من المناسب بين الحين والآخر العودة بالزمن والتفرد بسير من قبلنا في رحلة تقودنا إلى التاريخ بين العصور وعبر الحضارات
خصوصاً لو كان يسير بنا إلى أيام النبوة العظيمة التي تنقلها لنا الأدلة الكريمة والأحاديث الشريفة والقصص العطرة
وغيرها الكثير عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه وبيته وأصحابه رضوان الله عليهم .. هناك سيكون حديثي في المدينة النبوية المنورة في أرض المسجد النبوي الشريف حيث كان يسكن رسول الله صلى عليه وسلم وزوجاته
ولعل أول بيت أزوره وأطرق بابه وأتوقف عنده لوهلة لأول امرأة بكر تزوج بها ، نعم !
إنها الصحابية الجليلة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها
//
آذى النقيّة بنت أخ للمصطفى ,, فـليخسَـأنّ فسعيه كسراب
هاتيك أم المؤمنيـن ,, وفضلها يُروى لنا في سورة الأحزاب
//
نسبها :
عائشة بنت أبي بكر عبدالله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة رضي الله عنها ويلحظ هنا التقاء نسبها بنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
معلومة : كان في الجاهلية اسم أبيها أبي بكر عبد الكعبة ثم بعد دخوله إلى الإسلام سماه المصطفى عليه الصلاة والسلام بعبدالله
أما والدتها فاسمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينه بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانه بن الأزد ..
وكان رسول الله يكني عائشة بأم عبدالله نسبه لعبدالله بن الزبير رضي الله عنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وكذلك تلقب بأم المؤمنين كغيرها من سائر زوجات النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في قوله تعالى في القرآن العظيم : [النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم] ومن المعلوم أن صلة الدين والاعتقاد أقوى من صله النسب
أما وصفها ففي رواية ذكرت عنها رضي الله عنها أنها قالت : ’’ دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد فقال لي : يا حميراء ، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ ، فقلت : نعم
’’ والحميراء تصغير للحمراء مقصده البياض حيث قال الذهبي رحمه الله " والحمراء في خطاب أهل الحجاز : هي البياض بشقرة ، وهذا نادر فيهم"
ولادتها :
ولدت عائشة رضي الله عنها في مكة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع سنين تقريباً وكانت تصغر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها بثماني سنوات ..
إلا أن عائشة رضي الله عنها قالت في أحد أحاديثها : ’’ لم أعقل أبويّ قط ، إلا وهما يدينان الدين ’’
كما جاء أيضاً عن رواية إبن إسحاق حين سرده لأسماء من أسلم الصحابة قديماً وكان أحدها عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة ، فإذاً هي ممن ولدت على مهد الإسلام وفتحت عينيه عليه حيث نشأت شطراً في بيت الصديق عند أبويها بحوالي 9 سنوات وشطراً في بيت النبوة عند المصطفى صلى الله عليه وسلم بحوالي 9 سنوات وترعرعت ..
وقبل زواجها من النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنها كانت مخطوبة لجبير بن مطعم بن عدي حتى تحلل من وعده
وبعدها تم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وهي بعمر ست سنين وبنى عليها وعمرها تسع سنين في حديثها رضي الله عنها قالت :
’’ تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحرث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري ، فوفى جميمة
فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي ، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار
وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت
فقلت الخير والبركة وعلى خير طائر ، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني ، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمنني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين ’’ انتهى
وفي حديث آخر قالت : ’’ تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه جبريل بصورتي وإني لجاري علي حوف فلما تزوجني ألقى الله علي حياء وأنا صغيرة " انتهى , والحوف هنا هو سيور في الوسط
كما روت أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها : "رأيتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقه من حرير ويقول : هذه إمرأتك ، فأكشف فإذا هي أنت فأقول : إن يك هذا من عند الله يمضه "
حتى عاشا معاً ثمانية أعوام وخمسة أشهر
وبالتأمل فيما ذكر نلحظ أن عائشة رضي الله عنها تسرد لنا قصه من قصص حياتها التي مرت بها في مرحله صغرها
حيث كان لها عده صويحبات وتلعب معهم بالأرجوحة بصورة توضح لنا جمال طبيعة تلك البيئة التي تحياها مع حيائها
حتى لحظة تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت أسماء بنت عميس رضي الله عنها هي التي هيأت عائشة للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قالت :
" كنت صاحبه عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة قالت : فوالله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحاً من لبن ، فشرب منه ثم ناوله إلى عائشة فاستحيت الجارية
فقلنا : لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي منه ، فأخذت على حياء فشربت منه ثم قال : ناولي صواحبك ، فقلنا : لا نشتهيه ، فقال : لا تجمعن جوعاً وكذباً
فقلت : يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه ، لا أشتهيه يعد ذلك كذبًا ؟
قال : " إن الكذب يكتب حتى الكذيبة كذيبة " انتهى
ويحسن بي بعد هذا أن أذكر لكم بأن والداها رضي الله عنهما عندما تزوجا أنجبت أم رومان عبدالرحمن وعائشة
ويذكر قبل هذا بالنسبة إلى والدها أبا بكر رضي الله عنه أنه تزوج قتيله بنت عبد العزى وأنجبت منه عبدالله وآسماء
ثم تزوج بأم رومان أم عائشة رضي الله عنها , ثم تزوج بحبيبة بنت خارجة بن زيد وأنجب منه أم كلثوم
ثم تزوج بأسماء بنت عميس وأنجبت منه محمد
ويذكر أيضاً قبل هذا بالنسبة إلى والدتها أم رومان أنها تزوجت بالحارث بن سخيرة الأزدي حتى توفي وقد أنجبت منه الطفيل ثم تزوجت بأبي بكر رضي الله عنه
ومن دارها في عش أبويها مع أبو بكر وأم رومان رضي الله عنهما ننتقل إلى دارها في عش الزوجية مع حبيب الله صلى الله عليه وسلم
ودارها ذاك يمتاز بخصائص عظيمة تفردت به عن سائر زوجات النبي عليه الصلاة والسلام بأمر إلهي رباني
يدل على حبه لها وشرف منزلتها في هذه الأمة المؤمنة , فكانوا الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة
قالت عائشة رضي الله عنها : " فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن : يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة
فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار.
قالت : فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت : فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني
فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال : "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله مانزل علي الوحي وأنا في لحاف إمرأة منكن غيرها "انتهى
وقد روَت أيضاً رضي الله عنها العديد من الأحاديث من صور حسن معاشرة النبي عليه الصلاة والسلام أحب أن أجملها في عده مواقف عده ففي لعبها قالت رضي الله عنها :
’’ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب
فقال : ما هذا يا عائشة ؟ ، قالت : بناتي ، ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع
فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ ، قالت : فرس ، قال : وما هذا الذي عليه ؟ ، قالت : جناحان
قال : فرس له جناحان ! ، قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ، قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه ’’ انتهى
حتى في الأكل والشرب قالت :
’’ كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب وأتعرق العرق وأنا حائض ثم النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في ’’ انتهى
غيرتها :
حتى غيرتها فزوجات النبي عليه الصلاة والسلام انقسموا إلى حزبين اثنين
حزب فيه عائشة وحفصة وسودة وصفية و الحزب الآخر فيه أم سلمة وسائر زوجات المصطفى صلى الله عليه وسلم
وقد رويت عن حالها بعد زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة رضي الله عنها قالت : "لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها قالت : فتلطفت لها حتى رأيتها ، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال
قالت : فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يداً واحده ، فقالت : لا والله إن هذه إلا الغيرة ، ماهي كما يقولون
فتلطفت لها حفصة حتى رأتها فقالت : قد رأيتها ولا والله ماهي كما تقولين ولا قريب ، وإنها لجميلة
قالت : فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة ولكني كنت غيري " انتهى
كما كانت أيضاً تعترف بغيرتها على خديجة رضي الله عنها ولعل الله أراد أن يحميها من الغيرة من عده نسوة يشاركنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من ألطاف الله بها
وأيضاً حب النبي صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها وبلغ ما بلغ حتى أنه كان يعرف أحوالها في الرضا والغضب قال لها يوماً : "إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى"
قالت : فقلت : ومن أين تعرف ذلك ، قال : أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم
قالت عائشة : قلت : أجل والله يارسول الله ما أهجر إلا اسمك ..
المفضلات