - .. ربما لانكِ تبكين كثيراً ..
    استطردت قائلة : ولِمَ لم يشعر بأنانيته عندما تركني ..؟ لِمَ لا تشعرون جميعكم بأنانيتكم عندما نبكيكم ..؟!
    دُهشت لوهلة ، قلت بهدوء :- ربما لأننا نطمح لمستقبل أفضل لمن نحب .. لانبالي ...
    - كيف سيكون المرء سعيداً إن فقد من يحب ..
    - إنه واجبنا بكل الأحوال .. جميعنا ميت بالنهاية ...
    نهضتُ و وضعتُ يدي على رأسها ، قلت :- كوني أقوى من ذلك .. لأجل أخيكِ ..
    فنهضت و قالت وهي تنظر لي برجاء يكذّب حزم لسانها :- إن كنت ستموت .. لا تودعني حتى لا أبكِ أكثر ..
    تلك الكلمات قبضت نفسي ، ضممتها بهدوء قائلاً :- لن أفعل ..
    فأصبحت تبكِ و تلكم صدري بألم ، قلت :- اعذريني .. معركتنا الحاسمة أوشكت على البدء .. إن كنت سأموت ،
    فاعتبريني ميتاً منذ يوم رحيل أخيكِ .. لايجب عليكِ البكاء اكثر ... إن كان بقاؤنا مخطوبين ثقيلاً عليكِ .. سأتكفل بالأمر ..


    ساد صمت ثقيل ، لا أرغب بالكذب أكثر من ذلك .. إني لم أعد أعي نفسي .. بكل الأحوال ، لم تكن لترضى بي إلا لأني
    صديق أخيها .. كم كنت غبياً .. كيف أعلق قلبي بحب أحد و الموت قريب .. لاشيء يغفر لي أخطائي الآن .. لا شيء .

    عدتُ للمنزل تجتاحني رغبة عارمة بالنوم و التخلص من كل شيء .. أصبحتُ متبلداً جداً .. بكل الأحوال .. سأغيب كثيراً
    بالأيام القادمة .. لاشك ذلك سيساعدها على اعتباري ميتاً .. مضت عدة أيام .. تلقيت اتصالاً من أم رامي يفيد بأن نسرين
    قد انهارت ، فخرجتُ لزيارتها ؛ لكنها عندما رأتني عادت تبكي من جديد وبشدة .. الذنب ذنبي من البداية .. كل شيء
    أصبح معقداً بالنسبة لي . أم رامي امراة طيبة جداً .. لطالما نصحتني بألا أذكر ابنها أمام نسرين كثيراً .. قالت لي قبل أن
    أخرج :- منذ آخر مرة زرتنا فيها و هي على هذا الحال .. بكت كثيراً .. أصبح التشابه بين اسمك و اسم أخيها كبير ..
    - .. تقبّل الواقع أمر صعب ..
    - ألا تستطيع أن تحرص على حياتك أكثر ؟ أنت كابننا تماماً ..
    نظرتُ إليها قليلاً ، قلت :- إن كانت رؤيتها لي تذكرها بالموت فالرحيل عليّ أهون .. كم من مرة عليها أن تفقد رامي
    و تبيّض عيناها لذلك .. اشكرك على كل حال ..

    - لكنك لا تشبهه ..
    تفاجأت لوهلة ، قلت :- بل رأيتُ نفسي فيه .. لو كنت أسرع في ذلك اليوم لنجونا معاً يا خالة .. لذلك ، لا يمكن لي أن
    أغفر لنفسي و أدعها تتألم أكثر ..

    - لكنها تتألم هكذا ..
    - ستكون أقوى من ذلك ..


    attachment


  10. #9


    attachment

    اقترب موعد التحرير ، ونحن على مشارف الشتاء .. أصبحت أفكاري مشوشة و متخبطة أكثر ، هذه المرحلة سيشتد القتال
    .. كنت أواجه ضغوطاً كثيرة ... لا أريد الرحيل ، وقد اضطر له .. عيون عائلتي و خطيبتي تحاصرني كلما حاولت المغامرة .

    حشدت المنظمة جميع جنودها .. بدأت حالة الاستنفار و الاستعداد للخلاص .. رأيت بتلك المرحلة نهاية حزني إن مت ..
    وبداية فراغ خانق لي ان بقيت حياً .. كمثل أيّ جندي .. شيئاً فشيئاً ، بدت وتيرة المعارك تشتد .. كنا نخرج من معركة
    لنشارك بأخرى .. بعيداً عن عائلتي التى كانت تودعني كل يوم ، لم أسمع أخباراً عن نسرين .. أتراها غفرت لي ؟ أم أنها
    قد نسيت أمري .. ليتها تكون الثانية فلا تبكي مرة أخرى .. برغم كوني اشتقتُ كثيراً لها .. سأبذل ما بوسعي لتتغير
    الأحوال نحو الأفضل .. لن يكون على كل جندي أن يودّع اهله كما نفعل الآن .. أو رؤية من نحب يبكي كثيراً ..


    أثناء تلك المعارك .. لفت انتباهي أحد المنظمين في صفوف العدو ، يمتلك نفس أسلوبي ، حتى في لحن الطلقات ..
    أتراهم درسوا ردات فعلي جيداً فدربوا جنودهم على ذلك .. ؟ كان أمره محيراً بالنسبة لي .. لستُ الوحيد الذي لاحظ هذا ..
    سامر و مراد أيضاً .. تبادرت لذهني أفكار جنونية .. خلتُ حقاً بأن رامي لم يمت بل إنه الجندي الملثّم ذاته .. الأسلوب
    نفسه .. كذلك طريقة التفكير و غيرها .. عندما يكون برفقة جنود آخرين يصعب علينا هزيمتهم ، حاولتُ تتبعه مراراً
    عليّ أجد دليلاً واحداً ، لكن فرصة التأكد ضعيفة .. اتقفت ورفاقي على خطة نستطيع من خلالها تطويقه دون قتله ، وكذلك
    بدأنا التنفيذ .. استطعنا اقتياده لمكان بعيد و خالٍ .. كلما رأيته اكثر ، زاد اقتناعي بأنه هو نفسه رامي .. باغثناه وأحكمنا
    حصاره ، تدبر سامر و مراد بقوات دعم العدو التى استدعاها و قمت أنا بمواجهته .. استنزفت قواه و قواي .. أخيراً ..
    احكمتُ قبضتي عليه لأرفع لثامه .. تلك كانت أشبه بالصاعقة لي .. نفس الوجه و الملامح ، نظر إليّ بعينيه المتسعتين
    فلم أستطع إخفاء دهشتي .. قلت مطرقاً :- رامي ؟!
    لم يجب ، بل تمتم ببعض الكلمات من لغة العدو قصَدَها " تباً لك " عجباً .. الصوت ذاته لم أستطع نسيانه ، حضر سامر
    ومراد .. اعتلتهما الدهشة هما الآخرين .. قال بلغته و هو يقاوم كي يستطيع الانسحاب " حمقى " أوثقتُ قيوده ليتم ارساله
    للمنظمة .. قد يكون تعرض للأسر و افقدوه ذاكرته .. تلك الجثة التى قمنا بتشييعها كانت لاحد جنود العدو إذاً .. شعرتُ
    بسرور و راحة كبيرين .. كذلك كل من سيعلم بالأمر .. عائلة رامي بالذات .. يجب أن يستعيد ذاكرته بسرعة .

    attachment


    من بين كل معركة و أخرى .. كنت أعود للمنزل ، أرى عائلتي بالوضع ذاته .. ذهبتُ لزيارة نسرين قبل العودة ، هي أصبحت
    تعمل كمسعفة تطوعاً نظراً لحالة الاستنفار السائدة ، هذه المرة .. كنت منشرحاً كمن يبشّر بالنصر .. غير أن ذلك ، لم يكن
    ليسعد مخطوبتي .. مازلتُ ميتاً بنظرها .. عدتُ ادراجي ، ودخلتُ غرفتي مُحبطاً لأنام قليلاً فأتتني أمي .. قالت و معالم الحزن
    تبدو على وجهها :- بنيّ .. ذكرني قبل خروجك حتى أراك ..
    انتابني الحزن ، قلت بتثاقل علّها تتناسى أمر الموت قليلاً :- حسناً ..
    ثمة علاقة ما بين اسمي و الموت .. ربما خُلقتُ لأكون كذلك .. طرفاً مساعداً ينتهي دوره بالموت ! .. خرجت لصلاة الفجر ،
    و بعد ذلك بوقت قصير تلقيتُ اتصالاً مفاجئاً يفيد بتحركات جديدة للعدو .. جهزّتُ نفسي ، وجدتُ أبويّ نائمين .. هم لم يناما
    منذ مدة فخرجتُ مباشرة ، كل شيء سيكون بخير حتماً .. لن أستطيع توديع أيّاً منهم ولا داعي لذلك .
    كان القتال شديداً بشدة وقع المطر حينها وعدد الإصابات كبير .. جليّ بانهم كانوا غاضبين لأننا استعدنا رامي .. سرعان ما
    اندمجتُ بالقتال برفقة زميليّ .. إلا أن جيش العدو قام بهجوم آخر قاصداً تشتيتنا .. توجهتُ صوب ذلك المكان مع مجموعة
    من الجنود تاركاً سامر و مراد بالحدث .. هناك أيضاً ، باشرت سيارات الإسعاف نقل الجرحى ... قوات العدو .. لا تميّز بين
    مسلّح و أعزل .. انتهكت جميع القوانين و المقدسات .. لذا ، لم يكن غريباً عليها أن تستهدف الآن الجرحى و المُسعفين ..
    رقم تلك المسعفة هو ذاته الرقم الذي حدثتني عنه مخطوبتي .. كان المسعفين قد أوشكوا على نقل جميع الجرحى
    الموجودين هناك .. توجهتُ بمفردي نحو تلك النقطة لرؤيتي أحد جنود العدو يتسلل الى هناك عنوة ..
    حاولتُ التصويب عليه
    و مباغثته بذاك الزخم دون ان تراني نسرين ، لكن ما فاجأني حينها أن هناك مجموعة جنود اخرى متقدمة قد اطلقت نيرانها
    الرشاشة صوبها وهي متوجهة نحو السيارة ، بتلك اللحظات ... يتحرك جانبك اللاواعي رغماً عنك فيراك غيرك قد أصبت
    بالجنون .. اندفعتُ بسرعة لانقذ مخطوبتي من موت محقق .. أمسكت بها و انبطحتُ ، وبعد مطر من الرصاص رفعت سلاحي
    بتثاقل و أطقت النار .. ساد الهدوء لوهلة .. وسرعان ما أتت مجموعة من رفاقي لدعمي ، اما أنا فكنت قد أصبتُ بعدد
    لا بأس به من الأعيرة النارية .. وبمحاذاتي كانت نسرين مذعورة ، أرخيتُ ذراعي و قلتُ بتثاقل :- أنتِ بخير ؟
    فهزت رأسها تلقائياً ومازالت حدقتّي عينيها متسعتين تملؤهما الدموع .. ابتسمتُ بصعوبة ، رددتُ " لا تبكي " .. وكأن
    الموت بالارجاء .. كنا قد اتفقنا على ألا أودعها .. لكن الله شاء لنا أن نلتقي بوداع أخير ربما .. وكأن كل شيء فعلناه قد
    ضاع سدى .. غير أني ، كنت قد اشتقت لها حقاً .. تأبى عينيّ قول غير ذلك .. شعرتُ بثقل كبير ولم أستطع التنفس أو
    التنحي قليلاً عنها من قبل أن يرتخي جسدي . أمطرت السماء بغزارة .

    بدا لي و كأني أحلم .. شيئاً فشيئاً .. رأيت الكون يهتز .. أصوات كثيرة .. ذلك الوجه المملوء بالدموع ، و مسعفين آخرين ..
    لحظات كانت ... من قبل ان يستل تلك المناظر من عينيّ ظلام دامس .



    attachment


  11. #10


    attachment

    ... أربعة جدران و أجهزة .. كنت مستلقٍ على السرير ، أنظر لذاك المُثقل بالضماد " المستلق على السرير " يصعب التنفس
    ... تلك الأربطة .. و ذاك الالم .. الوجه الذي أبكيته كثيراً يغط في نوم عميق بقربي ..
    " ظننتُ بأني .. لن أعود لأشعر بشيء .. لا رغبة لي بالحياة من جديد .. "
    وكأن نفسي تحدّث شخصاً ما ، يجلس قرابتي .. امرأة .. أو ربما طيف من فراغ ... تلك الملامح ، يصعب عليّ رؤيتها ..
    و لربما إن كنتُ فعلت ، سأموت للمرة الأخيرة .. ردني صوت هادئ :- لِمَ الحزن و الوجود جميل ؟
    - ليس لنا من الحزن بالحياة مفر ..
    ضاحكاً بسخرية " تساوى لدي الحزن و الطرب .. "
    - كيف و مازالت لحظات جميلة بانتظارك ..
    - أحببت كوني طرفاً مساعداً .. لكن مهمتي الآن انتهت .. كيف للظل أن يصبح شخصاً يوماً ما ... بغياب أخي الكبير ..
    حللتُ محله كي لايشعر والديّ بالفراغ .. حاولتُ تعويض خسارة صديق لكني فشلت و أبكيتُ ذويه أكثر .. ربما ابتسم
    لي القدر و عادت له ذاكرته الآن ليحيا من جديد بين أسرته .. أما أنا .. لايمكن لي أن أعوّض خسارة أحدٍ حتى نفسي ..

    - كل امرء له دور بالحياة و حيز بمشاعر الآخرين .. لم تكن أخاً أكبر ولا ابناً بديلاً لعائلة صديقك .. يمكنك رؤيتهم الآن كيف
    يبكوك لأنك أنت .. سترى بقايا دموعهم عندما تعود لوعيك .. وستشعر باليدين اللتين تمسكان بيدك الآن .. هيا انهض ..


    شيئاً فشيئاً بدأ ذاك الطيف بالاختفاء ... إنه ضوء النهار من جديد .. لقد نجوت من الموت ، نظرتُ لمخطوبتي التى كانت
    تجلس بمحاذة السرير ممسكة بيدي .. إنها تغط في نوم عميق .. رفعتُ يدي بصعوبة قاصداً مسح أثر الدموع عن وجهها
    فاستيقظت ، بدت عليها علامات الدهشة .. قلت :- دموعك ..
    بدأت تبكي من جديد ، قلت مرة أخرى :- دموعك ...
    رفعتُ يدي بتثاقل مرة أخرى ، أصبحت جراحي التى بيدي وصدري تؤلمني أكثر .. فأمسكَت يدي وضمتها لوجهها ، رددت :
    - حمداً لله
    قلت بابتسامة ممتزجة بالألم :- أنتِ بخير ..
    فابتسمت وهي تبكي بكاءً هستيرياً ، قالت :- قلقتُ عليك كثيراً .. أيّ مجنون أنت ..
    - خفتُ ان أفقدك ... اشتقتُ لكِ ..
    بدوتُ كمن يعاني هلوسة الحمى .. وجهها الباكي كان آخر ما رأيته .
    فتحتُ عينيّ من جديد .. كانت الشمس قد أسدلت خيوطها الذهبية لتعلن رحيل النهار ، أصبحتُ مدركاً لما حدث ..
    ترى ماهي آخر الأخبار .. هل انتصرنا ؟ ماذا حلّ برفاقي ... أشعر بعجز كبير ..
    دخلت نسرين الغرفة ، نظرت لي بتمعن ، قالت بابتسامة :- كيف تشعر الآن ..
    قلت :- أنا بخير ..
    اقتربت و جلست بمحاذاتي قلت :- كيف أحوال البلاد الآن ..
    نظرت لي ، قالت :- أصبحنا قريبين من النصر ... أتحزن لانك لن تشارك بالمعركة الأخيرة ..
    - بعض الشيء ..
    أخفضت رأسها وشدت على يدي ، قالت :- قد أكون ممتنة لانك أصبت هكذا لسبب واحد فقط .. أنت الآن أمام ناظري ..
    أستطيع رؤيتك بأيّ وقت .. لاخطر يشغلك ولا موت يأخذك بعيداً عني ..

    شدّت أكثر وقالت :- حمداً لله على كل حال ..
    قبضتُ أصابعي على يدها فنظرت إليّ بخوف ، ابتسمتُ وقلت :- لابأس ... أنا أيضاً .. سعيد لمكوثي هنا بقربك ..
    ابتسَمَت .. ، قلت :- أتصدقين إن علمتِ بأن أخوكِ مازال حياً ...
    تفاجات لوهلة ، ابتسمت بألم وقالت :- أتمزح ...
    - لا ... هو كذلك ..
    - أحقاً !!!
    - أجل ..
    - كيف ذلك ؟
    - مازلنا ننتظر الاجابة منه ، كان منظماً بجنود العدو .. هو فاقد للذاكرة الآن ...
    تهللت أساريرها و مضت طيلة اليوم مبتسمة ، ما اقترح قلبي هو بكاء أمي وكأني عزيز حقاً ..
    أوربما لأنها لم ترد نهاية حزينة بنظرها لتلك العينين البائستين .. أيّاً كان ، لقد عدت .

    attachment

    مضت أيام ، و تم الخلاص .. أردتُ استقبال اطلالة حرية البلاد بجسد معافى غير أن جراحى لم تشفى بعد ، عدتُ للمنزل ،
    لم يكن رامي أيضاً قد شارك بالمعارك ، إلا أن ذاكرته قد عادت له ، وددتُ لو أني كنت من يصحبه لمنزله حتى أعلم بكل
    التفاصيل التى حدثت ، كان قائدي هو أول من أتى لزيارتي .. لم يرد قول شيء عن المعارك التى لم أشارك فيها ،
    لكن الاصابة بيده أعطتني انطباعاً أنها كانت عسيرة جداً ، بعدها اجتمع أعضاء سريتي الثلاثة بغرفتي .. هاقد عدنا
    من جديد أربعة ، رامي كان قد انتحل شخصية احد الجنود كما اعتقدت ، لكنهم اكتشفوه بعدها و تم اعتقاله .. لاشك أنه قد
    واجه كثيراً من الصعوبات كالتي واجهتها قبلاً بالمعتقل .. لكن الجميل ، أنه مازال محافظاً على مرحه و طباعه .. الآن علمت
    بأنه لم يكن يشبهني بشيء .. سامر كانت المعارك الأخيرة قد قربته من عائلته أكثر .. أما مراد ، ذلك الشاب الحكيم
    و أكبرنا أصبح الذراع الأيمن للقائد أمضينا وقتاً ممتعاً دون الشعور بالوقت ، غادر سامر و مراد ، وبقيتُ وحيداً مع رامي
    الذي أوشك على المغادرة .. نهض وصافحني ، قال مطرقاً :- أشكرك على اعتنائك بأختي ..
    ابتسمت وقلت :- لم أفعل مايستحق الشكر .. لم أكن أهلاً في كثير من الظروف ..
    شددتُ على يده :- كن بخير دائماً يا رفيق ..
    فعانقني قائلاً :- و أنت أيضاً .. اهتم بأختي ..
    باليوم التالي ، حضرت لزيارتنا سلوى .. أو أم " ريما " إن صح القول ، خرجت لسقاية المزروعات كما العادة بأيام
    الإجازة ، و عندما اقتربتُ من شجرة الأزهار التى أعجبت سلوى ذات يوم ، حضرت ريما ذات العامين ، كانت تشبه أمها
    كثيراً ، حتى بانتقاء الزهرة ذاتها ، قالت لي بتلهف وهي تشد قميصي :- عمو .. أريد الزهرة ..
    مشيرة لاحدى زهرات نفس الشجرة ، قطفتها و أعطيتها اياها ، فسّرت كثيراً وقالت بابتسامة بريئة :- سأعطيها لأمي ..
    وذهبت تجرى بطريقة مضحكة فابتسمت .
    مضى عام ، تحسنت أوضاع البلاد كثيراً .. أخيراً ساد الأمن أرجاء الوطن ، رغم افتقادي دوري كجندي كنت سعيداً حقاً
    بأن آلام الناس من الاحتلال قد انتهت .. غير الذكريات التى ستبقى محفورة في قلوبنا ، و أسماء جميع الذين ضحوا من
    أجل الوطن .. ستبقى الندبات في جسدي تذكرني بكل شيء ..
    " صوت الهاتف " - مرحباً ..
    - هل ستاتي اليوم عزيزي ..
    - أجل ..
    - لاتتأخر ..
    - حسناً .. اعتني بنفسك
    - و أنت أيضاً

    attachment


  12. #11


    attachment

    هنا أصل لنهاية الموضوع , آملاً من الله أن تكون قد نالت القصة على إعجابكم ^^
    كنت قد كتبت مسبقاً خاطرة تحكي القصة , قد تلاحظون الاختلاف الطفيف ببعض الأحداث
    لاسيما وأنها كانت بالرؤية الاولى لها , بالإضافة لأني كنت قد اقتبستُ منها بالقصة السابقة
    التى قمت بوضعها مسبقاً biggrin >> مقتصد شاطر xD
    هذه القصة السابقة للاضطلاع :
    لم تستطع كلماتي التعبير عن حبي لك فأملتُ أن يكون اللقاء أبدي تحت ظلال البرتقال الحزين

    الخاطرة للاضطلاع أيضاً :
    .:[ و غابت .. تحت ظِلّ الشمسِ تلاشَت .. في الذِكرى ...


    حقوق النشر محفوظة ولا اسمح بنقلها دون أخذ الإذن ..


    في آمان الله , و كل عام و أنتم بالف خير ^_^

    attachment

    اخر تعديل كان بواسطة » The Lord of Dark في يوم » 22-12-2019 عند الساعة » 00:53




    اللهم كُن مع الأسرى وثبّتهم وفرّج كربتهم يا أرحم الراحمين،
    وارحم شهداءنا وأدخلهم فسيح جناتك، وداوي جرحانا وأثبهم وامنن علينا بنصرك ياكريم.



  13. #12
    سبحان الله ~ vF7v7e
    الصورة الرمزية الخاصة بـ ALeXSaNDaR











    مقالات المدونة
    1

    عضو متميّز في فريق الدروس عضو متميّز في فريق الدروس
    مسابقة دوري المتميزين مسابقة دوري المتميزين
    وسام ميجا دوكيومنتري وسام ميجا دوكيومنتري
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    أهلا لورد classic

    تم قرآءة القصة مع الإستماع إلى المقطع الصوتي ....~

    مـرت في حياتك الكثير من الآلام bored

    لقد عشت طعم المعاناه اللي عانيتها sleeping

    ولو تعددت الكلمات لم ولن أستطيع الرد على القصة برد يوفي حق كاتبه ><

    لم تعطه ملامح البرودة في وجهي شيئاً مما أراد ، تغاضيتُ عن ذلك ، وسرت بدلاً من تحطيم وجهه وتذكر أشياء يجب عليّ نسيانها ... عبثاً .
    أحسنت , لا أدري إن كنت مكانك ماذا كنت سأفعل به sleeping

    أعجبني الطريقة التي ختمت بها القصة rolleyes

    أسأل الله أن يفرج همك ويوسع صدرك ويحفظ أهلك ويحرر بلدك اللي هو بلدي الثاني classic

    واعذرني لورد على ردي القصير لورد bored

    في آمان الله , و كل عام و أنتم بالف خير ^_^
    وانت بخير وصحة وسلامة يارب asian

    تحياتي لك عزيزي
    اخر تعديل كان بواسطة » ALeXSaNDaR في يوم » 10-09-2010 عند الساعة » 05:17

  14. #13

    جاري القراءة cheeky
    Twitter

    work hard in silence let your success be your all noise ,i


  15. #14

  16. #15
    جاري القراءة..^^
    25f82bbf62c369186cbdf0d21eba19a4

    "I watched the stupidity of mankind through the scope of my rifle."

  17. #16
    إقتباس الرسالة الأصلية كتبت بواسطة Mystic Rukia مشاهدة المشاركة

    جاري القراءة cheeky
    me too Lord
    attachment


    "اللهم اغفر لوالدي وارحمه انك انت الغفور الرحيم " اللهم انزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور وجازه بالاحسان احسانا" وبالسيئات عفوا وغفرانا♡

  18. #17
    حجز..biggrin
    لَـآ إله إلآ أنتْ سُبحَــآنك إِني كُنت من الظَآلمِين ~
    https://nonita322.sarahah.com/

  19. #18

  20. #19

    تابع مطر لـآ ينتهي /



    بسم الله الرحمن الرحيم ،
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،
    عيدك مبآرك أخوي وعسآك من آلعآيدين إن شاء الله ^^ ،

    هممم لـآ أجد آلكلمآت آلمنآسبة لوصف إبدآعك !
    ولـآ أستطيع أن أحصره ببضع كلمـآت !
    سلمت أنآملك آلذهبية !
    لـآ تستغرب ولكن هذه آلقصة أصبحت أفضل قصة قرأتهآ في حيآتي ،
    أعجبني فيهآ كونهآ عربية وتتحدث عن آلوطن وآلعرب ،
    مشوقة جداً ، إن أزحت نظري أعود بسرعة للقرآءة !
    بآلرغم من وجع رأسي وعينآي ولكنني أستمريت فآلقرآءة tongue /
    أجدت أختيآر آلكلمآت وآلتعبير /
    أحببت آلشخصيآت وكيفية تعبيرك عنهآ ،
    أكثر مآ أعجبي قوله :
    أعتذر عن قذارتي ..
    من يستطع قول مثل هذآ !!
    ولـآ آستطيع آلتعبير أكثر /
    فلن أجد مآ ينآسب إبدآعك فكل مآ سأقوله سيكون قليلاً بحقك ،
    فليحفظك الله !

    في أمان الرحمن ~
    اخر تعديل كان بواسطة » L A N A في يوم » 10-09-2010 عند الساعة » 01:32

    *


    a m a T V S H O W E R


    *


  21. #20

الصفحة رقم 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة

بيانات عن الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

عدد زوار الموضوع الآن 1 . (0 عضو و 1 ضيف)

المفضلات

collapse_40b قوانين المشاركة

  • غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
  • غير مصرّح بالرد على المواضيع
  • غير مصرّح لك بإرفاق ملفات
  • غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك
  •  

مكسات على ايفون  مكسات على اندرويد  Rss  Facebook  Twitter